كنب ياسر مصطفى في مقالنا هذا نتناول الربط الشائع بين علو بني_إسرائيل المذكور في سورة ( الإسراء ) و بين تحرير فلسطين و نهاية الصراع مع اليهود و الصهاينة في آخر_الزمان ، فكما ارتبطت نهاية اليهود في الذهن الإسلامي بنزول المسيح ( عليه السلام ) ، و وقوع معركة الحجر و الشجر المذكورة في الأحاديث الصحيحة ، فقد ارتبطت بعلو بني إسرائيل المذكور في آيات سورة الإسراء : " وَ قَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَ كَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَ جَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) " (الإسراء: 48).. فقد فسر كثير من المفسرين و الدعاة المعاصرين العلو الثاني المذكور في الآيات بأنه العلو الحالي لليهود ، المتمثل في إنشاء الدولة #الصهيونية ( إسرائيل )، و سيطرة اليهود على مراكز صنع القرار في العالم ، عن طريق اللوبيات اليهودية ، و السيطرة على اقتصاد العالم ، و وسائل الإعلام العالمية . و يقولون إن ذلك العلو سينتهي بهزيمة ساحقة لليهود في معركة الحجر و الشجر (( #الملحمة_الكبرى )) ، على أيدي العباد ذوي البأس الشديد من المؤمنين المسلمين ، ليتم الوعد المذكور في الآيات ، و ينتهي وجود اليهود و بني إسرائيل من الدنيا . و هناك نظرية أخرى تقول إن العلو الحالي لليهود في فلسطين هو العلو الأول ، و إن #الخلافة_الإسلامية الغائبة ستعود لتقضي على ذلك العلو ، و تهزم الدولة الصهيونية ( إسرائيل ) ، و تسترد #المسجد_الأقصى . بيد أن اليهود المهزومين سيعيدون التجمع ، و سيُمدهم العالم الغربي و يهود العالم الآخرين بالأموال و السلاح ، فيكونون أكثر نفيراً من المسلمين ، و ينتصرون عليهم ، و يسيطرون على الأقصى ثانية ، و يعلون علوهم الثاني " ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) "، و بعدها يأتي الوعد الأخير فيتغلب المسلمون على اليهود ، و يشردونهم في الأرض ، محررين الأقصى و فلسطين :" فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)"، و يظل في العالم بقايا من اليهود تعاود الظهور حين يظهر #المسيح_الدجال ، و يتبعونه ، فيقتلهم المسلمون في معركة الحجر و الشجر ، و بذلك ينتهي وجود اليهود من الأرض ، مع اقتراب الدنيا من نهايتها . هنا ينطلق أصحاب النظريتين السابقتين من نقطة مبدئية ، إن ثبت خطؤها قُضي على كلتا النظريتين من الأساس ، و هي اعتبار أن يهود اليوم الموجودين في الدولة الصهيونية ، و من يساعدهم من يهود العالم ، هم امتداد لبني إسرائيل المذكورين في الآيات السابقة ، و في كثير من آيات القرآن الكريم الأخرى ، و من ثم اعتبار الدولة الصهيونية ( إسرائيل ) هي دولة العلو لبني إسرائيل ، و أن القضاء عليها هو القضاء على العلو المذكور في الآيات ، فهل يهود اليوم هم بنو إسرائيل حقا ؟ أو امتداد لهم عبر القرون ؟ علم الأنثروبولوجيا يجيب إجابة قاطعة ب : لا .. و القرآن يؤيده .. إن القول بأن يهود العالم اليوم هم بنو إسرائيل المذكورون في القرآن ، بما يعني أن هذه الملايين من البشر هم أحفاد رجل واحد ، هو يعقوب ( إسرائيل ) عليه السلام ، و أنهم حافظوا على نقائهم العرقي طوال القرون الماضية ، هو قول يقتضي أن يتشابه يهود العالم ، أو الأغلبية العظمى منهم على الأقل ، في السمات البدنية و الملامح العامة ، أو في الحد الأدنى يقتضي ألا تظهر بينهم تعددات عرقية تناقض نقاءهم العرقي المفترض . و إذا نظرنا نظرة واحدة ليهود العالم اليوم ، لوجدنا ما يدحض نظرية انتمائهم لسلالة بشرية واحدة ، ففيهم الشقر ذوو العيون الزرقاء ، و فيهم السود الأفارقة ، و فيهم الصفر ذوو العيون الضيقة ، و فيهم ذوو الملامح العربية ، و الهندية ، و الفارسية . و إجمالاً ، فيهم من تنوع الملامح ما يستحيل معه القول بانحدارهم من سلالة يعقوب أو غير يعقوب ، أو إنهم حافظوا على انتمائهم العرقي المزعوم لعشرات القرون ، كما يقول دعاة الصهيونية و مؤرخوها . إنها الحقيقة التي يقبض عليها العلامة جمال حمدان في قوله :" ليس بالعالم اليوم مجتمع يهودي واحد أفلت من الاختلاط البيولوجي مع غيره من المجتمعات غير اليهودية منذ أولى مراحل نشأتها ، و لهذا السبب لسنا نستطيع أن نفترض أن أي جماعة من اليهود الشرقيين ، أو غير الشرقيين ، تمثل تمثيلاً صادقاً يهود فلسطين أيام المسيح "( د.جمال حمدان ، اليهود أنثروبولوجيا ً، القاهرة ، دار الهلال ، سلسلة كتاب الهلال ، (542) ، فبراير 1996، ص126. ). و ينسف حمدان مقولة " النقاء العرقي" لليهود نسفاً ، بقوله :" واضح تماماً إذن أن الحديث عن وحدة جنسية بين اليهود ككل ، لا محل له من حقيقة أو علم على الإطلاق ، و أن اليهود لا يعرفون الوحدة الجنسية أكثر مما يعرفون الوحدة الجغرافية . و واضح بالتالي أن النقاوة الجنسية المزعومة لهم إنما هي محض خرافة ..."( المصدر نفسه ، ص 151 . ) فإذا كان انتماء يهود العالم لسلالة واحدة ( تنتهي إلى يعقوب عليه السلام ) خرافة ، فمن أين أتى يهود اليوم ؟ و كيف نفسر ذلك التعدد العرقي الذي يجعل الجماعات اليهودية أشبه بمتحف بشري يضم أغلب سلالات الأرض ؟! هناك عاملان رئيسيان يجيبان على السؤالين السابقين ، هما : التحول ، و التزاوج ..( انظر تفاصيل ذلك في : المصدر نفسه ، ص 156 وما بعدها . ) و نعني بالتحول ، اعتناق أفراد أو جماعات من المسيحيين و الوثنيين للديانة اليهودية ، و دخولهم في زمرة الجماعات اليهودية في ظروف تاريخية معينة ، و قد سجل #التاريخ نماذج شهيرة لذلك التهود الجماعي ، مثل تهود العرب اليمنيين في أواخر القرن الرابع الميلادي ، و تهود مملكة الخزر في شرق أوربا في القرن السابع الميلادي ، و تهود الفلاشا الأثيوبيين ، و التاميل الأسيويين ، و اليهود القرَّائين في طوروس . و مع ذلك التحول الجماعي ، فإن الاعتناق الفردي لليهودية استمر طوال التاريخ ، و أضاف لليهود أفراداً من مختلف الأعراق و الأجناس . و يأتي تزاوج اليهود بغير اليهود ( تزاوجاً شرعيا أو عبر العلاقات غير الشرعية ) عاملاً ثانياً في اختلاط اليهود عرقياً بغيرهم من الأمم و الشعوب ، و قد تجسد الاعتراف اليهودي بهذه الحقيقة في قانون الجنسية الإسرائيلي الحالي ، الذي يمنح الجنسية الإسرائيلية لكل من وُلد لأم يهودية ، مهما كانت ديانة أبيه . و عبر هذين العاملين أضيف لليهودية أغلب أتباعها الحاليين ، بحيث يمكن أن نقرر في اطمئنان أن أغلب يهود العالم اليوم هم من المتهودين ، و ليسوا من بني إسرائيل ، أو اليهود الذين تحكي #التوراة قصتهم . إنها الحقيقة التي لا يختلف عليها من علماء الأنثروبولوجيا و المؤرخين اليوم ، إلا الصهاينة منهم ، الذين يلوون الحقائق العلمية لتوافق الأفكار الصهيونية ، بل هي الحقيقة التي يقررها بعض الباحثين الصهاينة و اليهود ، أمثال صاحب الكتاب الشهير " القبيلة الثالثة عشرة " ( الباحث هو آرثر كيستلر في كتابه : القبيلة الثالثة عشرة و يهود اليوم ، ترجمة أحمد نجيب هاشم ، القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب ، سلسلة الألف كتاب ( الثاني ) ، كتاب رقم 101 ، 1991 م و قد وضعت للساده أعضاء الصفحة الكرام رابط التحميل المباشر لهذا الكتاب .) الذي ذهب فيه إلى انتماء الغالبية العظمى من يهود اليوم إلى بقايا يهود مملكة الخزر التي قامت في شرق أوربا ، و بلغت أوج قوتها بين القرنين السابع و العاشر الميلادي ، ثم قُضي عليها تحت وطأة هجمات الروس و التتار في القرنين الثاني عشر و الثالث عشر الميلاديين ، فتفرق يهودها في شرق أوربا و كونوا الجاليات اليهودية ، التي تمثل النسبة الكبرى من يهود العالم حالياً . و لكن إذا كان الغالبية العظمى من يهود اليوم ليسوا من بني إسرائيل ، فأين ذهب بنو إسرائيل ؟! خرج موسى ( عليه السلام ) ببني إسرائيل المسلمين الموحدين من #مصر بغرض دخول فلسطين ( هناك نظريات يذهب أصحابها إلى أن بني إسرائيل لم يدخلوا فلسطين ، و لم يعيشوا في مصر من الأساس ، بل عاشوا وجرت وقائع قصصهم المذكورة في القرآن ، في اليمن و شبه الجزيرة العربية ، و أياً ما كانت الحقيقة ، فلن تختلف النتائج ، فقد ذاب بنو إسرائيل في الأمم ، و لم يعد لهم وجود بالمعنى القرآني و العرقي لمصطلح " بني إسرائيل ". ) ، و بعد موته ( عليه السلام )، و أربعين سنة من التيه ، دخل بنو إسرائيل الأرض المقدسة ، حيث عاشوا فترات صعود و هبوط ، و قوة و ضعف ، و إيمان و كفر ، و بعد أن بلغوا ذروة قوتهم في عهد داوود و سليمان ، انقسمت المملكة التي أسسها النبيان ( عليهما السلام ) إلى مملكتين : مملكة إسرائيل في الشمال ، و مملكة يهوذا في الجنوب ، و في الثلث الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد اختفت مملكة الشمال بقضاء #الأشوريين عليها ، لتنتظر مملكة الجنوب التدمير على أيدي الملك البابلي نبوخذنصر في القرن السادس قبل الميلاد ( 586 ق.م ) ، و تزول دولة بني إسرائيل للأبد ، و يبدأ بنو إسرائيل رحلة الانقراض و الذوبان بين الأمم . و الملاحظ في تلك الفترة أن بني إسرائيل لم يكفوا عن الاختلاط و التزاوج بالأمم المحيطة ، حتى إن ملكهم داوود ، لم تكن أمه من بني إسرائيل ، و لم تكن يهودية بالأساس ، وفق رواية التوراة الحالية . و قد كان سبْي نبوخذنصر لليهود ، و اصطحاب نسبة كبيرة منهم لبابل ، بداية اختفاء بني إسرائيل من التاريخ ، بالمعنى العرقي الحقيقي ، فحين انتصر الفرس على البابليين ( 538 ق.م ) و سُمح لليهود بالعودة إلى فلسطين ، بقي كثير منهم بالعراق و تكاثروا حتى أبيد معظمهم في الغزو المغولي لبغداد في أواخر الدولة العباسية الثانية .( حمدان، مصدر سبق ذكره ، ص 62. ) أما الذين عادوا ، فقد خضعوا للأمم التي توالت على حكم فلسطين ، من فرس و إغريق و بطالمة و سلاجقة و بيزنطيين ، و انتشروا في البلاد المحيطة ، مثل مصر ، و #سوريا ، و منها إلى مناطق أخرى أبعد في العالم القديم . و حين خضعت فلسطين للحكم الروماني ( 63 ق.م )، كانت نهاية البقية الباقية من بني إسرائيل في فلسطين على أيدي الرومان ، فقد ثارت الأقلية اليهودية أكثر من مرة ، و كان الرد الروماني الأعنف في سنة 70 ميلادية تحديداً ، بالمذبحة التي أوقعها الرومان باليهود ، و تدمير الهيكل ، و تخريب مدينة #القدس ( #أورشليم ) على يد القائد تيتوس ، الذي صار إمبراطوراُ بعدها بسنوات ( 79 م ) . و تكررت المذبحة مرة أخرى في عهد الإمبراطور هادريان ، الذي دمر القدس تماماً ( 135 م ) ، و أنشأ على أنقاضها مدينة جديدة ، و حرَّم على اليهود دخولها ، لتتشتت بقيتهم في الأرض بغير رجعة . هلكت النسبة الكبرى من بني إسرائيل ، و ذابت البقية في الأمم ، هذا ما يقوله التاريخ ، فماذا عن القرآن الكريم ؟ في سورة الأعراف ، تحدث القرآن الكريم عن مصير بني إسرائيل ، و ما جرى لهم في الفترة السابقة على الإسلام ، فبعد أن أوردت السورة نماذج لظلمهم و انحرافهم عن هدي السماء ، أوجزت نهايتهم في ثلاث آيات :" وَ قَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَ مِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَ بَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَ السَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَ إِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَ دَرَسُوا مَا فِيهِ وَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) وَ الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَ أَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) " ( الأعراف: 168 170) .. هذا هو ما حدث لبني إسرائيل .. في النهاية تفرقوا في الأرض من بعد كفرهم بعيسى و محاولتهم قتله ، ذبحهم تيتوس الروماني بعد عقود قليلة من رفع المسيح ، و جاء من بعده هادريان ، فقتلهم ، و فرق شملهم ، و منعهم من دخول القدس . و مع التفرق في الأرض ، اختلط بنو إسرائيل بالأمم ، و أدى اختلاطهم إلى ذوبان بعضهم في تلك الأمم ، و جذب أجناس أخرى إلى اليهودية ، و من هذا الخليط ظهر " اليهود "، الذين صاروا خَلَفاً لبني إسرائيل . لذا نجد القرآن يصف أولئك الخلف المعاصرين للنبي ( صلى الله عليه و سلم ) بأنهم " يهود "، و دوما يتحدث عنهم بصفة الغائب ، فلا يخاطبهم كما خاطب بني إسرائيل : " وَ قَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَ قَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ " ( البقرة: 113 ) ... " وَ لَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ " ( البقرة : 121). " وَ قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَ كُفْرًا وَ أَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَ الْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " ( المائدة: 64 ) .. " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا " ( المائدة:83 ).. أو نجد القرآن يذكرهم و يخاطبهم ب" أهل الكتاب "، باعتبارهم ورثة الكتاب و أحق الناس بالعمل به ، و يدخل النصارى معهم في الوصف في أكثر الحالات ، و لكن في الآيات التالية سنجد أن المقصود هم اليهود دون النصارى ، كما توضح أسباب النزول ، و سياقات الآيات : " وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (75) "( آل عمران : 75 ) .. " وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيَارَهُمْ وَ أَمْوَالَهُمْ وَ أَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَ كَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27 ) " ( الأحزاب 2627 ) .. " هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2) " ( الحشر :2 ) . و مع مرور القرون ، و تهود أمم و جماعات كاملة ، فإن وصف " اليهود " يتأكد ، في الوقت الذي يضمحل فيه بنو إسرائيل بين هؤلاء اليهود ، لنصل إلى العصر الحالي ، حيث نجد الأغلبية العظمى من اليهود هم من الذين تهودوا ، و لا يمتون بصلة لبني إسرائيل ، و إن خلفوهم في حمل ما تبقى من الكتاب و ديانة موسى . لذا فنحن نميل إلى تأييد المفسرين القدامى في إجماعهم على أن مرتي العلو و الإفساد المذكورتين في آيات سورة الإسراء قد وقعتا بالفعل ، و أن الوعد الوارد قد تحقق ، و أن تلك القصة أوردها القرآن لأخذ العظة ، و لربط المسلمين بتاريخ الأمم السابقة ، كغيرها من قصص بني إسرائيل في كتاب الله . أما من يرون أن العلو الثاني لبني إسرائيل ( أو العلو الأول ) هو ما يتحقق في زمننا هذا بإنشاء #الدولة_الصهيونية ، و بما حققته من مكاسب في حروبها معنا ، فهم يقعون في مشكلة حقيقية ، حين يفترضون أن اليهود الحاليين بتنوعهم العرقي و اللغوي و الثقافي هم أحفاد بني إسرائيل . أقوال المفسرين القدامى في تفسير الآية : ينقل ابن كثير اختلاف المفسرين فيمن سُلط على بني إسرائيل في العلو الأول ، بين من قال إنه : الملك جالوت المذكور في سورة البقرة و جنوده ، و من قال إنه ملك الموصل سنحاريب و جنوده ، و من قال إنه الملك البابلي بختنصر ( نبوخذنصر ) و جنده ، ثم يقول ابن كثير :" و قد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أرَ تطويل الكتاب بذكرها , لأن منها ما هو موضوع و من وَضْع بعض زنادقتهم , و منها ما قد يحتمل أن يكون صحيحاً , ونحن في غنية عنها ، و لله الحمد . و فيما قص الله علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله , و لم يحوجنا الله و لا رسوله إليهم . و قد أخبره الله عنهم أنهم لما طغوا و بغوا , سلط الله عليهم عدوهم فاستباح بيضتهم , و سلك خلال بيوتهم , و أذلهم و قهرهم جزاء وفاقاً , و ما ربك بظلام للعبيد , فإنهم كانوا قد تمردوا و قتلوا خلقاً من الأنبياء و العلماء " ( تفسير القرآن العظيم ، للإمام الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ، نسخة الكترونية .) و في السطور التالية على تلك الكلمات ، يتضح ميل ابن كثير إلى رأي من قالوا إن بختنصر هو من سُلط على بني إسرائيل في علوهم الأول . ثم ينقل ابن كثير عن المفسر قتادة أن محمد (صلى الله عليه و سلم ) و أصحابه هم من سُلطوا على بني إسرائيل في علوهم و فسادهم الثاني : " و قال قتادة : قد عاد بنو إسرائيل , فسلط الله عليهم هذا الحي محمد صلى الله عليه و سلم و أصحابه , يأخذون منهم الجزية عن يد و هم صاغرون ". و في عدم تعقيب ابن كثير أو تعليقه على هذا التأويل ، و انتقاله لتفسير الآيات التالية ، ما يدل على موافقته على هذا الرأي . و في تأويل مشابه ، يذهب الزمخشري ، عمدة المفسرين بالرأي ، في كتابه " الكشاف "( أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ، انظر تفسيره المسمى : الكشاف عن حقائق التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل ، ج 3، الرياض ، مكتبة العبيكان ، ط1 ، 1998 ، ص 494 496. ) إلى أن المرة الأولى لعلو بني إسرائيل كانت حين قتلوا زكريا عليه السلام ، و حبسوا نبيهم أرميا حين أنذرهم سخط الله و الآخرة ، فأرسل عليهم سنحاريب و جنوده ، و قيل بختنصر، و قيل جالوت. و لا يتطرق الزمخشري لمن سُلط على بني إسرائيل في المرة الثانية ، و لكنه من المؤكد أنه يذهب إلى أن تلك المرة قد وقعت بالفعل ، بدليل أنه اعتبر غزو الفرس لفلسطين ، هو المرة الثالثة لإذلال بني إسرائيل و تعذيبهم على أيدي الأمم ، وفقا لقوله تعالى لهم في الآيات " و إن عدتم عدنا "، أي إن عدتم للإفساد عدنا لتسليط الأمم ذات البأس عليكم . أما القرطبي ، فينقل أقوال العلماء في العباد الذين سُلطوا على بني إسرائيل في المرة الأولى ، دون أن يختار منها ، ثم يورد حديثاً طويلاً مرفوعاً رواه الصحابي حذيفة بن اليمان ، و فيه أن بختنصر هو من سُلط على بني إسرائيل في المرة الأولى ، ثم سلط عليهم قيصر الروم في المرة الثانية ( أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي ( المتوفى : 671 ه ) ، الجامع لأحكام القرآن ، تحقيق هشام سمير البخاري ، الرياض ، دار عالم الكتب ، 2003م ، المجلد العاشر ، ص 215223. ). أما الرازي ( فخر الدين محمد بن ضياء الدين عمر الرازي ( المتوفى 606 ه ) ، انظر تفسيره المسمى : التفسير الكبير و مفاتيح الغيب ، ج9 ، بيروت ، دار الفكر ، 2002م ، ص 157_160. )، فبعد أن يورد الروايات في تعيين من سُلطوا على بني إسرائيل في العلو الأول ( بختنصر و جنوده ، أو جالوت و جنوده ، أو المجوس )، فإنه لا يهتم بالترجيح بينها ، لأنه يرى أن التعيين لو كان ذا ضرورة لذكره القرآن ، و أن الأولى التركيز على العبرة و العظة التي تقدمها الآيات ، و نص كلماته :" و اعلم أنه لا يتعلق كثير غرض في معرفة أولئك الأقوام بأعيانهم ، بل المقصود هو أنهم لما أكثروا من المعاصي سلط عليهم أقواما قتلوهم و أفنوهم ..". و هو ما يكرره الرازي حين يتعرض لتعيين القوم الذين سُلطوا على بني إسرائيل في مرة علوهم الثانية :" و الله أعلم بأحوالهم ، و لا يتعلق غرض من أغراض تفسير القرآن بمعرفة أعيان هؤلاء الأقوام ..". و مع عدم اهتمام الرجل بتحديد الأسماء ، فواضح أنه يرى أن المرتين المذكورتين في الآيات قد تحققتا في الماضي . أما الطبري ، شيخ المفسرين بالمأثور ، فهو يورد اختلاف الروايات في العباد الذين قضوا على العلو الأول لبني إسرائيل : جالوت ، أو سنحاريب ، أو قوم من الفرس ... و كذلك اختلاف الروايات فيمن قضوا على العلو الثاني لبني إسرائيل ، و إن كانت أغلبية تلك الروايات تشير إلى بختنصر و جنوده ( محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب ( المتوفى 310 ه )، انظر تفسيره المسمى : جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، تحقيق أحمد محمد شاكر ، القاهرة، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 2000م ، ص 356388 .). و سنجد هذه التأويلات نفسها لدى باقي المفسرين القدامى و اللاحقين : السيوطي ( جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي( المتوفى 911 ه )، انظر كتابه : الدر المنثور في التفسير المأثور ، المجلد الرابع ، بيرو ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 2000م ، ص 296 300. )، و ابن عطية ( أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي الغرناطي الحافظ القاضي (ت 546 ه )، انظر تفسيره المسمى : المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، تحقيق : عبد السلام عبد الشافي محمد ، ج 3، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1، 1993 ، ص 437440. )، و البيضاوي ( القاضي ناصر الدين أبي سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي ( المتوفى 791 ه )، انظر تفسيره المسمى : أنوار التنزيل و أسرار التأويل ، تحقيق النشرتي و إخوته ، المجلد الثالث ، القاهرة ، مكتبة النشرتي ، ص 814 . ) ، و النيسابوري ( نظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين القمي النيسابوري ،( المتوفى 728 ه )، انظر كتابه : غرائب القرآن و رغائب الفرقان ، تحقيق د. حمزة النشرتي و آخرين ، القاهرة ، المكتبة القيمة ، ص 134و ما بعدها. )، و أبي السعود ( القاضي أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي ، ( المتوفى 982 ه )، انظر تفسيره المسمى : إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ، ج 4، بيروت ، دار الكتب العلمية، ط1، 1999م. )، و أبي حيان الأندلسي ( أثير الدين محمد بن يوسف المعروف بأبي حيان ( المتوفى 745 ه )، انظر تفسيره : البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم ، بيروت، دار الفكر. ) ، و الألوسي ( شهاب الدين محمود ابن عبد الله الحسيني الآلوسي البغدادي ( المتوفى 1270 ه )، انظر تفسيره المسمى : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم و السبع المثاني ، ج 15، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ص 1621. ).. فلن تجد مفسراً واحداً قال إن إحدى مرتي العلو ، أو كلتيهما لما تتحقق . و في هذا السياق يعجبني رد الشيخ القرضاوي ( رغم اعتراضي على كثير من مواقفه الحاليه ) على من قالوا إن العلو الأول لبني إسرائيل قد تحقق في عهد النبوة ، و أن النبي (صلى الله عليه و سلم ) بقضائه على يهود المدينة و يهود خيبر ، قد حقق الوعد الأول ، و أن العلو الثاني يتحقق حالياً في فلسطين ، و إن كنت أتحفظ على بعض ما جاء في الرد " و رأيي أن هذا التفسير ضعيف لعدة أوجه : أولاً : أن قوله تعالى : ( و قضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ) أي أنهينا إليهم و أعلمناهم في الكتاب ، و المراد به : التوراة ، كما قال قبلها : ( و آتينا موسى الكتاب) و ما جاء في الكتاب أي أسفار التوراة يدل على أن هاتين المرتين قد وقعتا ، كما في سفر تثنية الاشتراع . ثانيًا : أن قبائل بني قينقاع و النضير و قريظة لا تمثل بني إسرائيل في قوتهم و ملكهم ، إنما هم شرائح صغيرة من بني إسرائيل بعد أن قطَّعوا في الأرض أمما . ثالثًا : أن الرسول و الصحابة لم يجوسوا خلال ديار بني إسرائيل كما أشارت الآية الكريمة إذ لم تكن لهم ديار، و إنما هي ديار العرب في أرض العرب . رابعًا : أن قوله تعالى ( عبادًا لنا ) لا يعني أنهم من عباده الصالحين ، فقد أضاف الله تعالى الكفار و العصاة إلى ذاته المقدسة ، كما في قوله تعالى : ( أأنتم أضللتهم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ) ،( الفرقان : 17) . و قوله : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) ( الزمر: 53 ). خامسًا : أن قوله تعالى : ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم و أمددناكم بأموال و بنين و جعلناكم أكثر نفيرًا ) ( الإسراء : 6 ) يتضمن امتنان الله تعالى عليهم بذلك ، و الله تعالى لا يمتن على بني إسرائيل بإعطائهم الكرة على المسلمين . سادساً : ًأن الله تعالى إنما رد الكرة لبني إسرائيل على أعدائهم بعد أن عاتبهم في المرة الأولى ، لأنهم أحسنوا و أصلحوا ، كما قال تعالى : ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ) و اليهود – كما عرفناهم و شاهدناهم - لم يحسنوا و لم يصلحوا قط ، و لذا سلط الله عليهم #هتلر و غيره . كما يبتلي ظالماً بظالم . و هم منذ نحو مائة سنة يمكرون بنا و يتآمرون علينا ، ليسرقوا أرضنا ، فمتى أحسنوا حتى يرد الله لهم الكرة علينا ؟؟ سابعا : أن الله تعالى قال في المرة الآخرة ( و ليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة و ليتبروا ما علو تتبيرًا ) الإسراء :7. و المسلمون لم يدخلوا مسجدهم قبل ذلك بالسيف و القهر، و لم يتبروا ما علوا تتبيرًا ، بل لم يكن شأن المسلمين أبدًا التتبير و التدمير في حروبهم و فتوحهم . إنما هو شأن البابليين و الرومان الذين سُلطوا على الإسرائيليين . ثامنًا : أن ما أجمع عليه المفسرون القدامى أن مرتي الإفساد قد وقعتا ، و أن الله تعالى عاقبهم على كل واحدة منهما ، و ليس هناك عقوبة أشد و أنكى عليهم من الهزيمة و الأسر و الهوان و التدمير على أيدي البابليين الذين محوا دولتهم من الوجود ، و أحرقوا كتابهم المقدس ، و دمروا هيكلهم تدميرًا ، و كذلك ضربة الرومان القاصمة التي قضت على وجودهم في فلسطين قضاء مبرماً و شردتهم في الأرض شذر مذر ، كما قال تعالى : ( و قطعناهم في الأرض أممًا ) ( الأعراف:168 )..." . لقد قال القرضاوي ما كنا نرغب في قوله ، فقط نتحفظ على ربطه يهود اليوم ببني إسرائيل ، فقد ذهب بنو إسرائيل و انتهى دورهم في التاريخ بنزول الرسالة الخاتمة ، و اختيار أمة محمد (صلى الله عليه و سلم ) لحمل الكتاب الخاتم ، فقط تبقى منهم يهود و بقايا كتاب . كذلك من المهم التركيز على أمرين: أولهما ، هو أن فكرة تحقق علو بني إسرائيل بتجمعهم في فلسطين و انتصارهم على العرب ، هي فكرة صهيونية في آثارها العملية ، إذ تجعل من قيام الدولة الصهيونية حتمية تاريخية لا بد أن تتحقق ، و الفارق الوحيد بين المؤمنين بهذه الفكرة من المسلمين و غيرهم من الصهاينة اليهود ، هي أن المسلمين يرون أن إنشاء الدولة الصهيونية و علوها شرط لتحقق هزيمة اليهود النهائية ، بينما يرى الصهاينة أن إنشاء الدولة الصهيونية و علوها هو هدفهم و مشروعهم ، الذي ينبغي عليهم الحفاظ عليه بأي ثمن . الأمر الثاني ، و هو ما يدعونا أكثر لرفض فكرة العلو الصهيوني تحقيقاً للنبوءة ، أن هناك من يربطها بمعركة الحجر و الشجر في آخر الزمان ، باعتقاده أن نهاية العلو اليهودي ستكون في تلك المعركة ، و هي دعوة ضمنية للعرب و المسلمين ، بالصبر حتى تتحقق النبوءة ، و يحقق الصهاينة مزيداً من العلو و الإفساد ، و إن طال ذلك الصبر حتى مشارف يوم القيامة ، و ذلك بدلاً من الدعوة و المقاومة لتحرير الأرض العربية المسلمة المحتلة ، كما يأمرنا ديننا الحنيف ، و تدعو المروءة ، و توجب مقتضيات العروبة و الأمن القومي العربي . هذا و الله اعلى و اعلم فما ذكرته جهد و اجتهاد ذاتى قد أكون على صواب فيه و قد أكون على خطا فانا في المقام الأول و الأخير باحث و لست بمفسر .