أولا: محاولة لاستبدال الفصحى بالعامية: هذه الأخطار تترصد باللغة العربية.. وهكذا ننصرها فلقد تعرَّضت اللغة العربية لكثير من الأخطار، ونجت من هجمات كثير من الأعداء، وانتصرت في بعض المعارك الفتاكة، وفي القرن العشرين تعرضت – أيضًا – لكثير من الأخطار، وفُرِضت عليها كثيرٌ من المعارك؛ منها: ثانيًا: محاولة استبدال العامية بالفصحى: وهذا الأمر مشهور بين أوساط المثقفين وعلماء اللغة، وأبطال هذه الدراما اللغوية معروفون، سواء من الغرب، أو العرب، أمثال: المستشرق الألماني ولهلم سبيتا: في كتابه الذي أصدره في عام 1880م (قواعد اللغة العربية العامية في مصر). لويس ماسينيون: كان من أشد الدعاة إلى إحياء اللهجات المحلية، وإحلالها محل الفصحى. دلمور القاضي الإنجليزي: عاش في مصر، وألَّف عام 1902م كتابًا أسماه (لغة القاهرة). المستشرق الألماني كارل فولرس: في كتابه (اللهجة العربية الحديثة). المستشرق الإنجليزي سلمون ولمور: الذي أصدر كتابه عام 1901م (العربية المحلية في مصر). المستشرق الإنجليزي وليم ولكوكس: نشر مقالًا بعنوان (لِمَ لَمْ توجد قوة الاختراع لدى المصريين إلى الآن؟!)، وأكد أن السبب في ذلك هو تشبُّثهم بالعربية الفصحى! ولقد تابَعَ هؤلاء الأعاجمَ بعضُ الكُتَّاب العرب؛ ومنهم: إسكندر معلوف؛ الذي كتب في مجلة الهلال بتاريخ 15 مارس سنة 1902م مقالًا بعنوان (اللغة الفصحى واللغة العامية)، حيث يرى فيه أن: سبب تخلف العرب عن الغرب هو التمسك بالفصحى! وأحمد لطفي السيد؛ الذي دعا في عام 1912م إلى تمصير اللغة الفصحى، وسلامة موسى، وهو أشرسهم جميعًا، فقد تنكَّر لكل منجزات الإسلام والعروبة، ولويس عوض؛ الذي يقول: "فما من بلد حي إلا وشبَّت فيه ثورة أدبية، هدفها تحطيم لغة السادة المقدسة، وإقرار لغة الشعب العامية، أو الدارجة، أو المنحطة". ومن لبنان: أنيس فريحة، وسعيد عقل، وفي جوان من عام 1973م عُقِد في (برمانا) بلبنان مؤتمر كان يهدف إلى هدم اللغة العربية الفصحى، ولله الحمد فقد باءت محاولاتهم بالفشل في حينها من القرن الماضي بفضل الله، ثم بفضل جهود جبارة، وعقول واعية مُتَّقِدة، وهمم مثابرة تتفانى في سبيل صون العربية، لغة القرآن الكريم، دستور الله الكريم، ومن هؤلاء: حافظ إبراهيم، ومصطفى صادق الرافعي، وخليل اليازجي، والمجامع اللغوية العربية… إلخ. كيف ننصر لغة القرآن؟ وفي سبيل نصرة العربية الفصحى ضد العامية، يرى الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك ما يأتي: أولًا: عدم التسامح في استعمال اللهجة العامية في التدريس، وعدم الاستنامة إلى سهولتها، وعدم اتخاذها أداة للمخاطبة في التعليم؛ حتى لا تفقد اللغة العربية الفصحى مكانتها في نفوس أبنائها، ويضعف احترامها. ثانيًا: النظر في وضع مدرِّسي التعليم، وفي مناهج الكليات التربوية، ومعاهد التأهيل التي تخرج هؤلاء المدرسين، والاجتهاد في وضع المنهج الملائم الصالح لما يُعَدُّون له، والتركيز على تنمية قدرة الخطاب، والتكلم بالفصحى. ثالثًا: انتقاء المتميزين من المدرسين، والمُبَرَّزين منهم، وتكليفهم بتدريس اللغة العربية وآدابها، ومتابعتهم بعد التخرج. رابعًا: المطالبة الجادة بجعل لغة التدريس هي اللغة الفصحى في جميع مراحل الدراسة من الابتدائية حتى الجامعة. خامسًا: تنبيه أهل الثراء والجاه الذين بدؤوا ينشرون باللغة العامية إلى خطورة ما يُقدِمون عليه عندما يكتبون الشعر العامي. سادسًا: توجيه نداء للحكومات العربية بوجوب المحافظة على سلامة اللغة الفصحى، واحترامها، واتخاذها لغة الدواوين، والمخاطبات الرسمية، في كل المجالات، وحمايتها من مزاحمة اللغات الأجنبية. سابعًا: مخاطبة رؤساء تحرير الصحف والمجلات في الدول العربية، وبيان خطر ما يحدث من تخصيص صفحات للغة العامية في مطبوعاتهم، ونشر ذلك على القرَّاء، وبيان أن واجبهم القومي والوطني، ووظيفتهم التثقيفية في المجتمع، ورسالتهم في تقوية أواصر وَحْدة أمَّتهم؛ كل ذلك يُحتِّم عليهم احترام اللغة العربية الفصحى، ورفع مستوى ذوق القارئ، وتنمية مداركه اللغوية، والرُّقي بها إلى المستوى الذي يليق بها. – مقترحات لتدعيم منزلة العربية وترقيتها عالميا 1- اشتراط إتقان اللغة العربية للعمالة الوافدة إلى البلدان العربية. 2- افتتاح مراكز ثقافية في السفارات العربية، تُقدِّم دورات تعليمية للُّغة العربية، للخبراء والمتخصصين، الراغبين في العمل في الوطن العربي، مدفوعة الأجر. 3- اشتراط ترجمة كل ما يكتب على البضائع المستوردة إلى اللغة العربية. ولعلَّنا نقتدي هنا باليابان التي تقدم دورات مجانية للُّغة اليابانية لكثير من الدول العربية؛ تعزيزًا للروابط الاقتصادية، ورغبة في دخول الأسواق العربية، والمنافسة فيها، ولعلنا نذكر صنيع اليابان عندما فرضت على أكبر الشركات والمصارف الأمريكية أن تتعامل باللغة اليابانية، فكان لها ما أرادت، ولسنا – أحسبنا – عاجزين عن فعل ذلك، بل متعاجزون! ف "عندما كان العرب أقوياء كانت لغتهم قوية، فابتكروا آلاف الكلمات والمصطلحات، ومئات العلوم، واتسعت لغتهم لكل جديد، مهما كان مصدره"، كما أنَّ مستقبل العربية يتطلب جهودًا كثيرة على المستوى اللغوي، وعلى مستوى تقانات المعلومات، وعلى مستوى دراسة المستفيدين؛ حتى نجد الجامعات والوزارات والمجامع في الدول العربية تتعامل باللغة العربية، وهذا أحد تحديات المستقبل القريب، لتكون العربية مع اللغات العالمية الكبرى، بوصفها وسيلة لنقل المعلومات بالتَّقانات المتقدمة، وازدهار العربية منوط بجهد علمائها، ولن تُعاد لها مكانتها التي كانت إلا من خلال منهج منضج منه أبعاد سياسة دقيقة ذات خطط محددة تُحيي تلك العلوم بمصطلحاتها التي ابتكرها علماء العربية في عصور ازدهارها، بفضل عمل علمائها، ولن يقلَّ اللاحقون عن السابقين. إنَّ التقدَّم العلمي المذهل في مجال العلم والمعرفة، الذي نشهده اليوم في ثورة المعلومات والحاسبات، وثورة الاتصالات والإلكترونيات، والهندسة الوراثية، والتكنولوجيا الحيوية، وعلوم الفضاء والبيئة، وغيرها، كل ذلك جاء إلينا بسيل منهمر من المصطلحات الحديثة والمستحدثة، فإذا استعصى علينا أن نجد لها المقابِلات العربية المناسبة، لجأنا إلى التعريب، كما عرَّب العرب قديمًا، فأخذوا عن اليونانية، والهندية، والسريالية، والفارسية، والتركية، وكما عرَّب المحدثون عن الإسبانية، والإيطالية، والإنجليزية، والفرنسية، ومع ذلك فإنَّ اللغة العربية كانت – ولا تزال – من الثراء بحيث يمكنها أن تستوعب الكثير ممّا تفرزه هذه الثورات العلمية الحديثة من المصطلحات. وتقتضي حماية اللغة العربية، وتأمين مستقبلها، والنهوض بها من الوجوه كافة، إلى جانب تعريب مصطلحات العلوم والتقانة في جميع حقول المعرفة العلمية الدقيقة – تكثيفَ العناية باللغة العربية في جميع مراحل التعليم، وبخاصة في مرحلة التعليم الجامعي، وتطوير برامجها، وطرق تدريسها، مع العمل على تأهيل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمعاهد العليا للتدريس باللغة العربية. إنَّ التنمية اللغوية لا تنفصل عن التنمية الشاملة المستدامة التي تتداخل فيها العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية جميعًا، مما يعني أن هذا الضرب من التنمية هو الإصلاح الشامل عينُه؛ لأنه لا يمكن لك أن تُصلح شأن اللغة قبل إصلاح الشأن العام في المجتمع، ولا يتيسر لك تطوير اللغة وإغناؤها حتى تواكب العصر الذي أنت فيه، ولا تستطيع المحافظة على سلامتها، ما لم تأخذ أوضاعُك، وأحوالُك، وشؤونُك كلها، سبيلَها إلى التطوير الشامل المتكامل.