الأطباء تحذر بعد تحويل أخصائية علاج طبيعي للتحقيق بعد حقنها لحالات بفيلر وبوتوكس    رئيس الوزراء يتابع عددا من ملفات عمل وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة    الأنبا توماس يشارك في المؤتمر العاشر للجنة الرعاة والقسوس بمجلس كنائس مصر    انخفاض الفضة عالميا بنسبة 8.7% في أكبر هبوط منذ 2021    «القاهرة الإخبارية»: تخفيف قيود تأشيرات الطلاب المصريين على طاولة القمة المصرية الأوروبية    البورصة المصرية تختتم على تباين وتراجع رأس المال السوقي 2 مليار جنيه    عاجل من وزارة العمل حول مطالب زيادة الحد الأدنى للأجور    البيت الأبيض: لا توجد أي خطط لعقد قمة بين ترامب وبوتين في المستقبل القريب    «تعازييَّ للشعب الفرنسي».. آخر ما قاله نيكولا ساكوزي قبل دخوله السجن    الصين: القيود الأمريكية على التأشيرات لن تعيق علاقاتنا مع دول أمريكا الوسطى    ترتيب الدوري المصري بعد فوز بيراميدز أمام فاركو    منافسة شرسة بين ريال مدريد وبرشلونة على ضم نجم منتخب المغرب    تودور يعلن قائمة يوفنتوس ضد ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    إحالة أوراق المتهم بقتل شقيقه بسوهاج إلى المفتي    جهود أمنية مكثفة لضبط المتهم بقتل طليقته طعنًا أمام مدرسة في المنوفية    زوج يرمي زوجته من البلكونة في ببورسعيد بسبب صينية بطاطس    «السياحة والآثار» توضح حقيقة انهيار مقبرة الملك توت عنخ آمون بالأقصر (تفاصيل)    رفع قيمة جائزة أفضل ناشر عربي بمعرض القاهرة الدولي للكتاب إلى 2000 دولار    حقيقة منح إجازة رسمية يوم افتتاح المتحف المصري الكبير في نوفمبر 2025    بعد تصريح يسرا.. ماجدة خير الله تعلق على تناول مئوية يوسف شاهين في مهرجان الجونة    «هنو» يوجّه بسرعة الانتهاء من مشروع رفع كفاءة قصر ثقافة السويس    الدكتور حسام حسني محذرا من تناول حقنة البرد: قاتلة (فيديو)    ارتفاع عدد المصابين بالجدري المائي بين تلاميذ مدرسة بالمنوفية ل24 حالة.. والصحة ترد    «التوازن هو أساس الوقاية».. طبيب يوضح أسباب الكحة المتكررة في تغيير الفصول    وزيرة التضامن تبحث مع نظيرتها القطرية تكثيف المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    محمد ثروت ينتهى من بروفة حفله بمهرجان الموسيقى العربية بقيادة علاء عبد السلام    «موسم خناقة السلفيين».. دار الإفتاء تشتبك وتغلق باب الجدل: الاحتفال بموالد الأولياء يوافق الشرع    رمضان عبد المعز: جزاء الإحسان مكفول من الله سبحانه وتعالى    بعد رد أمك.. متحدثة ترامب تنشر رسائل صحفي هاف بوست وتصفه بمتسلل يساري    وفاة شابين صدمهما القطار في الشرقية    "أهمية الحفاظ على المرافق العامة".. ندوة بمجمع إعلام سوهاج    محمد صبحي: عهد الإسماعيلي في وجود يحيي الكومي كان "يستف" الأوراق    «العمل»: 285 وظيفة شاغرة بشركة بالسويس (تفاصيل)    طقس السعودية اليوم.. أمطار رعدية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    «بيتشتتوا بسرعة».. 5 أبراج لا تجيد العمل تحت الضغط    بعد سرقتها من متحف اللوفر.. تعرف على قلادة الزمرد التاريخية| تفاصيل    بعد فتح الباب للجمعيات الأهلية.. هؤلاء لن يسمح لهم التقدم لأداء مناسك الحج 2026 (تفاصيل)    افتتاح المدرسة العربية المتقدمة الخامسة فى الفيزياء الفلكية بمرصد القطامية    ليست مجرد مشاعر عابرة.. "الإفتاء" توضح موقف الإسلام من محبة أهل البيت    فرصة عمل شاغرة بجامعة أسيوط (الشروط وآخر موعد للتقديم)    خلال جولته في طوكيو.. رئيس اقتصادية قناة السويس يلتقي مجموعتي «تويوتا تسوشو» و«زينشو» ومسؤولين بالحكومة اليابانية    وزير المالية: نتطلع إلى وضع رؤية مشتركة لقيادة التحول الاقتصادي نحو تنمية أكثر عدالة وشمولًا واستدامة    «تعليم البحيرة» تعلن جداول إمتحانات شهر أكتوبر لصفوف النقل    الدفاع الروسية: استهداف منشآت البنية التحتية للطاقة الأوكرانية    رسالة شكر من حمزة العيلي بعد أدائه دور ضابط في ذكرى انتصارات حرب أكتوبر    غدًا.. بدء عرض فيلم «السادة الأفاضل» بسينما الشعب في 7 محافظات    الجالية المصرية ببروكسل تستقبل الرئيس السيسي بالأعلام والهتافات    "الابتكار في إعادة تدوير البلاستيك".. ورشة ببيت ثقافة إطسا| صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء توضح حكم تصدق الزوجة من مال زوجها دون إذنه    وزير الصحة يبحث مع السفير الفرنسي تنفيذ خطة لتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    ساناي تاكايتشي.. أول امرأة تكسر حاجز السلطة في اليابان    851 مليار جنيه إجمالي التمويل الممنوح من الجهات الخاضعة للرقابة المالية خلال 9 أشهر    وزير الصحة: إدخال تقنيات المستشفيات الذكية والجراحة الروبوتية ضمن المنظومة    شون دايش مدربا لنوتنجهام فورست    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    ميدو: كنا نسبق الكرة المغربية.. والعدل في الدوري سبب التفوق    أهلي جدة يحقق فوزًا مهمًا على الغرافة في دوري أبطال آسيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الله يكتر من المحبين
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 09 - 2016

امتلأ المنزل بأفراد العائلة وبالأصدقاء الضيوف، وعلت أصواتهم فى مجموعات مختلفة جلست كل منها فى ركن، يتبادلون الأخبار ويتناقشون حول التطورات السياسية وانعكاس السياسة على الاقتصاد والثقافة والمجتمع. الشباب منهم جلسوا فى حديقة المنزل، بينما فضل من كانوا أكبر سنا البقاء فى الصالة المكيفة نظرا لحرارة الجو فى الخارج رغم حلول شهر سبتمبر. جرت العادة أن تكون اللقاءات فى ذلك البيت مرحة، سعيدة، مليئة بالحياة وبتبادل الأفكار والآراء فى جو منفتح يتقبل الاختلافات. أصحاب المنزل عائلة مثقفة تعرف كيف تحتضن الضيف وتشجعه على الاندماج فى الحوار، لذا فالمناسبات الاجتماعية التى نلتقى فيها عندهم تكون دائما متميزة فى غناها وفى بساطة التعامل فيها.
دقائق وبدأت الابنة بدعوة جميع الحاضرين إلى التوجه إلى غرفة الطعام التى امتلأت طاولتها بأصناف مختلفة وغنية من الأطباق، لطالما تواجدت فى المناسبات السعيدة التى حضرها الأصدقاء فى ذلك المنزل المضياف. هناك تذوقت للمرة الأولى بعض الأطعمة التى كنت أسمع عنها فى الأفلام المصرية التى كنت أشاهدها كطفلة، فشعرت أننى دخلت إلى عالم الشاشة الكبيرة على طاولة السفرة، هناك تعرفت أيضا على أشخاص مثقفين وأعلام فى الدوائر الثقافية والفنية أغنوا حياتى القاهرية وساعدونى على فهم مفاتيح المجتمعات المختلفة.
صاحبة المنزل سيدة استثنائية فى جمالها الخارجى والداخلى، حصلت على شهادات عالية لكنها احتفظت بتواضعها الجم وبساطتها فى التعامل مع الجميع، هى خبيرة فى مجالها تتحدث عن اختصاصها من على المنابر العلمية لكنها شعبوية عندما تخرج إلى الشارع، جدية بل صارمة فى مواقفها ومبادئها، لكن صرامتها سرعان ما تذوب فى لحظة فتتحول إلى تعليق ساخر لماح، فيتساءل من أمامها إن كانت ما تزال جدية أم أنها انتقلت فى لمح البصر إلى لحظة مرح.
***
أنظر حولى مثلما أفعل فى كل زيارة لى إلى منزل تلك الأسرة. المكان مكتظ بالناس كالعادة، فمحبو العائلة كثيرون، أنوار السقف جميعها تتلألأ، مجموعة التحف التى اقتنتها العائلة على مدى عقود كلها فى مكانها وشاهدة على حياة امتلأت بالسفر. الأصدقاء والصديقات يدخلون ويخرجون ويتنقلون بين غرفة الاستقبال وغرفة السفرة والحديقة والمطبخ، يتبادلون السلام، يكملون حديثا تمتد حلقاته على عدد لقاءاتهم هنا فى بيت العائلة.
ألتقى صديقة لم أرها منذ سنوات فأعرف منها أخبار صديقات أخريات، منهن من ما زلن فى مصر، ومنهن من انتقلن إلى بلاد أخرى بسبب ظروف العمل أو الأسرة. أسألها عن عملها وعن والدتها وعن أختها التى سمعت أنها أنجبت طفلها الثانى. تجلس معنا صديقتنا، ابنة أصحاب البيت والتى أنجبت طفلين هى الأخرى. نتذكر معا سهرة فى بيت والديها منذ أكثر من عشر سنوات، لم نكن وقتها قد تزوجنا ولم يكن الأطفال على بالنا، حتى أننا وقتها كنا جميعنا نحتمى بزوج واحدة منا فقط، فكنا نقول «الراجل اللى حيلتنا» بالإشارة إلى أنه كان متزوجا من إحدانا.
***
اليوم، فى غرفة الاستقبال تلك، وبعد أكثر من عشر سنوات مضت على ليال جميلة وإفطارات غنية مع هذه الأسرة فى شهر رمضان، أنظر حولى فأرانا جميعا كما كنا نلتقى أنما أصبحنا أكبر عمرا وأنضج خبرة، معظمنا جاء إلى هذه المناسبة مع أطفاله الذين ولدوا منذ التقينا منذ سنوات. نحن اليوم جئنا لنعزى صديقتنا، ابنة أصحاب البيت فقد رحلت والدتها صاحبة الدار، تاركة وراءها مجموعة أشخاص مرتبطين بعائلتها، يحفظون لها الحب وذكريات ملونة عن أمسيات دافئة أمضوها فى ضيافتها. أنظر حولى فأرى السيدة فى كل ركن، جميلة بعينيها الخضراوين، حكيمة بكلماتها الموزونة، قريبة بدفئها الإنسانى وشعورك أنك حين تكون بحضرتها فهى تضمك حتى لو لم تلمسك.
اليوم، فى غياب سيدة الدار، أنظر حولى فأرى طاولة السفرة ممدودة بعناية تماما كما لو كانت السيدة موجودة، فى وجه أخواتها بعض منها بسبب الشبه وأيضا بسبب الشوق إليها. كانت السيدة فعلا استثنائية حتى وكأنها كانت موجودة فى غيابها، نتذكرها دون أن نستوعب أنها لم تعد معنا هنا فى يوم كالأيام التى كانت تحب تنظيمها، فتجمع فيها أشخاصا من أجيال مختلفة أصبحوا أصدقاء فيما بينهم من كثرة ما التقوا عندها.
***
أفكر فى طريق عودتى إلى بيتى أن حب الناس هو فعلا أهم استثمار للإنسان، ففارق كبير بين من يترك أثرا عاطفيا وإنسانيا على من حوله ومن يدخل هذه الحياة ويخرج منها دون أن يكون قد مس القلوب. فى دمشق تمتلئ جدران المدينة بأوراق بيضاء طبع عليها بالحبر الأسود أسماء أناس ماتوا وعنوان بيت العزاء، أوراق النعوة كما نسميها فى سوريا هى ما يبقى من أناس رحلوا، فعلى الورقة عادة ما تضع العائلة أسماء الأزواج والأبناء والأنسباء، فى محاولة لتلخيص حياة كاملة على الصفحة المستطيلة الحزينة. أما فى بيت من يرحل فنستطيع بسرعة أن نفهم يوم العزاء إن كان الشخص سيبقى فى قلوب الكثيرين بعد رحيله أم لا. أو كما كانت تقول جدتى «بالأخير، نحن كلنا ورقة نعوة، فالله يكتر من المحبين».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.