جاهزية 550 مقر انتخابي و586 لجنة فرعية لإجراء انتخابات الإعادة لمجلس النواب2025 بسوهاج    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 ديسمبر وعيار 21 يتجاوز 6000 جنيه    وزارة الزراعة تطلق أول "مختبر حي" كأحدث التقنيات العالمية في الإرشاد الزراعي    أهم أخبار السعودية اليوم الجمعة 26 ديسمبر 2025.. المملكة تدين الهجوم الإرهابي بمسجد الإمام علي في سوريا    إعادة تدوير التشدد.. كيف يغذي خطاب "النبأ" اليمين المتطرف في الغرب؟    الصين تفرض عقوبات على 20 شركة دفاع أمريكية.. «NBC» تكشف السبب    أمم أفريقيا 2025| «مجموعة مصر».. التعادل الإيجابي يحسم مواجهة أنجولا وزيمبابوي    مودرن سبورت يعلن أحمد سامي مديرا فنيا    جوارديولا: صدارة البريميرليج أفضل من المطاردة.. وكل شيء وارد في يناير    ضربات متتالية لمافيا الكيف.. جمارك مطار القاهرة تتصدي لهجمات مهربي المخدرات بضبط 11 كيلو ونصف مجددًا    10 آلاف جنيه مخالفة السرعة.. احذر قانون المرور الجديد    انهيار منزل ينهي حياة 3 أشخاص خلال تنقيب غير مشروع عن الآثار بالفيوم    محافظ الجيزة: انطلاق 36 قافلة طبية علاجية بالمراكز والمدن بدءًا من 2 يناير    وزيرا التعليم العالي والأوقاف ومحافظ بورسعيد يفتتحون مستشفى جامعة بورسعيد بتكلفة مليار جنيه    ننشر حصاد وزارة الإسكان خلال أسبوع| فيديو جراف    عميدة طب بنات الأزهر في حفل تخرج الوافدين: كونوا نبراسًا للرحمة ببلادكم    مراسل القاهرة الإخبارية: تفجير مسجد الإمام سبب ذعر المصلين أثناء صلاة الجمعة    جيش الاحتلال الإسرائيلى يشن غارات عنيفة على قرى ومحافظات جنوب لبنان    الجيش الأوكراني: أسقطنا 73 مسيرة روسية استهدفت مناطق متفرقة في البلاد    وكيل الصحة بالإسماعيلية تفاجئ مستشفى الحميات    بمشاركة 60 ألف متسابق.. وزير الرياضة يطلق إشارة البدء لماراثون زايد الخيري    اتحاد السلاح يستعين بخبير بولندي لتبادل الخبرات الفنية في سلاح السيف    السياحة تنظم قافلة ترويجية كبرى في السوق الصيني ببكين وشنغهاي    غداً.. فصل التيار عن 9 مناطق بمركز بيلا في كفر الشيخ    كوريا الشمالية تعلن خطة لتوسيع إنتاج الصواريخ وتعزيز قدراتها العسكرية في 2026    حبس موظف 4 أيام بتهمة تصنيع الأسلحة والذخائر داخل منزله بقنا    اختل توازنه.. كواليس مصرع طفل سوداني سقط من علو بالطالبية    ضبط 5 طن دقيق مجهول المصدر وتحرير 214 محضر تمويني بالمنوفية    رئيس وزراء السودان: اللقاءات مع الجانبين المصري والتركي كانت مثمرة    تحسن صحة محمود حميدة وخروجه من المستشفى.. ويستعد لطرح فيلمه الجديد "الملحد" الأربعاء المقبل    بعد 25 عاما.. إنعام محمد علي تكشف أسرار اختصار مسلسل أم كلثوم في 4 سهرات    بعد مغادرته المستشفى، تفاصيل الحالة الصحية للفنان محمود حميدة    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    إطلاق غرفة عمليات لمتابعة مشاركة المرأة في جولة الإعادة بالدوائر ال19 الملغاة    «تكنولوجيا وقيادة وإدارة».. «الري» تؤسس جيلا جديدا لإدارة منظومة المياه    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي ومفتي الجمهورية ومحافظين السابقين وقائد الجيش الثاني الميداني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد العباسي    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    أسباب انتشار مشاكل الجهاز التنفسي العلوي والسفلي بين الأطفال في الشتاء    افتتاح 3 مساجد بعد الإحلال والتجديد بسوهاج    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    زامبيا وجزر القمر في مهمة الأهداف المشتركة ب أمم أفريقيا 2025    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد العباسي ببورسعيد (بث مباشر)    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    وزيرا الإنتاج الحربي وقطاع الأعمال يبحثان تعزيز التعاون لتعظيم الاستفادة من القدرات الصناعية الوطنية    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    غارات وقصف ونسف متواصل يستهدف مناطق واسعة بقطاع غزة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26- 12- 2025 والقنوات الناقلة    أمن الجيزة يكشف غموض العثور على جثة بائع بمدينة 6 أكتوبر    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 26 ديسمبر 2025    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    18 إنذارا للمصريين فى 10 مباريات رصيد حكم مباراة الفراعنة وجنوب أفريقيا    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسراء والمعراج وأوهام العلم الحديث
نشر في الشعب يوم 09 - 09 - 2006


بقلم: أد : يحيى هاشم حسن فرغل
عميد كلية أصول الدين بالأزهر سابقا ،
yehia_hashem@ hotmail .com


في سياق العقيدة الإسلامية لا شك أن حادث الإسراء والمعراج معجزة ينطبق عليها تعريف المعجزة باعتبارها أمرا خارقا للعادة وبعض من ينكرون المعجزات أو الكرامات يفعلون ذلك لسبب لا يكادون يفصحون عنه : ذلك أنهم يتصورون أو يتوهمون أن الإقرار بالخوارق يقتضي إهدارا لمبدأ السببية ، ومن ثم لا يستقيم للإنسان فكر أو حياة أو علم بما في الكون ، وهم مخطئون في هذا التوهم ، ومن حقنا عليهم إذا رفعنا إصره عن صدورهم أن يفتحوها لتقبل الخوارق إذا كان خبرها صحيحا بشروطه التي توصل إليها علماء النقد والجرح والتعديل فيما يتصل بإنكار المعجزات بناء على الزعم بحتمية قوانين الطبيعة فإن كثيرا من زعماء الفلسفة القديمة والحديثة ، وكافة رجال العلم التجريبي المعاصر كفونا مؤنة الرد على هذا الزعم ، إذ يتفقون على أنه لا يوجد ما يسمى " حتمية عقلية " أو " حتمية تجريبية " في قوانين الطبيعة.
وكما ذهب جابر بن حيان ت 198 ه من رجال العلم المرموقين في التاريخ الإسلامي إلى أن الاستدلال الاستقرائي – وهو الاستدلال المستعمل في البحوث العلمية التجريبية – إنما يرجع إلى العادة وحدها وليس إلى الضرورة العقلية ، وانتهى إلى أن قوانين العلم الطبيعية احتمالية ترجيحية لا تبلغ قط مرتبة اليقين .. ذهب مثله الأشاعرة وأهل السنة عموما ، كما ذهب الإمام الغزالي في كثير من كتبه وهو بهذا لا ينكر الروابط الطبيعية كما يظن بعض المغفلين وإنما ينكر حتميتها الذاتية ، ويرجع ما فيها من ارتباط إلى حكمة الله وقدرته ، يقول في كتابه إحياء علوم الدين : ( تبين أن مسبب الأسباب أجرى سنته بربط المسبَّبات بالأسباب إظهارا لحكمته ، والأدوية [ مثلا .. ] أسباب مسخرة بحكم الله تعالى كسائر الأسباب ، فالخبز دواء الجوع ، والماء دواء العطش ، والسقمونيا دواء الإسهال ، ... فالمسبَّب يتلو السبب لا محالة كلما تمت شروط السبب ، وكل ذلك بتدبير مسبب الأسباب وتسخيره وترتيبه بحكم حكمته وكمال قدرته .. )

الأمر العادي والمعجزة هما في قدرة الله على حد سواء : أن تحرق النار جسد بشر ألا تحرق النار جسد بشر مغموس فيها ، أن يروي الماء من العطش ألا يروي الماء من العطش ، أن ينزل الماء بفعل الرياح والطقس إلخ أن ينزل الماء بدعاء الاستسقاء : كل ذلك على حد سواء في قدرة الله وإرادته . وهو يفعل بحكمته ما يشاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .

وإذا كان من الضروري أن نستشهد ببعض الخواجات فهاكم ديكارت مثلا يذهب إلى أن الأشياء جميعا تتوقف على إرادة الله المطلقة ، إنها تتوقف على إرادة الله في وجودها ، وهي تتوقف على إرادة الله في طبيعتها ، حتى أن تكون زوايا المثلث تساوي زاويتين قائمتين ، حتى أن يكون اثنان مضافين إلى اثنين يساوي أربعة ، فما يبدو لنا أنه حقائق أزلية هو أمر منوط بمشيئة الله " وهاهو صمويل كلارك يقرر أن " جميع الأشياء تبدو جائزة كل الجواز " ، ويقرر فولتير " أن الطبيعة هي الفن ، فن الله " ، وهاهو باركلي يقرر أن الإرادة الإلهية هي التي وضعت العلاقات بين الأشياء ، وهاهو ديفيد هيوم يقرر انطلاقا من فلسفته التجريبية ما يسميه بنظرية التداعي والترابط المكاني ، ثم يعتبر قانون العلية عادة ذهنية تنشأ عند الناس كلما رأوا حادثتين مطردتي الوقوع أو متتابعتين فينشأ في أذهانهم اعتقاد بأن اللاحق يعقب السابق ، وهاهو فتجنشتين من أعلام المنطقية الوضعية المعاصرة يقرر أن جميع قوانين العلوم الطبيعية احتمالية فقط ، وأن الضرورة لا تكون إلا ضرورة منطقية ، وهاهو أميل بوترو يقرر أن السبب شرط ، وهو من مجموع الظواهر الخاضعة للتغير ، وأن كل موجود ضروري من وجه ، وحر من وجه آخر ، وأن الكائنات تتدرج في هذا السلم فالإنسان هو أكثر الموجودات حرية ، وأن الحرية المطلقة هي لله وحده

هذا في ميدان الفلسفة : أما في ميدان العلم التجريبي الحديث : فقد ذهبت إلى غير رجعة أوهام الحتمية العلمية ودجماطيقيتها ، لقد كان العلماء غارقين في هذه الغفلة ثم خرجوا منها بتقدم فهمهم لحدود المنهج العلمي التجريبي خرج العلماء من هذه الغفلة ، كما يقول : ليونيل روبي أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بجامعة روزفلت في شيكاغو : " لا يوجد في العلم برهان ، أو دليل يعتبر خاتمة البراهين ، أو الدليل النهائي الذي لا دليل بعده .. " ويقول كارل بيرسن : في كتابه أركان العلم : "إن ما يسمى بالعلية [ وهو يعني ما يكون في ظواهر الطبيعة ] ليس إلا ملاحظة حدوث تعاقب معين ، وتكرار حدوثه في الماضي ، أما أن هذا التعاقب سيستمر في المستقبل فهذا ما يستحيل أن نجزم به ، وإنما هو موضوع للاعتقاد ، نعبر عنه بمفهوم الاحتمال " ونجد هذا المعنى عند أعلام المنهج العلمي التجريب مثل جون كيمني وبرتراند رسل و فرينر هايزنبرج .

وأخيرا فلقد تواضع قانون الجاذبية ليخلي مكانا بجواره لقانون مناقض له هو ما أصبح يسمى اليوم بقانون " التنافر الكوني " بين الجزيئات على اختلاف أحجامها وكثافاتها الكونية ، وتواضع تفسير ظاهرة الضوء بالموجات ليخلي مكانا بجواره لتفسيرها بظاهرة مناقضة لها هي ظاهرة الفوتونونات ، وتواضعت نظريات الجينات الوراثية من مرتبة الفاعل الحتمي إلى مرتبة التفاعل المزدحم بالاحتمالات مع البيئة ، يقول آشلي مونتاجيو " يمكننا عن طريق التحكم الواعي في البيئة أن نفعل الكثير إزاء الوراثة " ، وما هو الزمان أخيرا – كما تقرره نظرية النسبية عند أينشتين - غير البعد الرابع للمادة ، ولكل مادة بحسبها ، ولم يعد الزمن وحده الواقع في قبضة النسبية ولكن وقعت معه الحركة والمسافة والسرعة والحركة العكسية في الزمان.

وهذا يعني أن المرجع في حوادث الكون جميعا هو إلى الإرادة الإلهية ، كما قررها القرآن، الكريم " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " ، وضمان الاطراد في هذا الفعل لا يوجد في غير الضمان القرآني الإلهي بإرادة الله " ولن تجد لسنة الله تبديلا " : " سنة الله " كما سماها الإسلام لا سنة الطبيعة كما سماها الطبيعيون ، وتصبح المعجزات ممكنة عقلا ، وممكنة في نظر المنهج التجريبي ، وإعجازها مرده إلى اختفاء الوسائل البشرية .
ويصبح الإسراء والمعراج كسائر المعجزات غير ممتنع دينا لكل مؤمن بالإسلام ، فها هو القرآن إعجاز قائم بين يديه ، وغير ممتنع عقلا إذ لا تناقض في جانب من جوانبه ، وغير ممتنع علميا لأن العلم لا يقر اليوم بحتمية ما يسمى بالقوانين الطبيعية لا فرق في ذلك بين فرض أو نظرية أو قانون ، ولم يكن البراق فيه إلا تأنيسا وتأليفا لقلب محمد صلى الله عليه ويلم " وأوتوا به متشابها " . .

وكما أنه ليس من الحق أن ينكر بعضهم خوارق الإسراء والمعراج استنادا إلى الزعم بحتمية قوانين الطبيعة ، فإنه ليس من الصواب أن يقر بها بعضهم عن طريق قياسها على بعض منجزات العلم الحديث ، ومن هذا القبيل ما ذهب إليه الدكتور جمال الفندي ، - في استشهاده على أن الإسراء والمعراج كانا بالجسم والروح معا في كتابه " الله والكون " - بقوله ( نحن اليوم نلمس كيف نقل الإنسان حاستي السمع والبصر بالراديو والتليفزيون ، فهل يصعب على الخالق نقل كل الحواس ؟ إن التجارب العلمية قد تجري على نقل حاسة اللمس بسرعة الضوء ، وفي النهاية ربما يتم نقل كل الحواس ) أنظر كتابه المشار إليه ، نشر الهيئة المصرية للكتاب لعام 1976 ص 323، فبالإضافة إلى أن المثال الذي ساقه لا يتضمن نقلا لحاستي السمع والبصر إلى المسموع والمبصر ، ولكن نقلا للمسموع والمبصر إلى حاستي السمع والبصر ...

نراه - قياسا خاطئا : لأن العلم إنما يتعامل مع الأسباب المقدورة للإنسان : وحادث الإسراء والمعراج إنما هو أثر لقدرة الله وإرادته مباشرة ، وإن كان يمكن الاستفادة بهذا المنهج في بيان أن الحادث في حد ذاته داخل في دائرة الممكن ، فالعلم اليوم يفتح الباب واسعا لهدم كثير مما كنا نظن أنه غير معقول ، أو أنه يخضع لما كان يسمى " حتمية الأسباب الطبيعية"

كذلك فإنه ليس من الصواب أن يقر بها بعضهم باعتبارها خاضعة للأسباب الطبيعية في جانب من جوانبها المفترضة التي لم نطلع عليها بعد ، إذ يترتب على هذا الفهم أن تكون مقدورة للأنبياء وغير الأنبياء كلما توفرت لها الأسباب الطبيعية المفترضة.

إن إقرارنا للخوارق من خلال هذا المنهج يتم في ظل أمور :
الأول : عدم الخلط بين السببية كمبدأ عقلي فطري بديهي ، وقوانين الطبيعة كرابطة تكشف عنها التجربة في الطبيعيات ، وخوارق العادات إنما تتعلق بالثاني لا بالأول ، ومن هنا فهي لا مساس لها بمبدأ السببية كمبدأ تفرضه البديهة العقلية الفطرية .

الثاني : فيما يتصل بإنكار المعجزات بناء على الزعم بحتمية قوانين الطبيعة فإن كثيرا من زعماء الفلسفة القديمة والحديثة ، وكافة رجال العلم التجريبي المعاصر يتفقون على أنه لا يوجد ما يسمى " حتمية عقلية " أو " حتمية تجريبية " في قوانين الطبيعة

الثالث : الإقرار بالقوانين الطبيعية على أنها من تدبير الله وسنته ، ومن هنا فإن خرق العادة فيها إنما يحدث ممن يملكها بدءا وانتهاء ، وهو إنما يحدث لغرض التذكير بواضع هذه القوانين ، ومن ثم فإنه يحدث في أضيق الحدود على يد نبي أو ولي ، وفي ندرة لا تتعارض مع جريان القوانين في مجراها العادي الذي وضعه الله لها ، وهي إنما وضعت في المجرى العادي لا لضرورة ذاتية ولكن لصالح البشر والمخلوقات بحيث لا ينهدم النسق العام الذي تضطرب حياتهم بدونه .

إن البعض يتصور أن هذه القوانين لا يمكن أن تخرق والبعض يتصور إمكان ذلك ، والفرق بين أولئك وهؤلاء فرق هام ، إذ أن الأولين ينظرون إلى القوانين على أنها ذاتية للطبيعة والكائنات ، وهؤلاء لا يمكنهم تفسير علاقة الله بهذه القوانين إن أقروا به سبحانه ، أما الآخرون فهم يرون أنها تابعة لإرادة الله فمن ثم يتصورون إمكان خرقها أو تعطيلها إن أراد الله ذلك فهو سبحانه لا قيد على إرادته من خلقه ،وهو " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " وهؤلاء هم المؤمنون بالله والأنبياء والقوانين والمعجزات جميعا . .
إن حادث الإسراء والمعراج ينطبق عليه تعريف المعجزة ، ومن هنا كان فضل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بجريانها على يده وكان فضل الله على أمته بأن أجراها على يد الرسول الذي أرسل إليهم ولكن أمرها يتسع ليشمل معنى الابتلاء في ضوء المفهوم الذي قدمناه من قبل عن البلاء وقد كان الابتلاء فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مواجهته قومه بهذا الخبر

في صحيح مسلم بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها ، فكربت كربة ما كربت مثله قط ، قال : فرفعه الله لي أنظر إليه ، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به ) ، هو كرب طبيعي ، رفعه الله عنه .

وفي هذه المواجهة جاءت أحاديث وروايات كثيرة لا محل لذكرها جميعا في هذا المقال، هذا ولم يتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم في جلسته تلك عن المعراج ، واقتصر على حديث الإسراء لما توقعه - ووقع فعلا - من العنت والسخرية في الحادث الأقل غرابة ، والذي انطوى على شواهد مادية على صدقه ، فكيف به لو حدثهم عن المعراج وهو الأكثر غرابة ، ويخلو من الشواهد ؟ لكنه حدثهم به بعد ذلك ، كما جاء في سورة النجم ( والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى .. )

ومن هنا فإننا لا نرى أن توصف الرحلة بما يصفها بعضهم من كونها رحلة تسرية وترفيه وسياحة .. يمكن أن نفهم كونها رحلة تكريم وتعزيز وتقريب وإعداد وبناء .. لكن أن تكون رحلة ترفيه فهو أمر بعيد ، وأنى لرسول الله من الترفيه وهو يوضع في موقف صعب : صعب عليه وصعب على قومه معا ؟ تعرض فيه لما تعرض من أسئلة مهما قيل فيها من أنها تأتي وفقا لتداع طبيعي ، إلا أنها أسئلة لا إنصاف فيها ، لأن أحدا منا لو خرج من زيارته لمكان - ولو دخله مرات من قبل – فإنه لو سئل عن لون السقف مثلا ، أو لون الحائط أو عدد درجات السلم لما أجاب.

وهي أيضا أسئلة لا إخلاص فيها ، لأنهم – حسب ما ظهر منهم بعد – قد بيتوا النية على التكذيب في الحالين : إن عجز عن أسئلتهم وصفوه بالكذب ، وإن أجاب عليها وصفوه بالسحر .

والله أعلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.