عُنيت الكتب السماوية بالحديث عن مرض الجذام وشرحت كيفية التعامل مع المصابين بالمرض وجاء ذكر هذا المرض في التوراة، ففى سفر اللاويين وصف للبرص (الجذام)، وكيف يمكن أن يميزه الكاهن من البقع البيضاء التي قد تكون حزازًا أو ناتجة بعد الكي، أو بعد إصابة جلدية، أو جروح، ولا شك أن كثيرًا من الذين حكم عليهم أنهم مصابون بالجذام لم يكونوا يعانون منه. ويعتبر المصاب بالجذام نَجِسًا ويخرج من البلدة. وفى اللحظة التي يعلن فيها الكاهن أن شخصًا ما مصاب بالجذام تشق ثيابه، وينادى عليه: نجس نجس.. (وكل الأيام التي تكون الضربة فيه يكون نجسًا.. يقيم وحده). كما أن علاج الجذام كان مشوبًا بالخرافات، ففى سفر اللاويين الإصحاح الرابع عشر، تفصيل لهذه الطقوس؛ التي يقوم بها الكاهن لإعلان شفاء المصاب بالبرص وخلاصه من النجاسة، وذلك مقابل كبشين ونعجة ودقيق وزيت تقدم للكاهن، وفى هذه الأثناء يذبح الكاهن عصفورًا، ويلطخ آخر بدمه، ويجعل هذا العصفور الملطخ بالدم يطير فوق المصاب بالجذام. ثم يذبح كبشًا، ويلطخ المصاب بدمه. ولأن سيدنا أيوب، يعتبر أكثر البشر ابتلاءً، أصيب بهذا المرض، ولم يجد نبي الله أيوب عليه السلام مخرجا من بلائه سوي اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وهو ما قام به أيوب عليه السلام فاستجاب الله له وأزال ما به من مرض فتبارك الله أرحم الراحمين. ذكر كذلك، هذا المرض في الإنجيل، ووصف بوضوح في بعض أبواب العهدين القديم والجديد، ففى العهد القديم، ليفيتيكس 13: ا◌ 3 و45◌ 46 (6) أن الجذام ترجمة عن الكلمة العبرية "شرطة" التي وصفت بأنها تشويه حرشفى على الجلد أو القماش، وهذه التشويهات الجلدية مصاحبة بتلويث طقسى ولا ينظر إليها كمرض في الشعور الطبي.. الجذام يعد كشيء حقير ودنيء وضحاياه ينفون خارج المخيم، وبناءً على العهد الجديد، ماتيوس 8: ا◌ 3 (7) المسيح لم يبرئ الجذام ولكن طهره من التلويث الطقسي. وبعض الإخصائيين في مرض الجذام المسيحيين يعتبرون كلمة "مجذوم" من الأسباب العادية للانتحار وارتكاب الجريمة، وهو في حد ذاته أذى يحطم المرضى سواء بأضغاث أحلام أو صدمة مريعة. وفى وقت سيطرة الحكم المسيحى على أوروبا، أصدر بيبين الفرنسى مرسومًا في سنة 757 يحكم فيه بأن الزواج من المصاب بالجذام غير شرعي، والمرض في حد ذاته مسبب للطلاق. أما فيليب الرابع (1285◌ 1312) ملك فرنسا فقد أوعز بأن يُحرق المصابون بالجذام إذ يجمعون فيهم هذا الحكم دائمًا حتى يستأصل هذا المرض نهائيًا. وفى الإنجيل، كلمة الجذام والمجذوم بالتوالى هو المرض الجلدى المرعب والشخص المصاب بالمرض الجلدى المرعب، ويرى الإنجيل أن "الجذام"، واحد من الأمراض الناتجة عن ذنب سابق، ومعاقبة لقيام المريض ببعض التصرفات الساذجة التي تخالف الطريقة لم تظهر لها نتيجة بعد وهى ربط الإنسان بالآلهة في التلاؤم الدنيوي. "الجذام"، واحد من الأمراض التي ذكرت في القرآن الكريم؛ حيث ذكر في آيتين من آيات القرآن الكريم كالآتي: (ورسولا إلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ). (إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتى عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا، وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى وتبرئ الأكمه والأبرص بإذنى وإذ تخرج الموتى بإذنى وإذ كففت بنى إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين). وقال المراغى في شرحه على الآية الثانية "إن عيسى عليه السلام فاق الأطباء المثقفين في عهده بقوة المعجزات المبرئة للبرص أو الجذام". من ذلك فإن الفكرة الإسلامية تقول بشفاء البرص بالدواء تماشيًا مع الحديث الشريف الآتي: "عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما انزل الله داءً إلا انزل له شفاء". ذكر كذلك "الجذام"، في أكثر من حديث نبوي، كالتالي: فقد جاء في البخاري: "حدثنا سعيد بن ميناء قال سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا سفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد". وجاء في مسلم: عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبى صلى الله عليه وسلم: "إنا قد بايعناك فارجع". وجاء في أبو داوود: "عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فأدخله معه في القصعة ثم قال: "كل ثقة بالله وتوكلا عليه". وفى الترمذي: "عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فأدخله معه في القصعة ثم قال: (بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه ). وفى النسائي: "عن رجل من آل الشريد يقال له عمرو عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبى صلى الله عليه وسلم "ارجع فقد بايعتك". وعن ابن ماجة: "عن حبيب بن الشهيد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد المجذوم فأدخله معه في قصعة ثم قال: "ثقة بالله وتوكلا على الله". وإذا دققنا النظر في هذه الأحاديث الشريفة، سنجد ثلاثة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواها أبو داوود والترمذى وابن ماجة هي في صالح المجذوم.. والثلاثة الأُخرى رواها البخارى ومسلم والنسائى ليست في صالح هؤلاء المصابين نسبيًا، لكن الفكرة العامة المستخلصة من هذه الأحاديث لا تثير الشعور بالازدراء مثل القذارة والاشمئزاز ولا يتصل بشيء ما مع بعض الذنوب أو الفكرة الطقوسية، كما ورد في الأديان والمعتقدات الأخرى. يشار إلى أن الهند في عقود سابقة حرمت ضحايا الجذام من كل وسائل الحياة الممكنة، إذ قرر القانون الهندوكى أن المريض بالجذام يحرم من الميراث، ويحكم عليه بالانفصال والطلاق الشرعيين، ويمنع من السفر في مكان واحد مع الأصحاء، ولم يسمح له بالحصول على رخصة القيادة في المواصلات العامة ولو كان المريض لم يظهر لديه بعد أي علامات التشويه.