أثار الرئيس الأسبق الغضب عندما قال إن كثيرين من الأمريكيين لا يريدون رئيسا أسود. وهذه هى الحقيقة، للأسف. وقد اعتدنا من كارتر هذه الصراحة المزعجة، بالنسبة لبعض منتقديه. وبرغم بلوغه الرابعة والثمانين، يواصل الرئيس الأسبق إظهار استعداده لطرح أكثر الموضوعات إثارة للصدمة، وغالبا ما يكون ذلك فى الوقت غير المناسب. والموضوع، هذه المرة هو العرق، وبتحديد أكثر، العنصرية التى تنطوى عليها أقبح أشكال النقد الموجهة إلى الرئيس أوباما وأكثرها صخبا. قال كارتر: «أعتقد أن الناس مخطئون فى مثل هذا النوع من الهجوم الشخصى على أوباما الذى أثر بدرجة كبيرة فى الاعتقاد بأنه يجب ألا يكون رئيسا لأنه أمريكى من أصل أفريقى». وبعد 10 شهور من تدفق الأمريكيين على الشوارع للاحتفال بالانتخاب التاريخى لأول رئيس أسود، يسترد العنصريون، وقدامى دعاة التفوق والفصل العنصرى من البيض جرأتهم. ومع تراجع أوباما فى استطلاعات الرأى، ومع تزايد النقد لخطته لإصلاح قطاع الصحة وسياساته الاقتصادية، يشعر المتعصبون بالارتياح. وتوجيه النقد للرؤساء أمر عادى يعرفه الحزبان ومتوقع فى مثل هذه الظروف. وهو بغيض أحيانا. فقد سخروا من رونالد ريجان ووصفوه بالكسل وقلة المعرفة. وأطلقوا على جورج بوش «ابن تكساس السام» والمعتوه الذى ورطنا فى العراق. لكن كراهية أوباما من جانب شريحة معينة من اليمين المتطرف تحولت إلى شىء آخر أقرب إلى المرض. وعندما صاح أحد نواب الجنوب بالكونجرس: «أنت تكذب» أثناء جلسة أوباما المشتركة فى الكونجرس فى هذا الشهر، كان هذا عرضا صادما لعدم الاحترام، لا للمؤسسة وحدها وإنما للرئيس نفسه. ولا يحتاج المرء إلى أن يدقق كثيرا فى مسيرة 12 سبتمبر بواشنطن المعادية لأوباما ومعظمها من البيض، ومن الريف إلى حد كبير ليرى الرايات الكونفيدرالية، رمز «التراث» عند بعض الجنوبيين البيض ورمز القمع العنصرى بالنسبة للسود. أو الشعارات ذات الطابع العنصرى، مثل «فى حديقة الحيوان أسد أفريقى فى البيت الأبيض أفريقى كاذب». وكان آخرون يحملون شارات تطالب ب «إعادة أوباما إلى كينيا». وكانت العنصرية السافرة قد دخلت العرض فى وقت مبكر من هذا العام مع ظهور ما أطلق عليه حركة «المولِّد»، وهى جماعة صغيرة لكنها عالية الصوت من المهووسين المتآمرين الذين على قناعة بأن أوباما مولود فعلا فى كينيا وأنه غير مؤهل لأن يكون رئيسا، برغم الأدلة الدامغة على عدم صحة ذلك. فإذا كان الرئيس أبيض واسمه هو أومالى، هل كان لأحد حينها أن يتساءل إن كان ولد سرا فى أيرلندا؟ ولنعد إلى الحملة نفسها، عندما أسفرت العنصرية عن وجهها القبيح على الحواف، برغم الانتصارات الساحقة التى حققها أوباما، خاصة فى الولايات ذات الأغلبية البيضاء كولاية أيوا. فقد كان هناك، فى مسيرات ماكين بالين، من يحمل دمية قرد مع ملصقات أوباما. وكان هناك من يهتف بأن أوباما «عربى». ولتكوين فكرة بسيطة عن هذه القبائح، لك أن تلقى نظرة على الفيلم التسجيلى المزعج «أمريكا اليمين: الشعور بالخطأ»، حيث حضرت مخرجة الفيلم ألكسندرا بيلوسى، ابنة نانسى بيلوسى المتحدثة باسم البيت الأبيض، 28 مسيرة تأييد لجون ماكين وسارة بالين، ولم تفعل أكثر من ترك المهووسين يتحدثون مباشرة إلى الكاميراوالميكروفون. وأكثر ما يزعج ليس شلال التفاهة الشريرة الصادر عن هؤلاء الناس، بل سعادتهم التامة البادية لمشاركتهم فى هذا الفيلم التسجيلى. ويكمن السر المخزى للسياسة الأمريكية فى أن العرق ظل مسألة بارزة منذ عقود. ونادرا ما يجرى الحديث عن المسألة بطريقة مباشرة، فهو يجرى بلغة مشفرة. لكن العنصرية لم تكن تيارا خفيا قبيحا بهذه الصورة منذ إنهاء المحكمة العليا لفصل جيم كرو فى الجنوب فى 1954. وفى أواخر الستينيات، تبنى ريتشارد نيكسون، وعينه على ال 13٪ من الأصوات التى ذهبت إلى حاكم ألاباما العنصرى، جورج والاس، فى الانتخابات الرئاسية عام 1968، ما صار يعرف ب «الاستراتيجية الجنوبية»، التى وجهت لدعوات صاخبة لانتخاب والاس وحشدت الجنوب خلف الجمهوريين على مدى جيل (ما عدا الحالات التى كان يشارك فيها ديمقراطى من الجنوب فى الانتخابات الرئاسية). وحسبما أبلغنى زميلى السابق بالبوست، توماس أدسول، الذى يكتب كثيرا عن العرق والسياسة، فإن والاس هو الذى قاد العمل التحضيرى للنسخة الحالية من الشعبوية المحافظة. وعلى مدار السنوات الأربعين الماضية، تعلم الجمهوريون ترديد صدى «نقاط الغضب»، من خلال عبارات مشفرة مثل «حقوق الولايات»، و«القيم الأسرية»، و«التصدى للجريمة بصرامة» ومعارضة «تركيز الحكم» وتدخل «القضاة الفيدراليين». وأحيانا تكون الإشارات العنصرية حاذقة، لكنها ليست كذلك فى كثير من الأحيان. وفى 1980، بدأ ريجان حملته الرئاسية فى نشوبا كاونتى، بولاية مسيسيبي، المكان سيئ السمعة الذى شهد اغتيال ثلاثة من العمال المطالبين بالحقوق المدنية فى 1964، وأعلن: «إننى أؤمن بحقوق الولايات». وما إن انتهت الحملة حتى شجب ريجان ما سماه «ملكة الرفاة من شيكاغو». وعرف مؤيدوه ما يعنيه. وكان من المفترض أن يشكل انتصار أوباما لحظة فارقة تجعلنا نتجاوز العرق، فقد كان «مرشحا ما بعد العنصرية». لكن دعنا نلقى نظرة فاحصة على الأرقام. حصل أوباما على 53% من مجموع الأصوات، لكنه لم يحصل إلا على 47% من أصوات البيض تفوق عليه ماكين ب 12% من أصوات البيض. والأهم هو نتائج بعض الولايات. ففى الولايات الكونفيدرالية الجنوبية القديمة، لم يحصل أوباما على أكثر من 30% من أصوات البيض، برغم فوزه بنحو نصف أصوات البيض فى الولايات غير الجنوبية. وفى ألاباما، لم يفز أوباما بأكثر من 10% من أصوات البيض، بينما حصل على11% من أصواتهم فى ميسيسيبى، و14% فى لويزيانا. فهل كل المعارضة الموجهة إلى أوباما وأجندته عنصرية؟ بالطبع لا.. فكثير من الأمريكيين يخشون بوضوح مما يعتبرونه تعميقا تدخل الحكومة الفيدرالية فى الاقتصاد الأمريكى وفى حياتهم. والخوف من تجاوز الحكومة هو أمريكى بقدر ما هو جمهورى. والحال كذلك بالنسبة للمقاومة العنيدة لأى خطط ل «إعادة توزيع» الثروة تنازليا. ف «من يملكون» لا يودون أبدا أن يدفعوا المزيد من الضرائب لمساعدة «من لا يملكون». لكننا نجد الجانب العنصرى أيضا عندما يكون «من لا يملكون» من فقراء السود وذوى الأصول الإسبانية والمهاجرين، الذين قدموا إلى البلاد بصورة غير قانونية. لقد اندفع الزعماء الجمهوريون والمحافظون إلى الميكروفونات لإدانة جيمى كارتر للعبه بورقة العرق. ومن المؤسف حقا أنه عندما تعلق الأمر بإدانة العنصريين الذين يحملون اللافتات ويشككون فى مسقط رأس رئيس البلاد ألزم هؤلاء «الزعماء» أنفسهم بالصمت التام. New York Times Syndication