فوجئت على شاشة إحدى الفضائيات بأستاذ من جامعة الأزهر متخصص فى الإعلام، يحلل ويحرم، والغريب أن الرجل ظل يجيب عن أسئلة المشاهدين، ولم يقل ردا على أى سؤال «لا أعلم» وراح يجيب عن كل الأسئلة يستدل ببعض الآيات والأحاديث مما جعلنا نسأل العلامة الدكتور يوسف القرضاوى رئيس اتحاد علماء المسلمين، عن الإفتاء ومواصفات المفتى. القرضاوى قال إن المفتى أو الفقيه الذى يقوم مقام النبى صلى الله عليه وسلم جدير بأن يكون على قدر كبير من العلم بالإسلام، والإحاطة بأدلة الأحكام، والدراية بعلوم العربية، فلا يجوز أن يفتى الناس فى دينهم من ليس له صلة وثيقة وخبرة عميقة بالكتاب والسنة. ويجب على المفتى كما يشير القرضاوى العلم بأقوال الفقهاء، ليعرف منها مواضع الإجماع والخلاف، والعلم بأحوال الفقه، ولا يجوز أن يفتى الناس من يعيش فى صومعة، ولا يعى واقع الناس، ولا يشعر بمشكلاتهم. ولابد للمفتى من ثقافة عامة، تصله بالحياة والكون، وتطلعه على سير التاريخ، وسنن الله فى الاجتماع الإنسانى، حتى لا يعيش فى الحياة وهو بعيد عنها، جاهل بأوضاعها. فالمفتى البصير يجب أن يكون واعيا للواقع، حتى يربط فتواه بحياة الناس، فهو لا يكتب نظريات، ومراعاة الواقع تجعل المفتى يراعى أمورا معينة، ويضع قيودا خاصة، وينبه على اعتبارات مهمة. ومن أخلاقيات المفتى أن يفتى بما يعلم أنه الحق، ويصر عليه، ولو أغضب أصحاب السلطان، ويكفيه أن يرضى الله تبارك وتعالى، وقد أفتى كثير من الأئمة بأحكام رأوها حقا، ورآها أصحاب السلطان ضد سلطانهم، فأصروا عليها مجاهرين، وعرضوا أنفسهم لسخط المتسلطين، فضربوا وأوذوا، ولكنهم صبروا على ما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا. واستنكر القرضاوى الجمود على الفتاوى القديمة دون مراعاة الواقع المعاصر وظروف الزمان والمكان والعرف والحال، وقال «على سبيل المثال فإن كتب الفقه تشير إلى أن حليق اللحية لا تقبل شهادته، ومهما يكن رأينا فى حلق اللحية فنحن لا نستطيع رد شهادة الحليق، فلو أخذنا بالرأى المدون فى الكتب لأوشكنا أن نعطل المحاكم فى أداء وظيفتها فى الفصل فى الخصومات والقضاء بين الناس والعدل. وأكثر من ذلك ما ذكره الفقهاء من أن تناول الطعام فى الطريق يسقط المروءة، وبالتالى يسقط الشهادة، ويضيف القرضاوى «لا يخفى أن عصرنا يعرف بأنه عصر السرعة،ولهذا نرى كثيرا من الناس يأكلون فى الشوارع، وأمام المحال، ونحوها، ولم يعد هذا السلوك منافيا للمروءة لدى جمهور الناس كما كان من قبل». أما ما يراه الشيخ القرضاوى خطرا على المفتى هو أن يتبع الهوى فى فتواه، وبخاصة أهواء الرؤساء وأصحاب السلطة، الذين ترجى عطاياهم، فيتقرب إليهم الطامعون والخائفون، بتزييف الحقائق، وتبديل الأحكام، ومثل ذلك اتباع أهواء العامة، والجرى وراء إرضائهم، بالتساهل أو بالتشدد، وكله من اتباع الهوى المضل عن الحق.