المعية السنية.. مصطلح كان يطلق على فئة من الناس، ظهرت مع بداية حكم محمد على لمصر، وهم الرجال الملتفون حول الحاكم، من خلال وظائف رسمية أو غير رسمية، وهم عادة الذين يرافقونه فى الرحلات، ويلبون رغباته، ويستقبلون ضيوفه، ويصوغون القوانين طبقا لاحتياجاته. وعلى كثرة الأحداث التاريخية بمصر فى فترة حكم الأسرة العلوية، نجد أن هناك ثلاثة مراحل انتقالية تعتبرها كتب التاريخ الأهم فى هذه الفترة، أولها فترة حكم مؤسس الأسرة محمد على، والثانية هى فترة حكم حفيده إسماعيل، والثالثة كانت لآخر ملوك مصر الفعليين، الملك فاروق، ولو دققنا النظر سنرى أن هذه الفترات الثلاث، شهدت تغييرا كبيرا فى اختيار وتوظيف الرجال الذين يحيطون بالحاكم، ما يوضح مدى تأثيرهم فى الأحداث التى يرصدها التاريخ. عن دور هذه الفئة فى الحياة السياسية، وحقيقة علاقتهم بالحاكم، والشروط التى يجب توافرها فيهم، ومصيرهم بعد انتهاء خدمتهم، أو بعد رحيل حاكمهم يحدثنا الدكتور «عبدالوهاب بكر» فى كتابه «البلاط الملكى ودوره فى الحياة السياسية المصرية» والصادر عن مركز الدراسات التاريخية بدار «الشروق». يوضح الكاتب أن كلمة «السنية» المأخوذة من السناء أضيفت إلى المعية، تعبيرا عن «المرافق لرفيع المقام»، وظل المصطلح يستخدم منذ عصر «محمد على» إلى ظهور مصطلح البلاط الملكى عام 1922. الكتاب يعد دراسة مهمة تتناول كيفية اختيار هؤلاء الرجال، ومستوى ثقافتهم، والخلفية الاجتماعية لهم، ويتعرض لأهم قسم من أقسام البلاط، وهو «الديوان الملكى» ومراحل تطوره الذى ارتبط بتطور السياسة فى البلاد، ومدى تأثيره فى شكل الحياة داخل وخارج القصر، فنعرف أن هذه الفئة من الموظفين نشأت عندما تولى «محمد على» حكم مصر، واحتاج إلى مساعدين يديرون معه البلاد، لعدم خبرته بالشارع المصرى، وبدأ فى إنشاء وظائف جديدة شغلها بعض أقاربه، ورجال الجيش، مثل «الكتخدا النائب»، «قابجى باشى مسئول الباب والاتصالات»، «الخازندار مسئول الخزينة»، «السلاحدار مسئول التسليح»، «الدفتردار المسئول المالى». تطور الأمر فى عصر الخديو إسماعيل، حيث كان الرجل متأثرا بالحياة الغربية التى تعرف عليها منذ نشأته، ويعرفنا الكتاب سريعا على مظاهر التغريب التى حدثت للبلاد فى عصره، فنعرف أنها بدأت بنقل مقر الحكم من قلعة صلاح الدين، إلى قصر عابدين الذى بناه المهندس «دى كوريل ديل روسو»، وزخرفه مجموعة من الفنانين المصريين، الإيطاليين، والفرنسيين، والأتراك، ثم أعاد تخطيط مدينة القاهرة، التى تمتد من بركة الأزبكية فى ذلك الوقت إلى شاطئ النيل، وتجدر الإشارة فى هذا السياق إلى أحد الكتب المهمة الذى يؤرخ مبانى تلك المنطقة، وهو كتاب «القاهرة الخديوية للدكتورة سهير حواس». كان لهذه الأفكار الغربية دور فى اختيار إسماعيل لرجاله، ودخول بعض الأجانب فيه مثل «ينَى»، و«دليو بك»، و«بيتى بك» و«زهراب بك»، ما جعل الحياة داخل القصر تأخذ شكلا مختلفا، فظهرت أشكال جديدة للاحتفالات مثل «الباللو» وهو نوع من الحفلات الراقصة كانت تقام فى القصور الملكية الأوروبية، ويقال إنه دخل مصر فى 1869، وتحديدا فى احتفالات افتتاح قناة السويس، الذى حضره ملوك ورؤساء العديد من الدول، فى مقدمتهم أوجينى إمبراطورة فرنسا، كما ألحق بحاشيته مجموعة كبيرة من ضباط الجيش، ويرى الكاتب أن شخصية بلاط إسماعيل كانت أوروبية بشكل عام، وفرنسية بشكل خاص. ويشير الكتاب إلى أن وجود أسماء أجانب فى بلاط إسماعيل، أحدث تغييرات فى طبيعة هذه الوظائف، فمثلا كان رجال التشريفات يكلفون باستقبال الزائرات فى الحفلات الرسمية، ومرافقتهن، مع تقديم أيديهم كى تتكئن عليها حتى تصلن إلى المضيف، مع مراقصتهن فى «الباللو». يركز الكتاب أيضا على فترة حكم الملك فاروق، لما حدث فيها من تغير فى شكل البلاط الملكى ودخول بعض الوظائف التى لم تكن تحسب عليه من قبل مثل: «الشماشرجى، والحلاق، ومدرب الحيوانات»، ثم علا شأن سلطتهم، وأصبح لها وزن فى القصر، وأصبح بعض أصحابها حديثا للمجتمع والصحافة المصرية والأوروبية، وكانت من أهم الوظائف فى البلاط الملكى، التى ابتدعت فى عهد فاروق، ولاتزال موجودة إلى الآن، هى طائفة المستشارين، والتى بدأت بتعيين كريم ثابت مستشارا صحفيا للملك، والذى لم يعتبر وقتها تعيينا وظيفيا بالمعنى المفهوم نظرا لعدم تقاضيه راتبا، وتجدر هنا الإشارة إلى أن مذكرات كريم ثابت أصدرتها دار «الشروق» تحت عنوان «فاروق الذى أعرفه» وقدم لها الكاتب والمفكر السياسى الكبير محمد حسنين هيكل. ومن النقاط المهمة التى استعرضها الدكتور «عبدالوهاب بكر» فى هذه الفترة هى انحراف الحاكم وبلاطه واستبداد الإدارة، والاعتداء على القوانين والأعراف، ودور حاشية فاروق فى حرب فلسطين، والخلاف الذى حدث فيما بينهم، بعد الهزيمة بسبب تحميلها للفريق محمد حيدر القائد العام للقوات المسلحة.