منذ بضعة أيام كتبت منشورًا تضمن بيتًا لابن الفارض، وهو قوله: زدني بفرطِ الحبِّ فيكَ تحيُّراً….وارحمْ حشى بلظي هواكَ تسعَّراً وإذا سألتكَ أنْ أراكَ حقيقة …..فاسمَحْ، ولا تجعلْ جوابي:لن تَرَى يا قلبُ!أنتَ وعدتَني في حُبّهمْ…..صبراً فحاذرْ أنْ تضيقَ وتضجرا فدهشتُ بينَ جمالهِ وجلالهِ….وغدا لسانُ الحالِ عني مخبراً وكان مثالنا من البيت الأخير كلمة (دهشت) أصوب من (اندهشت)، فوجدت أحد الأحباب ينكر عليَّ أن أسوق كلام ابن الفارض، فأحببت أن أرد بقولي: أخي الغالي الحبيب وسع أفقك وارفق بنا وبنفسك ، جزاك الله خيرًا وعفا عنا وعنك….فلو أنني قلت : قال الشاعر …لما علقت ..أأثار اسم ابن الفارض الصوفي حفيظتك ؟؟ والصوفية لها ما لها وعليها ما عليها كبقية الفرق الإسلامية الكثيرة …لكننا لم ننقل عنه كفرا ..حتى ناقل الكفر ليس بكافر، فقاعدة: ناقل الكفر ليس بكافر، ويعبر عنها أيضاً: بحاكي الكفر ليس بكافر، قد وردت على لسان بعض أهل العلم، ومن أولئك الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية وشيت بن حيدرة في كتابه حز الغلاصم، وهذه القاعدة صحيحة فيما إذا كان الناقل يحكي الكفر فقط، أو يحكيه ويرد عليه، وهذا في القرآن والسنة كثير، وأما إذا كان ناقل الكفر ينقله مقراً له أو موافقاً فهو كافر كالقائل… كما أنَّ كل قواعد النحو واللغة العربية نقلت من كلام العرب وأكثرهم من الكفار كامريء القيس وعنترة ..الخ. لأن الاستشهاد توقف بنهاية القرن الثاني الهجري للقبائل التي تقع في أطراف الجزيرة العربية … ألا تعلم أن أفضل وصف للقرآن نقوله منقول عن كافر هو (الوليد بن المغيرة) الذي قال فيه سبحانه (سنسمه على الخرطوم)(القلم:16) وهو القائل:«ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة, وإنه لمثمر أعلاه ، مغدق أسفله ، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته»(المستدرك ، للحاكم/رقم 3872). كما أن النبي الكريم سمع من كعب ابن زهير قبل إسلامه قصيدة بانت سعاد ، التي يقول في أولها: بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ….. مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ. وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا…. إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ ثم مدح فيها النبي الكريم وصحابته الكرام، ومن ذلك قوله: إنَّ الرَّسُولَ لَنورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ….. مُهَنَّدٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ مَسْلُولُ كما أن نبينا الكريم يقول عن كلمة قالها كافر وقتئذٍ وهو لبيد بن ربيعة:«أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلاَ كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلٌ.)..وكل نعيم لا محالة زائل)(صحيح مسلم/رقم 6026). أسأل الله تعالى أن يكون هذا الرد كافيا شافيًا مقنعًا، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل، والله الموفق والمستعان.