أقامت مكتبة الشروق بالمهندسين مساء الاثنين ندوة لمناقشة كتاب «قصر الطاهرة: درة فى حديقة خلابة» الذى أصدره مركز توثيق التراث الحضارى التابع لمكتبة الإسكندرية، والذى يعد الكتاب الثانى بعد «قصر عابدين: جوهرة قاهرة القرن التاسع عشر» فى سلسلة كتب توثيق القصور الذى يصدرها المركز. الكتاب يحتوى على مجموعة كبيرة من الصور لقصر الطاهرة، الذى يعد أحد أهم دور الضيافة الرئاسية بمصر فى القرن العشرين، ويروى التاريخ المعمارى للمبنى، والذى أوضح الدكتور فتحى صالح رئيس مركز التوثيق الحضارى أنه بنى على طراز القصور الأوروبية مع تطعيمه بزخارف تنتمى لحضارات مختلفة، على عكس القصور التى بنيت فى عهد محمد على والتى كانت تخضع للطراز العثمانى، وأوضح أن القصر يرجع إنشاؤه لأحد أصدقاء الملك فاروق وهو محمد طاهر باشا، وعندما جاء محمد رضا بهلوى ولى عهد إيران فى زيارة لمصر كى يطلب يد الأميرة فوزية أخت الملك، احتار فاروق فى مكان استضافته، فاقترح عليه صديقه أن ينزل ولى عهد إيران بقصره، وبعد مغادرة الضيف طمع فاروق فى القصر واشتراه باسم الملكة فريدة، ثم أخذ منها تنازلا عن القصر، وضمه لأملاكه الخاصة، ونقل إليه مجموعة كبيرة من أثاث القصور الأخرى، من أشهرها طاولة البلياردو التى كانت موجودة فى قصر محمد على بشبرا الخيمة، وبعد قيام ثورة يوليو 1952، أُممت كل القصور الملكية التابعة للدولة فى ذلك الوقت، ورغم أن هذا القصر كان ملكية خاصة لفاروق، رفض مجلس قيادة الثورة إعادته للعائلة المالكة عندما طالب به أبناء الملك المخلوع. وقال د. صالح إن من أهم الأحداث التاريخية التى مرت بالقصر، أن حرب أكتوبر 1993 أديرت منه، وهناك صورة شهيرة للسادات وحوله رجال الجيش وهم يقفون حول منضدة كبيرة يناقشون عليها خطة الحرب، هذه المنضدة هى نفسها، طاولة البلياردو التى جاءت من قصر محمد على، كما تم فيه تصوير واحد من أجمل الأفلام التى تناولت تدهور حياة بعض الباشاوات التابعين للأسرة المالكة بعد ثورة يوليو، وهو فيلم الأيدى الناعمة الذى أنتج عام 1963، وأخرجه للسينما محمود ذو الفقار. والقصر صممه واحد من أشهر المعماريين فى العالم، هو أنطونيو لاشياك، الذى يعتبره د.فتحى صالح أعظم المعماريين الأجانب الذين جاءوا إلى مصر، ويرى أنه من الواجب إقامة تمثال له فى أحد ميادين القاهرة الخديوية، حيث إنه صمم مجموعة كبيرة من مبانى هذه المنطقة، مثل الفرع الرئيسى لبنك مصر، عمارات الخديوية، المبنى القديم لوزارة الخارجية المصرى، مدرسة الناصرية بشارع شامبليون، مبنى محطة الرمل بالإسكندرية، كما أنه أعاد تصميم قصر عابدين بعد تعرضه للحريق، حيث كان مبنيا قبل ترميمه بالخشب على غرار مبنى الأوبرا القديم الذى تعرض هو الآخر للحريق عام 1971. استطاع لاجياك ببراعة استغلال المساحة الصغيرة نسبيا بالقياس لباقى القصور الملكية، فى تصميم مبنى القصر بتوازن، وجاذبية فى الشكل، تحيطه حديقة بديعة، مكونا علاقة متناسقة بين المبنى والطبيعة الخلابة المحيطة به. وكان لتأثيثه من الداخل واختيار ديكوراته دور مهم فى توفير الشعور بالترحاب والراحة للزائر والمقيم، حيث وزعت التحف وقطع الأثاث داخل الغرف بتناسق وجمال ينم عن ذوق رفيع، ويستعرض كتاب «قصر الطاهرة» فى فصل كامل وصف الحديقة وما تحتويه من نباتات نادرة. مركز توثيق التراث الحضارى أنشئ منذ عشر سنوات، ويخدم الباحثين، والهيئات بدعم مادى من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومهمته هى توثيق التراث المصرى والحفاظ عليه وإدارته، وأوضح د. فتحى صالح، أن من أهدافه استخدام التكنولوجيا الحديثة فى توثيق التراث، ونشر البيانات والمعلومات التى يوثقها بجميع الوسائل، وهو معنى أيضا بتوثيق الفنون المختلفة، وليس المبانى الأثرية أو ذات القيمة التاريخية فقط، مثل، اللوحات والأغانى القديمة لكبار المطربين، إلى جانب المساهمة مع دار الوثائق القومية، التى أنشئت فى عهد محمد على، فى توثيق المخطوطات الأثرية، حيث تمتلك مصر ثانى أكبر مكتبة مخطوطات فى العالم بعد تركيا.