علي مبروك اسم له وزنه في الساحة الشعرية العربية بل هو علم على رأسه نار في شبكة التواصل الاجتماعي . ولعل من ابرز أسرار شهرة الرجل وذيوع صيته هو تمكنه من خلق أسلوب شعري مخصوص وتفرده بلغة شعرية لا نظير لها فهذا الشاعر مبدع وليس متبعا، بعيد عن النمطية والقوالب الجاهزة . وهذه القصيدة التي بين أيدينا مثال حي للنفس التجديدي عند علي مبروك . الذي يتسم بصوره الشعرية المستطرقة السابحة في عالم الخيال الجامح . إن العنوان جزء لا يتجزأ من النص فهو يلمح والنص يصرح فالعلاقة بينهما كعلاقة المبتدا بخبره لذلك نلاحظ أناقة العنوان الذي اختاره الشاعر لقصيدته إذ أقحم اسم بيكاسو الرسام الاسباني وهو ما يوحي بان القصيدة لوحة فنية يرسمها الشاعر بكلماته الأنيقة متوسلا بالمحسنات اللفظية والمعنوية ليرسم على طريقة ليوناردي فانشي جوكندا جديدة ،صورة خارقة لامرأة فريدة من نوعها امرأة لا نظير لها أخرجها الشاعر من دائرة المرأة التقليدية التي تصورها القصائد الغزلية كجسد جميل فقط فتركز على مواطن الجمال فيها حتى تبلغ القصيدة أحيانا حد الإباحية المنفرة .لكن المرأة التي تدور حولها هذه القصيدة ترتقي بها من مرتبة الجسد الجميل إلى مرتبة العقل المفكر المحاور حتى أننا نتساءل أحيانا عن الغرض الذي تنضوي تحته القصيدة هل هي مدحية أم غزلية عذرية؟ ولا يخفى علينا أن المدح غرض أساسي في الشعر به تتعلق بقية الأغراض تعلق الفروع بأصلها، فالغزل هو مدح لخصال الحبيبة والرثاء مدح لخصال الميت و الفخر مدح لخصال الشاعر او قومه والهجاء مدح مقلوب (الهجاء ضد المدح ) والشعر الوطني مدح للوطن .... ومهما يكن غرض القصيدة فإنها ترتقي بصورة المرأة من مرتبة المفعولية( كما في الصورة الكلاسيكية ) إلى الفاعلية لان هذه المرأة تفعل ولا تنفعل (هرعت ، تفك ...) تؤثر ولا تتأثر تحول ولا تتحول ( أصبحتُ وهو ناسخ فعلي يفيد معنى التحول ) يتجاوز فعلها البشر ليصل إلى الجماد . تتمتع بقوة شخصية تحول فصاحة الشاعر إلى صمت وتوهجه إلى جمود وهو اعتراف ضمني منه بان كلماته على فصاحتها وبلاغتها وعمق معانيها لم تصف من هذه المرأة إلا نزرا يسيرا .لان صفاتها فوق الوصف وقد وُهِبت من الخصال ما لا يُطال . كما تتميز هذه القصيدة كغيرها من قصائد علي مبروك بالحضور الواضح لمعجم الطبيعي (ضيعة ، عنادل، أيك، أزهار ، أشجار ، كرز ، عنب .....) وهو ما يؤكد المنحى الرومنسي في قصائد علي مبروك الشاعر الرقيق ذي المشاعر المرهفة والحس النبيل إذ يتوسل بالعناصر الطبيعية عله ينجح في رسم صورة هذه المرأة . صورة متمنعة مستعصية تراود الشاعر عن بعد لتهرب منه إذا ما حاول الإمساك بها لتحلق فوق اللامعنى . ويقر الشاعر برحلته الطويلة الشاقة في مطاردة المعنى ونكاد نسمع لهاثه ودقات قلبه المتسارعة من خلال تسارع النسق الإيقاعي وتتالي الأحداث دون فواصل زمنية (انفرطت ، هرعت ) ثم يكتفي بان يقول " امرأة غير عادية ".فيجد أن الاعتراف بخروجها عن دائرة المألوف والمعتاد هو الأقرب إلى المعنى الذي توسل إليه الشاعر بأساليب متعددة . وكيف لامرأة تحلت بهذه الخصال أن تكون مألوفة عادية امرأة بليغة في صمتها جبارة في بوحها .جمعت من الصفات أرقاها ومن المعاني اسماها . إن هذه الكلمات القليلة كمًّا العميقة نوعا تحتاج وقفة أطول في رحابها وإبحارا أعمق في عبابها لأنها حبلى بالمعاني مثقلة بالجمالية .فقد نجح علي مبروك إلى حد بعيد في رسم لوحته الشعرية بألوان متعددة بلاغيا ( استعارات ، تشابيه ....)ويمكن القول انه يؤسس لوجهة جديدة في الشعر الغزلي إن صح اعتبار القصيدة غزلية رغم إننا لا نغفل ما ورد فيها من وصف لجمال المرأة لكنه ليس بالجمال الجسدي كما يتراءى لنا من خلال قراءة سطحية عابرة لا تبحر فيما خلف الكلمات بل هو جمال أسمى وأرقى انه جمال العقل والفكر في عصر تخلصت فيه المرأة من سجن الجسد الذي كان يقيدها وكانت ضحية له على حد عبارة الأديبة " فدوى طوقان " لتلعب دورا فعالا يضفي على وجودها معنى فيزيدها احتراما وهيبة . بقلم حليمة بوعلاق