سمر مغربل الراغبة دائماً في تنويع تقنياتها والإطلالة في المعارض بأعمال جديدة مفاجئة، أحبت هذه المرة أن تقيم معرضاً فردياً، وقد عودتنا مشاهدة أعمالها في معارض جماعية، كما أحبت أن تفاجئنا بتقنية جديدة تعتمد فيها سحر الخداع البصري. معرض مغربل الذي تقيمه في غاليري «أجيال» تحت عنوان «اعتراض»، لغاية 19 الجاري، ضم 21 عملاً نحتياً، اعتمدت فيه السيراميك مادة لتقديم الأشكال والأفكار. وهي في الوقت الذي تحرص فيه على تقديم أشكالها النحتية بأسلوب واقعي تشبيهي، تؤكد دوماً أن تكون في قلب الحركة التشكيلية المعاصرة، غير غافلة عما يجري في العالم من تجارب فنية ومن تطور تقني. وفي هذا المجال، لا تهتم في الإصرار على أسلوب أو مادة، إذ تعتبر أن المواد كلها متاحة لها، وقد استخدمت في منحوتاتها السابقة مواد أخرى غير مادة السيراميك المعروفة بها، ثم اشتغلت أيضاً على الفيديو آرت، ولما بدأت السينما في العالم تطلق أفلاماً بأبعاد ثلاثية، اجتهدت هي في تقديم منحوتات ثلاثية الأبعاد، ليس بمعنى الطول والعرض والارتفاع، إنما بمعنى تقديم الصورة بأبعاد ثلاثية، أي نحت الشكل بحيث إذا سلطت الإضاءة عليه تراه في اتجاه، وعندما يتغير موقع المشاهد منه يتغير اتجاه الشكل نفسه، أي أننا نرى وجه شخوصه من اليمين كأنما يتطلع نحونا، وإذا ملنا إلى اليسار مال الوجه معنا إلى اليسار. تلك لعبة تستفيد من تقنيات تحريك الرسوم، وكذلك تقنيات التصوير الثلاثي الأبعاد، التي تستوجب نوعاً من الكولاج النحتي، أو نحت الوجه من جهات عدة كي نراه في اتجاهات عدة أيضاً. لعبة تدخل في عداد الخداع البصري، وهي تحتاج إلى عمل فني دقيق عملت سمر مغربل على تنفيذه. إذاً، وجدنا أنفسنا في جزء من المعرض مخدوعين، بل منجذبين إلى اللعبة، وقد شاهدنا أمام كلٍّ من الوجوه المنحوتة داخل تجويف يشبه الحجاب مرة والخوذة مرة أخرى شمعة تضيئه. في جزء آخر من المعرض رأينا مجموعة من الخُوَذ مصفوفة على الأرض، وهي خوذ عسكرية تعيدنا إلى ماض سحيق، وقد اخترقها رصاص أو ثقبتها أحداث الزمن. فكرة تقوم على السخرية، ربما، مما يجري من حروب باسم الإسلام أو العودة إلى الأصول حتى العسكرية منها، ولا بأس بالنسبة إليها أن تقرب بين شكل الخوذة الرجالية وشكل الحجاب النسائي. على أن المشهد الحربي أو الحدث الأمني يبقى هاجساً في حياة الفنانة مغربل التشكيلية، فهي منذ أربع سنوات نالت جائزة متحف سرسق عن مجموعة من السيارات المفخخة، التي استلهمتها من حدث تفجير موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وهي، في الأساس، تبتعد عن إنتاج المنحوتة الحيادية التي يهتم صاحبها بالناحية الفنية فقط، وتعتبر أن عمل النحات أو الفنان لا بد من أن يتداخل مع الحياة وأحداثها، فتغنيه ويغنيها أو يعترض عليها بهدف تغييرها. اعتراض الاعتراض لدى مغربل ليس محدداً بموقف من الأمن أو السياسة فقط، إنما موقف من أي شيء في الحياة، وما أنابيب الصرف الصحي التي عرضتها في مناسبات سابقة، وتقدم نماذج منها في هذا المعرض إلا جزء من الاعتراض على الفوضى أو السخرية من فوضى البناء، إذ تبدو الأنابيب البارزة في الأبنية أشبه بالأمعاء المكشوفة في الشوارع، وإن كان بعض المهندسين في الغرب يحولون تلك الأنابيب إلى نوع من الديكور الخارجي. وقد نسجل اعتراضاً آخر من اعتراضات سمر مغربل، من خلال لعبة الأسلحة المائية التي يستخدمها الأطفال، وقد استخدمت في هذا الجزء من معرضها محركات تدفع المياه داخل أجسام الصبيان الذين يصوبون مسدساتهم وصواريخهم المائية لتأتي برداً وسلاماً على رفاقهم. هو اعتراض على السلاح وتحوير مساره، بل تحويله إلى لعبة سلمية. ما تقدمه النحاتة سمر مغربل لافت للنظر، لجهة ما بذلته من جهد احترافي ومتانة في تجسيد الأفكار التي تسعى لتجسيدها، لا سيما فكرة الاعتراض على ما يجري من أحداث مقلقة تفرض نفسها، وعلى ما تصادفه في الشوارع وفي الناس. وفي أي حال، هي تقدم مشهداً نحتياً جديداً، بتعبيرية عالية، وتسعى لتواكب العصر فتبتكر ما يناسبه وما يدهش العين، في الوقت الذي تضعنا فيه أمام تعبيرية عالية من خلال أسلوبها في تحوير الواقع والوقائع. المصدر : السفير اللبنانية