بمناسبة عيد ميلاده المئة وأحد عشر، نكتب رسالة وفاء إلى الشاعر إبراهيم طوقان، المرهف المشاعر، والذي رغم مرافقة المرض له منذ طفولته، إلا أنه كان قائداً فكرياً ومناضلاً عربيا فلسطينيا، إذ لو اكتفى بكتابة النشيد الوطني الفلسطيني، الذي يحفظه وينشده ويردده كل أفراد شعبه، وكثير من مثقفي الشعب العربي، لحق له أن يؤرّخ، بصفته شاعراً مجيداً نادر الوجود، والذي يقول منه: مَوطِني.. موْطِني اْلجَلالُ وَالْجَمالُ وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ .. في رُباكْ.. في رباك وَالحياةُ وَالنّجاةُ وَالهَناءُ وَالرَّجاءُ.. في هواكْ.. في هواك هلْ أراك.. هل أراك.. سالماً مُنَعَّماً وغانماً مُكَرَّماً الشَّبابُ لَنْ يَكِلَّ .. هَمُّهُ أَنْ تَسْتَقِلَّ.. أَو يَبيدْ، أو يبيد نَسْتَقي مِنَ الرَّدى وَلَنْ نَكونَ للْعدِا.. كَالعَبيدْ .. كالعبيد.. وللتعريف بالشاعر إبراهيم طوقان، نقول إنه ولد في نابلس بفلسطين في 24 يونيو/حزيران عام1905، وأكملَ دراسَتَه الثانوية في القدس عام 1919 حيث التحق بالجامعة الأميركية في بيروت سنة 1923، فنال فيها شهادته الجامعية الأولى في الآداب عام 1929، ثم عاد ليدرّس في مدرسة النجاح الوطنية بنابلس، ثم في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم عاد ثانية إلى فلسطين في عام 1936 ليعمل مُديراً للبرامجِ العربية في القسم العربي في إذاعة القدس، ونظراً لنشاطاته الوطنية المكثفة، تم فصله من عمله وأقيل من قِبل السلطات البريطانية عام 1940، فانتقل إلى العراق وعملَ مدرساً هناك، ولكن المرض الذي لازمه منذ طفولته، اشتد عليه فعاد متلفاً إلى وطنه، إلى أن توفي 2 مايو/آيار 1941. والمدقق في قصائد إبراهيم طوقان يجد أنها تجاوزت زمنها، إذ نرى أن مضامين شعره التي صورت تلك الأيام، إنما تصور واقعنا الحالي أيضاً، وكأنه يعيش معنا هذه الأيام. كان طوقان يعبر بشعره عن الهجمة الاستعمارية التي تدور على أرض فلسطين، فيرى أنها أوجدت فريقا من المنتفعين الفلسطينيين والعرب، ممن لا ينتمون إلى الأرض أصلا، فيصور خدمتهم للمطامح الاستعمارية، التي توظف كل وسيلة خبيثة، لتثبيت الكيان الصهيوني الغاشم على أرض فلسطين، والذي بدأ بوعد بلفور، مما ساهم أخيرا في ضياع الوطن. كل ذلك رصدته أحاسيس وعي الشاعر، فأطلق أشعاره تفضح العملاء، وتكشف خدم الاستعمار، فكان يدعو للتكاتف، ولصدّ الهجمة الغربية الصهيونية على أرض فلسطين، ويوضح في قصيدته المؤرخة في 1935، والتي تصور واقعنا الحالي: "يا حسرتا" يا حسرتا ماذا دهى أهل الحمى ** فالعيش ذل ، والمصير بوارُ أرأيت أي كرامة كانت لهم ** واليوم كيف إلى الإهانة صاروا الظالم الباغي يسوس أمورهم ** واللص والجاسوس والسمسارُ وينظر إبراهيم طوقان إلى "الزعماء" الذين سهل الهوان عليهم، في قصيدة يستعمل فيها ضمير المخاطب، وبطريقة ساخرة فاضحة: "أنتم" أنتم (المخلصون!) للوطنية ** أنتم الحاملون عبء القضية! ما جحدنا "أفضالكم" غير أنا ** لم تزل في نفوسنا أمنية في يدينا بقية أرض نتمنى ** أن لا تطير البقية وفي قصيدة أخرى يصف تواطؤ عملاء الاستعمار الإنجليزي فيقول: تواصوا بينهم فأتى وبالا ** وإذلالا لنا ذاك التواصي مناهج للإبادة واضحات ** وبالحسنى تنفذ والرصاص وفي قصيدة أخرى سخر من الزعامات العربية التقليدية الخادمة للعدو بقوله: زعاماتنا قد كشفتم عن بطولاتكم ** غطاءها يوم توقيع الكفالات أنتم رجال خطابات منمقة ** كما علمنا، وأبطال "احتجاجات" إنه يحمد الله أن أحدا من هؤلاء الزعماء لم يُجرح ولو بالخطأ، لأنهم سيستغلون هذا الجرح في المزايدة وسيظهرون أبطالا. ويقول إن فلسطين تطالبهم بالابتعاد عنها فليسوا هم برجالها: أضحت فلسطين من غيظ تصيح بكم ** خلوا الطريق فلستم من رجالاتي ذاك السجين الذي أعلى كرامته ** فداؤه كل طلاب الزعامات! وكان مؤمنا أشد الإيمان بأن "لا يفل الحديد إلا الحديد" وأن الاحتلال لا يزول إلا بالكفاح. ورغم أن المقاومة الشعبية الفلسطينية لا تملك قوة مواجهة الغرب المنتصر في الحرب العالمية، وهو يدعم بكل قوة تهجير اليهود من أوروبا إلى فلسطين، نراه يشحذ الهمم للمقاومة، في إيمان وتفاؤل نادرين بقوله: كفكف دموعك ليس ينف ** عك البكاء ولا العويل وانهض ولا تشك الزما ** ن فما شكا إلا الكسول وأسلك بهمتك السبي ** ل ولا تقلْ كيف السبيل وكان إبراهيم طوقان يؤمن أن الشعب الفلسطيني هو طليعة العرب في مقاومة المحتلين. ويقول عن الذين يحاولون وأد روح النضال والثورة، وتيئيس الشعب مخاطبا الشباب: لا تحفلوا بالمرجفين ** فإن مطلبهم حقير سيروا بعين الله، أنتم ** ذلك الأمل الكبير ولكن طوقان الشاعر الوطني الفذ، كان ذا مشاعر عاطفية جياشة، فله الكثير من أجمل قصائد الغزل، نذكر بعض سطورها، حول الممرضات اللواتي كن يعتنين به في المستشفى، وهو الضعيف البنية والمُتعَب منذ طفولته، فيقول بعنوان "ملائكة الرحمة": بيضُ الحَمَائِمِ حَسْبُهُنَّ ** أَنِّي أُرَدِّدُ سَجْعَهُنّ رمز السلامة والوداعة ** منذ بدء الخلق هنّ فَإذَا وَقَعْنَ عَلَى الغَدِيرِ** تَرَتَّبَتْ أَسْرَابُهُنَّ كُلٌّ تُقَبِّلُ رَسْمَهَا ** في المَاءِ سَاعَةَ شُرْبهِنَّ تُنْبيكَ أَجْنِحَةٌ تُصَفِّقُ ** كَيْفَ كَانَ سُرُورُهُنَّ المُحْسِنَاتُ إلى المريضِ ** غَدَوْنَ أشباهاً لَهُنَّ يَشْفي العليلَ عناؤُهُنَّ ** وعَطْفُهُنَّ ولُطْفُهُنَّ ويتغزل بصبية تجلس في المكتبة بقوله تحت عنوان:"غريرة في المكتبة": وَغَرِيرَةٍ في المَكْتَبَهْ ** بِجَمَالِهَا مُتَنَقِّبَهْ جَلَسَتْ لِتَقْرَأَ أَوْ لِتَكْ ** تُبَ مَا المُعَلِّمُ رَتَّبَهْ وَحَبَسْتُ حَتَّى لا تُرَى ** أَنْفَاسِيَ المُتَلَهِّبَهْ رَاقَبْتُهَا فَشَهِدْتُ أَنَّ ** اللهَ أَجْزَلَ في الْهِبَهْ وسَمِعْتُ وَهْيَ تُغَمْغِمُ ال ** كَلِمَاتِ نَجْوَى مُطْرِبَهْ إحْدَى الثَّنَايَا النَّيِّرَا ** تِ بَدَتْ وَلَيْسَ لَهَا شَبَهْ وَأَرُومُ سِنَّكِ ضَاحِكَاً ** حَتَّى يَلُوحَ وَأَرْقُبَهْ. وأما في وصفه الوطني للشهيد بأبهى صوره فيقول في قصيدة "الشهيد": عبس الخطبُ فابتسمْ ** وطغى الهول فاقتحمْ رابط النفس والنهى ** ثابت القلب والقدم سار في منهج العُلا ** يطرق الخلد منزلا لا يبالي، مُكبّلا ** ناله، أم مجدلا ربما غاله الردى ** وهو بالسجن مرتهن بمناسبة عيد ميلاده المئة وأحد عشر، نكتب رسالة وفاء إلى الشاعر إبراهيم طوقان، المرهف المشاعر، والذي رغم مرافقة المرض له منذ طفولته، إلا أنه كان قائداً فكرياً ومناضلاً عربيا فلسطينيا، إذ لو اكتفى بكتابة النشيد الوطني الفلسطيني، الذي يحفظه وينشده ويردده كل أفراد شعبه، وكثير من مثقفي الشعب العربي، لحق له أن يؤرّخ، بصفته شاعراً مجيداً نادر الوجود، والذي يقول منه: مَوطِني.. موْطِني اْلجَلالُ وَالْجَمالُ وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ .. في رُباكْ.. في رباك وَالحياةُ وَالنّجاةُ وَالهَناءُ وَالرَّجاءُ.. في هواكْ.. في هواك هلْ أراك.. هل أراك.. سالماً مُنَعَّماً وغانماً مُكَرَّماً الشَّبابُ لَنْ يَكِلَّ .. هَمُّهُ أَنْ تَسْتَقِلَّ.. أَو يَبيدْ، أو يبيد نَسْتَقي مِنَ الرَّدى وَلَنْ نَكونَ للْعدِا.. كَالعَبيدْ .. كالعبيد.. وللتعريف بالشاعر إبراهيم طوقان، نقول إنه ولد في نابلس بفلسطين في 24 يونيو/حزيران عام1905، وأكملَ دراسَتَه الثانوية في القدس عام 1919 حيث التحق بالجامعة الأميركية في بيروت سنة 1923، فنال فيها شهادته الجامعية الأولى في الآداب عام 1929، ثم عاد ليدرّس في مدرسة النجاح الوطنية بنابلس، ثم في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم عاد ثانية إلى فلسطين في عام 1936 ليعمل مُديراً للبرامجِ العربية في القسم العربي في إذاعة القدس، ونظراً لنشاطاته الوطنية المكثفة، تم فصله من عمله وأقيل من قِبل السلطات البريطانية عام 1940، فانتقل إلى العراق وعملَ مدرساً هناك، ولكن المرض الذي لازمه منذ طفولته، اشتد عليه فعاد متلفاً إلى وطنه، إلى أن توفي 2 مايو/آيار 1941. والمدقق في قصائد إبراهيم طوقان يجد أنها تجاوزت زمنها، إذ نرى أن مضامين شعره التي صورت تلك الأيام، إنما تصور واقعنا الحالي أيضاً، وكأنه يعيش معنا هذه الأيام. كان طوقان يعبر بشعره عن الهجمة الاستعمارية التي تدور على أرض فلسطين، فيرى أنها أوجدت فريقا من المنتفعين الفلسطينيين والعرب، ممن لا ينتمون إلى الأرض أصلا، فيصور خدمتهم للمطامح الاستعمارية، التي توظف كل وسيلة خبيثة، لتثبيت الكيان الصهيوني الغاشم على أرض فلسطين، والذي بدأ بوعد بلفور، مما ساهم أخيرا في ضياع الوطن. كل ذلك رصدته أحاسيس وعي الشاعر، فأطلق أشعاره تفضح العملاء، وتكشف خدم الاستعمار، فكان يدعو للتكاتف، ولصدّ الهجمة الغربية الصهيونية على أرض فلسطين، ويوضح في قصيدته المؤرخة في 1935، والتي تصور واقعنا الحالي: "يا حسرتا" يا حسرتا ماذا دهى أهل الحمى ** فالعيش ذل ، والمصير بوارُ أرأيت أي كرامة كانت لهم ** واليوم كيف إلى الإهانة صاروا الظالم الباغي يسوس أمورهم ** واللص والجاسوس والسمسارُ وينظر إبراهيم طوقان إلى "الزعماء" الذين سهل الهوان عليهم، في قصيدة يستعمل فيها ضمير المخاطب، وبطريقة ساخرة فاضحة: "أنتم" أنتم (المخلصون!) للوطنية ** أنتم الحاملون عبء القضية! ما جحدنا "أفضالكم" غير أنا ** لم تزل في نفوسنا أمنية في يدينا بقية أرض نتمنى ** أن لا تطير البقية وفي قصيدة أخرى يصف تواطؤ عملاء الاستعمار الإنجليزي فيقول: تواصوا بينهم فأتى وبالا ** وإذلالا لنا ذاك التواصي مناهج للإبادة واضحات ** وبالحسنى تنفذ والرصاص وفي قصيدة أخرى سخر من الزعامات العربية التقليدية الخادمة للعدو بقوله: زعاماتنا قد كشفتم عن بطولاتكم ** غطاءها يوم توقيع الكفالات أنتم رجال خطابات منمقة ** كما علمنا، وأبطال "احتجاجات" إنه يحمد الله أن أحدا من هؤلاء الزعماء لم يُجرح ولو بالخطأ، لأنهم سيستغلون هذا الجرح في المزايدة وسيظهرون أبطالا. ويقول إن فلسطين تطالبهم بالابتعاد عنها فليسوا هم برجالها: أضحت فلسطين من غيظ تصيح بكم ** خلوا الطريق فلستم من رجالاتي ذاك السجين الذي أعلى كرامته ** فداؤه كل طلاب الزعامات! وكان مؤمنا أشد الإيمان بأن "لا يفل الحديد إلا الحديد" وأن الاحتلال لا يزول إلا بالكفاح. ورغم أن المقاومة الشعبية الفلسطينية لا تملك قوة مواجهة الغرب المنتصر في الحرب العالمية، وهو يدعم بكل قوة تهجير اليهود من أوروبا إلى فلسطين، نراه يشحذ الهمم للمقاومة، في إيمان وتفاؤل نادرين بقوله: كفكف دموعك ليس ينف ** عك البكاء ولا العويل وانهض ولا تشك الزما ** ن فما شكا إلا الكسول وأسلك بهمتك السبي ** ل ولا تقلْ كيف السبيل وكان إبراهيم طوقان يؤمن أن الشعب الفلسطيني هو طليعة العرب في مقاومة المحتلين. ويقول عن الذين يحاولون وأد روح النضال والثورة، وتيئيس الشعب مخاطبا الشباب: لا تحفلوا بالمرجفين ** فإن مطلبهم حقير سيروا بعين الله، أنتم ** ذلك الأمل الكبير ولكن طوقان الشاعر الوطني الفذ، كان ذا مشاعر عاطفية جياشة، فله الكثير من أجمل قصائد الغزل، نذكر بعض سطورها، حول الممرضات اللواتي كن يعتنين به في المستشفى، وهو الضعيف البنية والمُتعَب منذ طفولته، فيقول بعنوان "ملائكة الرحمة": بيضُ الحَمَائِمِ حَسْبُهُنَّ ** أَنِّي أُرَدِّدُ سَجْعَهُنّ رمز السلامة والوداعة ** منذ بدء الخلق هنّ فَإذَا وَقَعْنَ عَلَى الغَدِيرِ** تَرَتَّبَتْ أَسْرَابُهُنَّ كُلٌّ تُقَبِّلُ رَسْمَهَا ** في المَاءِ سَاعَةَ شُرْبهِنَّ تُنْبيكَ أَجْنِحَةٌ تُصَفِّقُ ** كَيْفَ كَانَ سُرُورُهُنَّ المُحْسِنَاتُ إلى المريضِ ** غَدَوْنَ أشباهاً لَهُنَّ يَشْفي العليلَ عناؤُهُنَّ ** وعَطْفُهُنَّ ولُطْفُهُنَّ ويتغزل بصبية تجلس في المكتبة بقوله تحت عنوان:"غريرة في المكتبة": وَغَرِيرَةٍ في المَكْتَبَهْ ** بِجَمَالِهَا مُتَنَقِّبَهْ جَلَسَتْ لِتَقْرَأَ أَوْ لِتَكْ ** تُبَ مَا المُعَلِّمُ رَتَّبَهْ وَحَبَسْتُ حَتَّى لا تُرَى ** أَنْفَاسِيَ المُتَلَهِّبَهْ رَاقَبْتُهَا فَشَهِدْتُ أَنَّ ** اللهَ أَجْزَلَ في الْهِبَهْ وسَمِعْتُ وَهْيَ تُغَمْغِمُ ال ** كَلِمَاتِ نَجْوَى مُطْرِبَهْ إحْدَى الثَّنَايَا النَّيِّرَا ** تِ بَدَتْ وَلَيْسَ لَهَا شَبَهْ وَأَرُومُ سِنَّكِ ضَاحِكَاً ** حَتَّى يَلُوحَ وَأَرْقُبَهْ. وأما في وصفه الوطني للشهيد بأبهى صوره فيقول في قصيدة "الشهيد": عبس الخطبُ فابتسمْ ** وطغى الهول فاقتحمْ رابط النفس والنهى ** ثابت القلب والقدم سار في منهج العُلا ** يطرق الخلد منزلا لا يبالي، مُكبّلا ** ناله، أم مجدلا ربما غاله الردى ** وهو بالسجن مرتهن