كانت الساعة تقترب من الثامنة مساء، عندما وصل أحمد إلى عمله بإحدى شركات الاتصالات، وجلس إلى مكتبه حيث يقضى الليل كله فى صيانة الأجهزة ومتابعة عملها. كعادته بدأ أحمد بقراءة الأخبار على الإنترنت ومراجعة أسعار الأسهم فى الشركات التى يستثمر فيها، وكانت الكارثة عندما وجد سعر السهم تراجع من 18جنيها إلى 10جنيهات، ولكنه بعد لحظات فهم تلقائيا أن «البورصة وقعت». أول مرة اهتم أحمد بأسواق البورصة كان فى أواخر عام 2006، «أصحابى حاطين فلوسهم فى البورصة» وكانت الحكايات التى يستمع إليها هى عامل الجذب الأكبر لأنها أقنعته بالمغامرة. يقول أحمد إنه بدأ يتابع الأسهم التى يتكلم عنها أصدقاؤه وكانت النتيجة خلال أسبوعين تحقق 50% تقريبا من توقعاتهم، لأنه حتى الخسارة ممكن تعوض بسهولة. مشكلة أحمد كانت فى المتابعة اليومية، وفى ظل عمله فى شركتين كمهندس لصيانة أجهزة الكمبيوتر، وجد أن الطريق الأسهل لتعويض الذهاب بنفسه أن يتابع حركة الأسهم من خلال الانترنت، «صحيح بتابع يوميا لكن مش دقيقة بدقيقة» لأن المبلغ فى نظره «مايستحقش». اتخذ أحمد قرار الشراء على أحد أسهم شركة للمنتجعات السياحية لأن النصيحة التى سمعها «إنها أسهم هادية، ما فيهاش مضاربات»، اشترى بمبلغ 11 ألف جنيه، وخلال أسبوع من شراء سعر السهم نزل جنيها، «أنا قلت خسارة أبيع واتمسكت بيه»، طبقا لما فهمه أحمد من أصدقائه أن «دا مبلغ خسارة مش كبير علشان يبيع»، ولكنه سريعا ما ندم على هذا القرار لأن سعر السهم على حد قوله وصل 7 جنيهات خلال ثلاثة أشهر، بعدها اتخذ قرارا سريعا بالبيع، «علشان يئست منه». القاعدة الأولى للمستثمر فى البورصة هى «إن الواحد يحط لنفسه سعر فى الأول للبيع وآخر للشراء» لكن ما يحدث عكس ذلك، فى رأى محمد رضوان مدير مبيعات بشركة فاروس للاستثمارات المالية، لأن المستثمرين الصغار أو المبتدئين فى البورصة غالبا ما يدخلون بناء على نصائح الأصدقاء ومشاهدة تجارب المحيطين. وهذا خطأ شائع يمكن إصلاحه عن طريق العمل بالبورصة بطريقة يطلق عليها رضوان «السوق غير المرئية» وتعنى أن يحضر الشخص ورقة ويتخيل أنه اشترى مجموعة أسهم فى شركة معينة، ويبدأ يتابع ويسجل يوميا تطورات الأسهم صعودا وهبوطا، ويسجل فى كل مرة مكسبه وخسارته طبقا للمبلغ الافتراضى الذى وضعه فى عملية التدريب. وبعد مرور شهر على تجربته غير المرئية فى البورصة يتحرك لشراء أسهم فى الشركات التى قام بمتابعتها ولاحظ ارتفاع أسهمها بشكل ملحوظ. أحمد تراجع عن مغامرة الشراء مرة أخرى وترك رأس المال فى الشركة وبدأ يستمع لنصائح أصدقاء آخرين، وصفهم بأنهم أقرب إلى السوق «كل يوم على القهوة أقعد أسمع تجارب ناس كتير»، وكان الاختلاف فى هؤلاء أن معظمهم لديه شبكة علاقات واسعة جعلتهم مختلفين «ييجى واحد يقول اشتروا السهم دا هيغلى»، والكل يشترى وبعدها يرتفع السعر، ويرسل الشخص رسالة خلال يومين أو ثلاثة أيام وربما أسبوع يقول «كلنا نبيع دلوقتى»، ويتحقق المكسب وبعدها ينخفض سعر السهم مرة أخرى. وهنا عاد أحمد للمتابعة مرة أخرى قبل المغامرة الجديدة بالشراء، ووجد أن مضاربتهم على الأسهم حقيقية، «اتشجعت تانى بعد تجربة كلامهم على أكثر من 5 شركات»، اشترى أحمد معهم فى أسهم إحدى شركات قطاع الكيماويات يقول: كان لديهم توقعات إن سعر السهم سيرتفع، كان سعره عند الشراء 18 جنيها وخلال عشرة أيام وصل 22 جنيها. ومع ارتفاع سعر السهم نصحه أصدقاء السوق بالبيع «ودى كانت أول مرة أكسب من البورصة»، وتكرر مكسب أحمد فى أسهم بقطاع النسيج، وكان مكسبه بعد مرور عام 4 آلاف جنيه، «بعدها اتحمست جدا ودخلت بمبلغ 15ألف جنيه فى شركة سمسرة أخرى»، اختيار شركة أخرى فى رأيه لأنها كانت أقرب إلى مكان عمله متمنيا أن يذهب بنفسه لمتابعة الشاشة. بعد ذلك «وقعت الكارثة»، على حد وصف أحمد عندما استيقظت صباح يوم من شهر سبتمبر عام 2008 على وقوع البورصة بسبب الأزمة المالية العالمية «الأسهم نزلت، واحد بقى بسبعة جنيه، والتانى بثمانية» ومن وقتها فقد أحمد الأمل فى المبالغ التى وضعها فى البورصة. المستثمر الناجح فى رأى الخبير محمد رضوان هو «اللى بيدخل فترة يشترى والسوق نازل ويبيع أول ما السهم يزيد»، وبعدها يبتعد تماما عن السوق فترة ويتابع من بعيد ثم يعاود الدخول مرة أخرى عند هبوط السوق وهكذا. أما الشخص «اللى بيعيش فى البورصة» فخسارته دائما كبيرة طبقا لرضوان، فهو لا يتابع حركة السوق جيدا لأنه فى أغلب الأوقات يكون «مش دارس السوق صح ودخل وهو مش فاهم حاجة».