فى اليوم الأخير من عام 2019 أعلنت الصين عن ظهور حالات التهاب رئوى سببها فيروس غير معروف ينتمى إلى عائلة كورونا أُطلق عليه اسم سارس كوفى، وعُرف الوباء الجديد باسم كوفيد19. ظهرت أول حالة كوفيد19 خارج الصين يوم 13 يناير 2020 فى تايلاند، بحلول 20 فبراير تخطت الإصابات فى الصين أكثر من 75 ألفًا، وفى 11 مارس أعلنت منظمة الصحة العالمية الوباء جائحة عالمية، حيث سجلت 118 ألف حالة فى 114 دولة ووفاة أكثر من أربعة آلاف شخص، وفى الأسبوع الأخير من إبريل فاقت الإصابات اثنين ونصف مليون وتوفى أكثر من 180 ألف شخص. الأمراض المعدية الناشئة وباء كوفيد19 من الأمراض المعدية الناشئة سببه ميكروب جديد غير معروف سابقًا للبشر كما أنه حيوانى المصدر حيث يعتقد أن الفيروس انتقل من الخفافيش إلى حيوان وسيط، قد يكون القطط البرية، حيث تحور بداخله واكتسب القدرة على إصابة الإنسان. انتقال مسببات الأمراض من الحيوان إلى الإنسان قديم، فمثلًا مرض الكلب والطاعون وحمى الضنك والإنفلونزا، كلها أوبئة انتقلت من الحيوان إلى الإنسان، لكن المقلق حقا هو معدلات التزايد المرتفعة فى العدوى الناشئة خصوصا التى تنتقل من الحيوان. أصبحت العدوى الناشئة تصيب الإنسان بمعدلات تبلغ أربعة أضعاف القرن السابق، ومنذ عام 1980 يُكتشف مرض جديد ناشئ كل أربعة أشهر، أغلب هذه الأمراض الناشئة مصدرها حيوانى، بمعنى أنها ميكروبات تصيب الحيوانات لكنها تمكنت من التطور وعبور الحاجز الطبيعى بين الأجناس لتصيب الإنسان، كما هو الحال فى كوفيد19. من بين 335 عدوى ناشئة موثقة بين أعوام 1940 و2004، كان 60% منها حيوانى المنشأ وحوالى 70% من تلك أصلها من الحياة البرية، شكلت الفيروسات غالبية العدوى الناشئة بسبب قدرة الفيروسات الفائقة على التطور التى تبلغ أربعين مليون مرة أسرع من الإنسان. وفى السنوات الأخيرة كان هناك إيبولا وإنفلونزا الطيور ومتلازمة الجهاز التنفسى فى الشرق الأوسط (ميرس) وحمى الوادى المتصدع والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) وفيروس النيل الغربى وفيروس زيكا، كلها فيروسات انتقلت من الحيوانات البرية إلى الإنسان. لماذا يتسارع ظهور الأوبئة الناشئة الخفافيش التى ربما انتقل منها فيروس كورونا، كذلك القرود التى ربما انتقل منها فيروس إيبولا وغيرها من الحيوانات التى انتقل منها عشرات الأوبئة، موجودة فى الطبيعة منذ آلاف السنوات، فما الذى تغير وما الذى يحفز هذه الميكروبات على الانتقال إلى البشر بشكل متزايد؟ بحسب برنامج الأممالمتحدة للبيئة يرتبط ظهور الأمراض الحيوانية المنشأ بالتغيرات البيئية أو الاضطرابات الإيكولوجية، وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن على رأس العوامل التى تسرِّع ظهور أمراض معدية جديدة تدمير الموئل الطبيعى للحيوانات البرية والتوسع العمرانى، وهى كلها عوامل كما تؤكد مديرة برنامج الأممالمتحدة للبيئة أنها من صنع البشر حيث «دائمًا ما كان السلوك البشرى هو الذى يدفع مسببات الأمراض إلى الانتقال إلى الإنسان». لقد تزايد البشر زيادة هائلة، فقد تضاعف عددنا حوالى أربع مرات فى المائة عام الأخيرة، وذهب الناس إلى مناطق لم تكن مأهولة من قبل وأصبحنا قريبين بشكل غير مسبوق من الطبيعة البرية والحيوانات والكائنات التى تئوى أمراضًا جديدة علينا، وسرع من انتشار أى عدوى جديدة كثافة وسرعة تنقل البشر والبضائع حول العالم. لكن وعلى الرغم من أن البيئات البرية والاستوائية تشكل تهديدًا لأنها تئوى أنواعًا متعددة من نواقل ومسببات الأمراض، فإن الذى يحفز هذه الميكروبات على مهاجمة البشر بشكل متزايد ليس فقط التقارب والتجاور معها وإنما التغييرات التى يحدثها الإنسان فى الطبيعة وتدمير التنوع البيولوجى هما اللذان يؤديان إلى زيادة انتقال الأمراض المعدية من الحيوانات إلى البشر مثل كوفيد19، كما توضح رسالة الأممالمتحدة فى يوم الأرض. فى كل مكان تتعرض البيئة البرية إلى ضغوط متزايدة بسببنا نحن البشر؛ فنحن ندخل الغابات البرية، ونقطع الأشجار، وندمر النباتات الأصلية، ونعيد تشكيل المساحات، ونزرع محاصيل متشابهة وراثيا على مساحات شاسعة، ونربى الماشية والقطعان صناعيا، ونشق الطرق ونبنى البيوت، ونمد المرافق ونحفر المناجم، ونستخرج الوقود والمعادن، ونحول كل هذه الموارد إلى سلع نستهلكها بسرعة ونراكم المخلفات. هذه الضغوط غير المسبوقة تفقد الحيوانات البرية مساحات كبيرة من الموئل الطبيعى لها؛ تفقدها الموارد والسكن فتصبح أكثر ازدحاما ومعاناة ويموت الكثير منها وقد تنقرض فصائل بكاملها، والأنواع التى تبقى منها أصبحت أكثر قربًا من البشر ولديها ميكروبات تسعى إلى الوصول إلى عائلين جدد يكونون فى الأغلب نحن. عندما نقضى على التنوع البيولوجى نرى تكاثر الأنواع الأكثر احتمالية لنقل الأمراض الجديدة إلينا بحسب رئيسة قسم البيئة والتنوع البيولوجى فى جامعة كاليفورنيا. وكأن اقتحام الموائل الطبيعية للحيوانات البرية وتدميرها ليس خطرا كافيًا، فقمنا باستجلاب الحيوانات البرية إلى مدننا وأسواقنا، نصطاد الحيوانات البرية ونحبسها فى أقفاص ونشحنها عبر مسافات طويلة إلى الأسواق حيث تباع حية أو تذبح للأكل أو لأى غرض آخر، هذه الحيوانات المكتظة فى الأقفاص تصبح تحت ضغط شديد وتفرز مسببات الأمراض الموجودة لديها فى جميع السوائل والدم وتختلط مسببات المرض من مختلف الحيوانات وتتحور وتتطور وتصبح قادرة على الانتقال عبر الأنواع، وحسب رئيس جمعية علم الحيوان فى لندن هذه الأسواق وعاء خلط مثالى لظهور الأمراض الجديدة، سوق ووهان التى ظهر فيها كوفيد19 معروفة ببيع العديد من الحيوانات البرية، وفى أفريقيا حيث ظهر وباء إيبولا، توجد أسواق تبيع اللحم البرى، فهناك تجارة كبيرة فى الحيوانات البرية زبائنها إما جائعون للطعام، وإما يلبون طلبات من يدفع الثمن. ما العمل لقد قتلت الأمراض المعدية على أعداد من البشر تفوق ما دمرته الحروب والمجاعات والكوارث الأخرى، الإنفلونزا الإسبانية وحدها قضت على ما بين 50 إلى 100 مليون شخص، وما زالت الإنفلونزا تحصد حياة حوالى ربع مليون شخص سنويًّا، وفوق التكلفة البشرية هناك التكلفة الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، تقدر منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية أن كوفيد19 سيكلف الاقتصاد العالمى تريليون دولار. نحن البشر فى مرحلة حرجة جدًّا من تاريخنا، لقد قضت البشرية على 83٪ من الثدييات البرية ونصف النباتات وبدلت طبيعة ثلاثة أرباع الأراضى الخالية من الجليد وثلثى البيئات البحرية، ويتعرض مليون نوع لخطر الانقراض فى العقود القادمة وهو معدل غير مسبوق على مدى العشرة ملايين سنة الماضية، ومن الحماقة أن نتصور أنه يمكننا تدمير النظام البيئى دون أن ندمر أنفسنا. وبينما يجب أن نبذل كل ما فى وسعنا حاليّا لاحتواء وباء كوفيد19 وإنقاذ حياة المرضى، يجب أن ندرك أنه على المدى الطويل لا بد من تغيير أسلوب حياتنا ونظامنا الاقتصادى وتعاملنا مع الموارد الطبيعية والكائنات الأخرى. هناك مسببات للمرض كثيرة فى الحياة البرية، وسيكون هناك المزيد من هذه الأوبئة ما لم يتغير أداؤنا مع البيئة وكما تقول مديرة برنامج البيئة فى الأممالمتحدة: إن النظام البشرى حاليًّا يلعب بالنار. رئيس جمعية البلاستيك القابل للتحلل الحيوى OPA بلندن