الدرس الحادي والعشرون الجملة الاسمية (المبتدأ والخبر) نحن لا نتكلم اللغة كلمات مفردة ولكن ننطقها جملاً ، والجملة في اللغة العربية نوعان : (1) جملة اسمية : تبدأ باسم يسمى المبتدأ وركنه الثاني الخبر . (2) جملة فعلية : تبدأ بفعل وهو الركن الأول فيها وركنها الأساس الثاني الفاعل. وموضوع دراستنا هنا الجملة الاسمية بركنيها ( المبتدأ والخبر ) . الجملةُ الاسميّةُ : ما كانت مؤلفةً من المبتدأ والخبر، نحو "الحقُّ منصورٌ" أَو مِمّا أَصلُه مبتدأ وخبرٌ، نحو "إنَّ الباطل مخذولٌ. لا ريبَ فيه. ما أَحدٌ مسافراً. لا رجلٌ قائماً. أن أَحدٌ خيراً من أَحد إلا بالعافيةِ. لاتَ حينَ مناصٍ". المبتدأ والخبرُ: اسمانِ تتألفُ منهما جملةٌ مفيدةٌ، نحو "الحق منصورٌ" ومحمدٌ مؤدبٌ . ويَتميّزُ المبتدأ عن الخبر بأنَّ المبتدأ مُخبَرٌ عنه، والخبرَ مُخبَرٌ به. والمبتدأ هو المسنَدُ إليه ، الذي لم يسبقهُ عاملٌ. والخبرُ ما أُسنِدَ إلى المبتدأ، وهو الذي تتمُّ به مع المبتدأ فائدة. والجملةُ المؤلفةُ من المبتدأ والخبر تُدعى جملةً اسميَّة. أولاً : المبتدأ : أَقسامُ المبتدأ : المبتدأ ثلاثةُ أقسامٍ صريحٌ، نحو "الكريمُ محبوبٌ"، وضميرٌ منفصلٌ، نحو "أنتَ مجتهد"، ومؤوّلٌ، نحو "وأن تَصوموا خيرٌ لكمْ"، ونحو {سَواءٌ عليهم أأنذَرتهُمْ أم لم تُنذِرهمْ}، ومنهُ المثَلُ "تَسمعُ بالمُعَيديّ خيرٌ من أن تراه". ويقول ابن مالك : مبتدأ زيد وعاذر خبر إن قلت زيد عاذر من اعتذر ذكر المصنف أن المبتدأ على قسمين : مبتدأ له خبر : محمدٌ مؤدبٌ . و زيدٌ عاذرُ من اعتذر ، فزيد مبتدأ وعاذر خبره ومن اعتذر مفعول لعاذر ومبتدأ له فاعل سد مسد الخبر : أقائمٌ الزيدان وما قائمٌ الزيدان ، وقوله تعالى ( أراغبٌ أنت عن آلهتي يا إبراهيم ) . وشروطه : 1 الاعتماد على وصف . 2 رفع فاعل ظاهر أو ضمير. 3 تمام الكلام أو المعنى . 4 الاعتماد على استفهام أو نفي . 5 تطابق المبتدأ مع الضمير الفاعل الذي يسد مسد الخبر . فإن لم يعتمد الوصف لم يكن مبتدأ وهذا مذهب البصريين إلا الأخفش ، ورفع فاعلاً ظاهرا كما مثل أو ضميرًا منفصلاً نحو (أقائم أنتما) وتم الكلام به فإن لم يتم به الكلام لم يكن مبتدأ نحو (أقائم أبواه زيدٌ) فزيد مبتدأ مؤخر وقائم خبر مقدم وأبواه فاعل بقائم ، ولا يجوز أن يكون قائم مبتدأ ؛ لأنه لا يستغني بفاعله حينئذ إذ لا يقال (أقائم أبواه) فيتم الكلام ، وكذلك لا يجوز أن يكون الوصف مبتدأ إذا رفع ضميرًا مستترًا فلا يقال في (ما زيد قائم ولا قاعد) إن قاعدا مبتدأ والضمير المستتر فيه فاعل أغنى عن الخبر ؛ لأنه ليس بمنفصل على أن في المسألة خلافًا ولا فرق بين أن يكون الاستفهام بالحرف كما مثل أو بالاسم كقولك ( كيف جالسٌ العمران). وكذلك لا فرق بين أن يكون النفي بالحرف كما مثل أو بالفعل كقولك (ليس قائم الزيدان) فليس فعل ماض ناقص وقائم اسمه والزيدان فاعل سد مسد خبر ليس وتقول (غير قائم الزيدان) فغير مبتدأ وقائم مخفوض بالإضافة والزيدان فاعل بقائم سد مسد خبر غير ؛ لأن المعنى (ما قائم الزيدان) فعومل غير قائم معاملة ما قائم ، ومنه قوله: غير لاه عداك فاطرح اللهو ولا تغترر بعارض سلم ف(غير) مبتدأ و(لاه) مخفوض بالإضافة و(عداك) فاعل ب(لاه) سد مسد خبر غير ، ومثله قوله: غير مأسوف على زمن ينقضي بالهم والحزن ف(غير) مبتدأ و(مأسوف) مخفوض بالإضافة و(على زمن) جار ومجرور في موضع رفع ب(مأسوف) لنيابته مناب الفاعل وقد سد مسد خبر (غير) . ومذهب البصريين إلا الأخفش أن هذا الوصف لا يكون مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام وذهب الأخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط ذلك ، فأجازوا (قائم الزيدان) فقائم مبتدأ والزيدان فاعل سد مسد الخبر . ومما ورد منه قوله: فخير نحن عند الناس منكم إذا الداعي المثوب قال يالا ف(خير) مبتدأ و(نحن) فاعل سد مسد الخبر ؛ ولم يسبق خير نفي ولا استفهام ، وجعل من هذا قوله: خبير بنو لهب فلا تك ملغيًا مقالة لهبي إذا الطير مرت ف(خبير) مبتدأ و(بنو لهب) فاعل سد مسد الخبر . يقول ابن مالك: والثان مبتدأ وذا الوصف خبر إن في سوى الإفراد طبقا استقر الوصف مع الفاعل إمَّا أن يتطابقا إفرادًا أو تثنيةً أو جمعًا أو لا يتطابقا وهو قسمان (ممنوع وجائز)، فإن تطابقا إفرادًا نحو(أقائمٌ زيدٌ) جاز فيه وجهان: أحدهما : أن يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر. والثاني: أن يكون ما بعده مبتدأ مؤخرًا ويكون الوصف خبرًا مقدَّمًا ، ومنه قوله تعالى (أراغبٌ أنت عن آلهتي يا إبراهيم) فيجوز أن يكون (أراغبٌ) مبتدأ و(أنت) فاعل سد مسد الخبر ويحتمل أن يكون (أنت) مبتدأ مؤخرًا و(أراغبٌ) خبرًا مقدمًا ، والأول في هذه الآية أولى ؛ لأنَّ قوله (عن آلهتي) معمول ل(راغب) فلا يلزم في الوجه الأول الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي ؛ لأنَّ (أنت) على هذا التقدير فاعل لراغب فليس بأجنبي منه . وأمَّا على الوجه الثاني فيلزم فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي لأن (أنت) أجنبي من (راغب) على هذا التقدير ؛ لأنَّه مبتدأ فليس لراغب عمل فيه لأنه خبر ، والخبر لا يعمل في المبتدأ على الصحيح . وإن تطابقا تثنية نحو (أقائمان الزيدان) أو جمعا نحو (أقائمون الزيدون) فما بعد الوصف مبتدأ والوصف خبر مقدم وهذا معنى قول المصنف ( والثان مبتدا وذا الوصف خبر) . أي : والثاني وهو ما بعد الوصف مبتدأ والوصف خبر عنه مقدم عليه إن تطابقا في غير الإفراد ؛ وهو التثنية والجمع . هذا على المشهور من لغة العرب ويجوز على لغة (أكلوني البراغيث) أن يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعل أغنى عن الخبر وإن لم يتطابقا .