ترامب: تكلفة "القبة الذهبية" جزء صغير من 5.1 تريليون دولار عدت بها من الخليج    منذ فجر اليوم.. 98 شهيدا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    إسرائيل ترد على دول الاتحاد الأوروبي: تُعانون من سوء فهم تام للواقع    موعد مباراة توتنهام ومانشستر يونايتد في نهائي الدوري الأوروبي والقنوات الناقلة    بسبب المخدرات.. شاب يقتل والده خنقًا ويحرق جثته في بني سويف    انفصال أحمد السقا رسميا عن زوجته مها الصغير    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    الدولار ب49.86 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 21-5-2025    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    محافظ الدقهلية يشهد حفل تجهيز 100 عروس وعريس (صور)    محمد معروف المرشح الأبرز لإدارة نهائي كأس مصر    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، لغداء سريع وخفيف في الحر    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    170 مليون دولار من قادة العالم لدعم ميزانية "الصحة العالمية"    رسميًا الآن.. رابط تحميل كراسة شروط حجز شقق الإسكان الاجتماعي الجديدة 2025    رابط نتيجة الصف الثاني الإعدادي الأزهري 2025 بالاسم ورقم الجلوس فور ظهورها    تقدر ب2.5 مليون دولار.. اليوم أولى جلسات الطعن في قضية سرقة مجوهرات زوجة خالد يوسف    هبوط عيار 21 الآن بالمصنعية.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة    ترامب: بحث قضية نشر الأسلحة في الفضاء مع فلاديمير بوتين    «أهدر كرزة مرموش».. تعليق مؤثر من جوارديولا في ليلة رحيل دي بروين    بعد شهر العسل.. أجواء حافلة بالمشاعر بين أحمد زاهر وابنته ليلى في العرض الخاص ل المشروع X"    رياضة ½ الليل| جوميز يشكو الزمالك.. رفض تظلم زيزو.. هدف مرموش الخيالي.. عودة لبيب    تقرير سعودي: نيوم يستهدف ضم إمام عاشور.. وتجهيز إغراء للأهلي    مجلس الصحفيين يجتمع اليوم لتشكيل اللجان وهيئة المكتب    شاب يقتل والده ويشعل النيران في جثته في بني سويف    6 إصابات في حريق شقة بالإسكندرية (صور)    حدث في منتصف الليل| الرئيس يتلقى اتصالا من رئيس الوزراء الباكستاني.. ومواجهة ساخنة بين مستريح السيارات وضحاياه    52 مليار دولار.. متحدث الحكومة: نسعى للاستفادة من الاستثمارات الصينية الضخمة    إيهود أولمرت يهاجم إسرائيل: حرب غزة الآن بلا هدف    ترامب يتهم مساعدي بايدن بالخيانة ويتوعدهم ب«أمر خطير»    تفسير حلم الذهاب للعمرة مع شخص أعرفه    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    وزير الشؤون النيابية عن الإيجار القديم: سيتم رفع الأجرة السكنية إلى 1000 جنيه حد أدنى في المدن و500 جنيه بالقرى    غرق طفل أثناء الاستحمام بترعة نجع حمادي في المراغة    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض في الأسواق اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    تحول في الحياة المهنية والمالية.. حظ برج الدلو اليوم 21 مايو    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    توقيع عقد تعاون جديد لشركة الأهلي لكرة القدم تحت سفح الأهرامات    الجمعة 6 يونيو أول أيام العيد فلكيًا.. والإجازة تمتد حتى الاثنين    رابطة الأندية: بيراميدز فرط في فرصة تأجيل مباراته أمام سيراميكا كليوباترا    إرهاق مزمن وجوع مستمر.. علامات مقاومة الأنسولين عند النساء    بمكونات سهلة وسريعة.. طريقة عمل الباستا فلورا للشيف نادية السيد    نص محضر أبناء شريف الدجوي ضد بنات عمتهم منى بتهمة الاستيلاء على أموال الأسرة    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    المجلس الوطنى الفلسطينى يرحب بإعلان بريطانيا فرض عقوبات على مستوطنين    المدرسة الرسمية الدولية بكفر الشيخ تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    تعرف علي موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    فيديو- أمين الفتوى: قوامة الرجل مرتبطة بالمسؤولية المالية حتى لو كانت الزوجة أغنى منه    وفد صيني يزور مستشفى قصر العيني للتعاون في مشروعات طبية.. صور    وزير الصحة: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي للمنتجات الصحية من أجل مستقبل أفضل    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب العربي في كفة الميزان
نشر في شموس يوم 28 - 02 - 2017


بين رحابة الحرية وقيود التابو
بقلم د.عطيات أبو العينين
ملامسة المحظور – الدين – السياسة – الجنس
دائما تبدو ملامسة المحظور والاقتراب منه بمثابة الدخول في حقل ألغام، لاتعرف متى ينفجر، والثلاثي المحظور هنا في اللغة الأدبية هو الجنس، والدين، والسياسة، فمن يجرؤ على الخوض فيها لابد أنه يعي مايقدم عليه بشكل جيد، ومنذ القدم وصلتنا كتب كثيرة تتناول هذه الجوانب، ولاقت رواجا بين القراء سواء سراً أو علانية، بعضها لامس الواقع ودون فيه كثير من الوقائع، وبعضها نال صاحبها كثيرا من المتاعب، ولا شك إنها الكتب الأكثر شهرة وتداولا في أوساط القراء، وهناك شريحة واسعة تتناولها، وهي الطريق المحفوفة بالمخاطر وذات الوقت الطريق الأوسع للشهرة.. منها ألف ليلة وليلة – كليلة ودمنة- مزرعة الحيوانات جورج أورويل-كتابات نجيب محفوظ –إحسان عبد القدوس –ثروت أباظة شيء من الخوف).
هذه الأعمال طرحت بعض الاسئلة على عدد من الكتاب ممن تناولوا قضايا الدين والجنس (الشذوذ والمثليين وغيرها) في كتاباتهم، هل هي من باب ملامسة المحظور وطرحه للمعالجة والبحث فيه..؟
أم إنها الطريق الأفضل للشهرة وزيادة المبيعات، وهل تشجع على مثل هذه الكتابات لفضح وتعرية مثل هذه الظواهر أم يجب التغاضي عنها كي لاتكبر وتستفحل..؟
التابو لاينتهك
الكاتية السورية "لينا هويان الحسن" تؤكد أن "لوجود الأدب أسباب منها الجمال ومنها الحب وأهمها المحظورات. فالأدب قوامه التعرية، لاشيء يقف بوجه النص، الخطوط الحمراء تستفز الأدب بشكل كبير، لكن المشكلة تكون كيف يكون التعاطي مع هذا المحظور. هنالك من يعتبر المحظور سببا للشهرة، بينما النص الحقيقي هو الذي يعري أمراض المجتمع من أجل العلاج ومن يعتمد على فكرة انتهاك التابو وحدها فإن مصيره الفشل الأكيد. التابو لاينتهك، إنما كشفه وتعريته واقناع القارئ بحقيقة التابو،هي الهدف وهنا يُحدث الأدب التغيير المنشود في القناعات.".
الروائي السوداني هشام آدم يرى: أنَّ تناول وكسر "التَّابوهات" في الأدب لا يعني أبدًا الإسفاف والنُّزول بمستوى اللغة الأدبيَّة إلى اللُّغة السريَّة أو "الشَّوارعيَّة". الكاتب المجيد هو من يتمكَّن من التَّعبير عن ذلك بلغةٍ "أدبيَّةٍ"، هو مَن يستطيع أن يتناول قضايا مثل: "الدَّعارة" أو "المثليَّة الجنسيَّة" أو "الاغتصاب" أو "التَّفسُّخ الأخلاقي" دون أن تتم مُصادرة كتابه بحجَّة "خدش الحياء العام"، مع تحفٌّظنا الكامل على هذا المُصطلح الفضفاض طبعًا.
يتابع آدم موضحاً:
"الأدب هو انعكاسٌ ومرآةٌ للواقع، ولكن هذا الانعكاس ليس وظيفةً للأدب؛ فليس للأدب وظيفةٌ وَعظيةٌ حتَّى نتخيَّل أنَّه يجب أن يُسلَّط الضَّوء على الظَّواهر الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة ليُرشدنا إلى ما هو الخير، وما هو الشَّر، فالوظيفة الأساسيَّة للأدب هي ذاتها الوظيفة الأساسيَّة للفن؛ وهي: الإمتاع والإدهاش، كما قال جان بول سارتر في إحدى مُحاضراته. ولكن ما الذي نقصده تمامًا بقولنا إنَّ الأدب انعكاسٌ للواقع؟ هذا يعني أنَّنا يجب أن نُسلَّط الضَّوء على الظَّواهر الاجتماعية والسِّياسيَّة والأخلاقيَّة والاقتصاديَّة والإنسانيَّة في المُجتمع، ولكن هذا ما تفعله أجناسٌ أدبيَّةٌ أُخرى؛ كفن المقالة مثلًا، فما هو الفارق النَّوعي بين المقال والسَّرديَّة في هذه الحالة؟ إنَّ الفارق هنا هو فارقٌ وظيفيٌ كما أسلفنا، ويُمكن استعراض هذه الوظيفة في مُحاولتنا للإجابة على سؤال: "كيف؟ ولماذا؟" أي: كيف نُسلَّط الضَّوء على هذه الظَّواهر، ولماذا؟ الإجابة على هذين السُّؤالين يضع لنا حدودًا فارقةً وفاصلةً بين الفن السَّردي وأيَّة فنونٍ أُخرى…
هل واجب الأدب كسر التَّابوهات المعروفة: الجنس، الدين، السِّياسة؟
الحقيقة أنَّه يتوجَّب علينا أن نكون حريصين ودقيقين في استخدامنا للألفاظ لنُجيب على هذا التَّساؤل بالأمانة التي تستحق، وفي هذه الحالة فإنَّ واجب الأدب هو "تناول" التَّابوهات، وليس "كسرها"، فهذه التَّابوهات هي جزءٌ من الواقع الذي يعكسه الأدب ويستمد مادته منه، ومن العبث أن نتجاهل هذه الموضوعات بكُلِّ تأكيدٍ، كما أنَّه ليس من الأدب في شيءٍ مُحاولات تجميل الواقع، وإلا لما كان الأدب "انعكاسًا" أو "مرآةً" للواقع كما أسلفنا من قبل، فنحن لا نُحاول كسر شيءٍ أو تجميله، وإنَّما نُحاول نقل الواقع بمُعطيات الواقع نفسه دون تزييفٍ ودون خَرق، ولكن كيف يُمكننا نقل الواقع الرَّديء؟ أعني هل من المُمكن استخدام لُغةٍ ردئيةٍ لنقل الواقع الرَّديء؟ هذه الأمانة في نقل الواقع تجعل من السَّردية عملًا تاريخيًا أو تقريرًا إخباريًا، والأدب ليس كذلك على الإطلاق، فليس من المطلوب أبدًا التَّعبير عن الواقع القبيح بلغةٍ قبيحةٍ، وإلا لما كانت لغةً "أدبيَّةً" على الإطلاق، على أنَّ مُصطلح "لغةٌ أدبيَّةٌ" في هذا المقام يعني تمامًا: التَّرفع والتَّسامي حتَّى في نقل الغث والقبيح".
الروائي يوسف القعيد، «مع معدل الأمية المرتفع، وإقلاع الناس عن القراءة قلت قبضة التابو السياسي، كما تعدى الروائيون الجدد بمراحل ما كنا نعتبره خطوطا حمراء في الجنس، وانتقل تمردهم من حالة إحسان عبد القدوس، الذي كان يكتفي بوصف المشهد الجنسي بوضع نقاط فارغة في الصفحة إلى العلاقات المثلية. وقد انتهك التابو الجنسي بفعل رياح غربية وعواصف العولمة إضافة إلى تراجع نمط الدولة التقليدية القديمة».
وتحدث القاص سعيد الكفراوي "نحن ضحايا المقدس بكل صوره، والمقدس ينسحب معناه على كل القيم الجامدة، ومنها قيم عائلية، وأخرى مجتمعية ومذهبية وطائفية، تحرمك الخوض في مناطق جديدة، كما تقف حائلا دون التجريب. يقدس الناس القائم ولا يغيرونه، وبالتالي فقدنا فعل الحرية، وفقدنا النقد الذي يقودنا إلى قيم إيجابية خلاقة». أضاف الكفراوي: «كنا جميعا ضحية التابو السياسي لفترات طويلة، وتجربتي الشخصية أبسط من تجارب صنع الله إبراهيم، ويوسف إدريس بل نجيب محفوظ"
ويرفض الروائي يوسف زيدان صاحب «عزازيل» اعتراف الثقافة العربية بوجود تابو أو مقدس ينتهك إبداعاتها، ويقول: "التابو مصطلح أطلق في المجتمعات البدائية ويرتبط بما يسمى الطوطم المقدس للجماعة، والطوطم هو الرمز المقدس للجماعة. فقد كانت تلك الجماعات تعبد ما تخشاه من حيوانات، فمثلا في أعالي النيل كان الناس يقدسون التماسيح لأنها تهدد حياتهم، وارتبط بتقديس تلك الحيوانات أو الآلهة المزعومة كل ما يرتبط بها، سواء كانوا أشخاصا أو أماكن ممنوع دخولها أو جمادا، وهذه الممنوعات هي ما أطلق عليه «التابو»".
وقال زيدان: "إن الثقافة العربية لم تعرف هذه الممنوعات، حتى بعد أن خرجت الكلمة من معناها الأصلي إلى استخدامها الدلالي كعائق أمام الفكر مشيرا إلى أن التابوهات الثلاثة، الجنس والدين والسياسة غير موجودة في الفكر العربي الممتد إلى 1500 سنة مضت على أقل تقدير".
وتابع زيدان بقوله: «بالنسبة للجنس كتب امرؤ القيس ما قيل إنه أفحش أبيات الشعر على الإطلاق. ومنذ 400 عام كتب السيوطي وغيره مؤلفات نعجز الآن عن ذكر اسمها كاملا، وخرجت مؤلفات جريئة مثل «ألف ليلة وليلة». وفي السياسة كانت هناك «كليلة ودمنة». وفيما يخص الدين، لا بد أن نحدد أولا أي دين، وهل هو اليهودية أم المسيحية أم الإسلام، وفي الإسلام يجدد الفقهاء أحكام الشريعة وتظهر اجتهادات تثور على القديم».
وبدورها فرقت الروائية سلوى بكر بين ما تسميه الحسابات والتابوهات. فالثانية من وجهة نظرها تشترط الاتفاق الجمعي والقيمي عليها بشكل يحدد ما هو مقدس في أذهان المجتمع، وهي هنا المحرمات الثلاثة المتفق عليها، بينما العصر الحالي حافل بالحسابات، التي ترى خطورتها أكبر من خطر المحرمات المعروفة.
وتابعت: «هناك من يكتب وعينه على السينما، وآخر عينه على الشهرة والإعلام والبحث عن الإثارة، أو المجاملة والمصالح، وكلها أشياء تمنع انسياب الإبداع بشكل صحي». وقالت بكر عن ترتيب التابوهات حاليا: «الجنس لم يعد تابو في العصر الحالي، والحضارة العربية لم تتعامل معه يوما باعتباره محرما، لكن الكتابات التي تتخطى خطوطه الحمراء لا تزال تفتقد العمق الكافي، وفي مجتمعاتنا يظل المحرم الديني في المقدمة».
وعن تجربتها الشخصية مع المحرمات اعتبرت بكر "أن الاصطدام بها غير ذي فائدة، فلا بد أن يكون الاختراق عبر طرائق إبداعية جديدة، مع رسائل ناعمة لا تجرح. وعلى ذلك لا تحبذ بكر طريقة توجيه اللكمات مباشرة للمحرمات، فالأهم هو الفائدة النهائية للقارئ والمجتمع، وأسلوب اللكمات لا يعود إلا بالإثارة".
وأضافت بكر "أنها تعرف كتابا تعمدوا خرق التابوهات دون رؤية أو قضية، ووصل الأمر ببعضهم أن يرسل للصحف ما يطلق عليه إبداعا ويخط بالقلم الأحمر تحت الجمل الصادمة، كي يثير ضجة حول نفسه".
كتبوا وأغرقوا فيها
في الجزائر ظهر اسم الروائي رشيد بوجدرة بروايته الشهيرة "التطليق"(1969) الذي يعتبر اول من تناول في الثلاثي المقدس والجنس بشكل خاص، وقال بوجدرة عن مكانة الجنس في أعماله الروائية: "كنت في الرابعة حين أصبت بحالة رعب إثر مشاهدة جماع والدي مع أمي. سمعت همهمتها العالية، فحسبت أنّها تحتضر. كان منظراً بشعاً. كان والدي عنيفاً. خفت على أمي، شاهدتها تنزف. ومنذ ذلك الحين تشكّلت في ذهني صورة بشعة عن أبي" وتابع الكتابه بهذه الطريقة في روايته الثانية "الرعن" ثم في روايته "المرث" و "ربيع". وبعده جاءت رواية "الاختبار الأخير" للروائي محمد ورواية "عرس يغل" للطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة في روايته "بان الصبح" وجيلالي خلاص في روايته "رائحة الكلب"و"الحب في المناطق المحرمة"، وهي تعد من بين كتابات العشرية السوداء في الجزائر. فيما تناول الطاهر جاووت ورشيد ميموني موضوع الجنس بشكل محتشم، في رواية "المجرد من الذات" للاول و"طومبيزا"، للثاني كما تناول أمين الزاوي في روايته "حارة النساء" و"وليمة الأكاذيب" هذه الظاهرة، كما تناولتها أحلام مستغانمي في كثير من اعمالها، وفضيلة الفاروق في "تاء الخجل" بطريقة أخرى وعمد لذلك الروائي واسيني الأعرج في روايته الشهيرة "فاجعة الليلة السابعة بعد الألف" التي استعادت أجواء "ألف ليلة وليلة" بأجوائها الجنسية.
ويعتبر الروائي المصري إحسان عبد القدوس من أوائل الروائيين العرب الذين ولجوا هذا الباب وكتب مئات القصص والروايات التي فضحت الواقع المصري الذي وصفه للرئيس جمال عبد الناصر حينها برسالة بعد أن منع احدى رواياته قائلا: " أن الواقع أقبح من هذا وأكتبه من اجل الاصلاح".
وهناك كتاب مصريون تناولوا الثالوث الأدبي كل بطريقته منهم احسان عبد القدوس وحامد أبوزيد ونوال السعداوي وغيرهم الكثير.
وفي روايته " موسم الهجرة الى الشمال" تناول الطيب صالح هذا التابو، وحذا حذوه كثير من كتاب السودان، وتعرض تركي حمد في ثلاثيته الموسومة أطياف الأزقة المهجورة، إلى موضوعات حساسة في المجتمع السعودي كالدين والجنس والسياسة.
واستثمر الكاتب علاء الأسواني الثالوث المقدس من خلال روايتين له " عمارة يعقوبيان" و"شيكاجو" ونال من الشهرة والمكاسب مالم ينله غيره رغم حجم الانتقاد الذي وجه للروايتين حينها.
وتناولت السورية سمر يزبك عدد من التابوهات الممنوعة في كتاباتها بشكل جريء جدا تسبب في هجرتها من بلدها.
ويمكن اعتبار رواية " الخبز الحافي" لمحمد شكري من أكثر الروايات العربية التي أصبحت علامة على طبيعة الصراع الثقافي بين بنية اجتماعية تقليدية قائمة على آلية تحريم جاهزة وبين بنية اجتماعية أخرى نقيض لها على التمام
وتشكل فاطمة المرنيسي إلى جانب الباحثة المصرية نوال السعداوي نموذج الباحثة العربية التي تتحلى بنفس أكاديمي، مغامرة بالبحث في مجالات شديدة الحساسية في الثقافة العربية الإسلامية. ونال كتاب المفكر السوري بوعلي ياسين «الثالوث المحرم، دراسة في الدين والجنس والصراع الطبقي» شهرة واسعة بعد أن كان ممنوعا في دول كثيرة.
فالكتابة في المحظور لم يكن تقليدا جديدا في الساحة الادبية بل وجد منذ بداية الكتابة واستمر ليومنا هذا، ولم يقتصر على أناس بعينهم، بل كان ملعبا للجميع، أعلن البعض فيه التحدي لمقارعة الإسفاف وفضح المستور والنيل من الرموز السياسية والدينية التي يعتبرها البعض مقدسة، وهناك من امتهن هذه الصنعة الأدبية لفرض الحضور واستغلال نزوات المتعطشين لها، والصعود على سلم الشهرة وبيع مايمكن بيعه من كتب، طمعا في الربح ينا ولهدم الضائقة الفنية لدى المتلقي وحتى البنية التحتية للمجتمعات.
لذلك من يراجع الكتب القديمة سيقرأ كثيرا عن كتاب، في الرواية والقصة والشعر اخترقوا الثلاثي المحظور في الادب بكل جرأة، وهناك من سخرها بعقلانية لخدمة الرواية والمجتمع، وهناك من استعملها باسفاف للاثارة فقط كما اسلفت. ويبقى الحكم في النهاية للقارء الذي بات يدرك الغث من السمين في ظل التكنلوجيا الرقمية التي باتت تتيح له مايريد معرفته بسهولة، وبات على الكاتب ان يحترم ذوق المتلقي في كل مايكتب. فلا رقيب على الجنس في الرواية المصرية.. إلا الذاتي فلقد تحولت رواية نجيب محفوظ "ثرثرة فوق النيل" تحوّلت فيلماُ
اهتمام الغرب بالثقافة الشرقية
كذلك يرى أستاذ الأدب العربي في الجامعة الهاشمية والكاتب الدكتور مصلح النجار أن الهوية الجديدة التي اكتسبتها الشعوب العربية شجع الغرب على الاطلاع على ما تنتجه تلك الشعوب من أدب ويتابع «حين نتكلم على الأدب العربي في الألفية الجديدة، فإن الحديث يأخذ مساراً مختلفاً، فقد تأثر موقع الأدب العربي بتغيّير موقع الشعوب العربية من العالم، فقد اكتسبت الشعوب العربية هوية جديدة وأضيفت ملامح جديدة إلى هوية هذه الشعوب، فصارت الرغبة في الاطلاع على الإرث الثقافي العربي في أولويّة كثير من المطلعين والمثقفين في العالم».
ويؤكد د. النجار أن ما يميز الثقافة العربية عن باقي الثقافات الشرقية أنها مقرونة بالدين والحضارة الإسلامية، ويقول «وهنا نجد موجة جديدة من الاستشراق تختلف عن الموجات السابقة، المعروفة في حقل الأدب المقارن، وصارت ترجمات الأعمال الأدبية العربية أكثر شيوعاً، والإقبال عليها واضحاً، وذلك ليس خاصاً بالأدب العربي، إنما يمكن تعميمه على معظم الشعوب الشرقية، التي تكاد توضع في سلّة واحدة مع الشعوب العربية، بجامع ثقافيّ أساسيّ هو الانتماء إلى الثقافة الإسلامية، والفارق بين الثقافة العربية والثقافات الشرقية الأخرى هو اختلاف في الدرجة، فالثقافة العربية مقرونة بالإسلامية في التصوّر الغربي، وفي نظر الشعوب الأخرى، على الرغم من حدّة الانقسام الواضح بين الهويات الفرعية في الإطار العام لثقافة الإسلامية لم تعد جامعةً إلا في إطار تعميم الأحكام السلبية».
الآداب الشرقية في ميزان الاهتمام الغربي
إحسان عبد القدوس في مجموعته شفتاه في قصة القاع
الفرق في النظرة الإجتماعية وكيف نأخذ الكلام عن المرأة وبأي معنى فمثلا يقول إحسان عبد القدوس عن:الفضيلة …
أريدها امرأة فاضلة..امرأة لها تجارب ذهنية . ليس لها تجارب خلقية أو جسدية ..وهناك بعض الفلاسفة يعتقدون إن المرأة المجربة أقدر على إسعاد الرجل ..ولكنهم يخطئون في تحديد معنى التجربة … التجربة ليس معناها أن تنتقل المرأة من رجل إلى رجل بجسدها أو بعواطفها ..ولكن التجربة هنا يجب أن تقتصر على التجربة الذهنية …أي تنتقل بذهنها من فكرة إلى فكرة , ومن مبدأ اجتماعي إلى مبدأ أخر ..وهكذا
وهنا أؤيد إحسان في تناوله لهذا الطرح بينما تعالوا بنا نراه كيف عالج إحسان عبد القدوس مشكلة اختيار شريكة الحياة ؟ وهل هذا أسلوب مقبول في الكتابة ؟ وهل هذا النوع من التفكير يتفق وثقافتنا الشرقية أو يتفق مع الدين؟ وهل نعتبر الأسلوب المهذب والراقي في التناول تابوها يجب كسر قيده؟
وقد تسألني كيف عشت هذا العمر الطويل بلا زواج؟ ..
ولعلك تقصد أن تسألني ,كيف عشت هذا العمر بلا إمرأة ؟؟….
كيف احتملت الكبت ….كبت رجولتي ..فحولتي ….أعصابي ..
لا يا صديقي ..أنا لم أشك الكبت في حياتي ..فأنا أؤمن- ولا تنس أنى عالم اجتماع- بأن كل إنسان يعانى فائضا من حيوانيته يجب أن يتخلص منه ,حتى يريح أعصابه ويجدد قوته …تماما كما تتخلص من زيت السيارة القديم لتضع مكانه زيتا جديدا ,ينعش الموتور ,ويحافظ على سلامته.وهناك نوع من النساء متخصص في نزع هذا الفائض الحيواني …تماما كما تتخصص طائفة الزبالين في نزع فضلات البيت ، وكل مجتمع من المجتمعات الحديثة في حاجة إلى هذا النوع من النساء حاجته إلى الزبالين ..
فمشاكل المجتمعات الحديثة يتسبب عنها كثيرا من الفضلات ,التي تقضى تخصص بعض الطوائف في نزعها …أنها نظرية علمية محضة…وقد آمنت بهذه النظرية ,وطبقتها في حياتي …بل رتبت ميزانيتي على أساسها.. ..كنت أخصص من ميزانيتي خمسة وعشرين قرشا أعطيها للزبال نظير أن يخلصني من فضلات الطعام ,وأخصص عشرة جنيهات أعطيها لهذا النوع من النساء ليخلصني من فضلات رجولتي … وهكذا عشت ..وهكذا استطعت أن أبحث عن الزوجة المثالية في هدوء . وترو , ودون عجله ..وفى يدي قائمه الشروط ..ثم …عرضت على وظيفة في أحدى البلاد العربية البعيدة، وقبلتها ….فالمرتب مغر ….وأنا في حاجة إلى أن أدخر مزيد من المال ,حتى أحقق مشروع بناء المجتمع الجديد ,على مستوى أرقى … وسافرت …..أن المجتمع هناك متأخر , متأخر جداا ,,وقد قضيت أسبوعين ,وأنا أدرس حال هذا البلد المتأخر..واكتشفت في الأسبوع الثالث أن ليس في هذا المجتمع .هذه الطائفة من النساء الذين يتخصصن في نزع فضلات الرجال…الرجال هناك,لا يعانون من مشكلة الفضلات ..لأنهم يتزوجون بلا شروط ..ولكني لست متزوجا..ولن أتزوج ألا على أساس شروط تحقق المجتمع المثالي …واحتملت ..احتملت قسوة الكبت لأول مرة ,وتعذبت,كثيرا ,وطال عذابي شهرا …شهرين …ثلاثة …أربعه …خمسه …ستة ثم لم أعد أطيق …ّّ!ا أخذت أجازة من عملي مدتها أسبوع واحد ,وعدت إلى القاهرة
وفى خلال ثلاثة أيام ..كنت متزوجا …ورجعت بزوجتي إلى مقر عملي ..ولا تسألني عن الشروط ..
ليس في زوجتي شرط واحد من هذه الشروط فاني لم أبحث عن زوجة …ولكني بحثت عن امرأة ..
امرأة تنزع فضلات الرجال
****
ورغم أن الكاتب إحسان عبد القدوس ناقش هنا مسألة الاختيار الزواجي القائم على الغريزة وحدها وشبهه بالتخلص من الفضلات، إلا أن المعالجة الأدبية من الناحية الإسلوبية غير موفقة فهنا أين التسامي والرقي الإنساني، وبرغم هذا إلا أن المعالجة ذاتها تنفر من التعامل مع ذلك النوع من الجانبين. ولكن هل هذه هي صورة مقبولة في الكتابة عن المرأة ولماذا دائما يكون التشبيه الأدنى للمرأة وحدها ، إنه انحطاط أخلاقي أيا كان نوع الجنس الذي نتحدث عنه .. وهذا يدفعنا للتساؤل:
كيف يعبر كل كاتب عن التابوهات الثلاث وكيف يقدم للقاريء عملا يستحق القراءة إني أرى إن العملية ليست في كسر التابوه،أو دخول منطقة المحظور، لكن في كيفية تناوله بلغة راقية لا تنزل إلى مستوى لغة الشارع دون خدش للحياء، فمن حق الكاتب أن يعبر عن أي قضية دون حواجز أو حدود أو قل كما يسميها البعض المحظورات أو التابوهات ، لكن في نفس الوقت يراعي جمهوره من القراء فالكاتب الذي يستهدف نوعية معينة أو يسعى للشهرة من خلال هذا النوع من الكتابة التي تثير الغرائز فليس له أن يتخفى وراء القضايا لأنه لا يهتم بأي قضية إلا قضية واحدة .. وكل ما يسعى له الشهرة الذائعة والمكسب السريع وهو أشبه بممثلات البورنو وعلى الكاتب أن يكتب لتعرية مشاكل مجتمعه ولكن دون أن يجرح مشاعر جمهوره.
إنني أرى أن للكاتب الحرية أن يتناول ما يريد من القضايا دون محظورات أو تابوهات فهذه هي القضايا الحساسة في المجتمع وخصوصا المجتمعات في الدول النامية التي ترزح تحت الكثير من القيود الفكرية والاجتماعية والدينية نتيجة لآراء عفا عليها الدهر ولكن كيف يعالج الأديب تلك المحظورات دون أن يثير نزعات شبقية أو إثارة غريزية هذه هي قدرة الكاتب وتمكنه من أدواته دون افتعال أو شطوط فالكاتب الحقيقي الذي يخضع قلمه لفكرته ويوظف كل قدراته للتعبير بنسيج واحد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.