فى مواجهة التحديات والعقبات التى تمنع انطلاق مرحلة إيجابية جديدة فى العمل العربى المشترك، دعت «الشروق» عددا من الكتاب والمفكرين والمتخصصين العرب لإجراء حوار بشأن الشروط التى يجب توافرها فى دولة أو ائتلاف عربى يتولى مهام القيادة فى النظام العربى ويتغلب على هذه التحديات. وكان أول من استجاب لدعوتنا المفكر العربى الكبير ووزير التربية والتعليم الأسبق فى دولة البحرين الدكتور على فخرو. وبطبيعة الحال فإن الآراء المنشورة فى سلسلة مقالات «حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة فى العمل العربى المشترك.. شروط القيادة» تعبر عن أصحابها فقط وليس عن وجهة نظر «الشروق». الأخ الكريم (الدكتور على فخرو) شديد الحساسية القومية، لذلك نجده فى كل منعطف، وكل أزمة تعصف بالأمة، يستخدم مسئوليته القومية ويحاول تدوير الزوايا، ويستنهض الهمم، من أجل المحافظة على المشروع القومى النهضوى، وحمايته من أى انحدار أو عثرات. وفى هذه المرحلة التى تمر بها أمتنا العربية، يستشعر الدكتور على المخاطر التى تحيط بالمشروع من زوايا فقدان القدرة وغياب الإرادة، وهزالة القيادة التى تستطيع جمع شمل العرب، وتحفظ لهم حقوقهم القومية وتصعد بهم إلى مصاف عالم العصر، وتضع حدا للكوارث والمآسى التى تعصف بالعرب وتمزق وحدتهم. وهو إذ يرى حالة التشظى والانقسام. ويستذكر التجارب التى مرت بالأمة العربية، وما آلت إليه الحال، وإذ يلحظ غياب وعدم وجود (الدولة أو مجموعة الدول) المؤهلة للقيادة، ولا نموذج القيادة القادرة على حمل الرسالة، والوصول إلى بر الأمان، وإذ يلمس توجهات لدى البعض من الدول العربية بالتصدى لهذه المهمة وحمل مسئولية القيادة. فإنه يستوقف هؤلاء ليبين لهم (ولغيرهم) إن تحمل مسئولية قيادة الأمة العربية، ليست بهذه البساطة، وليست معروضة لمن يرغب وأنه لا بد من توافر شروط موضوعية، للتصدى لهذه المسئولية. وهذه الشروط هى المتمثلة فى المشروع القومى النهضوى، وبالتالى فإنه لا مكان لمن يتصدى لمسئولية قيادة الأمة، إلا لمن يكون راغبا وقادرا على التمسك بأهداف وشروط تولى هذه المهمة. ومن الشروط الموضوعية للمشروع النهضوى العربى وقيادته، القدرة على تحليل أسباب التدهور الحاصل فى الأمة، وهو إذ يرى أن من أسباب هذا التدهور غياب الحرية والكرامة الإنسانية فى المجتمعات العربية، وانزياح العديد من الأفراد (وحتى بعض المجتمعات المتخلفة) إلى خدمة المصالح الاستعمارية والصهيونية، ضاربين عرض الحائط بمصالح بلدهم وأمتهم، وبهذا يرى د.على أن على من يتصدى للقيادة يجب أن يكون قادرا على تحمل تبعات حمله لمطالب الشعوب العربية فى تطلعهم إلى الحرية والكرامة ويستطيع أن يقود مسئولية الانتقال إلى نظام ديمقراطى سياسى عادل لا يقبل التعايش مع المشروع الأمريكى الغربى الصهيونى. وإلى هنا نجد أن الدكتور على يركز على النظام الاقتصادى وأهمية الانتقال به نحو الإنتاج والمعرفة والخدمة. ولهذا فهو لا يقبل النظام الليبرالى المعولم والمتوحش، ويراه سببا فى التخلف الاقتصادى والاجتماعى والسياسى. وهو إذ يؤمن بالقومية العربية الجامعة، نراه يحذر من الصراعات والانقسامات القبلية والطائفية والمذهبية والدينية. ويرى (عن حق) فى المواطنة وحكم القانون والفرص المتساوية والمساواة بين الرجل والمرأة فى الحقوق والمسئوليات، أحد المخارج الهامة من حالة التخلف، وعلى هذا فإن من يتصدى لحمل مسئولية القيادة أن يكون متحررا من جميع الأمراض الاجتماعية الموروثة. ومع إدراكه لأهمية الثقافة، فإنه يراها ضرورية من أجل الوصول إلى حداثة عربية ذاتية تنطلق من ثقافة المجتمع وتتفاعل مع ثقافات الآخرين ومع حضارة العصر. ومن ذلك نجد أن (الدكتور على فخرو) يؤكد على أن من يتصدى لحمل أعباء القيادة، عليه أن يدرك أنه يحمل مشروعا عربيا نهضويا شاملا وعليه أن يضع جميع إمكانياته تحت تصرف الأمة ولخدمة مشروعها، ولهذا فإن هذا التوجه لا ينسجم مع رغبات من يتصدى للقيادة، وهو لا يؤمن بالمتطلبات الأساسية التى تحكم مفاصل هذا المشروع. ولا يريد أو يرغب بتحمل تبعات المشروع، بل يسعى إلى تلبية طموحات (شخصية أو قطرية) زائفة أو رغبات أخرى لمن لا يريد الخير لهذه الأمة. وكان دائما هناك من يقف ضد هذا المشروع العربى، سواء من القوى المعادية أو من بعض الأشخاص من مواطنى البلدان العربية، سواء عن قناعة أم (عمالة) لكن منذ أحداث ما يدعى (الربيع العربي) فى نهاية 2010، بدأنا نسمع من هنا وهناك أصوات معادية للقومية العربية، وبرزت على التوازى الأصوات الانفصالية والشعوبية والقبلية والطائفية والعنصرية، وهذا وإن كان ليس جديدا. إلا أن ما هو جديد، هو المنهجية التى تطرح من خلالها تلك النزعات، والتى أدخل عليها صنوف جديدة من الطروحات المليئة بالعبارات الرنانة وادعاء العلمية والواقعية، فتطرح مشاريع بديلة مشبوهة تتسم بالعنصرية والشعوبية أو القطرية الضيقة. *** فى ضوء ذلك كله، السؤال الآن هو هل لازال المشروع العربى قائما؟ وهل هو قادر على حمل طموحات الأمة وبإمكانه حل مشكلاتها؟ وفى ظل التمزق والاحتلالات والطروحات المعادية، هل الوقت الآن هو الوقت المناسب لطرح مقولة الدكتور على فخرو؟ وجوابى على تلك الأسئلة هو نعم!!.. هذا الوقت المناسب لطرح هذا الموضوع، ولا يزال المشروع العربى النهضوى ممكنا وضروريا ويزداد الإلحاح على طرحه، كلما تصاعدت (الشعارات) المعادية له وللقومية العربية. وقد أدت تطورات الصراعات الأخيرة، ومواقف جامعة الدول العربية، وما تقوم به بعض الدول العربية، من تقديم العون المادى والمعنوى للحركات (الإرهابية)، ومن تزويد الحركات الشعوبية الكردية فى شرق الفرات فى سورية بالدعم المادى والمعنوى، أدى ذلك كله إلى الربط بين ما يحدث وما تقوم به هذه الجهات من (تسعير) ودفع الأمور للتأزم فى العديد من البلدان العربية، خاصة سورية وليبيا، عندما دُفعت جامعة الدول العربية لأن تكون غطاء للعدوان عليها. هذه الدول مزجت بين العروبة وموقفها من المشروع الصهيونى الأمريكى، وأصبح من السهل على من يعادى المشروع العربى أن يتناول هذا المشروع مهشما له ولمرتكزاته وأهدافه. لقد أظهرت (أزمة كورونا) مدى الحاجة إلى التعاون والتكاتف العربى لمواجهة خطر الجائحة، وذلك أن أى دولة (مهما كبرت وأثرت) لا تستطيع مواجهة هذه الجائحة لوحدها، فى ظل توحش النظام الإمبريالى الصهيونى وإذا كانت بعض الدول الغنية تستطيع بما لديها من موارد أن تواجه هذا المرض الخبيث، فإنها لن تصمد طويلا أمام تداعيات ومسببات ما آلت إليه أمور وقف العجلة الاقتصادية، وأمام صدى الأزمة فى الغرب الامبريالى وتداعيات هذه الأزمة، طالما أن هذه الدول ربطت مصيرها بالنظام الاقتصادى العولمى المتوحش وطالما يوجد حكام (مثل ترامب) يجبرها على دفع (الإتاوة) لقاء حمايتهم. *** أما عن من يتحمل مسئولية القيادة، فإن ذلك لا يتعلق بمدى رغبة هذا الحاكم أو ذاك، إنما يتعلق بالإجماع الشعبى والرغبة الشعبية، فقيادة جمال عبدالناصر، وبالتالى زعامة مصر لم تستند على رغبة عبدالناصر فى القيادة، أو رغبة مصر فى الزعامة، لقد فرضت هذه القيادة وهذه الزعامة موضوعيا فى لحظة توهج القومية العربية استنادا إلى الالتفاف الجماهيرى حول عبدالناصر الذى بدأ الانتصارات التاريخية التى بدأت بتأميم قناة السويس، وتبنى ناصر لقضايا (الناس الغلابة) وقضايا التحرر، وإعادة الكرامة للبشر فى مقولته (إرفع راسك يا أخى)، و(ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة). والأمة العربية اليوم فى (أتعس) ظروفها، تحتاج إلى قيادة وزعامة تشبه عبدالناصر ومصر عبدالناصر، وإذا كان التاريخ لا يتكرر، فيكفى أن نأخذ منه العبر والدروس. وأخيرا.. مَنْ يقول أن (إسرائيل) فرصة وليست عدو ومن ينخرط فى صفقة القرن لا مكان له بين العرب !.. ولن يمنح شرف قيادتهم.