جامعة عين شمس تفتتح فعاليات مبادرة "تمكين" لتعزيز حقوق ذوي الإعاقة    مصر وطن السلام    هل تزيد أسعار السجائر في نوفمبر المقبل؟ شبعة الدخان تكشف الحقيقة |خاص    وزير المالية: إعطاء أولوية للإنفاق على الصحة والتعليم خلال السنوات المقبلة    محافظة المنيا تحقق الترتيب الرابع على محافظات الجمهورية في ملف التقنين    إسرائيل ... ومبادرة السلام (2/2)    بيراميدز يسقط في فخ التأمين الأثيوبي في ذهاب دوري الأبطال    الوزير وأبوريدة معًا فى حب مصر الكروية    إخماد حريق اندلع في مخزن ل قطع غيار السيارات بالإسكندرية    الأرصاد تكشف توقعات حالة الطقس وفرص الأمطار المتوقعة غدا بمحافظات الجمهورية    «ترندي» يسلط الضوء على عودة محمد سلام بأداء مؤثر في احتفالية «مصر وطن السلام»    5 أبراج تهتم بالتفاصيل الصغيرة وتلاحظ كل شيء.. هل أنت منهم؟    كيف يفكر الأغنياء؟    نقابة الصحفيين تحتفل باليوم الوطني للمرأة الفلسطينية.. والبلشي: ستبقى رمزا للنضال    الحكومة الإسرائيلية: سنحتفظ بالسيطرة الأمنية الكاملة على قطاع غزة    ضبط المتهم بإصابة 3 أشخاص في حفل خطوبة بسبب غوريلا.. اعرف التفاصيل    مصر وفلسطين والشعر    طاهر الخولي: افتتاح المتحف المصري الكبير رسالة أمل تعكس قوة الدولة المصرية الحديثة    هل رمي الزبالة من السيارة حرام ويعتبر ذنب؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة يبحث مع جمعية أطباء الباثولوجيا المصريين في أمريكا تعزيز التعاون في التعليم الطبي والبحث العلمي    البابا تواضروس يكلف الأنبا چوزيف نائبًا بابويًّا لإيبارشية جنوب إفريقيا    الهجرة الدولية: نزوح 340 شخصا بولاية شمال كردفان السودانية    وزير الخارجية يتابع استعدادات افتتاح المتحف المصري الكبير    بسبب خلافات بينهما.. إحالة مدير مدرسة ومعلم بالشرقية للتحقيق    أستون فيلا ضد مان سيتي.. السيتيزنز يتأخر 1-0 فى الشوط الأول.. فيديو    محافظ المنوفية يتفقد عيادات التأمين الصحي بمنوف    نقابة الصحفيين تعلن بدء تلقي طلبات الأعضاء الراغبين في أداء فريضة الحج لعام 2026    إطلاق مبادرة "افتح حسابك في مصر" لتسهيل الخدمات المصرفية للمصريين بالخارج    القوات المسلحة تدفع بعدد من اللجان التجنيدية إلى جنوب سيناء لتسوية مواقف ذوي الهمم وكبار السن    سلوت: تدربنا لتفادي هدف برينتفورد.. واستقبلناه بعد 5 دقائق    ترتيبات خاصة لاستقبال ذوي الهمم وكبار السن في انتخابات الأهلي    محافظ المنوفية يتفقد إنشاءات مدرسة العقيد بحري أحمد شاكر للمكفوفين    تجهيز 35 شاحنة إماراتية تمهيدًا لإدخالها إلى قطاع غزة    تامر حبيب يهنئ منة شلبي وأحمد الجنايني بزواجهما    مستوطنون يهاجمون المزارعين ويسرقوا الزيتون شرق رام الله    كنز من كنوز الجنة.. خالد الجندي يفسر جملة "حول ولا قوة إلا بالله"    مقتل شخصين وإصابة ثمانية آخرين جراء هجمات روسية على منطقة خاركيف    الأمن يكشف حقيقة فيديو فتاة «إشارة المترو» بالجيزة    وزير الصحة يتفقد مجمع السويس الطبي ويوجه بسرعة الاستجابة لطلبات المواطنين    الزمالك يوضح حقيقة عدم صرف مستحقات فيريرا    كيف تتعاملين مع إحباط ابنك بعد أداء امتحان صعب؟    الرئيس الفلسطيني يصدر قرارًا بتولي نائبه رئاسة فلسطين حال خلو منصب الرئيس    مهرجان القاهرة يهنئ أحمد مالك بعد فوزه بجائزة أفضل ممثل في «الجونة السينمائي»    الموعد والقنوات الناقلة لمباراة ريال مايوركا وليفانتي بالدوري الإسباني    منح العاملين بالقطاع الخاص إجازة رسمية السبت المقبل بمناسبة افتتاح المتحف    حسام الخولي ممثلا للهيئة البرلمانية لمستقبل وطن بمجلس الشيوخ    رئيس الوزراء يستعرض الموقف التنفيذي لأبرز المشروعات والمبادرات بالسويس    حصاد أمني خلال 24 ساعة.. ضبط قضايا تهريب وتنفيذ 302 حكم قضائي بالمنافذ    مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية ، عن 10 آداب في كيفية معاملة الكبير في الإسلام    مصدر من الأهلي ل في الجول: فحص طبي جديد لإمام عاشور خلال 48 ساعة.. وتجهيز الخطوة المقبلة    اتحاد التأمين يوصى بارساء معايير موحدة لمعالجة الشكاوى تضمن العدالة والشفافية    هيئة الرقابة المالية تصدر قواعد حوكمة وتوفيق أوضاع شركات التأمين    الكشف على 562 شخص خلال قافلة طبية بالظهير الصحراوى لمحافظة البحيرة    د. فتحي حسين يكتب: الكلمة.. مسؤولية تبني الأمم أو تهدمها    تداول 55 ألف طن و642 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    موعد بدء شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيام الصيام    مصرع شخص في حريق شقة سكنية بالعياط    بث مباشر الأهلي وإيجل نوار اليوم في دوري أبطال إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الثقافة
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 09 - 2009

يشيع استخدام لفظ «ثقافة» للدلالة على أسلوب للتعامل مع إحدى القضايا التى تشغل المجتمع. فهناك من يطلق «ثقافة التغيير» على مجتمع يحتاج إلى تغيير أوضاعه، للدلالة على مدى إدراكه لطبيعة التغيير المطلوب وكيفية إحداثه واتخاذ ما يلزم لتحقيقه. ويشير البعض إلى «ثقافة الفقر» للدلالة على استكانة مجتمع لسيادة الفقر والعمل على التعايش معه بدلا من بذل جهد للتخلص منه. ويجرى الحديث عن «ثقافة المقاومة» تعبيرا عن قيام مجتمع بالتصدى لقوى العدوان، وتنظيمه حياته على نحو يفضى إلى التخلص منها.
من جهة أخرى حينما يذكر لفظ «ثقافة» منفردا فإنه يقصد به كيفية تعامل المجتمع مع بيئته، متغلبا على ما يصادفه من صعاب، ومستفيدا مما يخلقه من إمكانيات، ومستمدا العبر من تجاربه السابقة، ومسترشدا بما يصل إلى علمه من خبرات مجتمعات أخرى، خاصة إذا كانت متقاربة معه فى منظومات القيم والمعتقدات. فإذا أفلح المجتمع فى تطوير منظومته الثقافية على نحو يمكنه من الارتقاء بشئونه الحياتية بشكل يقبل قدرا أوسع من القبول بين مختلف فئاته أيا كان مستواها، فإنه يكون قد أرسى مقومات حضارة تميزه عما سبقه وعما يحيط به. أى إن الثقافة تصفه فى حالة ساكنة، بينما الحضارة هى ناتج إكساب الثقافة ديناميكية تزيل عنها عوامل التخلف والركود. وما نشهده من صراعات هو فى الواقع ناتج تباين فى الثقافات، حتى وإن ادعت إحداها أو بعضها أنها حضارة قائمة، فهى بحكم التعريف أفضل فى نظر أصحابها مما سبقها أو عما عداها.
على أن المشكلة تنشأ عندما يجرى الحديث عن «المثقفين» إذ إنه يشير إلى فئة ذات صفات تميزها عن باقى المجتمع، الأمر الذى يحكم عليهم بمفهوم المخالفة أنهم غير مثقفين. والواقع أن المقصود بهذا المصطلح أن أفراد تلك الفئة يتمتعون بصفتين: اتساع الاطلاع والقدرة على الإبداع، أيا كانت الوسيلة التى يجرى بها التعبير فى هذا الإبداع، وهى صفات شخصية وليست مجتمعية. ومن هنا برزت أساليب التعبير الأدبى والفنى. لذلك تركز اهتمام وزارة الثقافة المصرية فى أنشطة المسرح والسينما والفنون التشكيلية والرقص والغناء والموسيقى، والتأليف والترجمة، وقصور الثقافة والمكتبات ومعارض الكتب. وبحكم تميز مصر فى تراثها الثقافى، فإن الوزارة وضعت فى مقدمة أنشطتها شئون الآثار لمختلف العهود، بما فى ذلك إقامة المتاحف والمناطق التاريخية، وهو ما ينصب على التراث الحضارى ولا علاقة له بالنهوض بثقافة المجتمع المصرى فى الحاضر والمستقبل.
وترتب على ذلك أن اتصفت مصر بظاهرة تكاد تكون فريدة: فهى من ناحية تعيش على تراث حضارى، ما زال عدد من مقوماته الثقافية يلقى رواجا بين أهله، ولكنه لا يشكل منظومة متكاملة ومتوافقة تصلح أساسا لاستكمال مشوارها الحضارى وتوفر قدرة على التعامل مع مستجدات العصر، وهى من ناحية أخرى تنجب قلة من العمالقة وسط كثرة من الأقزام فى مختلف جنبات الحياة. وقد أفضى هذا إلى فقدان العائد المستحق من إسهامات تلك القلة، بل وربما إلى استبعادها من المجتمع الذى تسوده الكثرة الضحلة. فالبعض حورب جهارا نهارا إلى حد اتهامه بالكفر والإلحاد، والبعض الآخر بحث عن متنفس له فى مجتمعات أخرى قبلت أن تعطيه موقعا متقدما، ويسرت له إمكانيات الاطلاع والإبداع.
إن المشكلة أن المفهوم الفئوى للثقافة طغى على المفهوم المجتمعى بسبب غيبة هذا الأخير. ورغم الحديث عن التنمية ونعتها حينا بأنها بشرية أو إنسانية، وأخرى بأنها مستدامة تفسح مجالا لرعاية احتياجات الأجيال المقبلة التى ستعايش بالضرورة مستويات رفاهية أعلى، فإن المفاهيم تختزل فى النهاية إلى حديث عن بنيات فوقية، سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، دون اعتبار للبنية التحتية، وهى أساسا المنظومة الثقافية الصالحة لاستنبات رؤى التقدم وبناء القيم اللازمة لكى يصح العزم على تحقيقها. وتُستنزف جهود جمة فى الحوار حول إصلاح اقتصادى يساير ما يجرى فى عالم تسوده عولمة اقتصادية جاءت كنتاج تطور ثقافى ذى مضمون يوافق صناع الحضارة السائدة، وحول إصلاح سياسى يقحم تنظيمات تلائم متطلبات سيادة مفاهيم للديمقراطية وحقوق الإنسان ظهرت كختام لسلسلة من الصراعات الثقافية التى استخدمت فيها جميع الأدوات الممكنة، بما فيها أدوات الحروب الساخنة والباردة. إن إى محاولة جادة للتنمية لا تبدأ من الاقتصاد أو السياسة، وإنما من البعد الغائب رغم أنه صاحب الحق وهو المجتمع الصالح الذى يقوم على قواعد بنية ثقافية قادرة على غربلة حصيلة ما توصلت إليه البشرية وانتقاء ما يتوافق مع طبيعتها التى هى بالضرورة متمايزة بحكم التعددية التى يتصف بها الجنس البشرى.
إن التنمية لا يمكن أن تتحقق لشعب ما لم يقم بتنظيف منظومته الثقافية وتوظيفها فى بناء تنظيم اجتماعى قادر على التآلف رغم التباين، وساعٍ إلى التعايش أيا كانت مواقعه التى تتأثر باعتبارى الاقتصاد والسياسة. ولعل نماذج اليابان والصين والهند وعديد من دول جنوب شرق آسيا توضح ما استطاعت أن تحققه من ملاحقة للحضارة الغربية (الأوروبية أساسا) بتوظيف أفضل ما فى قيمها الثقافية، وفى مقدمتها التفانى فى العمل والاحترام المتبادل.
إن محاولة اللحاق بركب الحضارة الغالبة فى عصرنا هذا من منظور نقل أحدث ما وصلت إليه منتجات التكنولوجيات الحديثة، خاصة تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، يوقع أصحابها فى فخ طالما حذر منه علماء التنمية وهو فخ التبعية الفكرية التى تحرم من يقع فيه من العنصر الأساسى الذى يحدد معالم طريق التقدم، وهو القدرة على الإبداع. قد يعتقد البعض أن أقصر الطرق هو نقل أفضل منتجات الحضارة الحديثة فى شكلها المادى، دون اعتبار لمراجعة المنظومة الثقافية الذاتية، الأمر الذى يؤدى إلى «مسخ ثقافى»، لا تستقيم فيه المقدمات مع النواتج. ويترتب على ذلك سوء استخدام تلك المنتجات والعجز عن الحصول على نفس القدر من الإشباع الذى يجنيه من توصلوا إليه فى ضوء منظومتهم الثقافية المختلفة. وقد ساد هذا النمط فى دول النفط العربية عندما سمحت الموارد المالية باقتناء أى شىء، استهلاكيا كان أو إنتاجيا، ماديا أو معنويا، لتتعايش البداوة فى الحياة اليومية مع البذخ فى الاستهلاك الترفى. وقد نقل العمال المصريون المغتربون تلك الأنماط المشوهة، بما فى ذلك معاملة المرأة والأسرة الكبيرة، فزلزلوا قواعد المجتمع المصرى، فى الريف والحضر.
وحينما ترسخت أنماط الاستهلاك وزادت الإيرادات الريعية من النفط دون القيام بإنتاج فعلى، بدأت عملية إعادة تنظيم الحياة وفق النمط الغربى، فحدث «استلاب ثقافى» تنقل فيه أنماط العمران ومؤسسات المجتمع بما فى ذلك مؤسسات التعليم والخدمات المتميزة، من جانبها المؤسسى، وهو ما اقتضى محاكاة أنماط سلوكية غريبة على المنظومة الثقافية الراكدة، مما أفضى إلى تصارع بين التمسك بمقومات الثقافة الذاتية الراكدة والانجراف وراء ثقافات قد تكون مفضية إلى تدمير حضارة براقة.
إن الأمر لا يقتضى مجرد وزارة ثقافة تنظف الشوارع وتضىء الآثار وتترجم الكتب.. بل لا بد من مشروع ثقافى نهضوى عربى، يقوده المثقفون المعنيون بشئون وطنهم، وتوفر له الدولة سبيل النجاح. لا أعتقد أن شخصا فى الحزب الحاكم، ولا السيد وزير الثقافة الذى يريد الانتقام من إسرائيل بتقزيمها (وهو ما كان يجب أن يسبق الترشيح لمنظمة عالمية، ولسبب حضارى غير رسوب سيادته) قادر أو راغب فى ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.