(( ألجأته إلى أن يخرج من كريم آدميته ، وينتسب إلى الشيطان الرجيم )) : روى أن رجلا نزل بامرأة من بني عامر ، فأكرمته وأحسنت قراه ،،، فلما أراد الرحيل تمثل ببيت يهجوها فيه ، قال : لعمرك ما تبلى سرابيل عامر *** من اللؤم ما دامت عليها جلودها فلما أنشده قالت لجاريتها قولي له ألم تحسن إليك وتفعل وتفعل ؟ هل رأيت تقصيرا ؟ قال : لا ،، قالت : فما حملك على البيت ؟ قال : جرى على لساني ،،،، فخرجت إليه جارية فصيحة بليغة ،،،، فحدثته قليلا ،، حتى أنس واطمأن ، ثم قالت له : ممن أنت يا ابن عم ؟ قال : رجل من بني تميم ، قالت : أتعرف الذي يقول : تميم بطرق اللؤم أهدي من القطا *** ولو سلكت سبل المكارم صلت أرى الليل يجلوه النهار ولا أرى *** خلال المخازي عن تميم تجلت ولو أن برغوثا على ظهر قملة *** يكر على صفي تميم لولت ولو جمعت يوما تميم جموعها *** على ذرة مربوطة لاستقلت تميم كجحش السوء يرضع أمه *** ويتبعها بالرغم إن هي ولت ذبحنا فسمينا على ما ذبحنا *** وما ذبحت يوما تميم فسمت ؟ قال : لا ،،، والله ما أنا من تميم ، قالت : ما أقبح الكذب بأهله ، فممن أنت؟ قال : رجل من بني ضبة ، قالت : أفتعرف الذي يقول : لقد زرقت عيناك يا ابن معكبر *** كما كل ضبي من اللؤم أزرق ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من بني ضبة ، قالت : فممن؟ قال : من بني عجل ، قالت : أفتعرف القائل : أرى الناس يعطون الجزيل وإنما *** عطاء بني عجل ثلاث وأربع إذا مات عجلي بأرض فإنما *** يخط له فيها ذراع وإصبع ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من بني عجل ، قالت : فممن؟ قال : من الأزد ، قالت : أفتعرف القائل : فما جزعت أزدية من ختانها *** ولا أكلت لحم القنيص المعقب ولا جاءها القناص بالصيد في الخبا ***ولا شربت في جلدحوت معلب ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من الأزد ، قالت : فممن؟ قال : من بني عبس ، قالت : أفتعرف القائل : إذا عبسية ولدت غلاما *** فبشرها بلؤم مستفاد ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من بني عبس ، قالت : فممن؟ قال : من بني فزازة ، قالت : أفتعرف القائل : لا تأمنن فزاريا خلوت به *** على قلوصك واكتبها بأسيار ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من بني فزارة ، قالت : فممن؟ قال : من بجيلة ، قالت : أفتعرف القائل : سألنا عن بجيلة حين جاءت *** لتخبر أين قر بها القرار فما تدري بجيلة إذ سألنا *** أقحطان أبوها أم نزار فقد وقعت بجيلة بين بين *** وقد خلعت كما خلع العذار ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من بجيلة ، قالت : فممن؟ قال : من بني نمير ، قالت : أفتعرف القائل : فغض الطرف إنك من نمير *** فلا كعبا بلغت ولا كلابا ولو وضعت فقاح بني نمير *** على خبث الحديد إذا لذابا ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من بني نمير ، قالت : فممن؟ قال : من بني باهلة ، قالت : أفتعرف القائل : إذا نص الكرام إلى المعالي *** تنحى الباهلي عن الزحام إذا ولدت حليلة باهلي *** غلاما زيد في عدد اللئام ولو كان الخليفة باهليا *** لقصر عن مساماة الكرام وعرض الباهلي وإن توقى *** عليه مثل منديل الطعام ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من باهلة ، قالت : فممن؟ قال : من ثقيف ، قالت : أفتعرف القائل : أضل الناسبين لنا ثقيف *** فما لهم أب إلا الضلال ؟ فإن نسبت أو انتسبت ثقيف *** إلى أحد فذاك هو المحال خنازير الحشوش فقاتلوهم *** فإن دماءهم لكم حلال ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من ثقيف ، قالت : فممن؟ قال : من سليح ، قالت : أفتعرف القائل : فإن سليحا شتت الله شملها ** ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من سليح ، قالت : فممن؟ قال : من خزاعة ، قالت : أفتعرف القائل : إذا فخرت خزاعة في ندى *** وجدنا فخرها شرب الخمور وباعت كعبة الرحمن جهلا *** بزق بئس مفتخر الفجور ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من خزاعة ، قالت : فممن؟ قال : من بني يشكر ، قالت : أفتعرف القائل : ويشكر لا تستطيع الوفا *** ولو رامت الغدر لم تغدر قبيلة عيشتها في الكرى *** لئام المناخر والعنصر ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من يشكر ، قالت : فممن؟ قال : من بني أمية ، قالت : أفتعرف القائل : وهي من أمية بنياتها *** فهان على الناس فقدانها وكانت أمية فيما مضى *** جريا على الله سلطانها فلا آل حرب أطاعوا الإله *** ولم يتق الله مروانها ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من بني أمية ، قالت : فممن؟ قال : من عنزة ، قالت : أفتعرف القائل : ما كنت أخشى وإن كان الزمان لنا*** زمان سوء بأن تغتابني عنزه فلست من وائل إن كنت ذا حذر *** ممن يضل كما قد ضلت الحرزه ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من عنزة ، قالت : فممن؟ قال : من كندة ، قالت : أفتعرف القائل : إذا ما افتخر الكندي *** ذو البهجة بالطره فدع كندة للنسج *** فأعلى فخرها غره ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا كندة ، قالت : فممن؟ قال : من بني أسد، قالت : أفتعرف القائل : إذا أسدية بلغت ذراعا *** فزوجها ولا تأمن زناها وإن أسدية خضبت يديها *** ولما تزن أشرك والداها ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من بني أسد ، قالت : فممن؟ قال : من همدان ، قالت : أفتعرف القائل : إذا هم دان دارت يوم حرب *** رحاها فوق هامات الرجال رأيتهم يحثون المطايا *** سراعا هاربين من القتال ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من همدان ، قالت : فممن؟ قال : من نهد ، قالت : أفتعرف القائل : نهد لئام إذا ما حل ضيفهم *** سود وجوههم كالزفت والقار والمستغيث بنهد عند كربته *** كالمستجير من الرمضاء بالنار ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من نهد ، قالت : فممن؟ قال : من قضاعة ، قالت : أفتعرف القائل : لا يفخرن قضاعي بأسرته *** فليس من يمن محضا ولا مضر مذبذبين فلا قحطان والدهم *** ولا نزار فسيبهم إلى سقر ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من قضاعة ، قالت : فممن؟ قال : من بني شيبان ، قالت : أفتعرف القائل : شيبان رهط لهم عديد *** وكلهم معرق لئيم شربهم من فضول ماء *** يفضل عن أسوة العميم ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من شيبان ، قالت : فممن؟ قال : من تنوخ ، قالت : أفتعرف القائل : إذا تنوخ قطعت منهلا *** في طلب الغارات والثار أتت من بحري مرار العلى *** وشهرة في الأهل والجار ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من تنوخ ، قالت : فممن؟ قال : من ذهل ، قالت : أفتعرف القائل : إن ذهلا لا يسعد الله ذهلا *** شر جيل يظل تحت السماء ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من ذهل ، قالت : فممن؟ قال : من مزينة ، قالت : أفتعرف القائل : وهل مزينة إلا من قبيلة *** لا يرتجى كرم فيها ولا دين ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من مزينة ، قالت : فممن؟ قال : من النخع ، قالت : أفتعرف القائل : إذا النخع اللئام عدوا جميعا *** تدكدكت الجبال من الزحام وما يغنى إذا صدقت فتيلا *** ولا هي في الصميم من الكرام ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من النخع ، قالت : فممن؟ قال : من طيّ ، قالت : أفتعرف القائل : وما طيىء إلا نبيط تجمعت *** فقالوا طيايا كلمة فاستمرت ولو أن عصفورا يمد جناحه *** على دور طيّ كلها لاستظلت ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من طيّ ، قالت : فممن؟ قال : من عكّ ، قالت : أفتعرف القائل : عكّ لئام كلهم أبك *** ليس لهم من الملام فك ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من عكّ ، قالت : فممن؟ قال : من لخم ، قالت : أفتعرف القائل : إذا ما اجتبى قوم لفضل قديمهم***تباعد فخر الجود عن لخم أجمعا ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من لخم ، قالت : فممن؟ قال : من جذام ، قالت : أفتعرف القائل : إذا كأس المدام أدير يوما *** لمكرمة تنحى عن جذام ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من جذام ، قالت : فممن؟ قال : من كلب ، قالت : أفتعرف القائل : فلا تقربن كلبا ولا باب دارها *** ولا يطمعن سار يرى ضوء نارها ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من كلب ، قالت : فممن؟ قال : من بلقين ، قالت : أفتعرف القائل : إذا ما سألت اللؤم أين محله *** تصب عند بلقين له طرفان ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من بلقين ، قالت : فممن؟ قال : من بني الحارث بن كعب ، قالت : أفتعرف القائل : حار بن كعب ألا أحلام تحجزكم *** عنا وأنتم من الجوف الجماخير لا عيب في القوم من طول ومن عظم***جسم البغال وأحلام العصافير ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من بني الحارث بن كعب ، قالت : فممن؟ قال : من بني سليم ، قالت : أفتعرف القائل : إذا ما سليم جئتها في ملمة *** رجعت كما قد جئت خزيان نادما ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من سليم ، قالت : فممن؟ قال : من فارس ، قالت : أفتعرف القائل : ألا قل لمعتر وطالب حاجة *** يريد بنجح نفعها وقضاها فلا تقرب الفرس اللئام فإنهم *** يردون مولاهم بخبث دراها ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من فارس ، قالت : فممن؟ قال : من الموالى ، قالت : أفتعرف القائل : ألا من أراد اللؤم والفحش والخنا*** فعند الموالى الجيد والكتفان ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من الموالى ، قالت : فممن؟ قال : رجل من ولد حام ، قالت : أفتعرف القائل : ولا تنكحوا أولاد حام فإنهم ***مشاويه خلق الله حاشا ابن أكوع ؟ قال : لا والله ،،، ما أنا من حام ، قالت : فممن ؟ قال : رجل من ولد الشيطان الرجيم ، قالت : فعليك لعنة الله وعلى الشيطان الرجيم ،، أفتعرف الذي يقول : ألا يا عباد الله هذا عدوكم *** وذا ابن عدو الله إبليس خاسئا ؟ قال : الله الله ،،،، أقيليني العثرة ، فوالله ما ابتليت بمثلك قط . ولعمرى ،،، إنها لطرفة بليغة مع ما يعتريها من طول ،،، وشبهة الوضع والصنعة والتكلف إذ تجلّت فيها بدائع الإستشهاد بديهة وارتجالا ، وهى تطوف بنا على كثير من قبائل العرب وبيوتاتهم ، وقد جمعت بين كثير من الألوان من ثراء معرفى ،، وهجاء ، وكأننا بهذه الجارية البليغة ضيقت الخناق على هذا الشقى ، شيئا فشيئا ، حتى ألجأته إلى أن يخرج من كريم آدميته ، وينتسب إلى الشيطان الرجيم . وإنها بعد لإحدى الشواهد من قريب على أن الشعر ديوان العرب . فتأمل .