الاستحقاق النيابى بدأ فعليًا القائمةالموحدة مشاورات حزبية مستمرة لخوض السباق الانتخابى    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    يقترب نحو 51 جنيها.. قفزة كبيرة في سعر الدولار خلال تعاملات اليوم    أسعار اللحوم اليوم الأحد 15-6-2025 بأسواق محافظة البحيرة    إجراء انتخابات البورصة يوم الثلاثاء 24 يونيو بمقر شركة مصر لنشر المعلومات    إيران: الهجوم الإسرائيلي على منشآتنا النووية تجاوز للخطوط الحمراء    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    مواعيد مباريات الأحد 15 يونيو - أتليتكو مدريد ضد سان جيرمان.. وبايرن يواجه أوكلاند    أشرف داري: الحظ حرمنا من الفوز على إنتر ميامي    وزير التعليم يتابع انطلاق امتحانات الثانوية العامة من غرفة العمليات    "أزهر الأقصر" يفتح باب التظلمات على نتائج الابتدائية والإعدادية لمدة 15 يوما    2923 طالبا يؤدون امتحانات الثانوية العامة فى 14 لجنة بمطروح.. فيديو    وفاة نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي    فيلم سيكو سيكو يحقق أكثر من ربع مليون جنيه إيرادات ليلة أمس    «أمي منعتني من الشارع وجابتلي أول جيتار».. هاني عادل يستعيد ذكريات الطفولة    معهد وايزمان جنوب تل أبيب: تضرر عدد من منشآتنا جراء قصف إيرانى ليلة أمس    بعد جهود استمرت 5 سنوات متحف سيد درويش بالإسكندرية ميلاد جديد لفنان الشعب    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    معهد البحوث الطبية يعقد مؤتمره السنوي 17 يونيو    قصر العيني يحقق إنجازا طبيا فى الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 15 يونيو 2025    الجيش الإسرائيلى: اعترضنا 7 مسيرات انقضاضية إيرانية خلال الساعات الأخيرة    ثانوية عامة 2025.. إجراءات أمنية مشددة على أبواب لجان عين شمس    أولياء الأمور ينتظرون طلاب الثانوية العامة أمام لجان الامتحانات فى أسوان    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    طلاب الثانوية العامة 2025 يتوافدون على لجان الامتحانات لإجراء التفتيش الإلكتروني    برواتب تصل ل12 ألف جنيه.. العمل تعلن وظائف جديدة بشركة أدوية بالإسماعيلية    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 15 يونيو    دعاء امتحانات الثانوية العامة.. أشهر الأدعية المستحبة للطلاب قبل دخول اللجان    اليوم.. مجلس النواب يناقش مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد    "زيزو الأعلى".. تعرف على تقييمات لاعبي الأهلي خلال الشوط الأول أمام إنتر ميامي    عودة القطاع الخاص تفتح خزائن الائتمان وتقود نمو محافظ الإقراض    جيش الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مقر منظمة أبحاث دفاعية إيرانية    حارس إنتر ميامي الأفضل في افتتاح مونديال الأندية أمام الأهلي    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    إعلام إسرائيلي: مصرع 5 وأكثر من 100 مصاب جراء القصف الإيراني على تل أبيب    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    بداية العام الهجري الجديد.. تعرف على موعد إجازة رأس السنة الهجرية 1447    رقم تاريخي ل زيزو مع الأهلي ضد إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    تجاوز 63%.. مؤشر تشغيل القروض للودائع يواصل التحليق لمستويات غير مسبوقة    مقتل ثلاثة على الأقل في هجمات إيرانية على إسرائيل    سبب دمارًا كبيرًا.. شاهد لحظة سقوط صاروخ إيراني في تل أبيب (فيديو)    الموعد المتوقع لإعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025؟.. رابط الاستعلام برقم الجلوس    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    السفارة الأمريكية في البحرين تدعو موظفيها إلى توخي الحذر عقب الهجوم على إيران    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    شهادة أم وضابطين وتقارير طبية.. قائمة أدلة تُدين المتهم في واقعة مدرسة الوراق (خاص)    كهرباء قنا تفتتح مركزًا جديدًا لخدمة العملاء وشحن العدادات بمنطقة الثانوية بنات    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    ضمن مبادرة "100 مليون صحة".. صحة الفيوم تقدم خدمات المبادرات الرئاسية لأكثر من 18 ألف مواطن خلال عيد الأضحى    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابن الفارض.. سلطان العاشقين
نشر في البوابة يوم 04 - 07 - 2014


زدني بفرطِ الحبِّ فيكَ تحيُّراً
وارحمْ حشى ً بلظي هواكَ تسعَّراً
وإذا سألتكَ أنْ أراكَ حقيقة ً
فاسمَحْ، ولا تجعلْ جوابي:لن تَرَى
يا قلبُ! أنتَ وعدتَني في حُبّهمْ
صبراً فحاذرْ أنْ تضيقَ وتضجرا
إنّ الغَرامَ هوَ الحَياة، فَمُتْ بِهِ
صَبّاً، فحقّكَ أن تَموتَ، وتُعذَرَا
بهذه الكلمات نظم ابن الفارض أشعاره في العشق الإلهي، ليصبح من كبار المتصوفة ومن أشهر من تغنى بهذا اللون الشعري.
ابن الفارض، هو عُمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، وهو شاعر متصوف لقب ب "سلطان العاشقين"، في شعره فلسفة تتصل بما يسمى ب"وحدة الوجود".
اشتغل بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر، وأخذ عنه الحافظ المنذري وغيره، إلا أنه ما لبث أن زهد بكل ذلك وتجرد، وسلك طريق التصوف وجعل يأوي إلى المساجد المهجورة وأطراف جبل المقطم، وذهب إلى مكة في غير أشهر الحج ‌‍‍‍‍‍، وأكثر العزلة في وادٍ بعيد عن مكة ثم عاد إلى مصر وقصده الناس بالزيارة حتى أن الملك الكامل كان ينزل لزيارته.
وكان حسن الصحبة والعشرة رقيق الطبع فصيح العبارة، يعشق مطلق الجمال.
تتلمذ على الشيخ أبي الحسن علي البقال صاحب الفتح الالهي والعلم اللدني، كان ابن الفارض إذا حضر مجلساً ظهر على المجلس سكون وسكينة، يتردد عليه في مجلسه جماعة من المشايخ والعلماء وعدد من الفقراء وأكابر الدولة وسائر الناس، وهم في غاية الأدب والتواضع معه، وإذا مشى في المدينة تزاحم عليه الناس يلتمسون منه البركة والدعاء ويقصدون تقبيل يده فلا يمكن أحداً من ذلك بل يصافحه.
وكانت ثيابه حسنة ورائحته طيبة، وكان ينفق على من كان يرد عليه من الفقراء والمساكين،
ولقد بعث إليه الملك الكامل أن يجهز له ضريحاً عند قبة الامام الشافعي فلم يأذن له بذلك فطلب منه أن يجهز له مكاناً يكون مزاراً له بعد موته فرفض.
يرتاد كثير من المحبين عربا وعجما ضريح ومسجد عمر بن الفارض الواقع تحت سفح جبل المقطم في منطقة "الأباجية" حيث دفن بعد موته عند مجرى السيل بجوار قبر معلمه أبي الحسن البقال كما أوصى قبل موته.
والده من حماة في سوريا، وهاجر لاحقاً إلى مصر. ولد ابن الفارض بمصر سنة 576 ه الموافق 1181م، ولما شب اشتغل بفقه الشافعية، وأخذ الحديث عن ابن عساكر.
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا
سر أرق من النسيم إذا سرى
وأباح طرفي نظرة أملتها
فغدوت معروفا وكنت منكرا
فدهشت بين جماله وجلاله
وغدا لسان الحال مني مجهرا
توفي سنة 632 ه الموافق 1235م في مصر ودفن بجوار جبل المقطم في مسجده المشهور.
کان ابن الفارض من الشعراء الصوفيين المصريين الذين قدموا في هذا المجال آثاراً قيمة، وبيّنوا فيها أصول الطريقة ومبادئها .
عمر بن الفارض الذي بدأ بداية سلوکه الصوفية مع أبيه مع مساعدة شيخه ومرشده الشيخ بقال. ولهذا بدأ بإنشاد القصائد التي لايذوق حلو مذاقها إلا سالك طريق الحق والمعرفة.
يعد ابن الفارض المصري الملقب ب (سلطان العاشقين) من أکابر الشعراء الصوفية والعربية وأبرزهم بلا منازع، وله ديوان شعر بما في ذلك من عيون المعارف والحقائق الإلهية ومن قصائده التائية الکبري وهي من أفضل أناشيد المحبة الإلهية وفيها آراء حول الحب الإلهي ومراحله والحقيقة المحمدية، ووحدة الأديان ووحدة الشهود ووحدة الوجود والجمال الإلهي المطلق.
لقد ذكر حول لقبه بابن الفارض : "الفارض : بفتح الفاء وبعد الألف راء مفتوحة وبعدها ضاد معجمة، وهو الذي يكتب الفروض للنساء على الرجال ".
" وأنّ أبا الشاعر كان يقوم بإثبات هذه الفروض فغلب عليه التلقيب بالفارض وعرف ابنه بابن الفارض".
ذكر المترجمون عن والد ابن الفارض أنّه من أکابر علماء مصر و يلزم ولده بالجلوس معه في مجالس الحکم و مدارس العلم.
وقد كان زاهداً وورعاً، اتخذ زهده وورعه صورة عملية في آخر حياته حين نزل عن الحكم، ورفض منصب قاضي القضاة واعتزل الناس، وانقطع الى الله في قاعة الخطابة بالازهر.
فقد شارك والد ابن الفارض في بيئته العلمية والأدبية، فقد أمضى ابن الفارض المرحلة الأولى من عمره تحت إشراف والده وتثقّف عنده كما تأثّر في حياته الفكرية والروحية تأثراً عميقاً بنسك وتقشّف والده ورفضه لمنصب قاضي القضاة من قبل الملك العزيز.
لقد قسّم الباحثون والمترجمون حياة ابن الفارض الروحية والفكرية والصوفية الى ثلاثة أطوار:
الطور الأول، أيام شبابه
حيث اهتم ابن الفارض فيها بالزهد والتقشّف والعبادة والقناعة وتثقّف تحت إشراف والده وتفقه على المذهب الشافعي.
كما كان متأثراً بعصره فكرياً وروحياً وذلك العصر الذي انتقلت الخلافة من الفاطمية الشيعية الى الأيّوبية السنّيّة. فالنظام الدينيّ في مصر والشام، أصبح خاضعاً لمذهب أهل السنة. كما أقبل الناس على الزهد والتقشّف بسبب استبداد السلاطين والحكام وظلمهم وحروب الصليبيين والبلايا الطبيعية كالطاعون وانخفاض مياه النيل.
ومن الملاحظ أنّ فترة حياة الشاعر كانت قد تزامنت مع التيارات الصوفية المختلفة ومن أهمّها تياران: التيار المحافظ على التعاليم الدينية المأخوذة من الكتاب والسنة وتنفيذ الأحكام والعبادات، والتيار غير المحافظ على التعاليم الدينية وعدم التحفظ بأصولها ومبادئها.
ويشير المؤرخون إلى أن ابن الفارض يمثل التيار الأول مع استثناء بعض أبيات الشاعر توهم في ظاهرها الخروج عن الشرع، ولكنها في حقيقتها ضرب من الشطح الذي يصدر فيه عن الواقع تحت سلطانه أقوال غريبة تبدو في ظاهرها مخالفة كل المخالفة لما جاء به الدين واحتوت عليه تعاليم الكتاب والسنة.
الطور الثاني : مغادرته إلى الحجاز
كان ابن الفارض منشغلاً بالعبادة في أرض الحجاز وبوادي مكة بمدّة خمسة عشر عاماً، وتعد أهمية هذا الطور ليس فقط لما تمتاز به الحياة الصوفية لابن الفارض من الفتح والكشف فحسب، وإنما هي ترجع أيضاً، إلى ما نظمه الشاعر فيه من شعر تبدو عليه المسحة البدوية، وتتردّد في أبياته الصور الحجازية، ومنها القصيدة التي مطلعها:
أبَرقٌ بدا من جانب الغَور لامعُ
أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقع
أنارالغضا ضاءت وسلمى بذي الغضا
أم ابتسمت عمّا حكته المدامع
في هذه القصيدة، ذكر الشاعر الأماكن الحجازية ووصف محبوبته على عادة القدماء، وألبس زياً بدوياً جميلاً بها.
الطور الثالث: العودة إلى القاهرة
عاد ابن الفارض إلى القاهرة بإشارة الشيخ البقال وقال في سبب عودته: "سمعت الشيخ البقال يناديني يا عمر تعال إلى القاهرة احضر وفاتي وصلِّ عليَّ ". فلبّى ابن الفارض دعوته ورجع إلى القاهرة.
هذه الفترة تعتبر فترة انقطاعه عن الكشف والفتح الذي يشير إليها :
نقلتني عنها الحظوظ، فجُذّتْ
واراداتي، ولم تدُم أورادي
آه لو يسمح الزّمان بعودٍ
فعسى أن تعود لي أعيادي
فقد رجع إلى مصر في عام ( 628 ه ) ولكنه كان حزيناً بسبب تلك الديار المقدّسة دائماً.
عند عودته إلى مصر كان الأيوبيون مهتّمين بتخليد ذكرهم فيها ببناء المدارس والمعاهد والمساجد وبتأسيس الخانقاوات لمواجهة طريقة الفاطميين. لذا كان عصر الشاعر مهداً مناسباً لتعاليم الصوفية. وصار الجوّ مناسباً لابن الفارض فتلألأ كنجمة في السماء الشعر الصوفي.
كانت حياته مصادفةً مع ولاية أربعة من الملوك، صلاح الدين، العزيز، العادل، والكامل وكلّهم يحترمون الشاعر - ابن الفارض - وكانوا يحضرون مجالسه الأدبية.
مؤلفاته
لا يعرف لابن الفارض آثاراً أدبية أو صوفية غير ديوانه وهو صغير الحجم وعدد أبياته ألف وثمانمائة وخمسين بيتاً ( 1850 ) ويعد تحفة أدبية وعلى صغر حجمه من أحسن الدواوين العربية من ناحية الموضوع والأسلوب ويدور على موضوع واحد فهو الشعر الصوفي في الحب والخمر.
لديوان ابن الفارض خصائصٌ فنّية وصوفية، ولعل أظهر ما يمتاز به شعر ابن الفارض من الناحية الفنية هو الإسراف في الصناعة اللفظية أو الإغراق في المحسّنات البديعية، وهذا برأي النقاد طبيعيٌ لأنه كان يعيش في عصر يمتاز بكثرة الجناس والطباق والبديع وهو عصر التصنّع والتكلّف، مع ذلك قد امتاز شعر ابن الفارض برقة اللفظ مع الجزالة والمتانة ودقة المعنى وعمق الفكرة والسلاسة والوضوح وبصدق الحسّ وسلامة الأسلوب وبعد الخيال وجمال الصورة.
هذا من الناحية الفنية، أما من الناحية الصوفية، فقد كان الديوان ذو نزعة صوفية واضحة لما امتازت به نفس الشاعر من رقة الشعور ودقة الحس وسموّ العاطفة التي سيطرت على نفسه سيطرة قويّة .. فإذا هو يقضي حياته مقبلاً على محبوبه، كلفاً به مشوقاً إليه، مفنياً نفسه فيه، حتى ظفر من هذا كله بما قرت به عينه، واطمأن إليه قلبه، من اتصال بالذات العليا وكشف للحقيقة المطلقة التي هي عنده كل شيء في هذا الوجود وإليها يردّ كل موجود، ومن هنا كان ديوان شاعرنا أنشودة جميلة من أناشيد الحب.
آرائه ومذهبه الصوفي
إنّ القسم الأكبر من آراء ابن الفارض في الحب الإلهي والوحدة والحقيقة المحمديّة، صرّحها بمذهبه في الحبّ حيث قال :
وعن مذهبي في الحب مالي مذهب
وإن ملتُ يوماً عنه فارقت ملّتي
يظهر ابن الفارض في هذا البيت حقيقة مذهبه الصوفي أنّه الحب الالهي الذي اتخذه موضوعاً لقصيدته الصوفية " التائية الكبرى " . وقد استطاع ابن الفارض أن يلخص أطوار هذا الحب إلالهي عند جميع الذين تذوّقوه في تاريخ التصوف العربي من عهد رابعة العدوية إلى الوقت الذي نظم الشاعر هذه القصيدة.
قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي
روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ
لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي
لم أقضِ فيهِ أسى ً، ومِثلي مَن يَفي
ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ،
في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ
فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛
يا خيبة َ المسعى إذا لمْ تسعفِ
يا مانِعي طيبَ المَنامِ، ومانحي
ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ
عَطفاً على رمَقي، وما أبْقَيْتَ لي
منْ جِسميَ المُضْنى ، وقلبي المُدنَفِ
فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي،
والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي
يقول في قصيدته "شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامة":
شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامة ً
سَكِرْنا بها، من قبلِ أن يُخلق الكَرمُ
لها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يديرها
هِلالٌ، وكم يبدو إذا مُزِجَتْ نَجمُ
ولولا شذاها ما اهتديتُ لحانها
ولو لا سناها ما تصوَّرها الوهمُ
ولم يُبْقِ مِنها الدَّهْرُ غيرَ حُشاشَة ٍ
كأنَّ خَفاها، في صُدورِ النُّهى كَتْمُ
فإنْ ذكرتْ في الحيِّ أصبحَ أهلهُ
نشاوى ولا عارٌ عليهمْ ولا إثمُ
ومنْ بينِ أحشاءِ الدِّنانِ تصاعدتْ
ولم يَبْقَ مِنْها، في الحَقيقَة ِ، إلاّ اسمُ
وإنْ خَطَرَتْ يَوماً على خاطِرِ امرِىء ٍ
أقامَتْ بهِ الأفْراحُ، وارتحلَ الهَمُ
ولو نَظَرَ النُّدمانُ ختْمَ إنائِها،
لأسكرهمْ منْ دونها ذلكَ الختمُ
ولو نَضَحوا مِنها ثَرى قَبْرِ مَيتٍ،
لعادَتْ إليهِ الرُّوحُ، وانْتَعَشَ الجسْمُر
ولو طرحوا في فئِ حائطِ كرمها
عليلاً وقدْ أشفى لفارقهُ السُّقمُ
ولوْ قرَّبوا منْ حلها مقعداً مشى
وتنطقُ منْ ذكري مذاقتها البكمُ
ولوْ عبقتْ في الشَّرقِ أنفاسُ طيبها
وفي الغربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ
ولوْ خضبتْ منْ كأسها كفُّ لامسٍ
لما ضلَّ في ليلٍ وفي يدهِ النَّجمُ
ولوْ جليتْ سرَّاً على أكمهٍ غداً
بصيراً ومنْ راو وقها تسمعُ الصُّمُّ
ولو أنّ ركْباً يَمّمَوا تُرْبَ أرْضِها،
وفي الرَّكبِ ملسوعٌ لماضرَّهُ السمُّ
ولوْ رسمَ الرَّقي حروفَ اسمها على
جبينِ مصابٍ جنَّ أبرأهُ الرَّسمُ
وفوقَ لِواء الجيشِ لو رُقِمَ اسمُها،
لأسكرَ منْ تحتَ الِّلوا ذلكَ الرَّقمُ
تُهَذّبُ أخلاقَ النّدامى ، فيَهْتَدي،
بها لطريقِ العزمِ منْ لالهُ عزمُ
ويَكْرُمُ مَنْ لم يَعرِفِ الجودَ كَفُّهُ،
ويَحلُمُ، عِندَ الغيظِ، مَن لا لَهُ حِلْمُ
ولو نالَ فَدْمُ القَوْمِ لَثْمَ فِدامِها،
لَأكسَبَهُ مَعنى شَمائِلِها اللّثْمُ
يقولونَ لي صفها فأنتَ بوصفها
خَبيرٌ، أجَلْ! عِندي بأوصافِها عِلْمُ
صفاءٌ، ولا ماءٌ، ولُطْفٌ، ولاهَواً،
ونورٌ ولا نارٌ وروحٌ ولا جسمُ
تقدَّمَ كلَّ الكائناتِ حديثها قديماً،
ولا شَكلٌ هناكَ، ولا رَسْمُ
وقامَتْ بِها الأشْياءُ، ثَمّ، لحِكْمَة ٍ،
بها احتجبتْ عنْ كلِّ منْ لالهُ فهمُ
وهامتْ بها روحي بحيث تمازجا
اتّ حاداً ولا جرمٌ تخلَّلهُ جرمُ
وكَرْمٌ ولا خَمْرٌ، ولي أُمُّها أُمُّ
وكرمٌ ولا خمرٌ وفي أم‍ِّها أمُّ
ولُطْفُ الأواني، في الحَقيقَة ِ، تابِعٌ
للطفِ المعاني والمعاني بها تنمو
وقدْ وقَعَ التَّفريقُ، والكُلُّ واحِدٌ،
فأرواحنا خمرٌ وأشباحنا كرمُ
ولا قبلها قبلٌ ولا بعدَ بعدها
وقبليَّة ُ الأبعادِ فهيَ لها حتمُ
وعَصْرُ المَدى منْ قَبْلِهِ كان عصْرها،
وعهدُ أبينا بعدها ولها اليتمُ
محاسِنُ، تَهْدي المادِحينِ لِوَصْفِها،
فَيَحسُنُ فيها مِنهمُ النَّثرُ والنّظمُ
ويَطرَبُ مَن لم يَدرِها، عندَ ذِكرِها،
كمُشْتاقِ نُعْمٍ، كلّما ذُكِرَتْ نُعْمُ
وقالوا شربتَ الإثمَ كلاَّ وإنَّما
شَرِبتُ التي، في تَرْكِها، عندي الإثمُ
هنيئاً لأهلِ الديرِ كمْ سكروا بها
وما شربوا منها ولكنَّهمْ همُّوا
وعنديَ منها نشوة ٌ قبلَ نشأتي
معي أبداً تبقي وإنْ بلى َ العظمُ
عليكَ بها صرفاً وإنْ شئتَ مزجها
فعدلكَ عنْ ظلمِ الحبيبِ هوَ الظُّلمُ
فدونَكَها في الحانِ، واسْتَجلِها بهِ،
على نغمِ الألحانِ فهيَ بها غنمُ
فما سَكَنَتْ والهَمّ، يوماً، بِمَوضِعٍ،
كذلِكَ لم يَسكُنْ، معَ النّغْمِ، الغَمُّ
وفي سكرة ٍ منها ولو عمرَ ساعة ٍ
تَرى الدَّهْرَ عَبداً طائِعاً، ولَكَ الحُكْمُ
فلا عيشَ في الدُّنيا لمنْ عاشَ صاحياً
ومنْ لمْ يمتْ سكراً بها فاتهُ الحزمُ
على نفسهِ فليبكِ منْ ضاعَ عمرهُ
وليسَ لهُ فيها نصيبٌ ولا سهمُ
https://www.youtube.com/watch?v=W5JKd-u-AN8
https://www.youtube.com/watch?v=4vmqWslCQQk


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.