البابا تواضروس يناقش أزمة دير سانت كاترين مع بابا الڤاتيكان    محافظ الغربية: ذبح 1168 أضحية مجانًا داخل المجازر الحكومية خلال العيد    صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو    إعلام فلسطيني: جيش الاحتلال يقصف خيمة للنازحين في المواصي غربي خان يونس    الخارجية الروسية: نرفض استهداف منشآت إيران النووية ونسعى لحل بين واشنطن وطهران    حماس تنعى أمين حركة المجاهدين أسعد أبو شريعة    زيزو: فضّلت الأهلي عن العروض الخارجية عشان التاريخ والبطولات.. وجمهوره "مرعب"    زيزو يكشف تفاصيل مكالمة الخطيب ويرد على وصفه بصفقة القرن    «صندوق المكافحة»: أنشطة بالمناطق «بديلة العشوائيات» للتوعية بأضرار المخدرات    "العربية بقت خردة".. سائق يصدم 6 أشخاص أعلى دائري المنيب    «المشروع إكس» يتصدر إيرادات أفلام عيد الأضحى    معتز التوني: الإخراج أقرب لقلبي.. وأتمنى تقديم مسلسل اجتماعي بعيدا عن الكوميديا    لقاءات تثقيفية وورش للأطفال.. قصر ثقافة الإسماعيلية يحتفل بعيد الأضحى    اندلاع حريق كبير في السوق القديم بمدينة بندر عباس جنوبي إيران    منافس الأهلي.. إنتر ميامي يقترب من تجديد عقد ليونيل ميسي    إقبال كبير من المواطنين في الدقهلية على الحدائق ثاني أيام عيد الأضحى.. صور    بعد هبوطه في 9 بنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 8 يونيو 2025    هولندا تفوز على فنلندا 2-0 في تصفيات أوروبا المؤهلة إلى كأس العالم    ممدوح عباس يوجه رسالة قوية للزمالك: لن آخذ على عاتقي التزامات جديدة    نجم الأهلي على موعد مع التاريخ في كأس العالم للأندية    أحمد الشيخ يعلن الرحيل عن الإسماعيلى رسميا    ستام أسطورة هولندا: أرشح صلاح للفوز بالكرة الذهبية.. ومجموعة الأهلى بالمونديال صعبة    الشوارع غرقت.. كسر خط مياه شرب فى مدينة طور سيناء    تعرف على الخطأ الطبي الجسيم وفقا للقانون    إصابة طالب بطلق ناري في قنا    ضبط 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    رابط نتيجة الصف الأول الإعدادي 2025 برقم الجلوس    "قومي المرأة" ينظم لقاء تعريفيا بمبادرة "معا بالوعي نحميها" بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس    في ذكرى وفاة المشير الجمسي، تعرف على آخر وزير حربية بمصر والمصنف ضمن أبرع 50 شخصية عسكرية بالعالم    «كتائب القسام» تنفذ عملية «نوعية» في خان يونس    ابن شقيق عبد الحليم حافظ: صوت الفن ليس من حقها التعاقد على حفل مهرجان موازين    «باعتبرها أمي».. شريف منير يوجه رسالة مؤثرة إلى زوج ابنته أسما (فيديو)    أمريكا.. تفشي السالمونيلا في 7 ولايات وسحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق    ظاهرة جوية وصفتها الأرصاد ب «الخطيرة».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحذر»    إقبال كثيف على «مصايف الغلابة» بدمياط وكفرالشيخ والدقهلية    أخبار × 24 ساعة.. النقل: غرامة لمن يستخدم حارة الأتوبيس الترددى على الدائرى    أحمد زيزو: سأحترم جماهير الزمالك إذا سجلت في القمة    مجلس الوزراء: التوجيه بالمتابعة المستمرة لذبح الأضاحي بالمجازر الحكومية    «ماسك» يتحدى «ترامب» ب«حزب جديد» ينافس «الديمقراطيين» و«الجمهوريين»    وزير الخارجية يُندد بمواصلة إسرائيل «انتهاك القانون الدولي»    في لفتة إنسانية.. الرئيس يطمئن على أحد الأئمة ويكلف بعلاجه فورًا    تعرف على برجك اليوم 2025/6/8.. «الثور»: تمل من العطلة.. و«العذراء»: تمر بحالة من الهدوء والتأني    81 عاما من العطاء.. قضتها "نفيسة" في محو الأمية وتحفيظ القرآن للأهالي مجانا    برنامج متكامل لدعم 12 تكتلًا اقتصاديًا بالصعيد    «الرعاية الصحية»: جولات ميدانية مكثفة لمتابعة سير العمل    قد تتحول إلى سموم ..تجنب وضع هذه الأشياء داخل الميكروويف    قوافل ومبادرات صحية تجوب المنوفية في ثاني أيام العيد.. صور    القاهرة الإخبارية: شرطة الاحتلال تعتدي على المتظاهرين وسط تل أبيب    الحجاج يخلدون رحلتهم الإيمانية في مشاهد مصورة.. سيلفى فى الحرم بين لحظة الخشوع وذاكرة الكاميرا    استمرار أعمال التجميل ورفع المخلفات بميادين الإسماعيلية    كل عام ومصر بخير    البابا تواضروس يلتقي شباب الإسكندرية بمنتدى كنيسة العذراء بسموحة يوليو المقبل    فى موسم الرحمة.. مشاهد البر تتصدر مناسك الحج هذا العام.. أبناء يسيرون بوالديهم نحو الجنة بين المشاعر المقدسة.. كراسى متحركة وسواعد حانية.. برّ لا يعرف التعب وأبناء يترجمون معنى الوفاء فى أعظم رحلة إيمانية    "أكلات العيد".. طريقة تحضير الأرز بالمزالكيا    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    شعبة الدواجن تعلن هبوط أسعار الفراخ البيضاء 25% وتؤكد انخفاض الهالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رائحة من خلال الشاشة
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 04 - 2020

أن تتحول العلاقات الإنسانية إلى علاقات هاتفية ورقمية على الشبكة الأخطبوطية والشبكات الاجتماعية فيها شىء من وحى الخيال العلمى رغم الحديث الحالى عن عودة الناس إلى حياة أبسط وأبطأ وأكثر إنسانية، أشعر وكأننى أقرأ فصلا فى كتاب من النوع الذى أتفاداه فى العادة، فأنا لم أولع قط بكتاب 1984 لجورج أورويل ولم أحب كتاب العمى لجوزيه ساراماغو ليس بسبب مضمونهما اللغوى أو الأدبى، فأنا لست سوى قارئة لا وزن لى فى تقييم أى كتاب إلا من زاوية ما أحب ولا أحب. أنا لا أحب الديستوبيا، ترهقنى محاولات تصور المستقبل وكأنه تحول إلى كاريكاتور مخيف لا يضحكنى. أنا أخاف من الأدب والفن الذى يظهر تحول المجتمع بشكل يفرغه من العلاقات كما أحبها، بعفوية، بحلوها ومرها، بشكل يفرغه من بعض السذاجة التى أستسيغها. أخاف من مستقبل يدير فيه رجل آلى حياتى، رغم أن بوادر الرجل الآلى بدأت بالدخول إلى الحياة الحديثة منذ دخلت الآلات على المنازل وعلى العمل.
***
فى الشهر الأخير، وفى حياة من قرروا محاولة التخفيف من اللقاءات والوجود فى أماكن مكتظة، زادت الأحاديث الهاتفية، ربما عاد البعض، وأنا منهم، إلى الاتصال بالناس بدل إرسال رسائل نصية أو صوتية، كما بدأ البعض، وأنا أيضا منهم، باستخدام برامج اتصالات تسمح لعدة أشخاص بالاشتراك بالمكالمة فى محاولة لخلق مناسبة اجتماعية افتراضية.
***
وبينما خففت التكنولوجيا من ذلك الشعور الغريب بالبعد، ورغم أننى ممتنة لوجود التكنولوجيا فى حياتى وواعية أن الحصول على الإنترنت والتطبيقات هو أصلا امتياز لا يتوفر للجميع، إلا أننى أشعر بأننى تائهة فى عالم التواصل عن بعد، أشتاق لفكرة زيارة وحديث وقهوة، قد لا أزور شخصا لشهور طويلة إنما إمكانية الزيارة تكون موجودة وعدم الزيارة هو قرار.
***
اليوم ومع انتقال كثير من العلاقات الإنسانية أونلاين، وهو انتقال قد يخفف من هول ما يحدث حول العالم، إلا أننى أشعر كمن تم ربطه بحبل بالكرسى، حتى لو كان الحبل طويلا وسمح لى بالحركة. ها أنا أتحدث مع أصدقاء، أرى وجوها وتعابير على الشاشة، أسمع صوت الأذان من حيث هم، فى مدينة بعيدة، أرى النور يخف من الشباك خلفهم على اليمين، يبدو أن حديثنا قد طال وكأننا معا وقت غروب الشمس.
***
لكننا لسنا معا، رغم أننى أرى غرفة الجلوس فى الشاشة. أنا أتحرك فى المطبخ وحديث صديقتى على مكبر الصوت. ماذا تعجنين؟ تسألنى من بيتها فى بيروت. هذه كفتة، أرد ويدى فى الطبق. لو كنا معا ربما كانت ستقف قربى هنا فى المطبخ ونكمل حديثا عن صديقين قررا أن يرتبطا أو عن تطور ما فى عملى أو عملها. ربما سنجلس قرب الشباك وربما تقف عند طاولة السفرة تساعدنى فى التحضير لاستقبال أصدقائى فيما بعد.
***
الاحتمالات كثيرة، لكن هذه المكالمة أونلاين لا توفرها. الآن ماذا تعملين؟ تسألنى الصديقة. مربى، أنا أعمل هنا فى هذه القدرة مربى، ألا تشمين رائحته السكرية؟ لقد ملأت المكان، لقد خففت من جفاف ما حولى، سوف أريك لونه، انظرى هل ترين السائل وكأنه كريستال ملون؟ زجاج على نافذة الكنيسة القديمة، أتذكرين تلك الكنيسة فى الشام؟ نعم حنانيا فى الحارة قبل الباب الشرقى لدمشق. نعم لدمشق سبعة أبواب، وفى الربيع تبدأ أطباق المربى بالظهور على الشرف وفى أرضيات البيوت الداخلية، ففى دمشق ينعقد السكر فى الشمس فتبقى ألوان الفاكهة زاهية فى المربى، على عكس ألوان المربى القاتمة حين يتم عقد سكره على النار.
***
يدور هذا الحديث من خلال شاشة تربطنى بصديقتى، ننتقل داخل بيتى إلى داخل بيتها فنصبح كجارتين فى حارة حنانيا فى دمشق، أفتح بابى وتفتح بابها ونسحب كرسيين من القش لنجلس أمام بيتينا بعد أن نفرد الفاكهة والسكر فى وعائين، لكل منا واحد، نضعه فى الشمس ونتحدث. هكذا إذا وبلحظة تحول التكنولوجيا الحديثة التى تخفف من سوريالية ما يحدث حولى إلى حديث صباحى فى حارة قديمة فى فترة ما قبل الإنترنت وقبل التواصل الاجتماعى وقطعا قبل الكورونا.
***
أعتقد أن ثمة تناقض صارخ فيما يدور حولى، فمن جهة هناك محاولة لإغلاق الفضاء العام ومن جهة ثمة محاولة للعودة إلى نوع من التواصل واللقاء كان قد خف فى السنوات الأخيرة. رسائل صوتية مختصرة فيها تعليمات أو حتى تمنيات بعام ملىء بالأفراح. لماذا لم أتصل وأتواصل بدل أن أرسل رسالة نصية صرت أراها اليوم تشبه الورقة الصفراء اللاصقة التى قد يتركها زميل على مكتبى فأكرمشها وأرميها فى سلة المهملات وأنا أتساءل لماذا لم يأت بنفسه بدل أن يلصق الورقة؟
***
يرن هاتفى فأتساءل من ذا الذى يريد أن يتواصل بدل أن يرسل، ثم أرد لأننى بدأت أتعود من جديد على الحديث، الأخذ والرد، أفتح الكاميرا وأتحرك فى البيت. أريد أن تشم أمى رائحة المربى، أريدها أن ترى لونه وأنا أحرك الوعاء فى الشمس. هنا فى الشاشة، أعد أننى سوف أعطى وعاء من المربى إلى كل شخص هاتفنى وأنا فى المطبخ أشتاق لأن تكون مع أمى وصديقتى وسط الرائحة السكرية.
كاتبة سورية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.