وحدها هى من كتبت لها مئات القصائد والأشعار على مر العصور، وحدها هى من سطر لها عظماء الشعر العربى بدءا من فرسان شعراء الجاهلية ك الأعشى والنابغة الذبيانى، ومرورا بالعصر الإسلامى ك كعب بن زهير والأخطل، ثم عمالقة العصر العباسى ك البحترى وأبو نواس وأبو تمام وابن الفارض، ثم العصر الأندلسى ك ابن شهاب وابن دارج القسطلى ووصولاً للشعر العربى الحديث ك جبران خليل جبران وأمير الشعراء أحمد شوقى. سُعاد تعد الأنثى الأكثر إلهاما لكافة شعراء اللغة العربية، وربما لامية كعب بن زهير فى مدح الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) والمعروفة باسم "بانَتْ سُعادُ" والتى نُظِمَ على إثرها العديد من القصائد على ذات الوزن والقافية، هى وفى جزئها الأول من أشهر ما قد كتب عن التغزل فى اسمها، فقد استهل بن زهير قصيدته قائلا: بانَت سُعادُ فَقَلبى اليَومَ مَتبولُ مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ "سُعاد" المشار إليها بالأبيات السابقة قيل إنها زوجة كعب بن زهير، وعلى الرغم من أن القصيدة تتحدث عن مدح الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بعد أن كتبها كعب بن زهير حين علم أن النبى قد أهدر دمه إثر قصيدة هجاء كان قد كتبها عن الرسول فيما مضى، فإنها تبدأ وكعادة شعراء العرب آن ذاك بالغزل الصريح، وربما لم يكن أمام بن زهير خياراً إلا أن يلجأ إلى استخدام اسم زوجته "سعاد" ليبدأ به القصيدة، والمدهش أنه وإن صحت تلك الرواية السابقة، فإن اسم "سُعاد" قد سبق استخدامه قبل هذه القصيدة وطيلة فترة الشعر الجاهلى! وعلى الجانب الآخر فإن الباحث عن معنى الاسم يجد أن "سُعاد" هو اسم أصله عربياً، قيل إنه لنوع من النبات عرف قديماً ويتميز برائحته الطيبة والزكية، والاسم يحمل فى معناه التوفيق واليمن والبركة وبالتأكيد أيضاً السعادة، وهو نقيض لمعنى البؤس والشقاء والتعاسة. الغريب أيضاً، أن كل ما كتب عن "سُعاد" يحمل فى طياته معنى الاسم وضده، فتارة ذهب الشعراء إلى التغزل فيها كجانب ملموس لما يحمله الاسم من سعادة غامرة يعيش فيها ذلك الشاعر نتيجة حبه لها، فى حين ذهب البعض الآخر من الشعراء إلى محاولة ترجمة كم المعاناة والتعاسة التى قد واجهتهم جراء قطيعتها أو ابتعادها عنهم بل وربما أيضاً جفاؤها وتدللها عليهم أحياناً. فالأبيات التالية والتى كتبها الشاعر والعالم المتصوف عبد الغنى النابلسى الدمشقى فى القرن الثامن عشر، تعد خير مثال على تلك الحالة العجيبة التى أصابته ذلك العاشق ل"سُعاد" حيث يقول الدمشقى: مَا كُلُ مَن ذَاقَ الْصَّبَابَة مُغْرَمٌ .... منْ لمْ يَذُقْ طَعمَ الْمَحَبَّةِ مَا مرَسْ أَنا يَا سُعَادُ بحبَلِ وِدِّكِ وَاثقٌ .... لَم أَنْسَ ذِكْرِكِ بِالْصَّبَاحِ وَفِى الْغَلَسْ يَا جَنةً لِلعَاشقَيْنَ تزَخرَفَّت .... جوُدِّى بُوْصلٍ فَالمُتيَمُ مَا أَتنَّسْ أَنيتُ قالْت كم تأنُ أَجَبْتُهَا .... هذَا أَنينُ مُفارْقِ بَالمَوْتِ حسْ قَالت وَمَا يَشْفِيَك؟ قُلْتُ لَهَا الْلِّقَا .... قالت أَزْيدَكَ بِالْوِصَال فَقلتُ بِسْ فتَبَسَّمَت عِجبِاً وَقَالَت لَن تَرَ .... وَصلى فذَاكَ أُمرُ منْ أَخَذ الْنَّفْسْ قَرَأْت سُعَادُ بِضِدِ مَا أَقرَأ أَنا .... أَقرَأ أُلم نشَرَح فتقَرَأ لى عَبَسْ وفى النهاية، ربما وحتى وقتنا هذا لا أحد يعلم من هى "سُعاد" تلك؟ وما الدافع وراء اختيارها أيقونة للشعر العربى عامة، وجانب الغزل منه بصفة خاصة على مر العصور، وما السر بأن أغلب ما كتب عنها يعد دوماً من روائع الشعر العربى وأثقله، ربما لن تجد إجابة واحدة لتلك التساؤلات، وربما وحدها "سُعاد" فقط هى من لديها تلك الإجابة!