الدرس السادس والثلاثون يقول ابن مالك: ورفع معطوف بلكن أو ببل …..من بعد منصوب ب(ما) الزم حيث حل إذا وقع بعد خبر (ما) عاطف فلا يخلو إمَّا أن يكون مُقتضيًا للإيجاب أو لا، فإنْ كان مُقتضيًا للإيجاب تعيَّن رفع الاسم الواقع بعده، وذلك نحو (بل ولكن)، فتقول (ما زيدٌ قائمًا لكن قاعدٌ أو بلْ قاعدٌ)، فيجب رفع الاسم على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: لكن هو قاعد، وبل هو قاعد. ولا يجوز نصبُ (قاعدٌ) عطفًا على خبر (ما)؛ لأنَّ (ما) لا تعمل في الموجب، وإن كان الحرف العاطف غير مقتض للإيجاب ك(الواو) ونحوها جاز النصب والرفع، والمختار النصب نحو (ما زيدٌ قائمًا ولا قاعدًا)، ويجوز الرفع فتقول (ولا قاعدٌ)، وهو خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير( ولا هو قاعد)، ففهم من تخصيص المصنف وجوب الرفع ب(ما) إذا وقع الاسم بعد (بل ولكن) أنَّهُ لا يجب الرفع بعد غيرهما. ويقول ابن مالك: وبعد ما وليس جر البا الخبر …. وبعد لا ونفي كان قد يجر تُزاد الباء كثيرًا في الخبر بعد (ليس)، وما نحو قوله تعالى (أليس الله بكاف عبده)، و(أليس الله بعزيز ذي انتقام) و(ما ربك بغافل عمَّا يعملون) و(وما ربك بظلام للعبيد)… ولا تختص زيادة الباء بعد (ما) بكونها حجازية خلافًا لقوم بل تزاد بعدها وبعد التميمية، وقد نقل سيبويه والفراء -رحمهما الله تعالى- زيادة الباء بعد (ما) عن بني تميم فلا التفاتٌ إلى مَنْ منع ذلك، وهو موجود في أشعارهم، وقد اضطرب رأي الفارسي في ذلك، فمرة قال: لا تزاد الباء إلا بعد الحجازية، ومرة قال: تزاد في الخبر المنفي. وقد وردت زيادة الباء قليلا في خبر (لا) كقوله: فكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعة …. بمغن فتيلا عن سواد بن قارب فالشاهد: لا ذو شفاعة بمغنٍ. وفي خبر مضارع كان المنفية بلم كقوله: وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن…. بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل الشاهد زيادة الباء في خبر مضارع كان المنفية (لم أكن بأعجلهم). الدرس السابع والثلاثون وعن أخوات (ما) النافية … (لا) النافية، و(إن) النافية، و(لات) النافية، يقول ابن مالك: في النكرات أعملت كليس لا… وقد تلي لات وإن ذا العملا وما للات في سوى حين عمل… وحذف ذي الرفع فشا والعكس قل تقدم أنَّ الحروف العاملة عمل (ليس) أربعة، وقد تقدم الكلام على (ما) وذكر هنا (لا ولات وإن)، أمَّا (لا) فمذهب الحجازيين إعمالها عمل ليس، ومذهب تميم إهمالها. – شروط عمل (لا) النافية: ولا تعمل عند الحجازيين إلا بشروط ثلاثة: – أحدها: أن يكون الاسم والخبر نكرتين نحو (لا رجلٌ أفضلَ منك)، ومنه قوله: تعز فلا شيءٌ على الأرض باقيًا…. ولا وزرٌ ممَّا قضى الله واقيَا وقوله: نصرتك إذ لا صاحبٌ غيرَ خاذل…. فبوئت حصنًا بالكماة حصينا وزعم بعضهم أنها قد تعمل في المعرفة، وأنشد للنابغة: بدت فعل ذي ود فلما تبعتها… تولت وبقت حاجتي في فؤاديا وحلت سواد القلب لا أنا باغيًا… سواها ولا عن حبها مُتراخيَا واختلف كلام المصنف في هذا البيت، فمرة قال: إنه مؤول، ومرة قال: إن القياس عليه سائغٌ. – الشرط الثاني: ألا يتقدَّم خبرها على اسمها: فلا نقول (لا قائمًا رجلٌ). – الشرط الثالث: ألا ينتقض النفي ب(إلا)، فلا تقول: (لا رجل إلا أفضل من زيد) ينصب أفضل، بل يجب رفعه ولم يتعرض المصنف لهذين الشرطين. – وأما (إن) النافية فمذهب أكثر البصريين والفراء أنها لا تعمل شيئًا، ومذهب الكوفيين خلا الفراء أنها تعمل عمل ليس، وقال به من البصريين أبو العباس المبرد وأبو بكر بن السراج وأبو علي الفارسي وأبو الفتح بن جنى، واختاره المصنف، وزعم أن في كلام سيبويه -رحمه الله تعالى- إشارة إلى ذلك، وقد ورد السماع به قال الشاعر: إنْ هو مُستوليًا على أحدٍ … إلا على أضعف المجانين وقال آخر: إنْ المَرْءُ مَيْتًا بانقضاء حياته… ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا وذكر ابن جنى في المحتسب أن سعيد بن جبير رضي الله عنه قرأ (إن الذين تدعون من دون الله عبادًا)، أمثالكم بنصب (العباد). ولا يشترط في اسمها وخبرها أن يكونا نكرتين بل تعمل في النكرة والمعرفة، فتقول (إنْ رجلٌ قائمًا)(وإنْ زيدٌ القائمَ) و(إن زيدٌ قائمًا). – وأما (لات) النافية فهي لا النافية زيدت عليها تاء التأنيث مفتوحة، ومذهب الجمهور أنها تعمل عمل ليس، فترفع الاسم وتنصب الخبر لكن اختصت بأنها لا يذكر معها الاسم والخبر معًا بل إنما يذكر معها أحدهما، والكثير في لسان العرب حذف اسمها وبقاء خبرها، ومنه قوله تعالى (ولاتَ حِيْنَ مناصٍ) بنصب الحين، فحذف الاسم وبفي الخبر، والتقدير(ولاتَ الحينُ حينَ مَنَاصٍ)، فالحين اسمها وحين مناص خبرها، وقد قرىء شذوذًا (ولات حينُ مناص) برفع الحين على أنه اسم (لات)، والخبر محذوف، والتقدير: (ولات حين مناص لهم)؛ أي: ولات حين مناص كائنا لهم، وهذا هو المراد بقوله (وحذف ذي الرفع.. إلى آخر البيت). وأشار بقوله:(وما للات فى سوى حين عمل …) إلى ما ذكر سيبويه من أن (لات) لا تعمل إلا في الحين. واختلف الناس فيه فقال قومٌ: المرادُ أنَّها لا تعمل إلا في لفظ الحين، ولا تعمل فيما رادفه ك(الساعة) ونحوها، وقال قومٌ: المُرادُ أنَّها لا تعمل إلا في أسماء الزمان، فتعمل في لفظ الحين، وفيما رادفه من أسماء الزمان، ومن عملها فيما رادفه قول الشاعر: ندم البغاة ولات ساعة مندم…. والبغي مرتع مبتغيه وخيم وكلامُ المُصنفِ مُحتملٌ للقولين، وجزم بالثاني في التسهيل، ومذهب الأخفش أنَّها لا تعمل شيئًا، وأنه إن وجد الاسم بعدها منصوبًا فناصبه فعل مضمر، والتقدير: لات أرى حين مناص، وإن وجد مرفوعًا فهو مبتدأ والخبر محذوف والتقدير: لاتَ حينُ مناص كائنٌ لهم. والله أعلم الدرس الثامن والثلاثون (كاد) وأخواتها يقول ابن مالك: ككان كاد وعسى لكن ندر… غير مضارع لهذين خبر هذا هو القسم الثاني من الأفعال الناسخة للابتداء، وهو (كاد وأخواتها) وذكر المصنف منها (أحد عشر فعلًا) ولا خلاف في أنها أفعال إلا (عسى) فنقل الزاهد عن ثعلب أنها حرف، ونسب أيضًا إلى ابن السراج، والصحيح أنها فعل بدليل اتصال تاء الفاعل وأخواتها بها نحو (عسيت وعسيت وعسيتما وعسيتم وعسيتن) وهذه الأفعال تسمى أفعال المقاربة وليست كلها للمقاربة بل هي على (ثلاثة أقسام): (أقسام كاد وأخواتها) أحدها: ما دل على المقاربة: وهي (كاد وكرب وأوشك). والثاني: ما دل على الرجاء: وهي (عسى وحرى واخلولق). والثالث: ما دل على الإنشاء (الشروع): وهي (جعل وطفق وأخذ وعلق وأنشأ). -عمل (كاد وأخواتها): تسميتها أفعال المقاربة من باب تسمية الكل باسم البعض، وكلها تدخل على المبتدأ والخبر (فترفع المبتدأ اسما لها ويكون خبره خبرًا لها في موضع نصب) وهذا هو المراد بقوله (ككان كاد وعسى).. الفرق بين (كان وأخواتها) و(كاد وأخواتها) أن خبر (كان وأخواتها) يكون مفردًا أو جملة أو شبه جملة، لكن الخبر في هذا الباب (كاد وأخواتها) لا يكون إلا مضارعًا نحو( كاد زيد يقوم)( وعسى زيد أن يقوم)، وندر مجيئه اسمًا بعد (عسى وكاد) كقوله: أكثرت في العذل مُلِحًّا دائمًا … لاتكثرن إني عسيت صائمًا فالشاهد قوله (صائمًا) وقوله: فأبت إلى فهم وما كدت آئبًا… وكم مثلها فارقتها وهي تصفر فالشاهد قوله (آئبًا). وهذا هو مراد المصنف بقوله (لكن ندر) إلى آخره، لكن في قوله (غير مضارع) إيهام، فإنه يدخل تحته الاسم والظرف والجار والمجرور والجملة الإسمية والجملة الفعلية بغير المضارع، ولم يندر مجيء هذه كلها خبرًا عن (عسى وكاد) بل الذي ندر مجيء الخبر اسمًا.وأمَّا هذه فلم يسمع مجيئها خبرًا عن هذين. ويقول ابن مالك عن اقتران خبر (كاد وأخواتها بأن): وكونه بدون أن بعد عسى… نزر وكاد الأمر فيه عكسا أي: اقتران خبر (عسى) بأن كثير وتجريده من (أن) قليل، وهذا مذهب سيبويه ومذهب جمهور البصريين أنه لا يتجرد خبرها من (أن) إلا في الشعر، ولم يرد في القرآن إلا مقترنا بأن قال الله تعالى (فعسى الله أن يأتي بالفتح)، وقال عز وجل (عسى ربكم أن يرحمكم) ومن وروده بدون (أن) قوله: عسى الكرب الذي أمسيت فيه… يكون وراءه فرج قريب فالشاهد قوله (يكون وراءه فرج قريب) وقوله: عسى فرج يأتي به الله إنه… له كل يوم في خليقته أمر فالشاهد قوله (يأتي به الله) وأمَّا (كاد) فذكر المصنف أنها عكس (عسى) فيكون الكثير في خبرها أن يتجرد من (أن)، ويقل اقترانه بها، وهذا بخلاف ما نصَّ عليه الأندلسيون من أن اقتران خبرها بأن مخصوص بالشعر، فمن تجريده من أن قوله تعالى (فذبحوها وما كادوا يفعلون).وقال (من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم). ومن اقترانه بأن قوله (ما كدتُ أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب) وقوله: كادت النفس أن تفيض عليه… إذ غدا حشو ريطة وبرود فالشاهد قوله (أن تفيض) ويقول ابن مالك: وكعسى حرى ولكن جعلا …خبرها حتما بأن متصلا وألزموا اخلولق أن مثل حرى… وبعد أوشك انتفا أن نزرا يعني أن (حرى) مثل (عسى) في الدلالة على رجاء الفعل لكن يجب اقتران خبرها بأن نحو (حرى زيد أن يقوم) ولم يجرد خبرها من أن لا في الشعر ولا في غيره . وكذلك (اخلولق) تلزم (أن) خبرها نحو (اخلولقت السماء أن تمطر)، وهو من أمثلة سيبويه. وأما (أوشك) فالكثير اقتران خبرها ب(أن) ويقل حذفها منه فمن اقترانه بها قوله: ولو سئل الناس التراب لأوشكوا …إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا فالشاهد قوله (أن يملوا) ومن تجرده منها قوله: يوشك مَنْ فَرَّ من منيته… في بعض غراته يوافقها فالشاهد قوله (يوافقها) ويقول ابن مالك: ومثل كاد في الأصح كرَبا… وترك أن مع ذي الشروع وجبَا كأنشأ السائق يحدو وطفق …كذا جعلت وأخذت وعلق لم يذكر سيبويه في (كرب) إلا تجرد خبرها من (أن)، وزعم المصنف أنَّ الأصح خلافه، وهو أنها مثل (كاد) فيكون الكثير تجريد خبرها من (أن)، ويقل اقترانه بها فمن تجريده قوله: كرب القلب من جواه يذوب …حين قال الوشاة هند غضوب. فالشاهد قوله (يذوب) وسمع من اقترانه بها قوله: سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما… وقد كربت أعناقها أن تقطعا فالشاهد قوله (أن تقطعا) والمشهور في (كرَب) فتح الراء ونقل كسرها أيضًا، ومعنى قوله (وترك أن مع ذي الشروع وجبا) أنَّ ما دلَّ على (الشُّروعِ) في الفعل (لا يجوز اقتران خبره بأن) لما بينه وبين (أن) من المُنافاةِ؛ لأنَّ المقصود به الحال، و(أن) للاستقبال وذلك نحو (أنشأ السائق يحدو)(وطفق زيد يدعو)(وجعل يتكلم) (وأخذ ينظم) و(علق يفعل كذا). إذن يشترط أن يكون خبر (كاد وأخواتها) جملة فعلية فعلها مضارع، سواء: – وجب دخول (أنْ) المصدرية على هذا الخبر الفعلي، كما في (اخلولق) نحو : اخلولقت السماء أن تمطر. – أم كثر دخولها ، كما في (عسى ، وأوشك ، وحرى) نحو قوله تعالى : (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم). – أم قَلَّ ، كما في (كاد ، وكرب)؛ إذ الأكثر تجرده منها ، نحو قوله تعالى : (يكاد زيتها يضيء) – أم امتنع دخولها ، كما في (طفق ، وأنشأ ، وأخذ ، وعلق) فلا يجوز دخولها . قال تعالى : (وطفقا يخصفان). الدرس التاسع والثلاثون (كاد وأخواتها) بين الجمود والاشتقاق يقول ابن مالك: واستعملوا مضارعا لأوشكا …وكاد لا غير وزادوا موشكا أفعال هذا الباب لا تتصرف إلا (كاد وأوشك) فإنه قد استعمل منهما المضارع نحو قوله تعالى (يكادون يسطون)، وقول الشاعر: يوشك مَنْ فَرَّ من منيته… في بعض غراته يوافقها وزعم الأصمعى أنه لم يستعمل (يوشك) إلا بلفظ المضارع، ولم يستعمل (أوشك) بلفظ الماضي وليس بجيد، بل قد حكى الخليل استعمال الماضي، وقد ورد في الشعر كقوله: ولو سئل الناس التراب لأوشكوا… إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا نعم الكثير فيها استعمال المضارع وقل استعمال الماضي، وقول المصنف (وزادوا موشكا) معناه أنه قد ورد أيضًا استعمال اسم الفاعل من (أوشك) كقوله: فموشكة أرضنا أن تعود …خلاف الأنيس وحوشا يبابا وقد يشعر تخصيصه (أوشك) بالذكر أنه لم يستعمل اسم الفاعل من (كاد) وليس كذلك، بل قد ورد استعماله في الشعر كقوله: أموت أسى يوم الرجام وإنني … يقينا لرهن بالذي أنا كائد وقد ذكر المصنف هذا في غير هذا الكتاب، وأفهم كلام المصنف أن غير (كاد وأوشك) من أفعال هذا الباب لم يرد منه المضارع ولا إسم الفاعل، وحكى غيره خلاف ذلك، فحكى صاحب الإنصاف استعمال المضارع واسم الفاعل من عسى قال( عسى يعسي، فهو عاس)، وحكى الجوهري مضارع (طفق)، وحكى الكسائي مضارع (جعل) ويقول ابن مالك: بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد … غنى ب "أن يفعل" عن ثان فقد "بَعْدَ عَسَى" و"اخْلَوْلَقَ" و"أَوْشَكَ قَدْ يَرِدْ غِنًى بِأَنْ يَفْعَلَ"، أي: يستغني ب"أن" والمضارع "عَنْ ثَانٍ" من معموليها "فُقِدْ" وتسمى حينئذٍ تامة نحو: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} و"اخلولق أن يأتي"، و"أوشك أن يفعل"، ف"أن" والمضارع في تأويل اسم مرفوع بالفاعلية مستغنى به عن المنصوب الذي هو الخبر. وهذا إذا لم يكن بعد "أن" والمضارع اسم ظاهر، فإن كان، نحو:"عسى أن يقوم زيد"، فذهب الشلوبين إلى أنه يجب أن يكون الاسم الظاهر مرفوعا ب"يقوم"، و"أن يقوم" فاعل عسى، وهي تامة لا خبر لها، وذهب المبرد والسيرافي والفارسي إلى تجويز ذلك، وتجويز وجه آخر، وهو أن يكون الاسم الظاهر مرفوعا ب"عسى" اسمًا لها، و"أن" والمضارع في موضع نصب خبرًا لها متقدِّمًا على الاسم، وفاعل المضارع ضمير يعود على الاسم الظاهر، وجاز عوده عليه متأخر التقدمة في النية، وتظهر فائدة الخلاف في التثنية والجمع والتأنيث، فتقول على رأيه: "عسى أن يقوم الزيدان"، و"عسى أن تقوم الزيدون"، و"عسى أن تقوم الهندات"، و"عسى أن تطلع الشمس"، بتأنيث "تطلع" وتذكيره، وعلى رأيهم يجوز ذلك، ويجوز: "عسى أن يقوما الزيدان"، و"عسى أن يقوموا الزيدون"، و"عسى أن يقمن الهندات"، و"عسى أن تطلع الشمس"؛ بتأنيث "تطلع" فقط، وهكذا "أوشك" و"اخلولق". تنبيه: يتعين الوجه الأول في نحو: "عسى أن يضرب زيد عمرا"؛ فلا يجوز أن يكون "زيد" اسم "عسى" لئلا يلزم الفصل بين صلة "أن" ومعمولها وهو "عمرا" بأجنبي، وهو "زيد"، ونظيره قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}. الدرس الأربعون يقول ابن مالك: وجردن عسى أو ارفع مضمرا … بها إذا اسم قبلها قد ذكرا "وَجَرِّدَنْ عسى" وأختيها "اخلولق" و"أوشك" من الضمير واجعلها مسندة إلى أن يفعل" كما مر "أَوِ ارْفَعْ مُضْمَرا بِهَا" يكون اسمها، و"أن يفعل" خبرها "إذَا اسْمٌ قَبْلَهَا قَدْ ذُكِرَا" ويظهر أثر ذلك في التثنية، والجمع والتأنيث، فتقول على الأول: "الزيدان عسى أن يقوما"، و"الزيدون عسى أن يقوموا"، و"هند عسى أن تقوم"، و"الهندان عسى أن يقوما"، و"الهندات عسى أن يقمن"، وهكذا "اخلولق" و"أوشك"، هذه لغة الحجاز؛ وتقول على الثاني: "الزيدان عسيا"، و"الزيدون عسوا"، و"هند عست"، و"الهندان عستا"، و"الهندات عسين"، وهكذا "اخلولق" و"أوشك"؛ وهذه لغة تميم. تنبيهان: الأول: ما سوى "عسى"، و"اخلولق"، و"أوشك" من أفعال الباب يجب فيه الإضمار، تقول: "الزيدان أخذا يكتبان، وطفقا يخصفان"؛ ولا يجوز: "أخذ يكتبان، وطفق يخصفان". الثاني: اختلف فيما يتصل ب"عسى" من الكاف وأخواتها، نحو: "عساك"، و"عساه"؛ فذهب سيبويه إلى أنه في موضع نصب حملا على "لعل" كما حملت "لعل" على "عسى" في اقتران خبرها ب"أن"؛ كما في الحديث: "فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض". وذهب المبرد والفارسي إلى أن "عسى" على ما كانت عليه من رفع الاسم ونصب الخبر، لكن الذي كان اسما جعل خبرا، والذي كان خبرا جعل اسما، وذهب الأخفش إلى أن "عسى" على ما كانت عليه، إلا أن ضمير النصب ناب عن ضمير الرفع، كما ناب عنه في قوله "من الرجز": يابنَ الْزّبَيْرِ طَالَمَا عَصَيْكَا … وَطَالَمَا عَنَّيْتَنَا إِلَيْكَا وكما ناب ضمير الرفع عن ضمير النصب وضمير الجر في التوكيد، نحو: "رأيتك أنت"، و"مررت بك أنت"، وهذا ما اختاره الناظم؛ قال: ولو كان الضمير المشار إليه في موضع نصب كما يقول سيبويه والمبرد لم يقتصر عليه في مثل: "تقول بنتي قد أنى أناكا" … يَا أبَتَا عَلَّكَ أَوْ عَسَاكَا لأنه بمنزلة المفعول، والجزء الثاني بمنزلة الفاعل، والفاعل لا يحذف، وكذا ما أشبهه، انتهى؛ وفيه نظر. والفتح والكسر أجز في السين من … نحو "عسيت"، وانتقا الفتح زكن "وَالْفَتْحَ والْكَسْرَ أَجِزْ فِي السِّيْنِ مِنْ" "عسى" إذا اتصل بها تاء الضمير أو نوناه كما في نَحْوِ: "عَسَيْتُ"، و"عسينا"، و"عسين". "وَانْتِقَا الْفَتْحِ زُكِنْ" انتقا -بالقاف- مصدر انتقى الشيء، أي: اختاره، وزكن: علم: أي: اختيار الفتح علم؛ لأنه الأصل، وعليه أكثر القراء في قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} 1 وقرأ نافع بالكسر. ""كاد" نفيها نفي وإثباتها إثبات": خاتمة: قال في شرح الكافية: قد اشتهر القول بأن "كاد" إثباتها نفي، ونفيها إثبات، حتى جعل هذا المعنى لغزا: أَنْحَوِيَّ هَذَا الْعَصْرِ مَا هِي لَفْظَةٌ … جَرَتْ فِي لِسَانَيْ جُرْهُمٍ وَثَمُوْدِ إذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي صُوْرَةٍ الْجَحْدِ أَثْبَتَتْ … وَإِنْ أَثْبَتَتْ قَامَتْ مَقَامَ جُحُوْدِ ومراد هذا القائل "كاد"؛ ومن زعم هذا فليس بمصيب، بل حكم "كاد" حكم سائر الأفعال، وأن معناها منفي إذا صحبها حرف نفي، وثابت إذا لم يصحبها، فإذا قال قائل: "كاد زيد يبكي" فمعناه قارب زيد البكاء، فمقاربة البكاء ثابتة، ونفس البكاء منتف، وإذا قال: "لم يكد يبكي" فمعناه لم يقارب البكاء، فمقاربة البكاء منتفية، ونفس البكاء منتف انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المقاربة؛ ولهذا كان قول ذي الرمة "من الطويل": إذَا غَيَّرَ الْنَأيُ الْمُحِبِّيْنَ لَمْ يَكَدْ … رَسِيْسُ الْهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ صحيحا بليغا؛ لأن معناه: إذا تغير حب كل محب لم يقارب حبي التغير، وإذا لم يقاربه فهو بعيد منه؛ فهذا أبلغ من أن يقول: لم يبرح؛ لأنه قد يكون غير بارح وهو قريب من البراح، بخلاف المخبر عنه بنفي مقاربة البراح، وكذا قوله تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} هو أبلغ في نفي الرؤية من أن يقال: لم يرها؛ لأن من لم ير قد يقارب الرؤية، بخلاف من لم يقارب، وأما قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}، فكلام تضمن كلامين مضمون كل واحد منهما في وقت غير وقت الآخر؛ والتقدير: فذبحوها بعد أن كانوا بعداء من ذبحها غير مقاربين له، وهذا واضح. والله أعلم.