الابتلاء امتحان إلهى، وسنة كونية إزاء تقلبات الحياة والظروف.. اعتاد الناس أن يحسبوا البلاء، على وجه واحد، هو الابتلاء بالمحن والصعاب والنوائب والملمّات، وأن يحسبوا أن كلَّ ابتلاء هو على شاكلة ما جرت به الآيات القرآنية الكريمة: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» (البقرة 155). ذلك أن تقلبات الأحداث سنة كونية، والإنسان معرض فى رحلة حياته للخطوب والشدائد والمخاوف.. فهذه طبيعة الحياة، وتلك سنّة الله تعالى فى كونه، ولا تبديل لسنّته. ولكن هذا الابتلاء قد يكون بالشدائد والشرور والمحن، وقد يكون بالخيرات والمنح والنعم. هذا الابتلاء ليس عن كراهة أو تعسير، بل قد يكون الابتلاء بالشدائد لأحب عباد الله إليه. وقد سئل النبى عليه الصلاة والسلام عن أشد الناس بلاءً واختبارًا، فقال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.. »، ويقول: «إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه، فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط». فلم يكن ابتلاء الله تعالى لنبيه أيوب عقابًا له على ذنب أو معصية، وإنما أراد سبحانه أن يكشف للناس مقدار إيمانه بربه، وثقته فى عدله، وصبره على قضائه، وقوة ضراعته والتجائه إلى خالقه القادر وحده على رفع الضُّرّ عنه. يقول تعالى: «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ» (الأنبياء 83، 84) والابتلاء قد يكون أيضًا بالمنح والخيرات والنعم.. يتفاوت الناس فى استقباله تبعًا لإيمانهم وسجاياهم.. قد يستقبله البعض بالبطر والغرور والتباهى به، مثلما حصل من قارون فيما روته سورة القصص بالقرآن الكريم.. كان من قوم موسى فآتاه الله كنوزًا تبوء بحملها العصبة من الرجال، ولكنه بغى وتجبر، ولم يحسن كما أحسن الله إليه! بل أعماه الغرور والغطرسة، وجعل يقول لناصحيه إن ما أوتى إياه كان بفضله وجهده وقدرته، وأصبح فخرج على قومه مغترًّا مزهوًّا متباهيًا فى زينته، فخسف الله به وبداره الأرض ولم يجد لنفسه نصيرًا ولا سندًا. قد يكون الخير فتنة، والفتن ابتلاء واختبار.. وفى ذلك يقول تعالى: «وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ» (الأنبياء 35).. فالله تعالى كما يرحم ببلائه، فإنه يبتلى ويختبر بنعمائه. ليبلو عباده هل يشكرون أم يطغون بالنعماء والغنى. من يُبتلى بالخير، فيشكر ربه على ما آتاه، يُبْتلى كيف نهض بما آتاه الله برًّا وعطاءً وإنفاقًا فى الخيرات، وسبيلا للإصلاح والعمار. Email:[email protected] www.ragai2009.com