– "شاول، شاول! لماذا تضطهدني؟" (أع4:9) – السؤال الّذي يعبّر عن منتهى التّفهّم الإلهي للإنسانيّة، وعن منتهى الحبّ لها. ينادي الرّبّ شاول باسمه (شاول، شاول!)، ما يدلّنا على معرفة الرّبّ لكلّ واحد منّا بما نحمل من فكر وخبرات وأعمال. (لماذا تضطهدني؟)، قوّة الحبّ المستعدّ للإصغاء والتّفهّم رغم كلّ شيء. إنّ مفهوم الإنسان للألوهة اتّضح عبر الأجيال والحضارات من خلال فكرة الغضب والانتقام والسّخط والعقاب، وأمّا بيسوع المسيح فاستبان لنا المفهوم الحقيقيّ للألوهة، الله الحبّ. وينقل لنا سؤال الرّبّ (لماذا تضطهدني؟) الكثير من الرّحمة والحبّ، إلّا أنّه في ذات الوقت حقيقة قاسية على الإنسان المواجه لنور الحقيقة. وهو ذاهب إلى دمشق لاضّطهاد المسيحيّن التقى شاول بالمسيح الحيّ، أو بمعنى أتمّ كان الرّبّ بانتظاره كما انتظر الأب ابنه الضّال بعد أن سافر بعيداً (لو 32،11:15). الابن الضّال عاد بعد أن جاع وتعب من الفقر والازدراء، وأمّا شاول فلم يكن ينوي العودة ربّما، بل كان يمضي قدماً إلى دمشق لاستكمال مهمّته. "وفي ذهابه حدث أنّه اقترب إلى دمشق فبغتة أبرق حوله نور من السّماء، فسقط على الأرض وسمع صوتاً قائلاً له: «شاول، شاول! لماذا تضطهدني؟» فقال: «من أنت يا سيد؟» فقال الرّب: «أنا يسوع الّذي أنت تضطهده. صعب عليك أن ترفس مناخس». (أع 5،4،3:9). ثمّة من لا يرتدعون إلّا بانبلاج الحبّ بقوّة في حياتهم. وشاول المخلص لله والمدافع عنه، والمستعدّ لتقديم حياته من أجله لم يكن ليرتدع عن حبّه البشريّ الملتبس إلّا بتجلّي الحقيقة له وبقوّة. (أبرق حوله نور من السّماء، فسقط على الأرض وسمع صوتاً). كان لا بدّ أن يسقط شاول ليسمع، ويرى، ويعاين الحقيقة، ويحاورها. "فقال: «من أنت يا سيد؟ فقال الرّب: أنا يسوع الّذي أنت تضطهده. صعب عليك أن ترفس مناخس". أي صعب على الإنسان أن يقاوم الحقيقة، ومن العسير أن يتغاضى عنها وهي متجليّة بكلّ هذه القوّة. ولا يمكن للظّلمة أن تواجه النّور، بل إنّ شعلة ضئيلة تقتحم ظلمة عظيمة وتمحيها. هنا يتحوّل التّاريخ الإنسانيّ، وتتبدّل أهدافه، بل يُخلق من جديد ليستعدّ لما تريده الحقيقة (يا ربّ، ماذا تريد أن أفعل؟). وشاول يستطيع الكثير، والرّبّ اختار شاول ليكون رسول الأمم لأنّه يعلم طاقة الحبّ فيه، وقوّة إخلاصه، وشجاعته في الدّفاع عن الحقيقة، إلّا أنّ هذه القدرات كانت تحتاج لتوجيه سليم. الرّبّ ينظر إلى جمالنا قبل كلّ شيء، ويستخرجه منّا بأفضل طريقة، ويظهره بمنتهى بهائه. مسيرة شاول الّتي نراها قاسية، وظالمة، ومجحفة بحق الإنسان، أراد بها الله خيراً للإنسانيّة كلّها. كما أنّه يمنحنا حرّيّة الاختبار لأجل التعلّم والتّمرّس. ألم يقل لبطرس في اللّيلة الّتي قبل آلامه: "طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت ثبت إخوتك". (لو 32:22). والرّبّ رأى في شاول الفرّيسي المتشبّث والمتعصّب، بولس رسول الأمم. هي حكمة الله الّتي هي جهالة عند النّاس، ونظرته المتعارضة ونظرة الإنسان. فالحبّ يرى بعيون القلب كيما يرى قوّة جمال الإنسانيّة. يقول الرّبّ في سفر الخروج: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأنّ الإنسان لا يراني ويعيش" (خروج 20:33). وشاول رأى مجد الله ومات فعلاً، وقام إلى بولس رسول الأمم، المبشّر بالمسيح الحيّ، والمعلي بنيان الكنيسة، والمستشهد من أجل الحقيقة، الله المحبّة.