جدول امتحانات الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني بالفيوم    الوطنية للصحافة: الأحد القادم صرف مكافأة نهاية الخدمة لمعاش مارس 2024    «السلع التموينية» تعلن شراء 120 ألف طن قمح أوكراني في ممارسة دولية    سفير الصين يحضر فاعلية «النيل يلتقي نهر ليانجما» بالأقصر    تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي    صحفية صينية: بكين تريد تعزيز العلاقات مع برلين والاتحاد الأوروبي    استمرار عمليات الإجلاء بسبب الفيضانات في روسيا وشمالي كازاخستان    المبعوث الأممي إلى ليبيا: قدمت استقالتي ل"جوتيريش" وقبلها على مضض    ممثلو بريطانيا وأمريكا وروسيا لدى الأمم المتحدة يدعون إلى استكمال العملية السياسية لتحسين الوضع في ليبيا    سانشو يتحدى جريزمان في تشكيل دورتموند وأتلتيكو بدوري الأبطال    فوز العهد اللبناني على النهضة العماني بذهاب نهائي كأس الاتحاد الآسيوي    6 ملايين جنيه لأعمال إنشائية بمراكز شباب القليوبية    فانتازي يلا كورة.. دفاع إيفرتون يتسلح بجوديسون بارك في الجولة المزدوجة    «الأرصاد» تحدد موعد انخفاض درجات الحرارة.. وتحذر من الرياح المثيرة للرمال    طفطف سياحي وأتوبيسات.. رأس البرّ تستعد لاستقبال فصل الصيف    إصابة فني تكييف إثر سقوطه من علو بالعجوزة    ضبط 7300 عبوة ألعاب نارية في الفيوم    أشرف زكي والأب بطرس دانيال أول الحضور في عزاء شيرين سيف النصر    بعد ردها على منتقديها.. ريهام حجاج تتصدر مؤشر جوجل    انطلاق مهرجان التحرير الثقافي بالجامعة الأمريكية غدا    في استطلاع إعلام القاهرة: مسلسل الحشاشين يحصد أصوات الجماهير في أفضل ممثل ومؤلف ومخرج    خالد الجندي: نشكر «المتحدة» على برامجها ونقل الفعاليات الدينية في رمضان    مفيد لمرضى القلب والضغط.. ماذا تعرف عن نظام داش الغذائي؟    غير آمنة وتحتوي على مكونات ضارة.. تحذير هام من هيئة الدواء ضد تلك المنتجات    نادي مدينتي يستضيف بطولة الجمهورية للاسكواش بمشاركة 1500 لاعب    الخميس.. "بأم عيني 1948" عرض فلسطيني في ضيافة الهناجر    أوبل تستبدل كروس لاند بفرونتيرا الجديدة    «أيبيريا إكسبريس» الإسبانية تستأنف رحلاتها من مدريد لتل أبيب غدًا الأربعاء    وزير التعليم يستقبل مدير عام منظمة الألكسو لبحث التعاون المشترك    بعد تحذيرات العاصفة الترابية..دعاء الرياح والعواصف    عالم بالأوقاف: يوضح معني قول الله" كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ"؟    عاجل- عاصفة رملية وترابية تضرب القاهرة وبعض المحافظات خلال ساعات    مصرع صبى إثر إنقلاب عربة كارو فى المنزلة بالدقهلية    في فصل الربيع.. كل ما يخص مرض جفاف العين وكيفية العلاج (فيديو)    وزير الخارجية ونظيره الصيني يبحثان تطورات الأوضاع في قطاع غزة ومحيطها    الحرية المصري يشيد بدور التحالف الوطني للعمل الأهلي في دعم المواطنين بغزة    جامعة الإسكندرية تتألق في 18 تخصصًا فرعيًا بتصنيف QS العالمي 2024    وزير التعليم: مد سن الخدمة للمُعلمين| خاص    فى ذكرى ميلاده.. تعرف على 6 أعمال غنى فيها عمار الشريعي بصوته    وزير الأوقاف: إن كانت الناس لا تراك فيكفيك أن الله يراك    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    «الأهلي مش بتاعك».. مدحت شلبي يوجه رسالة نارية ل كولر    فصل التيار الكهربائي "الأسبوع المقبل" عن بعض المناطق بمدينة بني سويف 4 أيام للصيانة    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من أبريل 2024: فرص غير متوقعة للحب    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    صداع «كولر» قبل مواجهة «وحوش» مازيمبي في دوري أبطال إفريقيا    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    المؤبد لمتهم و10 سنوات لآخر بتهمة الإتجار بالمخدرات ومقاومة السلطات بسوهاج    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    «لا تتركوا منازلكم».. تحذير ل5 فئات من الخروج خلال ساعات بسبب الطقس السيئ    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراع الثقافى فى أوروبا اليوم
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 01 - 2019

ما زلت، ومنذ عدت إلى برلين فى سبتمبر 2018، أبحث فى أسباب صعود اليمين المتطرف فى المجتمعات الأوروبية. خلال الأسابيع الماضية، قرأت نصوص حوارات أجريت مع سياسيين وبرلمانيين يمينيين ينتمون إلى أحزاب حاكمة (إيطاليا) وأخرى معارضة (فرنسا وألمانيا والسويد)، وتابعت مداخلات إذاعية وتليفزيونية للمتحدثين باسم اليمين المتطرف. طالعت أيضا بعض الدراسات عن طبيعة القواعد الناخبة لليمين ومطالبهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعن حدود تعبير برامج الأحزاب اليمينية المتطرفة عن تلك المطالب، أردت أن أعرف إن كان وراء صعود كارهى الأجانب ورافضى اللجوء والراغبين فى تفتيت الاتحاد الأوروبى طيف آخر من الأسباب غير الخوف من الغرباء والقلق على المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية من استنزاف اللاجئين، ورغبت فى التلمس الموضوعى والمبتعد عن المبالغة للتداعيات الفعلية لصعود اليمين المتطرف على المؤسسات الديمقراطية التى تدير شئون الأوروبيين منذ انتصف القرن العشرين.
أولا، تشترك أحزاب اليمين المتطرف فى إطلاقها للاتهامات بالجمود والفساد والابتعاد عن الناخبين باتجاه أحزاب اليمين واليسار التقليدية، ويعبر اليمينيون المتطرفون هنا، وكما تدلل استطلاعات الرأى العام فى المجتمعات الأوروبية، عن انطباعات سائدة بين قطاعات شعبية واسعة لم تعد تتحمل جمود برامج أحزاب يمين ويسار الوسط فى فرنسا وألمانيا ورفضهم للتغيير أو فضائح الفساد المتكررة التى ضربت النخب السياسية التقليدية الإيطالية، من جهة، يوظف اليمين المتطرف اتهاماته للأحزاب التقليدية لكى يجتذب تأييد ناخبين بين الطبقات العاملة والفئات محدودة الدخل والتعليم من البيض الأوروبيين سأموا رؤية ذات الوجوه فى مقاعد الحكم والمعارضة ويبحثون عن وجوه جديدة تتحدث بلغتهم وتستخدم مفرداتهم عند المطالبة بإيقاف تدفق الأجانب واللاجئين أو الحد من تدخل الاتحاد الأوروبى فى السياسات الاقتصادية والمالية وسياسات العمل للدول الأعضاء. ومن جهة أخرى، يكتسب اليمينيون المتطرفون طابعهم الشعبوى من خلال انتقاداتهم المستمرة (بل وعدائهم الصريح) للنخب ويبدون بمظهر السياسيين والبرلمانيين القريبين من هموم ومطالب العمال ومحدودى الدخل من «السكان الأصليين».
ثانيا، تتشابه أحزاب اليمين المتطرف فى تبنيها لخطاب سياسى يوظف المقولات القومية لصياغة رفض صريح لوجود الأجانب واللاجئين من غير البيض ولكيان الاتحاد الأوروبى بوضعيته الراهنة، الوطنيون الإيطاليون، القوميون الألمان، الديمقراطيون السويديون، الجبهة الوطنية الفرنسية؛ بمسميات كهذه يتقرب اليمين المتطرف من المشاعر الوطنية للبيض الأوروبيين الخائفين على ضياع «الهوية الأصلية» لمجتمعاتهم ويستخدم خوفهم لاجتذاب التأييد لبرامج سياسية تدعو إلى إغلاق أبواب أوروبا فى وجه الأجانب واللاجئين. وبمسميات كهذه أيضا يسجل اليمين المتطرف رفضه لانصهار الدول الوطنية والقوميات الأوروبية فى اتحاد يدار من بروكسل ولا يستطيع الناخبون التأثير فى قراراته، يزعم اليمين المتطرف ذلك متجاهلا للمكاسب الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التى حققها الاتحاد الأوروبى لشعوب القارة ومتناسيا لكون الناخبين فى المجتمعات الأوروبية يشتركون فى تحديد سياسات وقرارات الاتحاد عبر انتخاب حكوماتهم التى تمثلهم فى الاتحاد ومن خلال انتخابات البرلمان الأوروبى وهى انتخابات مباشرة يصوت بها الأوروبيون لاختيار هيئة تشريعية تمثلهم وذات صلاحيات واسعة، بإغلاق أبواب أوروبا فى وجه الأجانب واللاجئين وبإغلاق أبواب المجتمعات الأوروبية على قومياتها البيضاء «الأصلية»، يسجل اليمين المتطرف خروجه على توافق الأحزاب التقليدية فى اليمين واليسار الرافض لعزل القارة الأوروبية عن محيطها الإقليمى والعالمى والمتبنى لتعميق التكامل والتعاون داخل أوروبا، وبينما أسفر تزايد أعداد الطارقين لأبواب أوروبا عن انتشار الخوف على ضياع الهوية الأصلية بين قطاعات واسعة من البيض الأوروبيين، رتب الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى المزيد من الدعاية المضادة للاتحاد فى أوساط اليمين المتطرف الذى صارت الكثير من أحزابه تتحدث صراحة عن مغادرة الاتحاد ورغبتها فى تنظيم استفتاءات شعبية مشابهة للاستفتاء البريطانى.
ثالثا، تظهر استطلاعات الرأى العام وكذلك دراسات تفضيلات الناخبين وسلوكهم التصويتى أن القواعد الناخبة لليمين المتطرف لم تعد ترى لا السياسة ولا المؤسسات الديمقراطية كمجال للصراع السلمى بين اليمين واليسار حول قضايا مثل النظم الضريبية وسياسات العمل والأجور وإعانات البطالة والعجز والرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية. جل ما يراه ناخبو اليمين المتطرف فى السياسة هو صراع ثقافى بين دعاة فتح أبواب أوروبا للأجانب واللاجئين وبين المطالبين بإغلاق الأبواب، بين دعاة تبنى قيم عصرية تحض على الحرية والمساواة وقبول الآخر وبين الباحثين عن إنقاذ ما يرونه الهوية الأصلية والمتمسكين بفهم تقليدى للقيم الدينية المسيحية يرفض على سبيل المثال زواج المثليين، صراع ثقافى بين دعاة الانصهار فى اتحاد أوروبى تذوب به القوميات واللغات ويتضامن به الأغنياء مع الفقراء وبين القوميين المدافعين عن المشاعر الوطنية والمطالبين بالحفاظ على القوميات داخل أوروبا حتى وإن كان ثمن ذلك هو الخروج من الاتحاد.
تفسر حقيقة أن ناخبى اليمين المتطرف يرون السياسة كمجال لصراع ثقافى يؤيدون به من يرفع لافتات إغلاق الأبواب والدفاع عن الهوية الأصلية والحفاظ على القوميات داخل أوروبا، تفسر هذه الحقيقة محدودية اهتمام ناخبى اليمين المتطرف بالبرامج السياسية لأحزاب كالجبهة الوطنية الفرنسية وحزب البديل لألمانيا وحزب ديمقراطيى السويد والائتلاف اليمين الحاكم اليوم فى إيطاليا. فالتورط فى الصراع الثقافى لا يستدعى صياغة برامج سياسات محددة بشان الضرائب وسوق العمل والرعاية الاجتماعية، ولا يستلزم التميز فى الأطروحات الانتخابية عن المقولات البسيطة التى يتداولها الناس حول وجود الأجانب واللاجئين والدور الفعلى للاتحاد الأوروبى. المطلوب فقط هو رفع اللافتات المناسبة والقرع المستمر لطبول جمود وفساد النخب التقليدية، والخوف من الغرباء وعلى الهويات الأصلية والقيم التقليدية، وضرورة مواجهة الانصهار فى اتحاد أوروبى يلغى القوميات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.