المجلد التاسع – الجزء الاول شعراء العصرالحديث . بقلم : فالح الكيلاني . ابراهيم طوقان ( شاعر الوطن ) . هو إبراهيم بن عبد الفتاح طوقان ولد في( نابلس) بفلسطين سنة 1905 وهو الاخ الشقيق للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان والاخ الشقيق لرئيس وزراء الاردن في سبعينات القرن العشرين الاستاذ احمد طوقان وهو ا حد ابناء عائلة طوقان الواسعة الثراء . درس الإبتدائية في ( المدرسة الرشيدية ) في مدينة (نابلس) وكانت الدراسة في هذه المدرسة تنهج نهجًا حديثًا مغايرًا لما كانت عليه المدارس اثناء الحكم العثماني حيث ان اساتذة هذه المدرسة درسوا في الازهرالشريف وتاثروا بالنهضة العربية الادبية والشعرية في مصر . ثم أكملَ دراسَتَه الثانوية بمدرسة المطران في (الكلية الإنجليزية) في القدس عام\ 1919 حيث قضى فيها أربعة أعوام تتلمذ فيها على يد الاستاذ ( نخلة زريق ) الذي كان له تاثير كبير في تعليمه اللغة العربية والشعر القديم . التحق بالجامعة الامريكية في ( بيروت ) عام \1923 ومكث فيها ست سنوات نال فيها شهادة الجامعة في الآداب فتخرج منها عام \ 1929. ثم عاد ليكون مدرسا للادب العربي في مدرسة( النجاح الوطنية ) بمدينة (نابلس ). مرت فلسطين قبل نكبتها الأولى بأحداث جسام سجلها الشاعر ابراهيم طوقان تناولها بالسخرية مرة والنقد اللاذع في سياق عرضه لها هادفا في كل الأحوال إلى تبصير الشعب بما يدور حوله من خلال إحساس الشاعر العالي إزاء اللعبة الا نكليزية في توطين اليهود في فلسطين واقامة دولة يهودية لهم في قلب الوطن العربي التي كانت تدور على ارض فلسطين ، والتي أوجدت فريقا من المنتفعين من اصحاب المصالح ايضا و من وجود رجال الاحتلال البريطاني ممن لا ينتمون إلى الأرض أصلا ، وشاركتهم المطامح الاستعمارية والعون الكافي الذي ساهموا فيه أخيرا في ضياع الوطن .. وقد رصدته أحاسيس ووعي الشاعرابراهيم طوقان فأطلق لسانه يفضح ويوضح ويدعو للتكاتف وصد الهجمة العدوانية .في قصيدته ( يا حسرتا ) فيقول : يا حسرتا ماذا دهى أهل الحمى فالعيش ذ ل ، والمصير بوار أرأيت أي كرامة كانت لهم واليوم كيف إلى الإهانة صاروا سهل الهوان على النفوس فلم يعد للجرح من ألم وحق وعار همدت عزائمهم فلو شبت لظى لتثيرها فيهم فليس تثار الظالم الباغي يسوس أمورهم واللص والجاسوس والسمسار ثم انتقل للتدريس في (الجامعة الأمريكية ) في بيروت وعَمِلَ مدرساً للغة العربية في العامين الدراسيين (1931\ –1932) و( 1932\1933 ) ثم عاد بعدها إلى فلسطين . وفي عام\ 1936 تسلم القسم العربي في ( إذاعة القدس) وعُين مُديراً للبرامجِ العربية ، الا انه أقيل من عمله من قبل سلطات الانتداب الانكلزي عام| 1940. وحذر ابراهيم طوقان الشعب من الركون إلى المحتل الغازي سواء اليهود الصهاينة او الانجليز المحتلين ويرى فيهما خصمان وان وسيلتهما الترغيب والترهيب وان الهدف في كلتي الحالتين هو فلسطين – ويدق أجراس الإنذار فيقول : مصيرك بات يلمسه الأدنى وسار حديثه بين الأقاصي فلا رحب القصور غدا بباق لساكنها ولا ضيق الخصاص لنا خصمان : ذو حول وطول وآخر ذو احتيال واقتناص تواصوا بينهم فأتى وبالا وإذلالا لنا ذاك التواصي مناهج للإبادة واضحات وبالحسنى تنفذ والرصاص ثم انتقل إلى العراق وعملَ مدرساً في مدرسة ( دار المعلمين ) كلية التربية حاليا ولقب (شاعر الجامعة ) فكان الشاعر يصدر شعره عن إيمان مطلق بشعبه وأمته ، وكان مؤمنا اشد الإيمان بأن ( لا يفل الحديد إلا الحديد)وأن المحتل اليهودي او الانكليزي عبءٌ لا يزول إلا بالكفاح . فالقوة لا تردع إلا بالقوة يقول : نبؤني عن القوي متى كان رحيما ، هيهات من عز تاها لا يلين القوي حتى يلاقي مثله عزة وبطشا وجاها لا سمت أمة ذهتها خطوب أرهقتها ولا يثور فتاها فهو صاحب دعوة إلى مواجهة القوة الغاشمة بقوة الشعب فلا قيمة لأمة تعتورها المصائب وتبتلي بالعدوان ولا تثور ولا تتحرك حيث أنه منطق النضال السوي الذي يرفض المهادنة والخضوع ولا يجد في غير نيل الحقوق كاملة لغة تستطيع الوصول بكرامة إلى الوطن واستقلاله .لذا نراه يتصدى للمشككين بقدرة الشعب على المواجهة يقول : كفكف دموعك ليس ينفعك البكاء ولا العويل وانهض ولا تشك الزمان مما شكا ألا الكسول وأسلك بهمتك السبيل ولا تقل كيف السبيل ثم عاجله المرض في بغداد فعاد إلى وطنه مريضا . كان إبراهيم طوقان يعيش مهزول الجسم ، ضعيفاً ومنذ صغره ،انتابته و نَمَت معه في حياته ثلاث علل حتى قضت عليه فاشتدت عليه وطأة المرض حيث توفي في مساء يوم الجمعة 2 أيار عام \1941 وهو في سن الصبا و الشباب حيث توفي ولما يتجاوز السادسة والثلاثين من عمره . وقد رثاه رفيق دربه وصديقه الشاعر عبد الكريم الكرمي ( ابو سلمى ) في أصدق الشعر وأنبله في قصيدة على البحر الخفيف تحمل زفرات الشاعر ولوعته: كيف أبكي وكيف يبكي قصيدي ومضى اليوم طارفي وتليدي ؟ أين تمضي ؟ لمن تركت القوافي والمروءات خافقات البنود ؟ أنت من علّم الطيور غناء ً ما عهدناك صامتاً في الحشود ! يتميز شعر إبراهيم طوقان بالجزالة والقوة من غير تعقيد ويتسم بالمحافظة والتجديد في الصور والمعاني والأوزان الشعرية. ويعتبر الشاعر الأول بين شعراء العربية في ابتكار الأناشيد القومية والوطنية حيث ما تزال أناشيده حية تتردد في الإذاعات العربية إلى اليوم، وبخاصة نشيد (موطني) . وكذلك انشد في الغزل فهو شاعر غزل رقيق رائعة صوره الشعرية فيه ، عذب النغم، لطيف الدعابة. يقول في غزله : وَغَرِيرَةٍ في المَكْتَبَهْ بِجَمَالِهَا مُتَنَقِّبَهْ جَلَسَتْ لِتَقْرَأَ أَوْ لِتَكْ تُبَ مَا المُعَلِّمُ رَتَّبَهْ وَحَبَسْتُ حَتَّى لا أُرَى أَنْفَاسِيَ المُتَلَهِّبَهْ رَاقَبْتُهَا فَشَهِدْتُ أَنَّ اللهَ أَجْزَلَ في الْهِبَهْ وَسَقَاهُ في الفِرْدَوْسِ مَخْ تُومِ الرَّحِيقِ وَرَكَّبَهْ يَا لَيْتَ حَظَّ كِتَابِهَا لِضُلُوعِيَ الْمُتَعَذِّبَهْ فَإِذَا انْتَهَى وَجْهٌ ونَا لَ ذَكَاؤُهَا مَا اسْتَوْعَبَهْ وسَمِعْتُ وَهْيَ تُغَمْغِمُ ال كَلِمَاتِ نَجْوَى مُطْرِبَهْ إحْدَى الثَّنَايَا النَّيِّرَا تِ بَدَتْ وَلَيْسَ لَهَا شَبَهْ هِيَ لَوْ عَلِمْتَ مِنَ الْ مَحَاسِنِ عِنْدَ أَرْفَعِ مَرْتَبَهْ وَأَمَا وَقَلْبٍ قَدْ رَأَتْ في السَّاجِدِينَ تَقَلُّبَهْ خَفَقَانُهُ مُتَوَاصِلٌ وَاللَّيْلُ يَنْشُرُ غَيْهَبَهْ وَأمَا وَعَيْنِكِ وَالْقُوَى السِّ حْرِيَّةِ الْمُتَحَجِّبَهْ وَأَرُومُ سِنَّكِ ضَاحِكَاً حَتَّى يَلُوحَ وَأَرْقُبَهْ وسَمِعْتُ وَهْيَ تُغَمْغِمُ ال كَلِمَاتِ نَجْوَى مُطْرِبَهْ وَرَأَيْتُ في الفَمِ بِدْعَةً خَلاّبَةً مُسْتَعْذَبَهْ إحْدَى الثَّنَايَا النَّيِّرَا تِ بَدَتْ وَلَيْسَ لَهَا شَبَهْ مَثْلُومَةً مِنْ طَرْفِهَا لا تَحْسَبَنْهَا مَثْلَبَهْ هِيَ لَوْ عَلِمْتَ مِنَ الْ مَحَاسِنِ عِنْدَ أَرْفَعِ مَرْتَبَهْ هِيَ مَصْدَرُ السِّيْنَاتِ تُكْ سِبُهَا صَدَىً مَا أَعْذَبَهْ وَأَمَا وَقَلْبٍ قَدْ رَأَتْ في السَّاجِدِينَ تَقَلُّبَهْ صَلَّى لِجَبَّارِ الجَمَالِ وَلا يَزَالُ مُعَذَّبَهْ يقول فيه الدكتور عمر فروّخ : ( لقد بلغ شعر إبراهيم ثلاث ذرى متعاقبة: ذروة الحب، وذروة الشهوة، وذروة المشكلة الوطنية) وقد رافق إبراهيم طوقان المأساة الفلسطينية مذ كانت مشروعاً إلى أن أصبحت أزمة ، وتوفي وهي توشك أن تتحول إلى كارثة، وتهب كالعاصفة تهدّد الوطن والمواطن . كتب شعره في ضوء الدم الفلسطيني. وقد فاز عن جدارة ، بلقب ( شاعر الوطن ) وسجل قضية بلاده في شعره حيث يمتاز بطابع فلسطيني خاص، ويحس به كل من عاش ويعيش الماساة التي تعرضت لها فلسطين ويرى الشاعر أن حكمة الله شاءت ان تجعل الفلسطينين مشاريع للاستشهاد .ويؤكد أن فلسطين تطالب الاراذل منهم بالابتعاد عنها فليسوا هم برجالها – انما رجالها الذين آثروا السجن والتشريد والاستشهاد يقول : أضحت فلسطين من غيظ تصيح بكم خلوا الطريق فلستم من رجالاتي ذاك السجين الذي أعلى كرامته فداؤه كل طلاب الزعامات !. واختم بحثي بقصيدته الشهيد يقول فيها: عبس الخطب فابتسم و طغى الهول فاقتحم رابط النفس و النهى ثابت القلب و القدم نفسه طوع همة وجمت دونها الهمم تلتقي في مزاجها بالأعاصير والحمم تجمع الهائج الخضم إلى الراسخ الأشم وهي من عنصر الفداء ومن جوهر الكرم ومن الحق جذوة لفحها حرر الأمم سار في منهج العلي يطرق الخلد منزلا لا يبالي, مكبلا ناله أم مجدلا فهو رهن بما عزم ربما غاله الردى وهو بالسجن مرتهن لست تدري بطاحها غيبته أم القنن إنه كوكب الهدى لاح في غيهب المحن أي وجه تهللا يرد الموت مقبلا إنا لله والوطن أرسل النور في العيون, فما تعرف الوسن ورمي النار في القلوب, فما تعرف الضغن أي وجه تهللا يرد الموت مقبلا صعد الروح مرسلا لحنه ينشد الملا إنا لله والوطن أرسل النور في العيون, فما تعرف الوسن ورمي النار في القلوب, فما تعرف الضغن أي وجه تهللا يرد الموت مقبلا صعد الروح مرسلا لحنه ينشد الملا إن لله والوطن اميرالبيان العربي فالح نصيف الحجية الكيلاني العراق- ديالى – بلد روز