رجائى عطية: صناعة التماثيل وسيلة من وسائل عن الأفكار.. ولا يمكن أن يكون الأصل عدم الجواز تراث الإنسانية ميراث تراكمى يبدأ عند الأجداد مرورا بالآباء وصولا إلينا نحن الأحفاد، وإذا كان الأصل أن نضيف إلى رصيدهم من ثقافة وفنون لنترك بدورنا ميراثا يستحق لمن يأتى بعدنا، فما يحدث الآن بعد أن عبر الإنسان المعاصر جسر التطور فى كل شيء دون أن يأخذ معه ذرة من التحضر، ليهاجم كل إرث إنسانى بدعوى أنه مخالف للتعاليم الإسلامية. المفكر المصرى رجائى عطية، دافع عن نظرة الإسلام وروحه السمحة المعتدلة بالنسبة للإرث الإنسانى من تماثيل وفنون تشكيلية، فى كتابه «تجديد الفكر والخطاب الدينى» بمقال عن الرأى الفصل فيما يتعلق بمسألة تحريم الفنون وإقامة التماثيل وتذوق الفن التشكيلى باستعراض آيات القرآن وآراء الفقهاء. أصبحت الفنون التى سجلت تاريخ البشرية عند الغلاة والمتطرفين وثنية ومفسدة، بل ولجأوا إلى تدمير وهدم كل ما تراءى لهم أنه أصنام، مثلما فعلت حركة «طالبان» فى أفغانستان، وما حدث فى مكتبات العراق بعد الغزو الأمريكى، وحتى فى مصر انتشرت منذ فترة دعاوى هدم الأضرحة ومقامات الأولياء الصالحين، رغم ما يعنيه ذلك من تدنيس حرمة الأموات، وتدمير لأعمال فنية تمثل تراثا للأمة المصرية، حاملين لواء مكافحة الوثنية باعتبار التماثيل والأعمال الفنية من نحت وتصوير، بدعوى أنها نوع من الوثنية المناقضة للتوحيد أساس العقيدة الإسلامية. وإذا كان الإسلام عقيدة التوحيد التى تنهى عن الشرك بالله، بما يتضمنه ذلك من عبادة الأصنام، أو حتى اتخاذها وسيلة للتشفع بقرباتها إلى الله، لكن لم ينه الإسلام عن الجمال، ولم يدع إلى القبح، وإذا تمعنا فى آيات القرآن أو السنة سنجد أن النهى عن الأصنام جاء مقرونا بما جرى من عبادتها أو التوسل بها إلى الله أو اتخاذها سبيلا إلى الإشراك به، وجاء هذا الاقتران بين الوثن والعبادة صريحا فى الآيات القرآنية. وذكر رجائى أن الأصنام التى هدمت أو أزيلت من الكعبة يوم فتح مكة، لم يكن لجمالها أو حسنها وإنما لأنها كانت تُعبد دون الله، وهو المعنى الذى غاب عن الذين يتخذون موقفا من الفنون والأعمال التشكيلية دون وعى أو تفرقة، فإذا كانت هذه الأعمال تنشد جمالا فهذا يستحضر الإيمان ولا يعاديه، وإذا كانت تدعو للتأمل فهذا لا يعنى الكفر أو الإشراك بالله. وما أنتجته الإنسانية من أعمال نحت وتصوير وتماثيل ولوحات دون تجسيد أو إشراك لم يقصد به أو حتى يتضمن أى معنى من معانى الوثنية أو أن تتخذ أنصابا وأصناما تُعبد، حتى إن أول رد فعل عند رؤية هذه الأعمال هو أن تقول تلقائيا «الله»، هذا النطق بلفظ الجلالة يرينا أن قدرة الله هى ما يتبادر إلى أذهاننا عند رؤية شيء جميل. وتعرض العلماء من قديم للبحث فى شرعية التماثيل والصور، وكان الرأى بين متشدد يرفض أو غير متشدد يرخص أو يبيح، وبحكم عضويته فى مجمع البحوث الإسلامية، شارك عبدالله النجار فى حوار حول رسالة وردت من السنغال حول الحكم الشرعى فى «صناعة تماثيل مكتملة»، ورد المجمع بفتوى صدرت عن الإمام الأكبر جاد الحق على شيخ الأزهر الأسبق عن النحت والحفر اللذين يتشكل منهما تمثال كامل أو حيوان، ذكر فيه حديث مروٍ منسوب إلى النبى يُفهم منه أنه لا يقر التصوير حين دخل أحد البيوت فشاهد تمثالا فسأل عنه فقيل إنه تمثال مريم، وعقب شيخ الأزهر على ذلك بأن هذا الرد كان سدا لذريعة عبادة التماثيل كما كان مثل الأمم السابقة. وقصر بعض العلماء الحرمة على ما قصد به مضاهاة خلق الله، ورجوعا إلى فتوى شيخ الأزهر جاد الحق على فإن السابقين قاموا بتسجيل أعمالهم وتاريخهم وثقافتهم نقوشا ورسوما ونحتا وأن دراسة تاريخ أولئك السابقين يدفع لمزيد من تقدم الحضارة النافع، وكثير من آيات القرآن تلفت إلى السير فى الأرض ودراسة آثار السابقين، لذا فإن إقامة المتاحف هى ضرورة للاحتفاظ بآثار الأمم السابقة تاريخا، وحتى دُ دُمى الأطفال فلا معنى للعبادة فيها وليست أصناما، وانتهى إلى أن الإسلام لا يحرم إقامة المتاحف أو أى أثر من الآثار ولا عرض التماثيل والصور المجسمة بالمتاحف للتاريخ والدراسة. واستخلص الكاتب أن صناعة التماثيل وسيلة من وسائل التعبير يعبر بها الإنسان عن أفكاره كما يعبر عنها بالحركة والكلمة والتمثيل ولا يمكن أن يكون الأصل عدم الجواز فى وسائل التعبير لأن البيان من ضمن النعم، وليست كل مضاهاة لخلق الله محرمة فى ذاتها، فجهاز غسيل الكلى الصناعية يضاهى عمل الكلى الطبيعية ولا حرج فى ذلك، ومن ثم لا يجوز التحدث عن المضاهاة بإطلاق فى شأن التماثيل والصور. وأشار إلى أن التحريم كان للعبادة، وهناك من يخلط دون دراية بين طبيعة الشيء وبين استخدامه ويرد خطأ الاستخدام إلى الشيء ذاته، فقطعة الحجر هى مجرد حجر فإن عبدها ملتاث فالعيب فيه لا فى ذاتية الحجر، ومن يدمر الإبداعات الفنية باسم الإسلام يظلم الإسلام ويسىء إليه ويقدمه أسوأ تقديم للعالم، فالإسلام حارب الوثنية والشرك وليس الجمال والفن.