العراق تاريخ حافل بالحضارة والحروب والمعاناة أيضا، تلك المعاناة تزداد فى حكايات النساء العراقيات. واحدة من الروايات التى تروى تلك الحكايات هى رواية «الحياة من ثقب الباب» الصادرة عن الكتب خان للكاتبة «ميادة خليل»، والتى تدور أحداثها فى حقبة مهمة من تاريخ العراق منذ عام 1945 وحتى 1995. ولدت «غزوة» عام 1945 فى مدينة بغداد أثناء فترة الحكم الملكى للعراق، وقد أطلق عليها هذا الاسم تيمنا بذكرى غزوة بدر.. «غزوة» هو اسم بطلة الأحداث وهو أولى النقاط المثيرة داخل الرواية؛ فلم تأت به الكاتبة للتعريف فقط بل هو تمهيد للأحداث التى تعيشها البطلة فى تلك الفترة، فيعد أول إسقاط على واقع وطن بأكمله ظل يعانى من نتائج الحروب إلى الآن الأمر الذى يدفع القراء إلى اتخاذ هذا الاسم كعنوان مواز للرواية. نشأت غزوة فى منزل جدها بعد أن هاجر الأب ولم يعد أبدا؛ تاركا خلفه امرأة وحيدة وابنتين هما «غزوة ومديحة»، فتواجه أولى حروبها فى هذا المنزل حين تعرضت للمضايقات والانتهاكات الجسدية من أحد أبناء أخوالها؛ وحين قررت الدفاع عن نفسها نظر إليها الجميع كما هى عادة المجتمع العربى كمذنبة يجب التخلص منها وهم فى الحقيقة يتخلصون من ضعفهم وقلة حيلتهم وعدم قدرتهم على حمايتها. خرجت غزوة من منزل جدها ثم انتقلت إلى منزل «محسن»، زوج لم تختره يعمل فى مديرية السفر والجنسية والإقامة، وخارج محل عمله يقوم بتزوير الهويات وجوازات السفر الأمر الذى أدى به إلى السجن ثم الموت فى ظروف غامضة، من تلك النقطة تنطلق الكاتبة تعرف القارئ بمشكلات الخلاف الطائفى بين الديانات وأصحاب المذاهب المختلفة لديانة واحدة، الذى يؤدى بالبعض إلى تزوير هوياتهم ليتمكنوا من العيش بسلام على أرض وطنهم، كما أشارت إلى أن هذه الخلافات تلجأ إليها الحكومات وتجعل منها وقود لنار الفتنة التى تدارى خلفها أخطاء الحكم. من خلال النبذة السابقة يمكن اختصار حكاية تلك السيدة، التى قد يرى القارئ أنها امرأة عادية حياتها هى حياة الكثيرات فى الوطن العربى، ولكن الكاتبة جاءت بفكرة غيرت مجرى الأحداث؛ فبطلة الرواية لديها قدرة خاصة وهى رؤية «خيالات» عن كل المحيطين بها، علامات من ماضيهم وعن مستقبلهم أيضا. لكنها لم تأت بهذه الفكرة من أجل الخرافة بل جعلت منها إسقاط مختلف تتحدث من خلاله عن مصائر الشخصيات المختلفة حول البطلة ونهاية الأحداث المهمة أيضا. كما ساهمت تلك الفكرة فى خلق سرد سريع ومختلف؛ فبدلا من التعريف المعتاد بالأبطال فى صفحات منفصلة قامت الكاتبة بسرد تلك الخيالات التى تكون البطلة ومعها القارئ من خلالها صورة عن هؤلاء أقرب ما يكون للحقيقة؛ فبعض هذه الخيالات لا يتحقق، كما استطاعت الكاتبة من خلال تلك الفكرة أن تحافظ على أهم عنصر من عناصر العمل الروائى وهو الخيال. جاء الجزء السابق وما تبعه من أحداث حتى نهاية صفحات الرواية فى لغة عربية سليمة بعيدة عن اللكنة العراقية التى يصعب على القارىء فهمها وقراءتها فى بعض الأحيان، فيما عدا القليل من المصطلحات التى أشارت الكاتبة إلى معناها بين الأقواس. سبق أن ذكرنا أن الرواية تناولت حقبة تاريخية من خلال حياة «غزوة» لكن الكاتبة لم تسرد تلك الأحداث بالتاريخ والمعلومات الدقيقة فمحركات البحث قادرة على أداء تلك المهمة، ولكن هدف الكاتبة هنا هو أن تشعر القارئ بالتغيرات السياسية من خلال الأخبار التى تصل إلى البسطاء من عامة الشعب فى نشرات الأخبار أو تلك التى يتبادلونها فيما بينهم. عرفت البطلة بسقوط النظام الملكى عام 1958 وظهور الحكم الجمهورى فى العراق على يد حزب البعث الشيوعى منذ عام 1968 من خلال أخبار الراديو والأناشيد الوطنية ثم تبع ذلك تولى الرئيس السابق «صدام حسين» مقاليد الحكم عام 1978 من خلال حماس العامة من الناس له وتناقل أخباره. أما عن الحروب فقد عرفت أخبار حرب الخليج الأولى كما أطلق عليها فى ذلك الوقت «حرب العراقوإيران»، وكررت السلطات العراقية الخطأ مرة ثانية حين شنت حربا على دولة الكويت العربية الأمر الذى أدى ببعض الرجال العائدين من الحرب الأولى إلى الانتحار كمصير أفضل مما رأوه فى الحرب السابقة، كما قررت بعض العائلات مساعدة أبنائهم فى الهروب خارج البلاد كما فعلت بطلة الأحداث، لتشير الكاتبة من خلال هذا القرار إلى جيل جديد نشأ ممزق بين انتمائه لأرض الوطن وبين رغبته فى الحياة والهروب من جنون السلطة بالحرب. عقب انتهاء الحرب على الكويت كان هذا التوقيت هو بداية النهاية لحزب البعث الحاكم تحت قيادة «صدام حسين» وقد أشارت الكاتبة إلى هذا التخبط حين سقطت «غزوة» فى يد أجهزة الأمن ظنا منهم أنها تستطيع لما تملك من قدرة على رؤية الخيالات أن تنبئهم بما يحدث من وراءهم خلف الأبواب، الأمر الذى يعد وهما فى رءوسهم فماذا يمكن أن يحدث فى وطن شهد كل هذا الدمار فى ثروته الإنسانية من الجنود ووصمت حضارته بالدموية والعداء للشعوب الأخرى «إيرانوالكويت» على وجه الدقة، فقد تحولت نفس المواطن العراقى إلى أبواب مثقوبة بالفقر والكره والاقتتال العقائدى، فهم ينظرون للحياة من خلالها فحياتهم ما هى إلا حياة من ثقب الباب. وضعت الكاتبة لنهاية الأحداث حكايتين منها الحقيقية التى حدثت بالفعل، ومنها الملفقة من قبل قوات الأمن؛ لتشير بذلك إلى هؤلاء القادة الذين يزيفون الحقائق، وأن التاريخ الحقيقى بين حكايات الشعب الذى يدفع وحده ثمن الحرب من إنسانيته المنتهكة ودماء أبنائه.