(كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلًا) موضوع خطبة الجمعة المقبلة    كجوك: مستعدون لمواصلة العمل مع شركائنا الدوليين وبنوك التنمية متعددة الأطراف والقطاع الخاص لدفع مسار التحول الأخضر    «المصرية للاتصالات» توقّع 3 مذكرات تفاهم لتوسيع خدمات منصة WE HealthCloud خلال PHDC 2025    الأمم المتحدة: صعوبة الوصول إلى الفاشر أكبر عائق أمام إيصال المساعدات الإنسانية    الخط الأصفر.. هل يتحول إلى جدار برلين جديد؟    الزمالك يكرّم نجمه الراحل محمد صبري بطريقة جديدة    اليابان تفوز على جنوب إفريقيا بثلاثية وتتأهل لدور ال16 في كأس العالم للناشئين    الأهلي يتأهل لمواجهة الاتحاد في نهائي دوري المرتبط لكرة السلة    أسباب الانزلاق إلى الإدمان ودوافع التعافي.. دراسة تكشف تأثير البيئة والصحة والضغوط المعيشية على مسار المدمنين في مصر    طقس مائل للبرودة وسقوط أمطارعلى هذه المناطق.. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الأحد    الأرصاد: تحسن في الطقس وارتفاع طفيف بدرجات الحرارة نهاية الأسبوع    المتحف.. لقاء عبقرية المصرى القديم وإبداع المعاصر    خالد عبد الغفار: إطلاق الاستراتيجية الوطنية للصحة الرقمية لإنشاء نظام صحي ذكي بحلول 2030    استشاري أمراض صدرية تحسم الجدل حول انتشار الفيروس المخلوي بين طلاب المدارس    ألبانيا ضد إنجلترا.. توماس توخيل يوضح موقفه من غضب اللاعبين    متحدث الأوقاف يكشف كواليس دولة التلاوة.. ويؤكد: نفخر بالتعاون مع المتحدة    من مقلب قمامة إلى أجمل حديقة.. مشاهد رائعة لحديقة الفسطاط بوسط القاهرة    المنظمات الدولية والحقوقية: لا مخالفات جوهرية تؤثر على سلامة العملية الانتخابية    حقيقة مفاوضات الأهلي مع أسامة فيصل وموقف اللاعب    قضية إبستين.. واشنطن بوست: ترامب يُصعد لتوجيه الغضب نحو الديمقراطيين    ذكرى اعتزال حسام حسن.. العميد الذي ترك بصمة لا تُنسى في الكرة المصرية    حبس والدى طفلة الإشارة بالإسماعيلية 4 أيام على ذمة التحقيقات    خبير أسري: الشك في الحياة الزوجية "حرام" ونابع من شخصية غير سوية    عملات تذكارية جديدة توثق معالم المتحف المصري الكبير وتشهد إقبالًا كبيرًا    الزراعة: تعاون مصري صيني لتعزيز الابتكار في مجال الصحة الحيوانية    وزير الصحة يعلن توصيات المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية البشرية    جيراسي وهاري كين على رادار برشلونة لتعويض ليفاندوفيسكي    المصارعة تشارك ب 13 لاعب ولاعبة في دورة التضامن الإسلامي بالرياض    اليابان تحتج على تحذيرات السفر الصينية وتدعو إلى علاقات أكثر استقرارًا    سفير الجزائر عن المتحف الكبير: لمست عن قرب إنجازات المصريين رغم التحديات    القاهرة للعرائس تتألق وتحصد 4 جوائز في مهرجان الطفل العربي    تعرض الفنان هاني مهنى لوعكة صحية شديدة.. اعرف التفاصيل    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    أسامة ربيع: عبور سفن عملاقة من باب المندب إلى قناة السويس يؤكد عودة الأمن للممرات البحرية    الداخلية تكشف ملابسات تضرر مواطن من ضابط مرور بسبب «إسكوتر»    جنايات بنها تصدر حكم الإعدام شنقًا لعامل وسائق في قضية قتل سيدة بالقليوبية    استجابة لما نشرناه امس..الخارجية المصرية تنقذ عشرات الشباب من المنصورة بعد احتجازهم بجزيرة بين تركيا واليونان    عاجل| «الفجر» تنشر أبرز النقاط في اجتماع الرئيس السيسي مع وزير البترول ورئيس الوزراء    دعت لضرورة تنوع مصادر التمويل، دراسة تكشف تكاليف تشغيل الجامعات التكنولوجية    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    وزيرة التنمية المحلية تفتتح أول مجزر متنقل في مصر بطاقة 100 رأس يوميا    آخر تطورات أسعار الفضة صباح اليوم السبت    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    كولومبيا تعلن شراء 17 مقاتلة سويدية لتعزيز قدرتها الدفاعية    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    طريقة عمل بودينج البطاطا الحلوة، وصفة سهلة وغنية بالألياف    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    نقيب المهن الموسيقية يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    نانسي عجرم تروي قصة زواجها من فادي الهاشم: أسناني سبب ارتباطنا    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا تحدثت تحية عبد الناصر (1)
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 01 - 2011


هذه المذكرات
تنفرد «الشروق» بنشر مذكرات زوجة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، السيدة تحية كاظم، والتى دونتها الراحلة بخط يدها.. وهذه هى المرة الأولى فى تاريخ النشر العربى التى تظهر فيها زوجة عبد الناصر شاهدة على الأحداث التى مرت بها مصر منذ حرب فلسطين 1948 وحتى رحيل عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970.
وتأتى المذكرات مزيجا من السيرة الذاتية والعائلية، غير أنها وهى تسرد محطات حياتها مع الزعيم الراحل تكشف الغطاء، بعفوية مفرطة، عن مواقف وأحداث سياسية لا تزال محاطة بغلالة من الغموض، بحيث تضيف جديدا ومفاجئا أحيانا لما استقر فى الذاكرة المصرية والعربية من أحداث اكتسبت صبغة اليقين أو الحقيقة التاريخية.
هذه المذكرات، مثلا، تقدم رواية أخرى، مختلفة وجديدة تماما، للمشهد الأخير فى حياة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وتضفى على القصة دراما تاريخية مذهلة تتعلق بقصة المشروب الأخير الذى تناوله ومن الذى صنعه ومن قدمه له وهو على فراش الموت.
ومن أطرف ما فى المذكرات ذلك اللقب الذى أطلقه الزعيم الراحل على زوجته «تحية الانفصالية» توصيفا لمواقف وقناعات أبدتها الراحلة حول قضية الوحدة المصرية - السورية.
لكن من أهم ما بين السطور أنها تقدم قراءة عن كثب لتفاصيل العلاقة الإنسانية بين جمال عبد الناصر وأنور السادات، تحكيها زوجة زعيم الثورة، وتكشف عن مفاجآت تخص علاقة السادات بثورة يوليو 1952 والأسباب التى دفعت عبد الناصر لوضعه فى الصفوف الأولى.
حاولت تحية عبد الناصر كتابة مذكراتها مرتين، الأولى فى حياته، والثانية بعيد رحيله لكنها لم تقو على المواصلة فمزقت ما خطت يداها، حتى كانت الثالثة فى الذكرى الثالثة لرحيل «الرئيس» كما كانت تسميه فكتبت وواصلت.. وهكذا تحدثت السيدة تحية..
وائل قنديل
تقدم تحية عبد الناصر نفسها فى هذه المذكرات التى كتبتها بخط منمق وجميل كزوجة لزعيم كبير قررت أن تكتفى بدور الزوجة والأم، راضية مرضية، ومن ثم يمكن تصنيفها على أنها سيرة حياة عائلية هادئة وسلسة تماما، على الرغم مما كان يحيط ببطلها من عواصف وأعاصير وزلازل سياسية اهتز لها العالم بأسره.
وفى أحلك اللحظات وأصعبها وأكثرها شراسة لم تكن السيدة تحية إلا تلك الزوجة المحبة والأم العظيمة، تمارس حياتها ببساطة مدهشة، تذهلك أحيانا بتواضعها اللانهائى حين تصطحب أطفالها وهى زوجة الزعيم الذى كان حديث العالم فى ذلك الوقت إلى مصيف متواضع بالإيجار فى الإسكندرية دونما بهرجة أو ترتيبات بروتوكولية.
غير أن أجمل ما فيها أنها لم تصطنع لنفسها دورا كبيرا ولم تقتطع لنفسها مساحة فى التاريخ، فقط اكتفت بدور زوجة الرئيس وحكت ما عاشته ورأته طوال الرحلة بأسلوب غاية فى البساطة لم يخل من بعض اللقطات الطريفة التى تعبر عن روح ساخرة أحيانا.
وعلى الرغم من كونها «مذكرات زوجة» إلا أنها لم تخل من بعض اللمحات السياسية، خصوصا ما يرتبط بعلاقة جمال عبدالناصر برفاقه الثوار، فهى مثلا فى المرحلة الأولى من حياتها – قبل إعلان الثورة- كانت ترى أشياء شديدة الغموض فى بيت زوجها ومع ذلك لا تحاول أن تتدخل أو تلح فى السؤال، مكتفية بما قد يبوح به عبد الناصر من أخبار أو إيضاحات لبعض ما يجرى.
ومن أجمل ما تضمه هذه الذكريات تلك الشاعرية والحميمية التى تتحدث بها تحية عبد الناصر عن منزلها، وهم ثلاثة منازل فى الحقيقة عاشت فيها كل حياتها مع الرئيس، الأول كان قبل قيام الثورة وتصفه حجرة حجرة، وركنا ركنا، بمنتهى الإعزاز، وهو المنزل الذى خرجا منه شبه مطرودين بعد أن أبلغتها صاحبة البيت أثناء غياب جمال فى حرب فلسطين أنها تريد أن تبنى طابقا آخر فوق مسكنهما.
أما المنزل الثانى فقد كان فى كوبرى القبة وبقيا فيه حتى أيام الثورة الأولى، حتى قرر «الرئيس» مغادرته إلى منزل آخر لاعتبارات المنصب حيث لم يعد مناسبا أن يبقى زعيم الثورة ساكنا فى مبنى مشترك مع سكان آخرين.
والغريب أن أيا من هذه البيوت الثلاثة لم تختره السيدة تحية لكنها أحبتها كلها.
يبقى فى هذه المذكرات أنه فى بعض المحطات المهمة آثرت زوجة الرئيس أن تمر عليها سريعا، وبعض هذه المحطات شديد الأهمية من حيث سخونة أحداثها ودراميتها، إلا أن هذا المرور السريع هو فى حد ذاته دال وموحٍ وكاشف تماما لشخصية سيدة محترمة بدرجة زوجة مفجر لأكبر ثورة فى النصف الأخير من القرن العشرين.
اليوم 24 سبتمبر سنة 1973.. بعد أربعة أيام ستكون الذكرى الثالثة لرحيل القائد الخالد جمال عبد الناصر..
زوجى الحبيب. لم تمر على دقائق إلا وأنا حزينة.. وهو أمام عينى فى كل لحظة عشتها معه.. صوته.. صورته المشرقة.. إنسانياته.. كفاحه.. جهاده.. كلامه.. أقواله.. خطبه.. مع الذكريات أبكيه بالدموع أو أختنق بالبكاء.
وحتى إذا ضحكت فشعورى بأنى مختنقة بالبكاء مستمر لقد عشت مع جمال عبدالناصر ثمانى سنوات قبل الثورة، وثمانية عشر عاما بعد قيامها فى 23 يوليو سنة 1952 لقد تزوجنا فى 29 يونيو سنة 1944 أى عشت معه ستة وعشرين عاما وثلاثة أشهر، فبالنسبة لى الآن أعيش مرحلة ما بعد رحيله.
لقد عشت معه مرحلتين قبل الثورة وبعدها، والمرحلة الثالثة وهى التى أعيشها بعد رحيله ولم يرها.
آه ما أصعبها.. يالها من مرحلة قاسية من كل الوجوه فراقه وافتقادى له.. لم أفتقد أى شىء إلا هو ولم تهزنى الثمانية عشر عاما إلا أنه زوجى الحبيب أى لا رئاسة الجمهورية ولا حرم رئيس الجمهورية.
لقد عشت هذه السنين الطويلة قبل رحيل الرئيس لقد اعتدت أن أقول الرئيس لأنى أشعر أنى لا أستطيع أن أقول غير الرئيس وسأظل أقولها.. كانت مليئة بالمفاجآت، بل كانت كلها مفاجآت وأحداث، لكنها بالنسبة لى لم تكن صعبة، بل كنت سعيدة مرحة.
وفى أصعب المآزق التى كنت أشاهدها كنت أحيانا أضحك من المصيبة التى ربما تحل بى، لكنها الحمد لله كلها مرت على خير.
لقد فكرت فى الكتابة عن حياتى مع جمال عبد الناصر فى أول مرة، وكان فى سوريا أيام الوحدة فى سنة 1959، وأمضيت ما يقرب من ثلاث سنوات أكتب باستمرار عما مضى وعن الحاضر، لكنى فى يوم قلت: لم أكتب؟ وكان الرئيس يعلم أننى أكتب وكان مرحبا.
غيرت رأيى وقلت فى نفسى: لا أريد أن أكتب شيئا، وتخلصت مما كتبت، وأخبرت الرئيس، فتأسف وقال لى: لم فعلت ذلك؟ فقلت له: إنى سعيدة كما أنا ولا أريد أن أكتب شيئا، وقلت: ربما تكلمت عن حقائق تحرج بعض الناس، وتكون متصلة بحقائق كنت أراها تدور أمامى، فقال لى: افعلى ما يريحك. إننى كتبت عما أذكره من مواقف ومفاجآت مما كان يحصل فى بيتنا، وما كنت أسمعه وأشاهده بعينى، وما كان يقوله لى الرئيس. وقررت ألا أكتب أبدا، وقلت له: أنا مالى.. وضحكنا.
فى العام الماضى قررت أن أكتب وأنا أعلم جيدا أن الرئيس كان آسفا لأنى لم أستمر فى الكتابة
وتخلصت مما كتبت، فأنا أعيش الآن وكأنه موجود بجانبى لا أتصرف أو أفعل شيئا كان لا يحبه، ولو كنت أعلم أنه لا يريدنى أن أكتب شيئا ما فعلت.
بدأت أكتب وأعيش مع ذكرياتى، لكنى لم أتحمل فكنت أنفعل والدموع تنهمر، وصحتى لم تتحمل، فوضعت القلم وقلت سأتوقف عن الكتابة، ولأبقى حتى أرقد بجانبه.. وتخلصت مما كتبت مرة ثانية.
لكنى وجدت أن لى رغبة فى الكتابة فى ذكراه الثالثة.. فلأتحمل كل ما يحصل لى.
بما أننى أتكلم الآن عن المرحلة الثالثة.. أى بعد رحيل الرئيس فلأتحدث.. فأنا أعيش فى منشية البكرى.. بيت الرئيس جمال عبدالناصر مع أصغر أبنائى عبد الحكيم الطالب بكلية الهندسة جامعة القاهرة ويبلغ من العمر الآن ثمانية عشر عاما وثمانية أشهر، وهو الذى طلب منى أن أكتب وألح فى أنه متشوق لمعرفة كل شىء عن والده العظيم. وكان حكيم قد طلب من المسئولين شرائط خطب والده ليسمعها، لأنه لم يكن عنده فرصة لسماع كل أقوال القائد الخالد بصوته، إذ كان طفلا، وبعضها قبل أن يولد.. إنه هو الذى يسعى بنفسه فى الحصول عليها، فقد طلب أولا من رئيس الوزراء وهو صديق لنجله فوعده، وطلب من رئيس الجمهورية وقابله بنفسه ووعده، وسألنى أن أشترى الشرائط لتسجلها الإذاعة، فقلت له: إنى على استعداد لأن أدفع أى ثمن. وأخيرا قابلت وزير الثقافة صدفة فسألته عن الشرائط، فقال لى: لم يطلب منى أحد، ووعدنى بأنه سينظر فى الأمر.. أرجو أن تصل ابنى عبدالحكيم الشرائط قريبا إن شاء الله.
بعد رحيل الرئيس ألاقى تكريما معنويا كبيرا من كل المواطنين الأعزاء فجمال عبد الناصر فى قلوبهم، وما يصلنى من البرقيات والرسائل والشعر والنثر والكتب الكثيرة من أبناء مصر الأعزاء، ومن جميع الدول العربية والغربية أى من كل العالم، وما يصلنى من البرقيات لدعوتى للسفر لزيارتهم من رؤساء الدول الصديقة، وبتكرار الدعوة أو زيارتهم لى عند حضور أحد منهم، أو إرسال مندوبين عنهم من الوزراء ليبلغونى الدعوة.. لدليل التقدير والوفاء.
وعندما أخرج أرى عيون الناس حولى.. منهم من يلوح لى بيده تحية، ومنهم من ينظر لى بحزن، وأرى الوفاء والتقدير فى نظراتهم.. كم أنا شاكرة لهم. وأحيانا أكون فى السيارة والدموع فى عينى فتمر عربة بجانبى يحيينى من فيها.. أشعر بامتنان.
وغالبا ما أكون قد مررت على جامع جمال عبد الناصر بمنشية البكرى. إنى أرى هذه التحية لجمال عبد الناصر.. وكل ما ألاقيه من تقدير فهو له.
جمال يتقدم لتحية
فلأتكلم الآن عن ذكريات من حياتى مع جمال عبد الناصر.. كيف عرفنى وتزوجنى؟
كانت عائلتى على صداقة قديمة مع عائلته، وكان يحضر مع عمه وزوجته التى كانت صديقة لوالدتى، ويقابل شقيقى الثانى، وأحيانا كان يرانى ويسلم على . فعندما أراد أن يتزوج أرسل عمه وزوجته ليخطبانى، وكان وقتها برتبة يوزباشى، فقال أخى وكان بعد وفاة أبى يعد نفسه ولى أمرى إن شقيقتى التى تكبرنى لم تتزوج بعد.
وكان هذا رأى جمال أيضا، وقال: إنه لا يريد أن يتزوج إلا بعد زواج شقيقتى.. إن شاء الله يتم الزواج، وبعد نحو سنة تزوجت شقيقتى.
بعدها لم يوافق أخى على زواجى.. لقد كانت تقاليد العائلة فى نظرى أن لى الحق فى رفض من لا أريده ولكن ليس لى الحق فى أن أتزوج من أريده، وكنت فى قرارة نفسى أريد أن أتزوج اليوزباشى جمال عبد الناصر.
بعد شهور قليلة توفيت والدتى فأصبحت أعيش مع أخى وحيدة إذ كان أخى الثانى فى الخارج.
كان أخى يتولى إدارة ما تركه أبى الذى كان على جانب من الثراء، وكان أخى مثقفا إذ كان من خريجى كلية التجارة أى يحمل بكالوريوس، ويشتغل فى التجارة والأعمال المالية والصفقات فى البورصة، وكان شديدا فى البيت محافظا لأقصى حد لكنه فى الخارج كانت له حياته الخاصة.
مكثت مع أخى بضعة شهور وأنا وحيدة تزورنى شقيقاتى من وقت لآخر، وفى يوم زارتنا شقيقتى وقالت: إن عم اليوزباشى جمال عبد الناصر وزوجته زاراها وسألا عنى، وقالا لها: إن جمال يريد الزواج من تحية، وطلبا أن تبلغ أخى.. فرحب أخى وقال: إننا أصدقاء قدماء وأكثر من أقارب، وحدد ميعادا لمقابلتهم، وكان يوم 14 يناير سنة 1944.
قابلت جمال مع أخى، وتم تحديد الخطوبة ولبس الدبل والمهر وكل مقدمات الزواج بعد أسبوع، وطبعا كان الحديث بعد أن جلست فى الصالون فترة وخرجت.
وفى يوم 21 يناير سنة 1944 أقام أخى حفلة عشاء.. دعونا أقاربى، وحضر والده وطبعا عمه وزوجته، وألبسنى الدبلة وقال لى إنه كتب التاريخ يوم 14 يناير.. وكان يقصد أول يوم أتى لزيارتى، ثم أضاف أنه عندما زارنا لم يحضر لرؤيتى هل أعجبه أم لا كما كانت العادة فى ذلك الوقت هذا ما فهمته من كلامه معى.
قال له أخى: إن عقد القران يكون يوم الزفاف بعد إعداد المسكن، على أن يحضر مرة فى الأسبوع بحضور شقيقتى أكبرنا أو بحضوره هو، وطبعا كان وجود أخى فى البيت قليلا فكانت شقيقتى تحضر قبل وصوله. وقبل جمال كل ما أملاه عليه أخى، وقد أبدى رغبة فى الخروج معى طبعا بصحبة شقيقتى وزوجها فلم يمانع أخى.
لاحظت أنه لا يحب الخروج لنذهب لمكان مجرد قعدة أو نتمشى فى مكان، بل كان يفضل السينما وأحيانا المسرح.. وكان الريحانى، وكنت لم أر إلا القليل فكل شىء كان بالنسبة لى جديدا.. أى لا يضيع وقتا هباء بدون عمل شىء، وكل الخروج كان بالتاكسى، والمكان الذى نذهب اليه السينما أو المسرح يكون بنوار أو لوج، وكنا نتناول العشاء فى بيتنا بعد رجوعنا. بعد خمسة أشهر ونصف تم زفافى لليوزباشى جمال عبد الناصر.. يوم 29 يونيو سنة 1944.أقام لى أخى حفلة زفاف.. بعد عقد القران مباشرة خرجت مع جمال للذهاب للمصور
«أرمان»، وكان قد حجز موعدا من قبل، كانت أول مرة أخرج معه بدون شقيقتى وزوجها. ملأنا عربة بأكاليل الورد لتظهر فى الصورة، وقد نشرت بعد رحيله فى السجل الخاص بصور جمال عبدالناصر الذى قدمه الأهرام.
رجعنا البيت لنقضى السهرة، وفى الساعة الواحدة صباحا انصرف المدعوون وانتهى حفل الزفاف، وكنا جالسين فى الصالون هو وأنا فدخل شقيقى ونظر فى ساعته وقال: الساعة الآن الواحدة فلتبقوا ساعة أخرى أى حتى الساعة الثانية، ولم يكن هناك أحد حتى أقاربى راحوا، وكان باديا عليه التأثر فقال له جمال: سنبقى معك حتى تقول لنا روحوا. وفى الساعة الثانية صباحا قام أخى وبكى، وسلم على وقبلنى وقال: فلتذهبا.. أما أنا فانحدرت من عينى دمعة صغيرة تأثر لها جمال.
وأذكر فى مرة وكنا جالسين على السفرة وقت الغداء وكل أولادنا كانوا موجودين وجاءت ذكرى أخى فقال الرئيس لأولاده وهو يضحك: الوحيد فى العالم الذى أملى على شروطا وقبلتها هو عبد الحميد كاظم.. وضحكنا كلنا.
إلى منزل الزوجية
لم أكن رأيت المسكن من قبل ولا الفرش أو الجهاز كما يسمونه، وكان فى الدور الثالث. صعدنا السلالم حتى الدور الثانى ثم حملنى حتى الدور الثالث.. مسكننا، وكان طابقا بأكمله، وله ثلاثة أبواب.. باب على اليمين وباب على اليسار وباب على الصالة. الأول يوصل لحجرة السفرة، والثانى لحجرة الجلوس، والثالث.. وهو باب الصالة فى الوسط. وجدنا البيت كله مضاء..مكون من خمس غرف. أمسك جمال بيدى وأدخلنى كل حجرات المنزل لأتفرج عليه، وقد أعجبنى كل شىء وأنا فى غاية السعادة. صرفت فى تأثيث المنزل مما ورثته من أبى.. وكان لا يقارن بثراء أخى.
بدأت حياتى بسعادة مع زوجى الحبيب وكنا نعيش ببساطة بمرتب جمال، وتركت أخى وثراءه ولم أفتقد أى شىء حتى التليفون.. لم أشعر أن هناك شيئا ناقصا ونسيته.
أول مرة خرجت كان بعد ثلاثة أيام من زواجنا.. ذهبنا للمصور أرمان لنرى بروفة الصور، وكانتا اثنتين قال لى جمال: اختارى التى تعجبك.. واخترت الصورة التى هى معلقة فى صالون المنزل فى منشية البكرى مع صور أولادنا الآن.
كانت عائلتى على صداقة قديمة مع عائلته، وكان يحضر مع عمه وزوجته التى كانت صديقة لوالدتى، ويقابل شقيقى الثانى، وأحيانا كان يرانى ويسلم على . فعندما أراد أن يتزوج أرسل عمه وزوجته ليخطبانى، وكان وقتها برتبة يوزباشى.
فكرت فى الكتابة عن حياتى مع جمال عبد الناصر فى أول مرة، وكان فى سوريا أيام الوحدة فى سنة 1959، وأمضيت ما يقرب من ثلاث سنوات أكتب باستمرار عما مضى وعن الحاضر، لكنى فى يوم قلت: لم أكتب؟ وكان الرئيس يعلم أننى أكتب وكان مرحبا.
لاحظت أنه لا يحب الخروج لمجرد قعدة أو نتمشى فى مكان، بل كان يفضل السينما وأحيانا المسرح.. وكان الريحانى، وكنت لم أر إلا القليل فكل شىء كان بالنسبة لى جديدا.. أى لا يضيع وقتا هباء بدون عمل شىء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.