خبير دستوري: اتحاد القبائل من حقه إنشاء فروع في كل ربوع الدولة    الشعبة تكشف تفاصيل تراجع أسعار الدواجن والبيض مؤخرًا    الآن رسميا.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 11 مايو 2024 بعد آخر انخفاض    موازنة النواب عن جدل الحساب الختامي: المستحقات الحكومية عند الأفراد والجهات 570 مليار جنيه    عز ينخفض لأقل سعر.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 11 مايو بالمصانع والأسواق    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن    حزب الله اللبناني يعلن استهدف مبنى لجنود إسرائيليين في مستعمرة المطلّة    الحصيلة 520 شهيدا .. مقبرة جماعية ثالثة في مجمع الشفاء الطبي والسابعة في مستشفيات غزة    نشرة التوك شو| أزمة قطع الكهرباء عن المعابد الأثرية وانخفاض أسعار الدواجن والبيض    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    قبل ذكرى النكبة.. ماذا يعني تصويت الأمم المتحدة على منح فلسطين العضوية الكاملة؟    الإمارات تحرج نتنياهو وترفض دعوته بشأن غزة: لا صفة له    فرنسا تدعو إسرائيل إلى وقف عمليتها في رفح بلا تأخير    ثنائي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية: التاريخ يذكر البطل.. وجاهزون لإسعاد الجماهير    حكام مباراة بلدية المحلة والأهلي.. ناصف حكم ساحة.. وطارق مجدي للVAR    محمد بركات: الأهلي أفضل من الترجي ويستطيع التتويج ب" أبطال إفريقيا"    ملف يلا كورة.. استمرار غياب الشناوي.. الأهلي لنهائي دوري السلة.. وجائزة تنتظر صلاح    أبرزها الأهلي أمام بلدية المحلة، حكام مباريات اليوم بالدوري الممتاز    مأمورية من قسم الطالبية لإلقاء القبض على عصام صاصا    وفاة شاب في حادث تصادم دراجة نارية وتروسيكل بالفيوم    بقلم ميري، معلمة تصفع طفلا من ذوي الهمم يهز ضمير الإنسانية في الأردن    برج الأسد.. حظك اليوم السبت 11 مايو: تقدم ملحوظ    أبناء السيدة خديجة.. من هم أولاد أم المؤمنين وكم عددهم؟    تناول أدوية دون إشراف طبي النسبة الأعلى، إحصائية صادمة عن حالات استقبلها قسم سموم بنها خلال أبريل    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    محمد بركات يشيد بمستوى أكرم توفيق مع الأهلي    نائب بالشيوخ: موقف مصر ثابت تجاه القضية الفلسطينية    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن حالة الطقس اليوم: «أجلوا مشاويركم الغير ضرورية»    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    عمرو أديب: النور هيفضل يتقطع الفترة الجاية    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    حظك اليوم برج العقرب السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بتوقيع عزيز الشافعي.. الجمهور يشيد بأغنية هوب هوب ل ساندي    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    رد فعل غريب من ياسمين عبدالعزيز بعد نفي العوضي حقيقة عودتهما (فيديو)    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    سيارة صدمته وهربت.. مصرع شخص على طريق "المشروع" بالمنوفية    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    «التحالف الوطني» يطلق قافلة جديدة ضمن مبادرة «عنيك في عنينا» للحد من مسببات العمى    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعمق حفرة صنعها البشر على الإطلاق في خضم الحرب الباردة
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 05 - 2019

قد تبدو شبه جزيرة كولا في الدائرة القطبية التي تتداخل فيها البحيرات مع الغابات والضباب والجليد، كأنها مدينة خيالية.
لكن في هذا الركن البديع من روسيا تقع محطة الأبحاث العلمية السوفيتية المهجورة، حيث يتوسط المبنى المتداعي غطاء معدني صدئ مغمور وسط الأراضي الخرسانية، ويشاع أن هذا الغطاء هو "مدخل جهنم".
إذ يخفي هذا الغطاء المعدني أعمق حفرة من صنع البشر على وجه الأرض، والتي يطلق عليها "بئر كولا العميق". إن هذه الحفرة عميقة لدرجة تجعل بعض سكان المنطقة يجزمون بأنهم يسمعون صرخات تعذيب الأرواح في الجحيم.
واستغرق حفر هذا البئر 20 عاما، ويصل عمقه إلى 12.2 كيلومترا في باطن الأرض. ورغم ذلك، فإن هذا العمق لا يمثل سوى ثلث سمك القشرة الأرضية فوق ما يعرف بالوشاح الأرضي. إذ توقف السوفييت عن الحفر عند هذا الحد بسبب تداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي.
وفي غمرة الحرب الباردة، كان التنافس على أشده بين القوى العظمى للتوغل إلى أعمق نقطة في القشرة الأرضية، أو حتى الوصول إلى الطبقة التي تعرف ب "وشاح" الأرض.
يقول أولي هارمز، من برنامج الحفر العلمي القاري العالمي وقد ساهم في مشروع حفر البئر الألماني المنافس لمشروع بئر كولا: "كان الروس آنذاك يحيطون مشروعاتهم بستار من الكتمان، وهذا ما دفعنا للدخول في تنافس مع الاتحاد السوفيتي على حفر أعمق حفرة".
ويضيف: "عندما بدأ الروس في الحفر، كانوا يزعمون أنهم عثروا على مياه جارية في الأعماق السحيقة، ولم يصدق العلماء ذلك لأن أكثر العلماء الغربيين كانوا يؤكدون أن الماء لا يمكن أن ينفذ خلال القشرة الأرضية التي تبلغ كثافتها خمسة كيلومترات".
ويمكن تشبيه كوكب الأرض بالبصلة، إذ تمثل القشرة الأرضية الغلاف الرقيق الخارجي الذي يغلف كوكب الأرض، ويصل سمكها إلى 40 كيلومترا، ويوجد تحتها الوشاح الذي يبلغ سمكه 1,800 ميل، ثم تليه النواة التي تشكل مركز الكرة الأرضية.
وعلى غرار سباق الفضاء، كان التنافس لاستكشاف هذه الأعماق السحيقة في باطن الأرض بمثابة استعراض للمهارة الهندسية والتطور التكنولوجي والعتاد العسكري. وكان العلماء آنذاك يرون أن عينات الصخور التي كانوا يتطلعون لاستخراجها من هذه الحفر العميقة لا تقل أهمية عن العينات التي جمعتها بعثات ناسا من القمر. لكن الفارق أن هذا السباق لم ينتصر فيه أحد.
إذ أطلقت الولايات المتحدة شرارة سباق الحفر في أواخر الخمسينيات بمشروع "موهول"، نسبة إلى ما يعرف في الجيولوجيا باسم "انقطاع موهو"، وهو الحد الفاصل بين القشرة الأرضية وطبقة الوشاح، وكان الهدف من المشروع حفر القشرة الأرضية وبلوغ طبقة الوشاح.
وقررت البعثة الاستكشافية الأمريكية، اختصارا للمجهود، تدشين عمليات الحفر في قاع المحيط الهادئ قبالة جزيرة غوادالوبي بالمكسيك، لأن القشرة الأرضية في قاع المحيطات تكون أقل سمكا منها في اليابسة، لكن المشكلة أن المناطق الأقل سمكا من القشرة الأرضية تقع في أعمق نقطة في المحيط.
وبدأ السوفييت عمليات الحفر في الدائرة القطبية في عام 1970، وأعقبهم الألمان في عام 1990، إذ دشنوا البرنامج الألماني للحفر العميق في القشرة الأرضية القارية في ولاية بافاريا، وحفروا حتى عمق تسعة كيلومترات.
لكن كل هذه المشروعات كانت تفتقر للأجهزة والمعدات التكنولوجية المتطورة، واضطر المهندسون لابتكارها من الصفر.
وعندما بدأ الحفر في قاع البحر في إطار مشروع "موهول" عام 1961، لم تكن التقنيات الأساسية للحفر في أعماق البحار قد اختُرعت بعد، مثل نظام التموضع الديناميكي، الذي يساعد على تثبيت السفينة في موضعها، واضطر المهندسون لتطوير أنظمة دفع على جانبي السفينة لتستقر فوق الحفرة.
كما واجه المهندسون الألمان صعوبة في عمل حفرة رأسية، وابتكروا تقنية لا تزال تستخدم في حفر أبار النفط والغاز حول العالم.
لكن كل هذه البعثات الاستكشافية باءت بالفشل، إذ واجهت مشروعاتهم عقبات عديدة، منها التسرع وعدم كفاية الاستعدادات ووجود عوائق صعبة حالت دون مرور الحفارات، أو عدم تحمل الآلات لدرجات الحرارة المرتفعة في باطن الأرض، أو ارتفاع التكاليف، ناهيك عن العوامل السياسية، وكل ذلك أسهم في إجهاض تطلعات العلماء وطموحاتهم بالحفر إلى أعماق سحيقة في باطن الأرض لم يصل إليها بشر من قبل.
وقبل عامين من وصول نيل آرمسترونغ إلى القمر، أوقف الكونغرس الأمريكي تمويل مشروع "موهول"، بعد أن خرجت التكاليف عن السيطرة. وأسفرت جهود العلماء الأمريكيين عن استخراج بضعة أمتار من صخور البازلت التي بيعت بنحو 31 مليون دولار، بقيمة الوقت الحالي.
وتوقفت أعمال الحفر في بئر كولا العميق في عام 1992، بعد أن بلغت درجة الحرارة في أعماق باطن الأرض 180 درجة مئوية، أي ضعف توقعات المهندسين، وبات من المستحيل تعميق الحفرة. وفي أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، عجزت الدولة عن تمويل هذه المشروعات. وبعد ثلاث سنوات أُغلقت المحطة برمتها، والآن أصبحت وجهة للسياح المغامرين.
لكن البئر الألماني أفلت من هذا المصير، إذ لا تزال معدات الحفر قائمة في مكانها، لكن الرافعة لا تستخدم الآن إلا لإنزال معدات القياس في الحفرة. وغدا الموقع الآن فعليا مرصدا لكوكب الأرض، أو متحفا فنيا.
وعندما أنزلت الفنانة الألمانية لوتي غيفان مكبرات الصوت المحاطة بغلاف خاص يقيها من الحرارة المرتفعة في الحفرة الألمانية، التقطت هديرا عميقا، لم يجد له العلماء تفسيرا، وجعلها تشعر أنها ضئيلة، وتقول: "لأول مرة في حياتي أشعر أن كوكب الأرض ينبض بالحياة، وكان صوته مرعبا. وبينما يرى البعض أن هذا الصوت كان يشبه صوت اضطرام نار جهنم، قال أخرون إنهم سمعوا صوت شهيق وزفير كوكب الأرض".
ويقول هارمز: "كنا نخطط لعمل حفرة أعمق من حفرة السوفييت، لكننا لم نتمكن من الحفر حتى عمق 10 كيلومترات في الوقت المتاح، وتعذر تعميق الحفرة بسبب درجات الحرارة المرتفعة في باطن الأرض. كما تزامنت عمليات الحفر مع توحيد ألمانيا في مطلع التسعينيات الذي كلف ألمانيا أموالا طائلة، ولم يكن ثمة أمل في الحصول على أي أموال إضافية لتغطية تكاليف تعميق الحفرة".
ويضيف هارمز: "كنا نرى أن عمليات الحفر إلى طبقة الوشاح هي بعثة استكشافية، لأنها تتطلب الكثير من الاستعدادات والجهود، ولأنك ترمي إلى الوصول إلى نقاط لم يصل إليها بشر من قبل. وكلما تعمقت في الحفر وجدت أشياء مدهشة، ولا سيما عندما تتوغل في القشرة الأرضية".
ويقول دامون تيغل، أستاذ الكيمياء الجغرافية في كلية علوم الأرض والمحيطات، بالمركز الوطني لعلم المحيطات بجامعة ساوثهامبتون، ويشارك في مشروع الحفر الجديد الذي تقوده اليابان: "عندما شاركت مع فريق من العلماء من مشروع الحفر في أعماق البحار وبرنامح الحفر في المحيطات في عمل حفرة عميقة، كنا أول من رأى قشرة محيطية لم يصل إليها أحد من قبل، وكان الأمر مثيرا".
واليوم، ينفذ البرنامج الدولي لاستكشاف المحيطات مشروعات مشابهة، أهمها "إم توم إم- موهول" للوصول إلى طبقة الوشاح، ويخطط العلماء في هذا المشروع للحفر في قاع البحر، حيث يبلغ سمك القشرة الأرضية ستة كيلومترات. ويهدف المشروع، الذي بلغت تكلفته مليار دولار، إلى استخراج صخور من طبقة الوشاح لأول مرة في تاريخ البشرية.
وستستخدم في هذا المشروع سفينة حفر يابانية علمية عملاقة صنعت منذ نحو 20 عاما بمواصفات محددة لتنفيذ هذا المشروع. وتعتمد السفينة على نظام التموضع العالمي ومزودة بستة نفاثات تدار بالكمبيرتر لتغيير وضع السفينة بدقة بالغة.
ويقول شون توكزكو، مدير برامج بالوكالة اليابانية لعلوم الأراضي والمسطحات البحرية: "من المتوقع أن تستأنف هذه السفينة مشروع موهول الذي بدأ منذ 50 عاما. إذ قطعت مشروعات الحفر العميق شوطا طويلا في سبر أغوار القشرة القارية السميكة. والآن نحاول استكشاف الحد الفاصل بين القشرة الأرضية والوشاح".
ويبحث العلماء في هذا المشروع عن الموقع المناسب لتنفيذ عمليات الحفر، بحيث يكون قريبا من موقع الحفر في المنطقة الأكثر عمقا من المحيط، وفي الوقت نفسه تستوعب شواطئه منصات تكلفتها مليار دولار، ويجري العمل فيها على مدار 24 ساعة.
ويقول هارمز، إن هذه البعثات الاستكشافية يصعب تكرارها بسبب تكاليفها الباهظة، إذ قد تصل تكلفة البعثة الواحدة إلى مئات الملايين من اليوروهات، وتخصص نسبة ضئيلة منها للاستكشافات العلمية الأرضية، والباقي للتطوير التكنولوجي والتشغيل. وربما نحتاج إلى بعض السياسيين الطموحين الذين يروجون لأهمية هذه البعثات الاستكشافية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.