سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 18 مايو 2024    بسبب أوبر.. طلب إحاطة بالبرلمان لوقف تراخيص شركات النقل العاملة بالتطبيقات الذكية    بدء تسليم أراضي المرحلة الثامنة من «بيت الوطن» بالعبور الجديدة.. الثلاثاء المقبل    مصر تبدأ مناقشات الحصول على 1.2 مليار دولار من صندوق «المرونة والاستدامة»    أوتشا: لم يبق شيء لتوزيعه في غزة    تصاعد التوترات الدولية: أحداث بارزة في الساعات الأخيرة    إعلام إسرائيلي: حلّ كابينت الحرب يبدو أقرب من أي وقت مضى    مصدر رفيع المستوى ينفي صحة تقارير إعلامية إسرائيلية عن تراجع مصر عن الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا    بيرسي ووسام أبو علي يقودان التشكيل المتوقع للأهلي أمام الترجي ب"نهائي أفريقيا"    طلاب الشهادة الإعدادية يؤدون امتحان اللغة العربية بالدقهلية    تصاعد الموجة الحارة: الأرصاد تحذر وتوجه نصائح للمواطنين    تجديد حبس لص المساكن بمدينة بدر    فتح أبواب 31 متحفا للزائرين مجانا.. ما هي؟    كل سنة وزعيم الفن بألف خير.. هالة صدقي تهنئ عادل إمام بمناسبة عيد ميلاده    مصر تنافس على لقب بطولة العالم للإسكواش ب 3 لاعبين في النهائي    «دخلاء وطائرة درون» الأهلي يشتكي قبل موقعة الترجي    زيلينسكي: أوكرانيا ليس لديها سوى ربع الوسائل الدفاعية الجوية التي تحتاجها    الأمم المتحدة: لم يبق شيء لتوزيعه في غزة    أسعار الجمبري اليوم السبت 18-5-2024 في محافظة قنا    النيابة العامة تجري تفتيشا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام أبها في دوري روشن السعودي    مواعيد مباريات اليوم السبت.. الترجي ضد الأهلي وظهور ل«عمر مرموش»    بكاء والدها وقبلة شقيقها.. أبرز لقطات حفل زفاف الفنانة ريم سامي    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    صحة مطروح تدفع بقافلة طبية مجانية للكشف على أهالي النجيلة    مؤتمر صحفي ل جوميز وعمر جابر للحديث عن نهائي الكونفدرالية    البيت الأبيض: أطباء أميركيون يغادرون قطاع غزة    حنان شوقى: الزعيم عادل إمام قيمة وقامة كبيرة جدا.. ورهانه عليا نجح فى فيلم الإرهابي    إرشادات وزارة الصحة للوقاية من ارتفاع ضغط الدم    اليوم.. طلاب الشهادة الإعدادية بالبحر الأحمر يؤدون امتحانات الفصل الدراسي الثاني    حظك اليوم وتوقعات برجك 18 مايو 2024.. مفاجآة ل الدلو وتحذير لهذا البرج    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 18 مايو    أوما ثورمان وريتشارد جير على السجادة الحمراء في مهرجان كان (صور)    ناقد رياضي: الترجي سيفوز على الأهلي والزمالك سيتوج بالكونفدرالية    ذوي الهمم| بطاقة الخدمات المتكاملة.. خدماتها «مش كاملة»!    عادل إمام.. تاريخ من التوترات في علاقته بصاحبة الجلالة    عاجل - تذبذب جديد في أسعار الذهب اليوم.. عيار 14 يسجل 2100 جنيه    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض المقال فيما بين العلمانية والليبرالية من انفصال
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 10 - 2009

تبدو الفجوة كبيرة بين وجهتى نظر شائعتين فى حياتنا الفكرة والثقافية إحداهما ترفع شعارات علمانية وأخرى ترفضها تماما، وأتصور أن التقريب بينهما وارد إن نجحنا فى أن نضع بعض المصطلحات فى إطارها الفكرى والثقافى بل والتاريخى الصحيح.
فالعلمانية تعنى الفصل المؤسسى بين دور العبادة ورجالها وبين مراكز صنع القرار والقائمين عليها. والتأكيد على الفصل المؤسسى له ما يبرره، فيمكن أن يكون صانع القرار فى البرلمان أو فى قمة السلطة التنفيذية متدينا لكن هذا لا يعنى أنه يملك الحق فى اتخاذ قرارات أو سن تشريعات على أسس دينية بغض النظر عن القواعد المؤسسية المدنية والدستورية المتعارف عليها فى الدول الديمقراطية. ولا يخفى على القارئ أن العلمانية بهذا المعنى شهدت صيغا مختلفة بعضها كان شديد العداء للديمقراطية والليبرالية، مثلما كان الحال فى الاتحاد السوفيتى والصين، بل حتى تركيا فى عهد كمال أتاتورك. وبالتالى ليس كل دفاع عن العلمانية هو ضمانا لليبرالية أو مناداة بها.
أما الليبرالية فهى نظرية للمجتمع والدولة تعلى من شأن حقوق الأفراد وحرياتهم على قدم المساواة مع وضع التنظيم القانونى والسياسى الذى يضمن مثل هذه الحقوق. وتشير التجارب المختلفة فى العالم إلى أن أفضل نظام حكم يوفر الإطار التنظيمى لليبرالية هو الديمقراطية. ومن هنا أصبح تعبير «الديمقراطية الليبرالية» شائعا لدرجة أن ظن البعض أنهما قرينان بحكم النشأة وهو ما لا يتفق مع الواقع. فالديمقراطية، منذ نشأتها فى أثينا فى القرن الخامس قبل الميلاد، نظام حكم يقوم على المشاركة الشعبية وفقا لقواعد الأغلبية والتوازن بين السلطات وتداول السلطة. بيد أن بعض النظم الديمقراطية كانت غير ليبرالية بحكم استبعادها لفئات من المجتمع على أساس النوع، مثل استبعاد النساء من الحياة السياسية فى الولايات المتحدة حتى عام 1920 وفى سويسرا حتى عام 1971 رغما عن الالتزام بالإجراءات الشكلية لصنع القرار الديمقراطى. كما حدث أن تم استبعاد فئات من المشاركة السياسية على أساس العرق مثل استبعاد السود فى جنوب أفريقيا تحت الحكم العنصرى وكذلك استبعاد الأقليات من المشاركة فى الحياة السياسية فى الولايات المتحدة حتى منتصف الستينيات من العقد الماضى.
أما الليبرالية فهى أحدث كثيرا من الديمقراطية بصفتها تلك. ويمكن أن تنسب إلى منتصف القرن التاسع عشر حين ألف جون ستيوارت ميل كتابه الشهير (On Liberty) والذى أعطى فيه الحق لكل الأفراد، رجالا ونساء، أحرارا وعبيدا، أغنياء وفقراء، الحق فى الاعتقاد وفى التعبير وفى المشاركة السياسية. كما أن كتابه عن مبادئ الاقتصاد السياسى هى التى ألزمت الدولة بأن تتدخل فى عملية توزيع عوائد الإنتاج بما يضمن عدالته وبما يضمن عدم إساءة استغلال العمال وذلك من خلال فرض حد أقصى من ساعات العمل وحد أدنى من الأجر، وإعانات البطالة والضرائب المتصاعدة واضعا بذلك أساس ما يسمى بدولة الرفاهة فى الغرب. ومن هنا فإن فضل الليبرالية على الديمقراطية أن جعلت عوائد الديمقراطية أشمل، وفضل الليبرالية على الرأسمالية أن ألحقت بها دولة الرفاهة حتى يستفيد الجميع من منجزات المشروع الخاص والإبداع الشخصى. ومن هنا فإن قضية العدالة الاجتماعية، أصبحت، بفضل الليبرالية، واحدة من القيم الغربية الأساسية.
******
إن الفهم الصحيح للإسلام، كما الليبرالية كما الديمقراطية، يقف ضد الاستبداد ويعلى من شأن الإنسان، حقوقه وحرياته. والاحترام واجب لشجاعة الشيخ محمد الغزالى حينما وجه أسهم النقد الشديد للدستور الذى وضعه تقى الدين النبهانى، مؤسس حزب التحرير، والذى يدعو إلى استعادة الخلافة على أسس أقرب إلى نمط الحكم القائم على البيعة وأهل الحل والعقد والشورى المعلمة وليست الملزمة..الخ. ومدح الشيخ محمد الغزالى دستور 1923 المأخوذ عن الدستور البلجيكى على حد تعبيره رغما عن أنه لم يكن مليئا بالآيات والأحاديث مثلما كان الحال فى دستور النبهانى. وكان تعليق الشيخ الغزالى أن الدستور البلجيكى أقرب إلى روح الإسلام وجوهره من مقاومة الحاكم المستبد ورقابته من الدستور الذى يبدو، شكلا، إسلاميا، لكنه فى جوهره يتناقض مع روح الإسلام.. وأقول يتناقض مع روح الديمقراطية والليبرالية أيضا.
إننا بحاجة إلى إعادة طرح المسألة وأن نتخلص من عقلية «مستبد.. ولكن» سواء كانت المبررات دينية أو علمانية. ولتوضيح لماذا تلجأ بعض المجتمعات إلى العلمانية، لا بد من التفرقة بين ثلاثة مجالات تتصل بشكل مباشر بعلاقة الدين بالفرد والمجتمع والدولة، أى علاقة الدين بالمجال الخاص والمجال العام والمجال التشريعى على الترتيب. فهناك أولا المجال الخاص الذى يمارس فيه الإنسان حريته فى التفكير والاعتقاد والعبادة. وأى قراءة عاقلة للدين، أى دين بما فى ذلك الإسلام، تحفظ لهذا المجال قدسيته بحيث لا تتدخل فيه مؤسسات وعلماء الدين إلا بالتوجيه العام، ومن هنا ذهب بعض علماء المسلمين مثل إبراهيم النخعى وسفيان الثورى إلى أن المرتد عن الإسلام، مادام لا يبتغى بارتداده إثارة فتنة أو بلبلة الآخرين، يستتاب أبدا، أى يظل جزءا من المجتمع مع نصحه بأن يتوب وأن يعود إلى أصل دينه دون أن يخضع مباشرة للحديث الشائع: «من بدل دينه فاقتلوه».. ومن هنا فإن الإسلام فى هذا المجال الخاص لا يبدو متناقضا مع الليبرالية أو حتى العلمانية التى تدعم حق الإنسان التام فى السيطرة على مجاله الخاص.
أما المجال العام، ثانيا، فهو أكثر التباسا حيث إنه تتنازعه عدة قراءات. فهناك قراءة علمانية ترى أن الأصل فى المجال العام أنه مدنى أى لا ينبغى أن يعكس ديانة دون أخرى فلا ينبغى أن يضطر المسلم أن يرى صليبا مثلا فى أحد الميادين العامة أو أن يضطر لأن يقسم قسما لا يتفق مع عقيدته. والأمر بالنسبة للتراث الإسلامى شديد الالتباس.
فهناك من يعود إلى تاريخ المسلمين الأوائل فى بعض ممارساتهم التى لا تتفق مع احترام «مدنية» المجال العام بحكم أن غير المسلم كان عليه أن يرتدى ملابس تميزه وأن عليه أن يوسع للمسلمين فى الطرقات وألا يرفعوا أصوات كنائسهم بما يؤذى المسلمين كما جاء فى العهدة العمرية الشهيرة. بيد أن هذه القراءة تتناقض مع نصوص وممارسات أخرى فعلها المسلمون الأوائل على أساس احترام «مدنية» المجال العام واحترام حق كل ذى ديانة فى أن يدير شئونه الشخصية على النحو الذى يتفق مع عقيدته مثل قواعد وطقوس الزواج والطلاق والميراث. وفى الحالة المصرية فى مرحلة ما بعد ثورة 1919 تحديدا حتى ما قبل السبعينيات كان المجال العام المصرى محايدا بما حمى الوحدة الوطنية بل وعظم من دورها. فالمصريون، بغض النظر عن الدين، كانوا يلتزمون بنفس المعايير الأخلاقية العامة فى الحكم على الأشياء، فالحلال والحرام كانا متسقين بغض النظر عن الديانة لأن المجال العام كان يستوعب الجميع بغض النظر عن العقيدة. أما الاختلافات اللاهوتية فكانت جزءا من المجال الخاص لكل شخص.
والخطر الحقيقى يبدأ عندما تزعم أى طائفة حقا لها فى أن تشرع لكل المجتمع باسم الدين، وهو المجال الثالث المشار إليه، وفى حدود تفسيرها الضيق لبعض نصوصه غير عابئة بحقوق الأفراد من الديانات الأخرى أو من داخل نفس الدين فى أن يكون لهم مجالهم الخاص ومجالهم العام المدنى الذى يتحركون فيه. وهنا يكون الدين قد تحول إلى أداة قمع لا تحكم فقط المجالين الخاص والعام ولكن السياسة والحكم والتشريع أيضا. ومن هنا تأتى أهمية الليبرالية، وليس العلمانية، حيث إنها تضع قيودا على الاستبداد باسم الدين والاتجار به، كما ترفض أن يكون البديل عن الاستبداد باسم الدين، استبدادا بغيره. فالليبرالية متصالحة مع الدين تحترمه وتضعه فى مكانه اللائق به سواء على المستوى الفردى أو كإطار عام لحياة الناس فى مجتمعهم دون أن يسمح للسلطة بالتعسف فى استخدامه. وهو ما سيتطلب قراءة أخرى فى مقال قادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.