وظائف هيئة المحطات النووية.. فرص عمل بالتعيين أو التعاقد    سعر الدولار أمام الجنيه في البنوك صباح اليوم السبت    أسعار اللحوم البلدي والكندوز اليوم السبت 23-8-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    سعر السبيكة الذهب (جميع الأوزان) وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 23 أغسطس 2025    أسعار طبق البيض اليوم السبت 23-8-2025 في قنا    الجمبري الچامبو ب880 جنيه.. قائمة أسعار الأسماك بسوق العبور اليوم السبت    23 شهيدًا جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ فجر اليوم    إعلام إسرائيلي: 3 انفجارات ضخمة تهز وسط إسرائيل ومصابون نتيجة التدافع للملاجئ    موعد مباراة ريال مايوركا ضد سيلتا فيجو اليوم في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    حالة الطقس اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    تجديد حبس 13 فتاة بتهمة ممارسة الأعمال المنافية للآداب في النزهة    إصابة 3 أشخاص في حادث سير بوسط سيناء    ريم بسيوني تتحدث عن عبد السلام بن مشيش في ندوة ببيت السناري    نوال الزغبي: "المرأة ركن المجتمع الأساسي بالحياة"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    مهاجر التيك توك «الأفغاني» يقدم نصائح لقتل الزوجات وتجنب العقوبة    ثوانٍ فارقة أنقذت شابًا من دهس القطار.. وعامل مزلقان السادات يروي التفاصيل    هل يحق لمكتسبي الجنسية المصرية مباشرة الحقوق السياسية؟ القانون يجيب    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 23 أغسطس 2025    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 23 أغسطس 2025    قطع المياه 6 ساعات ببعض مناطق الجيزة لتحويل خط رئيسي    سيف الإسلام القذافي يعلن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا    ضبط 50 محلًا بدون ترخيص وتنفيذ 40 حكمًا قضائيًا بحملة أمنية بالفيوم    لمحبي الآكلات الجديدة.. حضري «الفاصوليا البيضاء» على الطريقة التونسية (الخطوات والمكونات)    إنقاذ حياة مريض بعمل شق حنجري بمستشفى الجامعي بالمنوفية    جامعة أسوان تهنئ البروفيسور مجدي يعقوب لتكريمه من جمعية القلب الأمريكية    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    الأمم المتحدة تعلن المجاعة رسميًا.. ماذا يحدث في غزة؟    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    «ميستحقوش يلعبوا في الزمالك».. إكرامي يفتح النار على ألفينا وشيكو بانزا    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    بطريقة درامية، دوناروما يودع جماهير باريس سان جيرمان (فيديو وصور)    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    حدث بالفن| أول تعليق من شيرين عبد الوهاب بعد أنباء عودتها ل حسام حبيب وفنان يرفض مصافحة معجبة ونجوم الفن في سهرة صيفية خاصة    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة وفاء إلى إبراهيم طوقان
نشر في صوت البلد يوم 28 - 06 - 2016

بمناسبة عيد ميلاده المئة وأحد عشر، نكتب رسالة وفاء إلى الشاعر إبراهيم طوقان، المرهف المشاعر، والذي رغم مرافقة المرض له منذ طفولته، إلا أنه كان قائداً فكرياً ومناضلاً عربيا فلسطينيا، إذ لو اكتفى بكتابة النشيد الوطني الفلسطيني، الذي يحفظه وينشده ويردده كل أفراد شعبه، وكثير من مثقفي الشعب العربي، لحق له أن يؤرّخ، بصفته شاعراً مجيداً نادر الوجود، والذي يقول منه:
مَوطِني.. موْطِني
اْلجَلالُ وَالْجَمالُ وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ .. في رُباكْ.. في رباك
وَالحياةُ وَالنّجاةُ وَالهَناءُ وَالرَّجاءُ.. في هواكْ.. في هواك
هلْ أراك.. هل أراك.. سالماً مُنَعَّماً وغانماً مُكَرَّماً
الشَّبابُ لَنْ يَكِلَّ .. هَمُّهُ أَنْ تَسْتَقِلَّ.. أَو يَبيدْ، أو يبيد
نَسْتَقي مِنَ الرَّدى وَلَنْ نَكونَ للْعدِا.. كَالعَبيدْ .. كالعبيد..
وللتعريف بالشاعر إبراهيم طوقان، نقول إنه ولد في نابلس بفلسطين في 24 يونيو/حزيران عام1905، وأكملَ دراسَتَه الثانوية في القدس عام 1919 حيث التحق بالجامعة الأميركية في بيروت سنة 1923، فنال فيها شهادته الجامعية الأولى في الآداب عام 1929، ثم عاد ليدرّس في مدرسة النجاح الوطنية بنابلس، ثم في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم عاد ثانية إلى فلسطين في عام 1936 ليعمل مُديراً للبرامجِ العربية في القسم العربي في إذاعة القدس، ونظراً لنشاطاته الوطنية المكثفة، تم فصله من عمله وأقيل من قِبل السلطات البريطانية عام 1940، فانتقل إلى العراق وعملَ مدرساً هناك، ولكن المرض الذي لازمه منذ طفولته، اشتد عليه فعاد متلفاً إلى وطنه، إلى أن توفي 2 مايو/آيار 1941.
والمدقق في قصائد إبراهيم طوقان يجد أنها تجاوزت زمنها، إذ نرى أن مضامين شعره التي صورت تلك الأيام، إنما تصور واقعنا الحالي أيضاً، وكأنه يعيش معنا هذه الأيام.
كان طوقان يعبر بشعره عن الهجمة الاستعمارية التي تدور على أرض فلسطين، فيرى أنها أوجدت فريقا من المنتفعين الفلسطينيين والعرب، ممن لا ينتمون إلى الأرض أصلا، فيصور خدمتهم للمطامح الاستعمارية، التي توظف كل وسيلة خبيثة، لتثبيت الكيان الصهيوني الغاشم على أرض فلسطين، والذي بدأ بوعد بلفور، مما ساهم أخيرا في ضياع الوطن.
كل ذلك رصدته أحاسيس وعي الشاعر، فأطلق أشعاره تفضح العملاء، وتكشف خدم الاستعمار، فكان يدعو للتكاتف، ولصدّ الهجمة الغربية الصهيونية على أرض فلسطين، ويوضح في قصيدته المؤرخة في 1935، والتي تصور واقعنا الحالي:
"يا حسرتا"
يا حسرتا ماذا دهى أهل الحمى ** فالعيش ذل ، والمصير بوارُ
أرأيت أي كرامة كانت لهم ** واليوم كيف إلى الإهانة صاروا
الظالم الباغي يسوس أمورهم ** واللص والجاسوس والسمسارُ
وينظر إبراهيم طوقان إلى "الزعماء" الذين سهل الهوان عليهم، في قصيدة يستعمل فيها ضمير المخاطب، وبطريقة ساخرة فاضحة:
"أنتم"
أنتم (المخلصون!) للوطنية ** أنتم الحاملون عبء القضية!
ما جحدنا "أفضالكم" غير أنا ** لم تزل في نفوسنا أمنية
في يدينا بقية أرض نتمنى ** أن لا تطير البقية
وفي قصيدة أخرى يصف تواطؤ عملاء الاستعمار الإنجليزي فيقول:
تواصوا بينهم فأتى وبالا ** وإذلالا لنا ذاك التواصي
مناهج للإبادة واضحات ** وبالحسنى تنفذ والرصاص
وفي قصيدة أخرى سخر من الزعامات العربية التقليدية الخادمة للعدو بقوله:
زعاماتنا قد كشفتم عن بطولاتكم ** غطاءها يوم توقيع الكفالات
أنتم رجال خطابات منمقة ** كما علمنا، وأبطال "احتجاجات"
إنه يحمد الله أن أحدا من هؤلاء الزعماء لم يُجرح ولو بالخطأ، لأنهم سيستغلون هذا الجرح في المزايدة وسيظهرون أبطالا. ويقول إن فلسطين تطالبهم بالابتعاد عنها فليسوا هم برجالها:
أضحت فلسطين من غيظ تصيح بكم ** خلوا الطريق فلستم من رجالاتي
ذاك السجين الذي أعلى كرامته ** فداؤه كل طلاب الزعامات!
وكان مؤمنا أشد الإيمان بأن "لا يفل الحديد إلا الحديد" وأن الاحتلال لا يزول إلا بالكفاح.
ورغم أن المقاومة الشعبية الفلسطينية لا تملك قوة مواجهة الغرب المنتصر في الحرب العالمية، وهو يدعم بكل قوة تهجير اليهود من أوروبا إلى فلسطين، نراه يشحذ الهمم للمقاومة، في إيمان وتفاؤل نادرين بقوله:
كفكف دموعك ليس ينف ** عك البكاء ولا العويل
وانهض ولا تشك الزما ** ن فما شكا إلا الكسول
وأسلك بهمتك السبي ** ل ولا تقلْ كيف السبيل
وكان إبراهيم طوقان يؤمن أن الشعب الفلسطيني هو طليعة العرب في مقاومة المحتلين.
ويقول عن الذين يحاولون وأد روح النضال والثورة، وتيئيس الشعب مخاطبا الشباب:
لا تحفلوا بالمرجفين ** فإن مطلبهم حقير
سيروا بعين الله، أنتم ** ذلك الأمل الكبير
ولكن طوقان الشاعر الوطني الفذ، كان ذا مشاعر عاطفية جياشة، فله الكثير من أجمل قصائد الغزل، نذكر بعض سطورها، حول الممرضات اللواتي كن يعتنين به في المستشفى، وهو الضعيف البنية والمُتعَب منذ طفولته، فيقول بعنوان "ملائكة الرحمة":
بيضُ الحَمَائِمِ حَسْبُهُنَّ ** أَنِّي أُرَدِّدُ سَجْعَهُنّ
رمز السلامة والوداعة ** منذ بدء الخلق هنّ
فَإذَا وَقَعْنَ عَلَى الغَدِيرِ** تَرَتَّبَتْ أَسْرَابُهُنَّ
كُلٌّ تُقَبِّلُ رَسْمَهَا ** في المَاءِ سَاعَةَ شُرْبهِنَّ
تُنْبيكَ أَجْنِحَةٌ تُصَفِّقُ ** كَيْفَ كَانَ سُرُورُهُنَّ
المُحْسِنَاتُ إلى المريضِ ** غَدَوْنَ أشباهاً لَهُنَّ
يَشْفي العليلَ عناؤُهُنَّ ** وعَطْفُهُنَّ ولُطْفُهُنَّ
ويتغزل بصبية تجلس في المكتبة بقوله تحت عنوان:"غريرة في المكتبة":
وَغَرِيرَةٍ في المَكْتَبَهْ ** بِجَمَالِهَا مُتَنَقِّبَهْ
جَلَسَتْ لِتَقْرَأَ أَوْ لِتَكْ ** تُبَ مَا المُعَلِّمُ رَتَّبَهْ
وَحَبَسْتُ حَتَّى لا تُرَى ** أَنْفَاسِيَ المُتَلَهِّبَهْ
رَاقَبْتُهَا فَشَهِدْتُ أَنَّ ** اللهَ أَجْزَلَ في الْهِبَهْ
وسَمِعْتُ وَهْيَ تُغَمْغِمُ ال ** كَلِمَاتِ نَجْوَى مُطْرِبَهْ
إحْدَى الثَّنَايَا النَّيِّرَا ** تِ بَدَتْ وَلَيْسَ لَهَا شَبَهْ
وَأَرُومُ سِنَّكِ ضَاحِكَاً ** حَتَّى يَلُوحَ وَأَرْقُبَهْ.
وأما في وصفه الوطني للشهيد بأبهى صوره فيقول في قصيدة "الشهيد":
عبس الخطبُ فابتسمْ ** وطغى الهول فاقتحمْ
رابط النفس والنهى ** ثابت القلب والقدم
سار في منهج العُلا ** يطرق الخلد منزلا
لا يبالي، مُكبّلا ** ناله، أم مجدلا
ربما غاله الردى ** وهو بالسجن مرتهن
بمناسبة عيد ميلاده المئة وأحد عشر، نكتب رسالة وفاء إلى الشاعر إبراهيم طوقان، المرهف المشاعر، والذي رغم مرافقة المرض له منذ طفولته، إلا أنه كان قائداً فكرياً ومناضلاً عربيا فلسطينيا، إذ لو اكتفى بكتابة النشيد الوطني الفلسطيني، الذي يحفظه وينشده ويردده كل أفراد شعبه، وكثير من مثقفي الشعب العربي، لحق له أن يؤرّخ، بصفته شاعراً مجيداً نادر الوجود، والذي يقول منه:
مَوطِني.. موْطِني
اْلجَلالُ وَالْجَمالُ وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ .. في رُباكْ.. في رباك
وَالحياةُ وَالنّجاةُ وَالهَناءُ وَالرَّجاءُ.. في هواكْ.. في هواك
هلْ أراك.. هل أراك.. سالماً مُنَعَّماً وغانماً مُكَرَّماً
الشَّبابُ لَنْ يَكِلَّ .. هَمُّهُ أَنْ تَسْتَقِلَّ.. أَو يَبيدْ، أو يبيد
نَسْتَقي مِنَ الرَّدى وَلَنْ نَكونَ للْعدِا.. كَالعَبيدْ .. كالعبيد..
وللتعريف بالشاعر إبراهيم طوقان، نقول إنه ولد في نابلس بفلسطين في 24 يونيو/حزيران عام1905، وأكملَ دراسَتَه الثانوية في القدس عام 1919 حيث التحق بالجامعة الأميركية في بيروت سنة 1923، فنال فيها شهادته الجامعية الأولى في الآداب عام 1929، ثم عاد ليدرّس في مدرسة النجاح الوطنية بنابلس، ثم في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم عاد ثانية إلى فلسطين في عام 1936 ليعمل مُديراً للبرامجِ العربية في القسم العربي في إذاعة القدس، ونظراً لنشاطاته الوطنية المكثفة، تم فصله من عمله وأقيل من قِبل السلطات البريطانية عام 1940، فانتقل إلى العراق وعملَ مدرساً هناك، ولكن المرض الذي لازمه منذ طفولته، اشتد عليه فعاد متلفاً إلى وطنه، إلى أن توفي 2 مايو/آيار 1941.
والمدقق في قصائد إبراهيم طوقان يجد أنها تجاوزت زمنها، إذ نرى أن مضامين شعره التي صورت تلك الأيام، إنما تصور واقعنا الحالي أيضاً، وكأنه يعيش معنا هذه الأيام.
كان طوقان يعبر بشعره عن الهجمة الاستعمارية التي تدور على أرض فلسطين، فيرى أنها أوجدت فريقا من المنتفعين الفلسطينيين والعرب، ممن لا ينتمون إلى الأرض أصلا، فيصور خدمتهم للمطامح الاستعمارية، التي توظف كل وسيلة خبيثة، لتثبيت الكيان الصهيوني الغاشم على أرض فلسطين، والذي بدأ بوعد بلفور، مما ساهم أخيرا في ضياع الوطن.
كل ذلك رصدته أحاسيس وعي الشاعر، فأطلق أشعاره تفضح العملاء، وتكشف خدم الاستعمار، فكان يدعو للتكاتف، ولصدّ الهجمة الغربية الصهيونية على أرض فلسطين، ويوضح في قصيدته المؤرخة في 1935، والتي تصور واقعنا الحالي:
"يا حسرتا"
يا حسرتا ماذا دهى أهل الحمى ** فالعيش ذل ، والمصير بوارُ
أرأيت أي كرامة كانت لهم ** واليوم كيف إلى الإهانة صاروا
الظالم الباغي يسوس أمورهم ** واللص والجاسوس والسمسارُ
وينظر إبراهيم طوقان إلى "الزعماء" الذين سهل الهوان عليهم، في قصيدة يستعمل فيها ضمير المخاطب، وبطريقة ساخرة فاضحة:
"أنتم"
أنتم (المخلصون!) للوطنية ** أنتم الحاملون عبء القضية!
ما جحدنا "أفضالكم" غير أنا ** لم تزل في نفوسنا أمنية
في يدينا بقية أرض نتمنى ** أن لا تطير البقية
وفي قصيدة أخرى يصف تواطؤ عملاء الاستعمار الإنجليزي فيقول:
تواصوا بينهم فأتى وبالا ** وإذلالا لنا ذاك التواصي
مناهج للإبادة واضحات ** وبالحسنى تنفذ والرصاص
وفي قصيدة أخرى سخر من الزعامات العربية التقليدية الخادمة للعدو بقوله:
زعاماتنا قد كشفتم عن بطولاتكم ** غطاءها يوم توقيع الكفالات
أنتم رجال خطابات منمقة ** كما علمنا، وأبطال "احتجاجات"
إنه يحمد الله أن أحدا من هؤلاء الزعماء لم يُجرح ولو بالخطأ، لأنهم سيستغلون هذا الجرح في المزايدة وسيظهرون أبطالا. ويقول إن فلسطين تطالبهم بالابتعاد عنها فليسوا هم برجالها:
أضحت فلسطين من غيظ تصيح بكم ** خلوا الطريق فلستم من رجالاتي
ذاك السجين الذي أعلى كرامته ** فداؤه كل طلاب الزعامات!
وكان مؤمنا أشد الإيمان بأن "لا يفل الحديد إلا الحديد" وأن الاحتلال لا يزول إلا بالكفاح.
ورغم أن المقاومة الشعبية الفلسطينية لا تملك قوة مواجهة الغرب المنتصر في الحرب العالمية، وهو يدعم بكل قوة تهجير اليهود من أوروبا إلى فلسطين، نراه يشحذ الهمم للمقاومة، في إيمان وتفاؤل نادرين بقوله:
كفكف دموعك ليس ينف ** عك البكاء ولا العويل
وانهض ولا تشك الزما ** ن فما شكا إلا الكسول
وأسلك بهمتك السبي ** ل ولا تقلْ كيف السبيل
وكان إبراهيم طوقان يؤمن أن الشعب الفلسطيني هو طليعة العرب في مقاومة المحتلين.
ويقول عن الذين يحاولون وأد روح النضال والثورة، وتيئيس الشعب مخاطبا الشباب:
لا تحفلوا بالمرجفين ** فإن مطلبهم حقير
سيروا بعين الله، أنتم ** ذلك الأمل الكبير
ولكن طوقان الشاعر الوطني الفذ، كان ذا مشاعر عاطفية جياشة، فله الكثير من أجمل قصائد الغزل، نذكر بعض سطورها، حول الممرضات اللواتي كن يعتنين به في المستشفى، وهو الضعيف البنية والمُتعَب منذ طفولته، فيقول بعنوان "ملائكة الرحمة":
بيضُ الحَمَائِمِ حَسْبُهُنَّ ** أَنِّي أُرَدِّدُ سَجْعَهُنّ
رمز السلامة والوداعة ** منذ بدء الخلق هنّ
فَإذَا وَقَعْنَ عَلَى الغَدِيرِ** تَرَتَّبَتْ أَسْرَابُهُنَّ
كُلٌّ تُقَبِّلُ رَسْمَهَا ** في المَاءِ سَاعَةَ شُرْبهِنَّ
تُنْبيكَ أَجْنِحَةٌ تُصَفِّقُ ** كَيْفَ كَانَ سُرُورُهُنَّ
المُحْسِنَاتُ إلى المريضِ ** غَدَوْنَ أشباهاً لَهُنَّ
يَشْفي العليلَ عناؤُهُنَّ ** وعَطْفُهُنَّ ولُطْفُهُنَّ
ويتغزل بصبية تجلس في المكتبة بقوله تحت عنوان:"غريرة في المكتبة":
وَغَرِيرَةٍ في المَكْتَبَهْ ** بِجَمَالِهَا مُتَنَقِّبَهْ
جَلَسَتْ لِتَقْرَأَ أَوْ لِتَكْ ** تُبَ مَا المُعَلِّمُ رَتَّبَهْ
وَحَبَسْتُ حَتَّى لا تُرَى ** أَنْفَاسِيَ المُتَلَهِّبَهْ
رَاقَبْتُهَا فَشَهِدْتُ أَنَّ ** اللهَ أَجْزَلَ في الْهِبَهْ
وسَمِعْتُ وَهْيَ تُغَمْغِمُ ال ** كَلِمَاتِ نَجْوَى مُطْرِبَهْ
إحْدَى الثَّنَايَا النَّيِّرَا ** تِ بَدَتْ وَلَيْسَ لَهَا شَبَهْ
وَأَرُومُ سِنَّكِ ضَاحِكَاً ** حَتَّى يَلُوحَ وَأَرْقُبَهْ.
وأما في وصفه الوطني للشهيد بأبهى صوره فيقول في قصيدة "الشهيد":
عبس الخطبُ فابتسمْ ** وطغى الهول فاقتحمْ
رابط النفس والنهى ** ثابت القلب والقدم
سار في منهج العُلا ** يطرق الخلد منزلا
لا يبالي، مُكبّلا ** ناله، أم مجدلا
ربما غاله الردى ** وهو بالسجن مرتهن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.