أرادت مشيئة الله تعالى أن يجرى كونه على سنة الأسباب، والسبب والمسبب، حتى لا يخلد الإنسان، وتخلد المخلوقات، إلى القعود عن السعى والعمل والجد لتتوافر لهم أسباب الحياة.. بل وأرادت مشيئته سبحانه أن يبلو عباده وأن يمتحنهم ويقويهم على الصبر وقوة احتمال الشدائد، فقال عز وجل فى كتابه العزيز: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (البقرة 155 157). قرنت الآيات الكريمة الإخبار بما قد يصادفنا من الشدائد، ببشارة الحق جل وعلا للصابرين على ما يصيبهم من مصائب، وحملت البشارة الربانية أقصى ما يتمناه المؤمن: صلوات ربه عليه، ورحمته سبحانه، وفلاحه فى الدنيا والآخرة. ودلت الآيات على أن «الصبر» عُدّة المؤمن فى مواجهة الشدائد. هذا الصبر مجاهدة ورياضة للنفس، مصحوبة بقوة الإرادة، فضعيف الإيمان يجزع ولا يقوى على الصبر. الصبر فى الحديث النبوى «نصف الإيمان، وهو مفتاح الفرج، واليقين هو الإيمان كله». ولذلك نرى الصبر دعاء المؤمنين إلى الله تعالى: «رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا» (البقرة 250) وبه أمر الحق عز وجل، فقال لنبيه المصطفى: «وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ» (النحل 127) ووعد الصابرين بأجزل الأجر والثواب فقال سبحانه: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ» (الزمر 10) فهم عمر بن الخطاب قانون السببية فى الكون، فهمها الصحيح، فكان يقول إن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وقال لجماعة من الفارغين الذين تركوا العمل بزعم أنهم متوكلون: «بل أنتم متواكلون. إنما المتوكل من ألقى حبة فى الأرض، وتوكله على ربه». وكان عليه الصلاة والسلام يوصى فيقول: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا». بهذه القوة الحميدة، والسعى المخلص، والصبر والجلد، أقام الإسلام منظومة كاملة لمواجهة الشدائد والمخاوف، ليخرج المؤمن منها أكثرة قوة واعتدالا، وأكثر امتنانًا وقربًا من الله.. Email:[email protected] www.ragai2009.com