تقع مصر في القلب من خريطة الكرة الأرضية ، فهي محور ارتكاز العالم ، ورمانة ميزانه ، وملتقى القارات ، وأرض الرسالات ، وأم الحضارات ، ومن قناتها تمر القوافل التجارية والمؤن والأسلحة والمعدات وإليها تعود .. وقد حباها الله سبحانه وتعالى موقعا ساحرا ، ومناخا جذابا ، ووهبها خيرا كثيرا ، ومنحها رزقا وفيرا لذا كانت مصر على مر العصور ملجأ للمضطهدين ، ومأوى للمطاردين ، ونصيرا للمظلومين كما كانت على مدى آلاف السنين وما زالت هدفا للغزاة والمحتلين ، وحلما للطغاة والبغاة والطامعين لكن الله سبحانه وتعالى قيض لهذا البلد الآمن الكريم شعبا عظيما ليس كغيره من الشعوب ، وجيشا وطنيا ليس كمثله جيش لذلك كانت رسالة مصر كبيرة ، ومهامها ثقيلة ، وأعباؤها عظيمة فما أن تخرج من حرب إلا تدخل حرب ، وما أن تنتهي من أزمة إلا تبتلى بمحنة وهكذا دائما تكون أقدار الكبار في كافة العصور والأزمان .
في البدء كانت مصر دعوة نبوية من سيدنا نوح عليه السلام لحفيده مصرايم ابن حام ابن نوح وهو أول من سكن مصر بعد الطوفان .. ولذلك سميت مصر على اسمه قائلا " اللهم اسكن مصرايم الأرض المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد " ومن هنا جاءت أيضا تسمية " أم الدنيا " .. وفي الختام أصبحت مصر وصية محمدية حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا فتح الله عليكم مصر بعدي ، فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً ، فذلك الجند خير أجناد الأرض وأنهم وأهليهم في رباط إلى يوم القيامة" .
ومن قبل ذلك ومن بعده كانت كنانة الله في أرضه وما زالت محروسة بعناية رب العالمين الذي تكفل بحمايتها وأمنها في كتابه الكريم بقوله تعالى " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " صدق الله العظيم .. ولعل هذه المنزلة العالية التي خص الله سبحانه وتعالى بها مصر وأهلها دون سائر البلاد والعباد تفسر ذكر أسمها في 24 موضعا في القرآن الكريم منها خمسة مواضع بالاسم ، وتسعة عشر موضعا بالتفسير والشرح والتأويل .
فويل لمن لا يعرف مكانة مصر وتاريخها .. مصر التي اعتدى الهكسوس علي شعبها ، ودنسوا جزءا غاليا من أرضها ( الدلتا ) ، وظنوا أن مصر دانت لهم ، وتصوروا أنهم حققوا مبتغاهم ، واعتقدوا بأنهم ثبتوا أقدامهم ، فشيدوا القلاع ، وبنوا القصور ، ونصبوا قادتهم حكاما ، وتوجوهم أمراء وملوك .. فزحف عليهم من الصعيد الملك الشاب أحمس وهو في الثامنة عشر من عمره على رأس الجيش المصري العظيم ، فهزم الهكسوس شر هزيمة ، وطردهم من تراب أرض الوطن ، ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة . وقفزا إلى الأمام نجد الوثيقة التاريخية التي لا يختلف عليها اثنان ألا وهي وصية داهية العرب الخبير بمعادن البشر أبو الحجاج ابن يوسف الثقفي لطارق ابن عمرو حين تولى حكم مصر التي يقول فيها " لو ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل فهم قتلة الظلمة ، وهادمي الأمم ، وما أتى عليهم قادم بخير إلا التقموه كما تلتقم الأم رضيعها ، وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب ، واعلم بأنهم أهل قوة و صبر و جلد ، ولا يغرنك صبرهم ، ولا تستضعف قوتهم ، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا و التاج على رأسه ، و إن قاموا على رجل ما تركوه إلا و قد قطعوا رأسه ، فأتق غضبهم ، ولا تشعل نارا لا يطفئها إلا خالقهم ، واستعن بهم ، ولا تستعن عليهم ، وأنتصر بهم فهم خير أجناد الأرض ، وأتق فيهم ثلاثا نسائهم فلا تقربهن بسوء و إلا أكلنك كما تأكل الأسود فرائسها ، ولا تعتدي على أرضهم و إلا حاربتك صخور جبالهم ، ولا تسفه دينهم و إلا أحرقوا عليك دنياك إنهم صخرة في جبل كبرياء الله تتحطم عليها أحلام أعدائهم و أعداء الله " .
فالتاريخ دائما خير شاهد على الأمم والشعوب فويل لمن يجهل التاريخ النضالي للشعب المصري ، وبطولات جيشه الوطني الذي قضى على التتار تحت قيادة قطز في موقعة عين جالوت بعدما احتلوا الشام ، ودمروا العراق ، وألقوا بالكتب في نهر الفرات ، وقتلوا الخليفة العباسي ، ولم يتركوا إنسانا ولا شجرا ولا حجرا على حجر إلا دمروه .. نعم التاريخ لا يكذب فويل لمن يستهين بقدرات الجيش المصري الذي حرر القدس الشريف عندما هزم الصليبيين في موقعة حطين بقيادة الناصر صلاح الدين .
ومن السرد التاريخي لملاحم البطولات ، والاعتزاز بأيام الانتصارات إلى الواقع المرير الذي نشهده هذه الأيام من إرهاب وتفجيرات وكان آخرها جريمة اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات الذي يمثل فرسان العدل ، ويعبر عن ضمير الشعب الذي اغتالته عناصر الجماعة الإرهابية صاحبة التاريخ الدامي والسجل الإجرامي الذي يعرفه القاصي والداني وهذه ليست الجريمة الأولى التي ترتكبها الجماعة المارقة ولن تكون الأخيرة فتاريخها الإرهابي معروف منذ أن مولها الانجليز في بداية ظهورها في عشرينيات القرن الماضي انطلاقا من مبدأهم الاستعماري البغيض " فرق تسد " .
ولا شك أن ما يحدث في سيناء من إرهاب هو قليل من كثير مما توقعه قائدنا الكبير ثمنا للمحافظة على مؤسساتنا الوطنية التي أرادت الجماعة الإرهابية هدمها ، وحماية لهويتنا المدنية التي كانت تخطط لتغييرها .. لكن الله أرسل بعنايته قائدا مصريا قويا مخلصا كشف المؤامرات ، وأفشل المخططات التي وضعها أعداء الوطن والدين ومن والاهم من الخونة والحاقدين .