في خطايا القرضاوي الرد الأحمد علي الأستاذ مكرم أحمد اطلعت علي مقالين للأستاذ مكرم محمد أحمد في جريدة الأهرام بتاريخ 1، 2009/9/2م يمتدح فيهما الشيخ يوسف القرضاوي فيصفه بالعلامة المبجل وصاحب الرؤية الوسطية والمتمسك بالقرآن والسنَّة الصحيحة بفهم ديني صحيح، وصاحب منهج رشيد رائق مصفّي من أي شائبة، وكل هذا المديح كان تعليقًا علي آخر ما كتبه القرضاوي في كتابه (فقه الجهاد) وقد تعجبت من هذا المدح المبالغ فيه. وازداد تعجبي أن يصدر ذلك من نقيب الصحفيين الذي كان له باع في تتبع أفكار الجماعات الإسلامية المتطرفة، فإذا به يمتدح شيخًا معروفًا لدي الداني والقاصي بانتمائه الفكري للفرقة المحظورة (الإخوان المسلمين) ولم يثبت لدينا بمشافهة صوتية أو مرئية أو مكتوبة بين أيدينا ما يدل علي براءة القرضاوي من فكر الفرقة المحظورة، بل لازال الرجل يمتدح منهاج فرقته ويروج لجماعته فكيف غاب ذلك عن السيد نقيب الصحفيين؟ وبما أن مدح النقيب كان بسبب كتاب فقه الجهاد للقرضاوي فأنا أسوق للأستاذ النقيب بعض الطامَّات الخطيرة التي دونها القرضاوي في كتابه المذكور: 1- يقول يوسف القرضاوي في كتابه فقه الجهاد ص 107 ج1: ومما يؤسف له أشد الأسف أن كثيرًا من أبناء المسلمين يتحرقون شوقًا إلي الجهاد لتحرير المسجد الأقصي ومساندة إخوانهم في أرض الإسراء والمعراج ولكن ...: دول المواجهة (الأردن ولبنان وسوريا ومصر) كلها تمنع دخول أي مجاهد إلي أرض فلسطين وقد تطلق قواتها الرصاص إذا حاول التسلل بالدخول ولا حول ولا قوة إلا بالله. أ.ه. 2- حيث عنون في كتابه المذكور ص 170 ج1 وما بعدها: ميدان الجهاد في داخل المجتمع فيذكر ميدان مقاومة الظلم والظالمين والأخذ علي أيديهم وعدم الركون إليهم... ويقول: ولهذا يدين القرآن جنود الطغاة كما يدين الطغاة أنفسهم كما في قوله سبحانه: (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين)... فأوجب الرسول - صلي الله عليه وسلم - مجاهدة الظلمة والطغاة علي كل مسلم بما يقدر عليه من اليد أو اللسان أو القلب... ولقد اهتم الإسلام بهذا الجهاد وحث عليه وجاء في بعض الأحاديث اعتباره أفضل الجهاد كما روي طارق بن شهاب البجلي - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل النبي - صلي الله عليه وسلم - وقد وضع رجله في الغرز: أي الجهاد أفضل؟ فقال: كلمة حق عند سلطان جائر.أ.ه. 3- وفي صفحة 187 وما بعدها ينفث القرضاوي سمومه فَيُعَنْوِن قائلاً (ردّة السلطان)... فيقول: وهنا يتعقد الموقف فمن الذي يقيم الحد - حد الردة - علي هؤلاء؟ بل من الذي يفتي بكفرهم أولاً وهو كفر بواح كما سماه الحديث الصحيح؟ ومن الذي يحكم بردتهم، وأجهزة الإفتاء الرسمي والقضاء الرسمي في أيديهم؟ ليس هناك إلا (الرأي العام) المسلم والضمير الإسلامي العام الذي يقوده الأحرار من العلماء والدعاة وأهل الفكر والذي لا يلبث - إذا سُدت أمامه الأبواب وقُطعت دونه الأسباب - أن يتحول إلي بركان ينفجر في وجوه الطغاة المرتدين أ.ه. 4- وفي ص 1047 ج2: إذا كان المُنكَر من جانب الحكومة، فمن الذي يزيل هذا المنكر عند القرضاوي؟... يجيب عن ذلك القرضاوي بقوله القوي التي تملك التغيير في عصرنا: إن من أراد ذلك فعليه أن يملك القوة التي تستطيع التغيير وهي إحدي ثلاث: القوات المسلحة... فمن كانت لديه القدرة علي تحريك القوات المسلحة لتحقيق مطالب الشعب ومقاصد الشرع دون أن يخشي فتنة لا تعرف عواقبها من وراء ذلك فعليه أن يفعل... إلخ أ.ه. 5- وفي ص 1050 ج2: يحدد القوة الثالثة التي تزيل المنكر ألا وهي الجماهير الشعبية العارمة علي حد وصفه والتي أعطاها حق الحكم علي الحكام بالردة أ.ه وحول ما سبق أقول: أولاً: فخلاصة ما ذُكر في البنود الخمسة أن القرضاوي لازال علي فكره الأقرب لفكر الخوارج من أي طائفة أخري، فما رد السيد نقيب الصحفيين علي البنود التي أوردتها حيث يعبر البند الأول عن تكفير ضمني للنظام المصري الذي يمنع دخول المجاهدين المسلمين لتحرير فلسطين بل ويُطلق الرصاص علي من يحاول التسلل للدخول، فلازم هذا الكلام غير المنضبط بالشرع أن الحكومة المصرية تمالئ يهود ضدّ المسلمين وهذه الموالاة تؤدي إلي التفكير بلازم الكلام، فهل يجيز السيد النقيب الذي يمتدح كتاب القرضاوي أن يتسلل المجاهدون عبر الحدود المصرية لقتال يهود بدون ضوابط من قبل الحكومة المصرية علي نحو ما أراد التنظيم الشيعي الذي قُبض عليه مؤخرًا؟ وعلي نحو ما يريد القرضاوي؟ ثانيًا: يستدل القرضاوي بنصوص الكتاب والسنّة في غير موضعها ويستدل بأدلة ويترك أخري، ففي البند الثاني أنزل آيات نزلت في أكفر الناس عبر الزمان وهما فرعون وهامان علي الحكام المسلمين المعاصرين وهذا دأب الخوارج قديمًا حينما يأتون بآيات نزلت في الكفار الذين لا يدينون بدين الإسلام أصلاً ويعملونها علي المسلمين صالحين كانوا أم فاسدين، أما كلمة الحق عند السلطان الجائر فلم يُعلق عليها القرضاوي أن تكون الكلمة أولاً حقًا ثم تكون عند الحاكم في حضرته وليس من خلفه أو من علي المنابر أو في المنتديات وقاعات المحاضرات كما يفعل القرضاوي، إذن ففقه النصوص شيء وفقه القرضاوي شيء آخر ولا عتب علي القرضاوي أن يقول ما قال فانتماؤه الفكري معروف ولكن العتب علي الصحفي الكبير نقيب الصحفيين أن يمتدح رجلاً لازال علي انتمائه الفكري لفرقة الإخوان المسلمين المحظورة، فكيف غاب عن الأستاذ مكرم أن كل الجماعات التي ظهرت علي الساحة بعد الإخوان المسلمين إنما أُشربت فكر الخروج والعنف والاغتيالات والتفجيرات من فكر مؤسس الفرقة الأول والذي ابتدع في العصر الحديث تشكيل أول تنظيم مسلح مدرب للقتل والتفجيرات وصدور الأحكام بالتكفير، ولم يُظهر القرضاوي رغم انتقاده لجماعات الجهاد والقاعدة أي نقد لحسن البنا أو كبار قادة الإخوان كمصطفي مشهور وعباس السيسي ومحمود الصباغ وغيرهم من رموز العنف اللهم إلا نقدًا جاء متأخرًا بشأن سيد قطب والمودودي كما أنه نقد متناقض حيث يحمّل سيد قطب مسئولية التكفير والعنف وفي الوقت نفسه يصفه بالشهيد. ثالثًا: وفي البند الثالث هل يستطيع السيد نقيب الصحفيين أن يمتدح القرضاوي في شأن ردّة السلطان حيث جعلها كلأ مباحًا للدهماء والعوام والمعبّر عنهم بالرأي العام، إن الحكم بردة أي مسلم في غاية الخطورة فما بالنا إذا كان الحكم موجهًا للحاكم؟ فلنا أن نتصور كيف ستكون ردود الأفعال إذا اعتقد الناس بردة حاكمهم؟ أنسي السيد نقيب الصحفيين الفتوي التي أصدرها عمر عبدالرحمن شيخ إحدي فرق الخوارج المعاصرة بشأن الرئيس الراحل محمد أنور السادات رحمه الله؟ فكيف به يمتدح كتابًا يسلك نهج عمر عبدالرحمن في شأن الحكّام؟ رابعًا: أيمدح نقيب الصحفيين كلام القرضاوي في البند الرابع حيث يحرّض القوات المسلحة أن تزيل المنكر لتحقيق مطالب الشعب ومقاصد الشرع؟ وكل ذلك باسم الإسلام والإسلام من ذلك براء حيث أنه من المقرر شرعًا عند أهل السنّة والجماعة أن الحاكم إن جار أو ظلم أو وقع في الموبقات لا يجوز منازعته ورفع السلاح في وجهه لما في ذلك من فتنة وفساد عظيم أشد من جوره وفسقه فمن الذي يأمن عدم وقوع هذه الفتن والتاريخ يشهد والواقع يشهد كذلك أن المجتمعات المسلمة التي أُبتليت بمنازعة الحكام والخروج عليهم عمّتها الفوضي والخراب والدمار واستبدال الأمن بالخوف وما العراق والصومال والسودان ولبنان وباكستان وأفغانستان إلا نماذج تشهد بخبث الفكر الذي يروجه القرضاوي في البند المذكور. خامسًا: ويعبر القرضاوي في البند الخامس عن الفوضي الخلاّقة باسم الإسلام فيعطي للجماهير الحق بالثورة العارمة لإزالة المنكر علي حد زعمه المغشوش، أيرضي ذلك السيد نقيب الصحفيين؟ أنسي السيد النقيب فتاوي الإثارة والتهييج الشعبي الأحمق والذي قاده القرضاوي في خطبه ومحاضراته وكتبه؟ فمن صاحب فتوي فرضية العين في الجهاد؟ ومن صاحب فتوي المقاطعة الاقتصادية بدون ضوابط شرعية أو اقتصادية؟ ومن الذي قاد المظاهرات للاحتفالات الكاذبة بانتصار حماس أليس هو القرضاوي؟ فأي وسطية وأي منهج رشيد يدعو إليه القرضاوي والرجل لازال متلبسا بفكر الخوارج؟ قد يكون الرجل قد تراجع في بعض المسائل الخاصة بالسياح والمستأمنين وجواز عقد المعاهدات مع الأعداء لكن لم يُقر القرضاوي بخطأ فتاويه القديمة واعتذاره عنها، فإن كان القرضاوي صادقًا في دعواه فعلي السيد نقيب الصحفيين أن يوجه إليه أسئلة محددة علي النحو التالي: 1- هل معاهدة كامب ديفيد مع يهود جائزة شرعًا أم لا؟ وهل يعتذر عن فتواه السابقة في شأنها؟ 2- هل يُقر بمشروعية التنظيمات السرية العسكرية التي أسسها حسن البنا؟ 3- هل في مصر جماعة؟ ومن إمامها؟ وهل له ولاية أم لا؟ وهل يجوز الخروج عليه أم لا؟ 4- مع من يكون الجهاد المسلح في مصر؟ وهل يجوز إعلان الجهاد من قبل طوائف وجماعات دون الرجوع إلي الحكومات؟ 5- هل يجوز تشكيل جماعات دينية وإعطاء رؤسائها بيعة علي السمع والطاعة بدون إذن من ولاة الأمر مع ذكر الدليل. هذا ملخص شديد في التعليق علي ما كتبه نقيب الصحفيين بشأن كتاب فقه الجهاد ليوسف القرضاوي، كما أنني والحمد لله ومستعينًا به علي استعداد لمناظرة القرضاوي في كتابه فقه الجهاد وفي فكر الإخوان عمومًا فهل من يستجيب لذلك، أشك؟