في عصرنا الذي نعيش فيه تعصف بإيماننا عواصف الشدائد والمصائب التي تجتاحنا ليل نهار فتذرو ثوابت هذا الإيمان، فما أحوجنا إذن إلى أسلحة إيمانية نتقوى بها، حيث إن المسلم لا بد أن يتسلح بسلاح الأخلاق الإسلامية العظيمة كي يواجه بها شتى المصاعب والمشكلات، ومنها الصبر، فلا بد من التسلح والتقوِّي بتلك الأسلحة، وذلك اقتداء بأشرف خلق الله رسلِه الكرام الذين سماهم الله عز وجل أولي العزم. حيث خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ونحن معنيون بالخطاب معه، إذ العبرة -كما قال علماء الأصول- بعموم اللفظ وليس بخصوصه، يقول ربنا تبارك تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ} [الأحقاف: 35]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157[البقرة: 135-157]. من أهم الأسلحة الإيمانية التي تلوذ به الأمة في هذا التحدي سلاح الصبر، وقد أثبتت التجارب أنَّ مواجهات هذه التحديات بالصبر يحوٍّل المحنة إلى منحة. وقد وعد الله الصابرين جزاء لا حدود له، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر/10] والصابر يتحصل على أجره مرتين، قال تعالى: {أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [القصص:54]. ولأهمية هذه الخاصية للأمة الإسلامية نرى أنَّ القرآن الكريم قد مدح الصبر وأهله في الكثير من الآيات، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة/153] فمعية الله لا تتحقق هنا إلا للصابرين، فبالصبر تتنزل السكينة وتحصل الطمأنينة، والصبر هو السبيل لنيل حب الله قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران/146]، وبالصبر يتم تجاوزُ الشدة، فسنة الله الكونية هي أن النصر مع الصبر: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة/24]، فالأمة ليس من همها أن تكون على هامش التاريخ، أو الظفر بأي شيء يطلق عليه أنه حياة، أو التطفل على موائد الأمم، بل معركتها هي معركة الريادة الحضارية، وعليها أن تصبر لتنتصر في معركة الحضارة، والصبر هنا لا يعني أبدًا الاستسلام إلى القدر كالجبريين، بل الصبر هنا يعني معالجة الأمور بروية وتؤدة وتحكيم العقول الرشيدة، والابتعاد عن مواطن الهوى وحظوظ النفس. ولا بد أن تعلم الأمة الإسلامية علم اليقين أنها لن ترتفع لها راية، أو يعلو لها شأن إلا بصدق الإيمان، ونقاء التوحيد، وصفاء الإخلاص، إيمانٌ يستنير به القلب، وتستقيم به الجوارح، وهذا لا يكون إلا بتربية جادة، وإنك لتحزن حينما لا ترى إلا آثار تربية هشة، وأن طاقات الأمة تُستنزف في أمور تذهب بحلاوة الإيمان، وتضعف جذوته، فلا بد من اتخاذ الصبر سلاحًا إيمانيًّا في مواجهة الشدائد التي تعترض طريق المسلم، وكيف يتصور التطلع إلى النصر بنفوسٍ لم تذق حلاوة الإيمان، فقد قال النبي الكريم: "ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله ربًّا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً، وبالإسلام دينًا". لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر