فوز طلاب فنون جميلة حلوان بالمركز الأول في مسابقة دولية مع جامعة ممفيس الأمريكية    أمين "حماة الوطن" يكشف عن استعدادات الحزب لانتخابات "الشيوخ"    رئيس النواب يفتتح الجلسة العامة لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة    وصل ل 4900 جنيه.. سعر الذهب اليوم في مصر يرتفع بمنتصف تعاملات الأحد    أسعار البيض اليوم الأحد بالأسواق (موقع رسمي)    رئيس "اقتصادية النواب" يستعرض مشروع قانون ملكية الدولة    مجلس النواب يوافق على مشروع قانون تنظيم ملكية الدولة في الشركات    عاجل- السيسي يناقش مع مؤسسة التمويل الدولية دعم القطاع الخاص في ظل الأزمات الإقليمية    دمار هائل جنوب تل أبيب.. آثار القصف الإيراني على إسرائيل |فيديو وصور    طهران تؤكد استمرار الهجمات على إسرائيل وتصفها ب"الرد المشروع"    قتل نائبة وأصاب ثانيا.. مسلح يستهدف نواب أمريكا وقائمة اغتيالات تثير المخاوف    تدخل عاجل ل إمام عاشور بعد إصابته وخروجه من المونديال    محمد صلاح يحتفل بعيد ميلاده ال33 ب "تورتة صغيرة"    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    خطوط مميزة وهمية.. سقوط تشكيل عصابي للنصب على المواطنين في القاهرة    الداخلية تضبط 6 ملايين جنيه من تجار العملة    ماذا قالت إيمي سمير غانم عن أغنية "الحب وبس" ل فضل شاكر    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    المؤتمر السنوي لمعهد البحوث الطبية يناقش الحد من تزايد الولادة القيصرية    لأول مرة عالميًا.. استخدام تقنية جديدة للكشف عن فقر الدم المنجلي بطب القاهرة    ضبط 59804 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة في حملات مكثفة على الطرق والمحاور    إيران تتهم أمريكا بالتورط في هجوم إسرائيل.. وتتوعد بالرد    إقبال كثيف على فعاليات مكتبة مصر العامة بالدقي خلال الأيام الماضية    حميد الشاعري يعود.. طرح برومو أغنيته المنتظرة «ده بجد ولا بيتهيألي»    «الزناتي» يفتتح أول دورة تدريبية في الأمن السيبراني للمعلمين    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعى بكليات الجامعة ومعاهدها    ضبط أكثر من 5 أطنان دقيق في حملات ضد التلاعب بأسعار الخبز    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    ارتفاع سعر الدولار اليوم الأحد 15-6-2025 إلى 50.81 جنيه أمام الجنيه المصرى    استمرار القصف المتبادل.. ارتفاع عدد قتلى إسرائيل في اليوم الثالث للتصعيد مع إيران    البابا تواضروس يترأس قداس الأحد في العلمين    الأنبا إيلاريون أسقفا لإيبارشية البحيرة وتوابعها    السجن المشدد 7 سنوات لمتهم بتعاطى المخدرات في قنا    ضبط تشكيل عصابي تخصص في النصب على المواطنين بزعم توفير خطوط محمول مميزة بالقاهرة    اتحاد نقابات المهن الطبية: اليوم صرف معاشات يونيو 2025.. وندرس زيادتها    فيلم سيكو سيكو يحقق أكثر من ربع مليون جنيه إيرادات ليلة أمس    معهد وايزمان جنوب تل أبيب: تضرر عدد من منشآتنا جراء قصف إيرانى ليلة أمس    «أمي منعتني من الشارع وجابتلي أول جيتار».. هاني عادل يستعيد ذكريات الطفولة    بعد جهود استمرت 5 سنوات متحف سيد درويش بالإسكندرية ميلاد جديد لفنان الشعب    «فين بن شرقي؟».. شوبير يثير الجدل بشأن غياب نجم الأهلي أمام إنتر ميامي    اعتماد النظام الأساسى لاتحاد شركات التأمين المصرية    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد الجديدتين والساحل الشمالي    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    أشرف داري: الحظ حرمنا من الفوز على إنتر ميامي    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    وكيل الأزهر يشكِّل لجنة عاجلة لفحص شكاوى طلاب العلمي من امتحان الفيزياء    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    كأس العالم للأندية 2025.. العجيزي يحذر لاعبي الأهلي قبل مواجهة إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجهاد ومقاومة "الفساد" الإسرائيلي
نشر في الشعب يوم 03 - 09 - 2006


أد : يحيى هاشم حسن فرغل
عميد كلية أصول الدين بالأزهر سابقا ،
yehia_hashem@ hotmail .com

تأتي الإشارة واضحة في حادث الإسراء والمعراج لأهمية الجهاد فيما رآه الرسول صلى الله عليه أثناء رحلة الإسراء والمعراج ففي رواية للبزار بسنده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أًتي بفرس ، يجعل كل خطوة منه بأقصى بصره ، فسار ومعه جبريل ، فأتى على قوم يزرعون ويحصدون في يوم ، كلما حصدوا عاد كما كان . فقال لجبريل : من هؤلاء ؟ قال المجاهدون تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف ، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه

وفي هذا الجانب عن الجهاد تبرز أمور من أهمها واجب التصدي لإفساد بني إسرائيل المتطاول على مدى التاريخ لهذه الأرض ، وهنا يأتي النظر في قوله تعالى : " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين "

حيث ذهب بعض المفسرين - الطبري مثلا - في تفسيره إلى أن كان منهم الفساد الأول فبعث الله عليهم عدوا فاستباحوا الديار وخربوا المسجد ، فغبروا زمانا ، ثم بعث الله فيهم نبيا وعاد أمرهم إلى أحسن ما كان ثم كان الفساد الثاني بقتلهم الأنبياء حتى قتلوا يحيى بن زكريا فبعث الله عليهم بختنصر قتل من قتل منهم وسبى من سبى وخرب المسجد فكان بختنصر للفساد الثاني.
وذهب البغوي في تفسيره إلى أن كان منهم الفساد الأول فكانت الواقعة الأولى بختنصر وجنوده ، والأخرى خردوش وجنوده وكانت أعظم الوقعتين فلم يقم لهم بعد ذلك راية . وانتقل الملك بالشام ونواحيها إلى الروم اليونانية إلا أن بقايا بني إسرائيل كثروا وكانت لهم الرياسة ببيت المقدس ونواحيها على غير وجه الملك ، وكانوا في نعمة إلى أن بدلوا وأحدثوا الأحداث فسلط الله عليهم طيطوس بن اسطيانوس الرومي فأخرب بلادهم وطردهم عنها ونزع الله عنهم الملك والرياسة وضربت عليهم الذلة فلا يبقى أحد منهم إلا وعليه الصغار والجزية ، وبقي بيت المقدس خرابا إلى خلافة عمر بن الخطاب فعمره المسلمون بأمره .

وذهب غيرهما من المفسرين مذاهب أخرى يقول ابن كثير : (اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلاء المسلطين عليهم من هم ؟ ) ثم قال : (وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية ، لم أر تطويل الكتاب بذكرها لأن منها ما هو موضوع من وضع بعض زنادقتهم ، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا ونحن في غنية عنها ولله الحمد ، وفيما قص الله علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله ، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم ، وقد أخبر الله عنهم أنهم لما طغوا وبغوا سلط الله عليهم عدوهم ، فاستباح بيضتهم وسلك خلال بيوتهم وأذلهم وقهرهم جزاء وفاقا ، وما ربك بظلام للعبيد ، وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم ، حتى أنه لم يبق من يحفظ التوراة ، وأخذ معه منهم خلقا كثيرا أسرى من أبناء الأنبياء وغيرهم ، وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها ، ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه لجاز كتابته وروايته ، والله أعلم)



وفي روح المعاني للألوسي : في تفسير قوله تعالى : "عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا " أي : يرحمكم - بعد البعث الثاني - إن تبتم وانزجرتم عن المعاصي ، وإن عدتم للإفساد بعد الذي تقدم منكم عدنا للعقوبة فعاقبناكم في الدنيا بمثل ما عاقبناكم به في المرتين الأوليين ، وهذا من المقضي لهم في الكتاب أيضا ، وقد عادوا بتكذيب النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقصدهم قتله ، فعاد الله تعالى بتسليطه عليهم فقتل قريظة وأجلى بني النضير وضرب الجزية على الباقين . وقيل عادوا فعاد الله تعالى بأن سلط عليهم الأكاسرة ففعلوا بهم ما فعلوا من ضرب الأتاوة ، ونحو ذلك )

يقول الشيخ حسنين مخلوف في كتابه صفوة البيان في تفسيره لقوله تعالى " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب إلخ " ( قيل :الأولى تغيير التوراة وعدم العمل بها ، وحبس أرمياء وجرحه ، إذ بشرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والأخرى قتل زكريا ويحيى عليهما السلام ، وقال الجبائي : فإنه تعالى لم يبين ذلك فلا يقطع فيه بخبر )



ويذهب بعض المؤرخين إلى أن بني إسرائيل قد نالهم من العلو والانحطاط دورتان بالفعل : كان العلو في أولاهما قد جاء في عهد سليمان عليه السلام ودولته التي كانت تضم مملكة إسرائيل في الشمال والجنوب ، ثم بدأ الانحطاط بأن انقسمت إلى مملكتين قامت أولاهما في الشمال وعاصمتها السامرة في الفترة من 927 ق م إلى 721 ق م ، والثانية في الجنوب وعاصمتها في القدس في الفترة من 923 ق م إلى عام 585 ق م ، وقد تم القضاء على المملكة الأولى على يد الملك الأشوري "سرجون الثاني " عام 721 ق م ، وتم سبي أحسن رجالهم وترحيلهم إلى ميديا ، وكان عددهم أكثر من سبعة وعشرين ألفا ، ونقل الأشوريون إلى فلسطين قبائل من بابل والعرب لتحل محل الإسرائيليين ، وبنوا هيكلا لينافس هيكل أورشليم في الجنوب

وتم عام 585 ق م القضاء على المملكة الثانية في الجنوب على يد ملك بابل " نبوخذ نصر " وساق الشعب أسرى إلى بابل فعاش اليهود عيش العبيد وتم القبض على ملكهم ، ثم سملت عيناه وقيد بالسلاسل وحمل إلى بابل ، أما أورشليم فقد هدمت مع هيكلها وسبي رجالها ويقدر عددهم بخمسين ألفا ، وعاش اليهود في المنفى بعد سبيهم فلم يلبثوا أن حاكوا سادتهم الكلدانيين سكان ما بين النهرين في عاداتهم وعبدوا آلهتهم .

ثم حلت الكارثة بمملكة بابل عام 539 ق م حين هاجم الفرس بلاد الكلدانيين ، ودخلت فلسطين في حوزة النظام الفارسي ، وسمح الملك كورش ملك فارس لليهود المنفيين في بلاده بالرجوع إلى فلسطين ، ولم يدم الأمر طويلا حتى قضى الإسكندر الأكبر على الامبراطورية الفارسية ، واستولى على فلسطين من بين ما استولى عليه من بلاد الفرس ومستعمراتها .

ثم جاء عصر الرومان عام 58 ق م وقام اليهود بثورات من بينها ثورتهم في نوفمبر 66 م في عهد نيرون ، واستطاع القائد العسكري تيتوس إخمادها في سبتمبر 70 م ، فدخل القدس بعد حصار شديد ، وأعمل القتل والنهب والحرق ، ودمر الهيكل حتى لم يبق حجر على حجر وأصبحت مدينة القدس قاعا صفصفا ، وبيع كثير من الأسرى عبيدا في أسواق الامبراطوية الرومانية بأبخس الأثمان ، وكانت أمنية اليهودي أن يشتريه من يرفق به فلا يرسله إلى حلقة المصارعة مع الوحوش التي اعتاد الرومان التلذذ بمنظرها وهي تلتهم الناس . ثم ثار اليهود مرة أخرى على الرومان واستمرت ثورتهم ثلاث سنوات ما بين عامي 132 – 135 م ، ثم تمكن الامبراطور هارديان من القضاء عليها ونكل بالثائرين ، ودمر أورشليم وحرث موقعها وبنى مدينة جديدة فوق خرائبها سماها " إيليا كابيتولينا " ومنع اليهود من دخولها ، واستمر هذا المنع مائتي سنة تالية ، وندر دخولهم إليها وإقامتهم بها طوال القرون التالية حتى القرن التاسع عشر .

وزالت اليهودية كدولة سياسية من الوجود ، وأصبح اليهود شعبا بدون وطن فأضاف الرومان في تاريخ تشرد اليهود – كما يقول فيليب حتى – فصلا آخر ينضم إلى الفصول التي صنعها الأشوريون والكلدانيون . ويقول هربرت جورج ويلز : ( كانت حياة العبرانيين في فلسطين تشبه حياة رجل يصر على الإقامة وسط طريق مزدحم ، فتدوسه الحافلات والشاحنات باستمرار .. ومن الأول إلى الآخر لم تكن مملكتهم سوى حادث طارئ في تاريخ مصر وسوريا وآشور وفينيقية ، ذلك التاريخ الذي هو أكبر وأعظم من تاريخهم ) أنظر كتابه " تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين " ، و " الطريق إلى القدس " للدكتور محسن محمد صالح طبع ونشر " " منشورات فلسطين المسلمة لندن 1995 ، وموجز تاريخ العالم لهربرت جورج ويلز ، ومقدمة إنجيل متى وتفسيره طبع دار المعارف ، و" تاريخ فلسطين القديم " لظفر الله خان طبع دار النفائس ببيروت عام 1984، وعودة القدس لرؤوف شلبي مطابع قطر الوطنية .



هذا ويذهب بعض المعاصرين إلى أن الإفساد الذي جاء في قوله تعالى " لتفسدن في الأرض مرتين " ينبغي أن يكون المراد به ما بعد ظهور الإسلام لأنه إذا أخذنا ما قبل ذلك في الحسبان فلا يكون مقصورا على مرتين ، كذلك فهو إنما يخص ما يكون العقاب فيه على يد المسلمين بمقتضى قوله تعالى " أرسلنا عليكم عبادا لنا وهم – على هذا الأساس – يأملون في أن تكون المرة الثانية تعني تحرير القدس من الاحتلال الصهيوني المعاصر على يد المسلمين ، وفقا لقوله تعالى " وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة ".

وبناء عليه فهم يفسرون المرة الأولى بأنها كانت في المدينة وأن الصدر الأول من المسلمين بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين قضوا على ذلك الإفساد ، وأن الكرة تعود لليهود في الإفساد الثاني على الأجيال اللاحقة من المسلمين وهي الأجيال التي تعيش في الزمان الحاضر : ممن ذهب إلى ذلك : الدكتور فضل عباس في كتابه المنهاج نفحات من الإسراء والمعراج ، والدكتور صلاح الخالدي في كتابه حقائق قرآنية ، وإبراهيم العلي في كتابه " الأرض المقدسة بين الماضي والحاضر " وغيرهم كثير

وهذا التفسير يقتضي أن يكون القضاء في قوله تعالى " وقضينا إلى بني إسرائيل " موجها فقط لبني إسرائيل الذين عاشوا بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو لمن سبقهم ولكن بخصوص من سيأتي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا ظاهر البعد إ ذ يسقط ما كان منهم من قبل من إفساد وما وقع عليهم من عقاب واسع المدى .



والأرجح عندي أن المقصود سنة كونية مطردة تنطبق على الجميع غاية ما في الأمر أن المرتين المذكورتين لليهود قد جاءت الإشارة إليهما باعتبار خطورتهما على المستوى الإنساني العام : فالأولى كانت – والله أعلم - ضد عيسى عليه السلام بالعمل على صلبه وتدمير ديانته من الداخل ، وذلك ما قام به بولس " الرسول " بنجاح ، والثانية ضد محمد صلى الله عليه وسلم بمحاولات قتله ومداومة العداء للإسلام والمسلمين ، والتآمر للقضاء عليهم قضاء مبرما وفق الخطة التي يجرى تدبيرها الآن فيما يسمى " معركة "هرمجدون "

وهذا يعني أن عمليات الإفساد يمكن أن تتكرر - والعقاب كذلك - وإن يكن على نحو مختلف ، وذلك بمقتضى قوله تعالى " وإن عدتم عدنا " ويكون العقاب الإلهي جاهزا في كل مرة ، بمقتضى قوله تعالى " عدنا " ثم بمقتضى قوله تعالى " وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " ومن ثم يكون الأمر مندرجا تحت السنن الإلهية العامة التي تنطبق على بني إسرائيل وغيرهم ممن يمارسون مثل هذا الفساد ، وإن يكن حالهم نموذجا لحال غيرهم .وهذا ما نميل إليه . ويقترب هذا مما ذهب إليه الألوسي في روح المعاني إذ نراه يستخف تحت وطأة اضطراب الروايات بالجانب التاريخي البحت من الموضوع : فيقول : ( ونعم ما قيل إن معرفة الأقوام المبعوثين بأعيانهم وتاريخ البعث ونحوه مما لا يتعلق به كبير غرض ، إذ المقصود أنه لما كثرت معاصيهم سلط الله تعالى عليهم من ينتقم منهم مرة بعد أخرى )




وعلى كل حال فإن علينا أن نتناول قصة الإسراء والمعراج وفقا للمنهج العملي : من زاوية ما ينعكس على العمل : كما هو شأن المنهج الإسلامي في أية قضية : العلم النافع ، " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ونتجنب الغرائب الموضوعة : تظاهرا بالذكاء والتعمق ، فمنشأ الانحراف في الدين : التزيد فيه والتنقص منه .



ومن هنا فإننا لابد وأن نضيف إلى ما يصح أن يستنج من الإسراء والمعراج ما يخص المتلقين للخبر بشكل عام : أن العقل البشري المستسلم للجدل لا تنفعه المعجزة ، ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا ، بل نحن قوم مسحورون ) هذا العقل لا يصلح لممارسة شيء في الحياة ، والضرورة العملية هي التي ترده إلى الصواب .

كما نضيف إلى ما يصح استنتاجه منها فيما يخص الذين آمنوا بشكل خاص : ما فيها من ابتلاء لهم أيضا ، وامتحان ، وهو امتحان تنقية وتصفية وإعداد لما كان ينتظرهم من جهاد وأعباء ثقال في غد قريب . وهو امتحان تأكيد لنمط الإيمان العميق الذي قدمه لنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه في تصديقه للخبر .

كما نضيف ما يتعلق بتعميق قضية الإيمان بالغيب وأنه أساس في اعتناق هذا الدين ، وما يتعلق باندماج الغيب مع الشهادة في الرؤية الإسلامية لعالم الدنيا والآخرة ، وما يتعلق بالابتلاء في حياة الرسول صلى الله عليه ، وما يلقاه الدعاة والمسلمون على طريقه من بعده .



كما نضيف : تأكيد ما يتعلق بوحدة الدين والأنبياء عند الله وأنه هو الإسلام ، وأن من لم يؤمن من أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد بعثته لا يكون مؤمنا بموسى ولا مؤمنا بعيسى عليهما السلام ،

وأن لا أحد يمكن له أن يزايد على الإسلام في مدى قبوله للآخر ، فبينما يقوم الإسلام على مبدأ " لا نفرق بين أحد من رسله " نجد الآخر يقوم على التفرقة والرفض .

ونضيف : إظهار الربط بين المعراج والصلاة ، وما يترتب عليه من مكانة قرب المسلم من الله والمعراج إليه بالصلاة ، ولا تقتصر هذه المكانة الوثيقة على ما كان من الربط بينهما عند التشريع ، ولكنها تظهر أيضا بشكل متجدد ، في الصلاة نفسها .

كما نضيف إلى ما يصح استنتاجه منها ما يتعلق بمكانته صلى الله عليه وسلم عند ربه وتكريمه إياه ، وتقوية جنانه ، وتهيئته لأعباء الرسالة في الدنيا ، وتهيئته لعالم الغيب بعد الموت حيث أراه عيانا ما أخبره عنه بيانا ، وأشهده مقام الشهادة ، وأزال عن قلبه حشمتها ، وأذاقه سكون الجنان فيها .

ومنها ما يتعلق بشجاعته صلى الله عليه وسلم ، وصبره على أداء الرسالة ، وتوكله على الله في قيامه بأعبائها الثقال " إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " ، وبخاصة إذا لاحظنا ظروفه التي كان يمر بها في ذلك الوقت ، : وفاة عمه ، وفاة خديجة رضي الله عنها ، ما حدث له في الطائف . ، و إعداده صلى الله عليه وسلم وأصحابه للهجرة : بتمحيص من آمن ، وتصفية من اتبع ، ليكون الاتباع مطلقا على محض التصديق ، ومحض التسليم .



ونكرر : أهم دروسها ما يتعلق بالجهاد في حياة الرسول صلى الله عليه ، والمسلمين على طريقه من بعد ، إذ تأتي الإشارة واضحة لأهمية الجهاد فيما رآه الرسول صلى الله عليه أثناء رحلة الإسراء والمعراج إذ ( أتى على قوم يزرعون ويحصدون في يوم ، كلما حصدوا عاد كما كان . فقال لجبريل : من هؤلاء ؟ قال المجاهدون تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف ، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه ) .

وفي هذا الجانب عن الجهاد يبرز واجب التصدي لإفساد بني إسرائيل المتطاول على مدى التاريخ لهذه الأرض ، ومن أهم ما يترتب على ذلك في حياة المسلمين المعاصرين ذلك الجانب الذي يتعلق بالمسجد الأقصى وما ينبني عليه من تكليفهم بالتكاتف والجهاد من اجل تحرير الأرض وتطهير البيت .والله أعلم

أد : يحيى هاشم حسن فرغل

yehia_hashem@ hotmail .com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.