لأول مرة.. خريجو المدارس الفنية والتكنولوجيا مؤهلون للالتحاق بكليات الحاسبات    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    وزير العمل يزور عمالًا مصريين في صربيا    تعرف على أسعار الخضراوات والفواكه مساء اليوم السبت 31 مايو 2025    رويترز: إيران تعتبر تقرير وكالة الطاقة الذرية حول برنامجها النووي له دوافع سياسية    سياسي عماني: متفائل بمستقبل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول البرنامج النووي    وفاة الرئيس الأسبق لإنتر ميلان الإيطالي    سيف الجزيري يقود هجوم الزمالك أمام فاركو    بالصور.. طقس الإسكندرية العاصف يخلّف دمارا على الكورنيش وتجمعا لمياه الأمطار داخل نفق للمشاة    تعرف على تفاصيل ألبوم تامر حسني الجديد "لينا معاد"    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    فضل صيام يوم عرفه وكيفية الاستعداد    بعد 9 مواسم.. الأهلي يعلن رحيل السولية    إنتر ميلان يطارد النجمة الرابعة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2025    تخفيضات على تذاكر مصر للطيران تزامنا مع إجازات عيد الأضحى المبارك    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان أعمال تطهير الترع    على باب الوزير!    تجربته الأولى.. جون هيتينجا مدربا ل أياكس    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    وزير التعليم العالي ومحافظ المنوفية ورئيس جامعة المنوفية يفتتحون مركز الاختبارات الإلكترونية بكلية الحقوق بجامعة المنوفية    وزير الخارجية ل"صوت الأمة": السياسة الخارجية المصرية تستند لمبدأ "الاتزان الاستراتيجي"    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    شبكة المنظمات الأهلية: الاحتلال دمّر بنى اقتصادية ويستهدف المؤسسات الإغاثية    غدا على المسرح الكبير بدار الأوبرا .. مي فاروق تحيي حفلا غنائيا بقيادة المايسترو مصطفي حلمي    وزارة الصحة تعلن خطة التأمين الطبي لعيد الأضحى المبارك وموسم الاجازات الصيفية بجميع المحافظات    أيمن أبو عمر يوضح أعظم العبادات والطاعات في عشر ذي الحجة    من أول ساعة.. كيف يستفيد جسمك من الإقلاع عن التدخين؟    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    سقوط طالبة من سلم الدور الأول بكلية البنات عين شمس والجامعة تنقلها لمستشفي الطوارئ    البحيرة: الانتهاء من أعمال رصف شارع الروضة بدمنهور لتحقيق السيولة المرورية    بعد انتهاء أزمتها.. آية سماحة توجه الشكر لنقابة المهن التمثيلية    إصابة طالب ومراقب باعياء وتشنج خلال امتحان اللغة العربية للشهادة الإعدادية بالمنيا    محمد الريفي عن طليقته: ربنا يكرمها ويكرمني.. ومستحيل أتكلم عن الماضي    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    خبير شؤون روسية: أوروبا فوجئت بطول أمد النزاع بين موسكو وكييف    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في حفل تنصيب ريموند سمعان راعيًا للكنيسة بطهنشا    كيف تعامل مستشفى قنا العام مع حالة الولادة لمصابة بفيروس HIV؟ .. مصدر طبي يكشف ل«الشروق»    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    أوبك + تقرر زيادة الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يوميا في يوليو    برأة راندا البحيري من تهمة سب وقذف طليقها    ماذا يأكل الحجاج؟ بعثات الحج السياحية تشارك في جلسة «تذوّق الوجبات»    250 مليون نحلة طليقة في الهواء بعد انقلاب شاحنة.. ماذا حدث في واشنطن؟    توريد 483 ألف طن قمح لصوامع المنيا منذ بدء موسم 2025    معالم سانت كاترين السياحية استقبلت 4 آلاف سائح خلال أسبوع    أبطال فيلم المشروع X يحتفلون بعرضه في الكويت.. اليوم وغدًا    جنايات القاهرة تقضي بالسجن المشدد 7 سنوات لرجل أعمال أنهى حياة زوجته بالتجمع الخامس    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    اليوم.. البابا تواضروس يترأس عشية رشامة 8 أساقفة جدد    الزمالك وفاركو.. استعداد أمني مشدد لتأمين مباراة الجولة الأخيرة من بطولة الدوري    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    رسوم ترامب والسباق الانتخابي الكوري الجنوبي: من يحسم المواجهة؟    الإفتاء تكشف كفارات الحج التي وضعها الشرع    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة وفاء إلى إبراهيم طوقان
نشر في صوت البلد يوم 28 - 06 - 2016

بمناسبة عيد ميلاده المئة وأحد عشر، نكتب رسالة وفاء إلى الشاعر إبراهيم طوقان، المرهف المشاعر، والذي رغم مرافقة المرض له منذ طفولته، إلا أنه كان قائداً فكرياً ومناضلاً عربيا فلسطينيا، إذ لو اكتفى بكتابة النشيد الوطني الفلسطيني، الذي يحفظه وينشده ويردده كل أفراد شعبه، وكثير من مثقفي الشعب العربي، لحق له أن يؤرّخ، بصفته شاعراً مجيداً نادر الوجود، والذي يقول منه:
مَوطِني.. موْطِني
اْلجَلالُ وَالْجَمالُ وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ .. في رُباكْ.. في رباك
وَالحياةُ وَالنّجاةُ وَالهَناءُ وَالرَّجاءُ.. في هواكْ.. في هواك
هلْ أراك.. هل أراك.. سالماً مُنَعَّماً وغانماً مُكَرَّماً
الشَّبابُ لَنْ يَكِلَّ .. هَمُّهُ أَنْ تَسْتَقِلَّ.. أَو يَبيدْ، أو يبيد
نَسْتَقي مِنَ الرَّدى وَلَنْ نَكونَ للْعدِا.. كَالعَبيدْ .. كالعبيد..
وللتعريف بالشاعر إبراهيم طوقان، نقول إنه ولد في نابلس بفلسطين في 24 يونيو/حزيران عام1905، وأكملَ دراسَتَه الثانوية في القدس عام 1919 حيث التحق بالجامعة الأميركية في بيروت سنة 1923، فنال فيها شهادته الجامعية الأولى في الآداب عام 1929، ثم عاد ليدرّس في مدرسة النجاح الوطنية بنابلس، ثم في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم عاد ثانية إلى فلسطين في عام 1936 ليعمل مُديراً للبرامجِ العربية في القسم العربي في إذاعة القدس، ونظراً لنشاطاته الوطنية المكثفة، تم فصله من عمله وأقيل من قِبل السلطات البريطانية عام 1940، فانتقل إلى العراق وعملَ مدرساً هناك، ولكن المرض الذي لازمه منذ طفولته، اشتد عليه فعاد متلفاً إلى وطنه، إلى أن توفي 2 مايو/آيار 1941.
والمدقق في قصائد إبراهيم طوقان يجد أنها تجاوزت زمنها، إذ نرى أن مضامين شعره التي صورت تلك الأيام، إنما تصور واقعنا الحالي أيضاً، وكأنه يعيش معنا هذه الأيام.
كان طوقان يعبر بشعره عن الهجمة الاستعمارية التي تدور على أرض فلسطين، فيرى أنها أوجدت فريقا من المنتفعين الفلسطينيين والعرب، ممن لا ينتمون إلى الأرض أصلا، فيصور خدمتهم للمطامح الاستعمارية، التي توظف كل وسيلة خبيثة، لتثبيت الكيان الصهيوني الغاشم على أرض فلسطين، والذي بدأ بوعد بلفور، مما ساهم أخيرا في ضياع الوطن.
كل ذلك رصدته أحاسيس وعي الشاعر، فأطلق أشعاره تفضح العملاء، وتكشف خدم الاستعمار، فكان يدعو للتكاتف، ولصدّ الهجمة الغربية الصهيونية على أرض فلسطين، ويوضح في قصيدته المؤرخة في 1935، والتي تصور واقعنا الحالي:
"يا حسرتا"
يا حسرتا ماذا دهى أهل الحمى ** فالعيش ذل ، والمصير بوارُ
أرأيت أي كرامة كانت لهم ** واليوم كيف إلى الإهانة صاروا
الظالم الباغي يسوس أمورهم ** واللص والجاسوس والسمسارُ
وينظر إبراهيم طوقان إلى "الزعماء" الذين سهل الهوان عليهم، في قصيدة يستعمل فيها ضمير المخاطب، وبطريقة ساخرة فاضحة:
"أنتم"
أنتم (المخلصون!) للوطنية ** أنتم الحاملون عبء القضية!
ما جحدنا "أفضالكم" غير أنا ** لم تزل في نفوسنا أمنية
في يدينا بقية أرض نتمنى ** أن لا تطير البقية
وفي قصيدة أخرى يصف تواطؤ عملاء الاستعمار الإنجليزي فيقول:
تواصوا بينهم فأتى وبالا ** وإذلالا لنا ذاك التواصي
مناهج للإبادة واضحات ** وبالحسنى تنفذ والرصاص
وفي قصيدة أخرى سخر من الزعامات العربية التقليدية الخادمة للعدو بقوله:
زعاماتنا قد كشفتم عن بطولاتكم ** غطاءها يوم توقيع الكفالات
أنتم رجال خطابات منمقة ** كما علمنا، وأبطال "احتجاجات"
إنه يحمد الله أن أحدا من هؤلاء الزعماء لم يُجرح ولو بالخطأ، لأنهم سيستغلون هذا الجرح في المزايدة وسيظهرون أبطالا. ويقول إن فلسطين تطالبهم بالابتعاد عنها فليسوا هم برجالها:
أضحت فلسطين من غيظ تصيح بكم ** خلوا الطريق فلستم من رجالاتي
ذاك السجين الذي أعلى كرامته ** فداؤه كل طلاب الزعامات!
وكان مؤمنا أشد الإيمان بأن "لا يفل الحديد إلا الحديد" وأن الاحتلال لا يزول إلا بالكفاح.
ورغم أن المقاومة الشعبية الفلسطينية لا تملك قوة مواجهة الغرب المنتصر في الحرب العالمية، وهو يدعم بكل قوة تهجير اليهود من أوروبا إلى فلسطين، نراه يشحذ الهمم للمقاومة، في إيمان وتفاؤل نادرين بقوله:
كفكف دموعك ليس ينف ** عك البكاء ولا العويل
وانهض ولا تشك الزما ** ن فما شكا إلا الكسول
وأسلك بهمتك السبي ** ل ولا تقلْ كيف السبيل
وكان إبراهيم طوقان يؤمن أن الشعب الفلسطيني هو طليعة العرب في مقاومة المحتلين.
ويقول عن الذين يحاولون وأد روح النضال والثورة، وتيئيس الشعب مخاطبا الشباب:
لا تحفلوا بالمرجفين ** فإن مطلبهم حقير
سيروا بعين الله، أنتم ** ذلك الأمل الكبير
ولكن طوقان الشاعر الوطني الفذ، كان ذا مشاعر عاطفية جياشة، فله الكثير من أجمل قصائد الغزل، نذكر بعض سطورها، حول الممرضات اللواتي كن يعتنين به في المستشفى، وهو الضعيف البنية والمُتعَب منذ طفولته، فيقول بعنوان "ملائكة الرحمة":
بيضُ الحَمَائِمِ حَسْبُهُنَّ ** أَنِّي أُرَدِّدُ سَجْعَهُنّ
رمز السلامة والوداعة ** منذ بدء الخلق هنّ
فَإذَا وَقَعْنَ عَلَى الغَدِيرِ** تَرَتَّبَتْ أَسْرَابُهُنَّ
كُلٌّ تُقَبِّلُ رَسْمَهَا ** في المَاءِ سَاعَةَ شُرْبهِنَّ
تُنْبيكَ أَجْنِحَةٌ تُصَفِّقُ ** كَيْفَ كَانَ سُرُورُهُنَّ
المُحْسِنَاتُ إلى المريضِ ** غَدَوْنَ أشباهاً لَهُنَّ
يَشْفي العليلَ عناؤُهُنَّ ** وعَطْفُهُنَّ ولُطْفُهُنَّ
ويتغزل بصبية تجلس في المكتبة بقوله تحت عنوان:"غريرة في المكتبة":
وَغَرِيرَةٍ في المَكْتَبَهْ ** بِجَمَالِهَا مُتَنَقِّبَهْ
جَلَسَتْ لِتَقْرَأَ أَوْ لِتَكْ ** تُبَ مَا المُعَلِّمُ رَتَّبَهْ
وَحَبَسْتُ حَتَّى لا تُرَى ** أَنْفَاسِيَ المُتَلَهِّبَهْ
رَاقَبْتُهَا فَشَهِدْتُ أَنَّ ** اللهَ أَجْزَلَ في الْهِبَهْ
وسَمِعْتُ وَهْيَ تُغَمْغِمُ ال ** كَلِمَاتِ نَجْوَى مُطْرِبَهْ
إحْدَى الثَّنَايَا النَّيِّرَا ** تِ بَدَتْ وَلَيْسَ لَهَا شَبَهْ
وَأَرُومُ سِنَّكِ ضَاحِكَاً ** حَتَّى يَلُوحَ وَأَرْقُبَهْ.
وأما في وصفه الوطني للشهيد بأبهى صوره فيقول في قصيدة "الشهيد":
عبس الخطبُ فابتسمْ ** وطغى الهول فاقتحمْ
رابط النفس والنهى ** ثابت القلب والقدم
سار في منهج العُلا ** يطرق الخلد منزلا
لا يبالي، مُكبّلا ** ناله، أم مجدلا
ربما غاله الردى ** وهو بالسجن مرتهن
بمناسبة عيد ميلاده المئة وأحد عشر، نكتب رسالة وفاء إلى الشاعر إبراهيم طوقان، المرهف المشاعر، والذي رغم مرافقة المرض له منذ طفولته، إلا أنه كان قائداً فكرياً ومناضلاً عربيا فلسطينيا، إذ لو اكتفى بكتابة النشيد الوطني الفلسطيني، الذي يحفظه وينشده ويردده كل أفراد شعبه، وكثير من مثقفي الشعب العربي، لحق له أن يؤرّخ، بصفته شاعراً مجيداً نادر الوجود، والذي يقول منه:
مَوطِني.. موْطِني
اْلجَلالُ وَالْجَمالُ وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ .. في رُباكْ.. في رباك
وَالحياةُ وَالنّجاةُ وَالهَناءُ وَالرَّجاءُ.. في هواكْ.. في هواك
هلْ أراك.. هل أراك.. سالماً مُنَعَّماً وغانماً مُكَرَّماً
الشَّبابُ لَنْ يَكِلَّ .. هَمُّهُ أَنْ تَسْتَقِلَّ.. أَو يَبيدْ، أو يبيد
نَسْتَقي مِنَ الرَّدى وَلَنْ نَكونَ للْعدِا.. كَالعَبيدْ .. كالعبيد..
وللتعريف بالشاعر إبراهيم طوقان، نقول إنه ولد في نابلس بفلسطين في 24 يونيو/حزيران عام1905، وأكملَ دراسَتَه الثانوية في القدس عام 1919 حيث التحق بالجامعة الأميركية في بيروت سنة 1923، فنال فيها شهادته الجامعية الأولى في الآداب عام 1929، ثم عاد ليدرّس في مدرسة النجاح الوطنية بنابلس، ثم في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم عاد ثانية إلى فلسطين في عام 1936 ليعمل مُديراً للبرامجِ العربية في القسم العربي في إذاعة القدس، ونظراً لنشاطاته الوطنية المكثفة، تم فصله من عمله وأقيل من قِبل السلطات البريطانية عام 1940، فانتقل إلى العراق وعملَ مدرساً هناك، ولكن المرض الذي لازمه منذ طفولته، اشتد عليه فعاد متلفاً إلى وطنه، إلى أن توفي 2 مايو/آيار 1941.
والمدقق في قصائد إبراهيم طوقان يجد أنها تجاوزت زمنها، إذ نرى أن مضامين شعره التي صورت تلك الأيام، إنما تصور واقعنا الحالي أيضاً، وكأنه يعيش معنا هذه الأيام.
كان طوقان يعبر بشعره عن الهجمة الاستعمارية التي تدور على أرض فلسطين، فيرى أنها أوجدت فريقا من المنتفعين الفلسطينيين والعرب، ممن لا ينتمون إلى الأرض أصلا، فيصور خدمتهم للمطامح الاستعمارية، التي توظف كل وسيلة خبيثة، لتثبيت الكيان الصهيوني الغاشم على أرض فلسطين، والذي بدأ بوعد بلفور، مما ساهم أخيرا في ضياع الوطن.
كل ذلك رصدته أحاسيس وعي الشاعر، فأطلق أشعاره تفضح العملاء، وتكشف خدم الاستعمار، فكان يدعو للتكاتف، ولصدّ الهجمة الغربية الصهيونية على أرض فلسطين، ويوضح في قصيدته المؤرخة في 1935، والتي تصور واقعنا الحالي:
"يا حسرتا"
يا حسرتا ماذا دهى أهل الحمى ** فالعيش ذل ، والمصير بوارُ
أرأيت أي كرامة كانت لهم ** واليوم كيف إلى الإهانة صاروا
الظالم الباغي يسوس أمورهم ** واللص والجاسوس والسمسارُ
وينظر إبراهيم طوقان إلى "الزعماء" الذين سهل الهوان عليهم، في قصيدة يستعمل فيها ضمير المخاطب، وبطريقة ساخرة فاضحة:
"أنتم"
أنتم (المخلصون!) للوطنية ** أنتم الحاملون عبء القضية!
ما جحدنا "أفضالكم" غير أنا ** لم تزل في نفوسنا أمنية
في يدينا بقية أرض نتمنى ** أن لا تطير البقية
وفي قصيدة أخرى يصف تواطؤ عملاء الاستعمار الإنجليزي فيقول:
تواصوا بينهم فأتى وبالا ** وإذلالا لنا ذاك التواصي
مناهج للإبادة واضحات ** وبالحسنى تنفذ والرصاص
وفي قصيدة أخرى سخر من الزعامات العربية التقليدية الخادمة للعدو بقوله:
زعاماتنا قد كشفتم عن بطولاتكم ** غطاءها يوم توقيع الكفالات
أنتم رجال خطابات منمقة ** كما علمنا، وأبطال "احتجاجات"
إنه يحمد الله أن أحدا من هؤلاء الزعماء لم يُجرح ولو بالخطأ، لأنهم سيستغلون هذا الجرح في المزايدة وسيظهرون أبطالا. ويقول إن فلسطين تطالبهم بالابتعاد عنها فليسوا هم برجالها:
أضحت فلسطين من غيظ تصيح بكم ** خلوا الطريق فلستم من رجالاتي
ذاك السجين الذي أعلى كرامته ** فداؤه كل طلاب الزعامات!
وكان مؤمنا أشد الإيمان بأن "لا يفل الحديد إلا الحديد" وأن الاحتلال لا يزول إلا بالكفاح.
ورغم أن المقاومة الشعبية الفلسطينية لا تملك قوة مواجهة الغرب المنتصر في الحرب العالمية، وهو يدعم بكل قوة تهجير اليهود من أوروبا إلى فلسطين، نراه يشحذ الهمم للمقاومة، في إيمان وتفاؤل نادرين بقوله:
كفكف دموعك ليس ينف ** عك البكاء ولا العويل
وانهض ولا تشك الزما ** ن فما شكا إلا الكسول
وأسلك بهمتك السبي ** ل ولا تقلْ كيف السبيل
وكان إبراهيم طوقان يؤمن أن الشعب الفلسطيني هو طليعة العرب في مقاومة المحتلين.
ويقول عن الذين يحاولون وأد روح النضال والثورة، وتيئيس الشعب مخاطبا الشباب:
لا تحفلوا بالمرجفين ** فإن مطلبهم حقير
سيروا بعين الله، أنتم ** ذلك الأمل الكبير
ولكن طوقان الشاعر الوطني الفذ، كان ذا مشاعر عاطفية جياشة، فله الكثير من أجمل قصائد الغزل، نذكر بعض سطورها، حول الممرضات اللواتي كن يعتنين به في المستشفى، وهو الضعيف البنية والمُتعَب منذ طفولته، فيقول بعنوان "ملائكة الرحمة":
بيضُ الحَمَائِمِ حَسْبُهُنَّ ** أَنِّي أُرَدِّدُ سَجْعَهُنّ
رمز السلامة والوداعة ** منذ بدء الخلق هنّ
فَإذَا وَقَعْنَ عَلَى الغَدِيرِ** تَرَتَّبَتْ أَسْرَابُهُنَّ
كُلٌّ تُقَبِّلُ رَسْمَهَا ** في المَاءِ سَاعَةَ شُرْبهِنَّ
تُنْبيكَ أَجْنِحَةٌ تُصَفِّقُ ** كَيْفَ كَانَ سُرُورُهُنَّ
المُحْسِنَاتُ إلى المريضِ ** غَدَوْنَ أشباهاً لَهُنَّ
يَشْفي العليلَ عناؤُهُنَّ ** وعَطْفُهُنَّ ولُطْفُهُنَّ
ويتغزل بصبية تجلس في المكتبة بقوله تحت عنوان:"غريرة في المكتبة":
وَغَرِيرَةٍ في المَكْتَبَهْ ** بِجَمَالِهَا مُتَنَقِّبَهْ
جَلَسَتْ لِتَقْرَأَ أَوْ لِتَكْ ** تُبَ مَا المُعَلِّمُ رَتَّبَهْ
وَحَبَسْتُ حَتَّى لا تُرَى ** أَنْفَاسِيَ المُتَلَهِّبَهْ
رَاقَبْتُهَا فَشَهِدْتُ أَنَّ ** اللهَ أَجْزَلَ في الْهِبَهْ
وسَمِعْتُ وَهْيَ تُغَمْغِمُ ال ** كَلِمَاتِ نَجْوَى مُطْرِبَهْ
إحْدَى الثَّنَايَا النَّيِّرَا ** تِ بَدَتْ وَلَيْسَ لَهَا شَبَهْ
وَأَرُومُ سِنَّكِ ضَاحِكَاً ** حَتَّى يَلُوحَ وَأَرْقُبَهْ.
وأما في وصفه الوطني للشهيد بأبهى صوره فيقول في قصيدة "الشهيد":
عبس الخطبُ فابتسمْ ** وطغى الهول فاقتحمْ
رابط النفس والنهى ** ثابت القلب والقدم
سار في منهج العُلا ** يطرق الخلد منزلا
لا يبالي، مُكبّلا ** ناله، أم مجدلا
ربما غاله الردى ** وهو بالسجن مرتهن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.