كانت تجلس على مقعدها في غرفة العائلة، ترتشف فنجان قهوة الصباح .عيناها تتفحصان أثاث الغرفة والذكريات. امعنت النظر على الحائط المقابل لها، كان يتصدره صورة زوجها بإطارها الذهبي المربوط بشريط اسود عند زاويته اليسرى. وحول صورته تنتشر صور ابنائها مع زوجاتهم واولادهم. في ركن الغرفة كان صندوق، تعكس جدرانه بصمات اصابع الاطفال، ويضم بداخله العابهم ودماهم. تفر من عينيها دمعتان، تمسحهما بيدها التي تبرز منها العظام . تتجول في الغرف متكئة على ما تبقى لها من قوة. الوقت طويل وممل. المكان يلفه البرد. يقطع الهدوء صوت سيارة ما يلبث ان يتوقف محركها، ثم خطوات على الدرج. تقدمت بخطوات مرهقة وفتحت الباب قبل ان يُقْرَع الجرس. انتصب أمامها رجل طويل القامة اشقر الشعر احمر البشرة. دون ان تتفوه بكلمة رافقته الى سيارته. كانت تراقب المحلات والاشجار على الجانب المحاذي لها من وراء عينين تملؤهما الدموع. دخلت السيارة الشارع المنحني كالثعبان الى ان وصلت إلى منطقة تحيطها أشجار طويلة ذات أوراق كثيفة تتعالى فيها زقزقة العصافير. توقفت السيارة عند رصيف الشارع، امتد على جانبها الايمن عمارات سكنية، وعلى جانبها الايسر اشجار الغابة. التفتت إليه فبان وجهها المحفور بأخاديد الزمن قالت : كيف لي ان اسكن هنا؟! انا اخشى حيوانات الغابة اجابها : الحيوانات لا تؤذي، عليك ان تخشي هؤلاء؛ مشيراً بسبابته الى الاحياء السكنية..