بقلم ندى إمام لم تكن تدرى و بطنها تزداد علوا كل يوم بأنها حبلى ! فلم تكن تتوقع أن نهاية لقائها به ستأتى بتلك النتيجة ! ماذا ستفعل وهى فتاة فى الخامسة والعشرين من العمر لم تزوج بعد ؟ كيف ستواجه تلك المأساة بمفردها ؟ بل والأهم كيف حدثت ؟ وكيف سترويها ؟ مازالت بطنها مع الأيام تتضخم و نظرات الأم تعذبها . الأم خجلى من السؤال وتبرر ذلك التضخم بأسباب أخرى مرضية عارضة ! و الكل حولها ينظرون إليها مندهشين ، متسائلين ، هل هذا انتفاخ شديد ! هل مرض غريب ! هل ..وهل ؟ ولا أحد يجرؤ أن يبوح بأفكاره تجاه هذا الموقف الحرج ! الكل فى حالة وجوم وترقب منتظرين ، متوقعين ، خائفين . ليته لم يسافر . ليته ظل معها وأكملا الحب . لماذا الحب دائماً لا يتم ؟ و لماذا النهايات دائما حزينة ؟ هى العاشقة المعذبة بالرومانسية ، الشقية بالأحلام الوردية ، المشتاقة للكلمات الجميلة ، الباحثة عن النظرات الهائمة ، تتعذب بالحب ؟ كيف يُنكر شخص على نفسه كل هذا الولع به ؟! كيف يرفضه ؟ وكيف لا يستشعره !! أسئلة كثيرة تحيرها ، تقهرها ، ولابد من الصمود ولكنها لاتقدر على مواجهة الواقع . هل سيصدق أحد أنه ليس له وجود فى بلدها منذ سافر الى إحدى دول الخليج منذ ثلاثة أعوام ؟ رحل تاركاً لها الذكرى وحب لم يدم ، تاركاً لها الأحلام لتحيا فيها كل ليلة. تمارس معه طقوس الهوى ، تحبه بكل طريقة ، تفجر به طاقات العشق . كل ليلة هو ملكها ، لا ينازعها فيه أحد . وهو مستسلم فى وداعة ، يعشقها على الفطرة ، يأخذها بكل حنان ، يعطيها بسخاء ما تتمناه وما تطلبه . الأحلام تتناولها منذ سبعة أشهر تأخذها من ليلة إلى أخرى ومن حلم إلى آخر . لم تعد تنام إلا حين تحتضن وسادتها و تبدأ فى التفكير فيه حتى يقهرها نوم" فتحلم ، وتحلم ، وتحلم ، ما أجمل الأحلام .. فهى لا تستطيع أن تحيا على قناعة بأنه لا يحبها ! فى الحلم "هو" واقع له وجود ، باق لم يرحل ، حالم لا يمل ، يجيد الهوى ، بارع فى مداعبة جسدها ، له أصابع حانية ، له همسات دافئة ، له رائحة جسد خاصة مميزة تذوب حين تستنشقها فتدخل فى حالة لا توصف من الذوبان فى العشق . فكل يوم يأخذها معه إلى أماكن مجهولة ويمارسان الحب معاً بكل وسيلة . كانت أحيانا ما تستيقظ على قوة القبلة حين يمتص شفتيها ، أو يعتصر نهديها ، أو من شدة دقات قلبها حين تصلُ إلى حد النشوة . هو فى الحلم كان الحياة لذا أعطى فى أحشائها حياة . ولكن كيف حدث هذا ؟ هل الحب قادر على فعل المعجزات ؟!. نعم الأحلام قد تصنع المستحيل ، ودائما ما تبدأ الحقائق من الخيال . ولكن لا .. لا داعى للتفلسف . كل هذا لا يهم الآن . المهم هو حقيقة هذا الحمل . و كيف ومن أين أتى ؟ هل يمكن أن أكون قد اجتزت معه هذا الحاجز الرقيق بين الحقيقة والأحلام ؟ هل كان واقعاً وليس حلماً كما أعتقد ..؟ لم تعد تستطيع الجزم . وقد تداخلت الأحلام فى واقعها وعبثت به وبذهنها اشد العبث . إن عقلها صار مشتتاً وبطنها مازالت تتضخم وترتفع . والآن قد تعدت الشهر الثامن بأيام ، لم يعد هناك بد من الفحوصات الدقيقة . أخذتها أمها الى عيادة الدكتورحيث قرر دون أن يعرف هل هى متزوجة أم لا أنه حمل... وبعد أن صرخت الأم بأنها مازالت بكراً ، أمسك الطبيب بسماعته مرة أخرى وتحسس بطنها المرتفع ثم قال.. أعراض حمل كاذب .. وعُرضت على طبيب آخر.. وآخر.. وأجمع الكلُ على أنها حالة نادرة الحدوث لفتاة مازالت بكرا... ! ابنتك لديها متاعب نفسية يا سيدتى عليكم باللجوء إلى طبيب أمراض نفسية لعلاجها .. هكذا قال آخر طبيب نساء عرضتها عليه و آخر طبيب أمراض باطنية وصدرية الخ .. فذهبت بها الأم ، وذهب بها الأب ، ومرة الأخ الأكبر ، ومرة الأخ الأصغر . الجميع لم يألوا جهداً فى رعايتها أوالاهتمام بها . وهى مازالتعلى وضعها الغريب ، متمسكة بالحلم . كل ليلة تعيش الحلم . جاءها صوت رنين التليفون ، ردت فإذا صديقتها تخبرها بأن حبيبها الغائب قد عاد ، و لم يسأل عنها حين قابلته بالنادى . بل والأكثر مرارة أنه كان يبحث عن عروس منذ عودته ، وقد وجد مؤخرا فتاة أحلامه ، وتقرر أن يتم زفافه خلال شهر إجازته ثم سيأخذها ويسافر عائداً من حيث أتى . أنك لم تأتى بخاطره على الإطلاق ، لقد نسيك هذا الغادر تماما ! فلتنسيه يا " نسمة " أرجوك إنسيه ؛ فهو لم يسألنى حتى عنك , وحين ذكرتك له قال فى برود.. سلمى لى عليها " نسمة" أفيقى من أوهامك ، عودى إلى رشدك إنه لا يستحقك . كانت كلمات صديقتها قاسية. ولكن صديقتها تعمدت ذلك حتى تخرج بها من الوهم إلى الحقيقة فهى أيضاً تبغى المساعدة . تعذبت كثيراً بكت ، تألمت ، نامت فلم يأتِ الحلم . كأن الأحلام هى الأخرى أشفقت عليها . صارت أكثر إنطواء إتخذت من غرفتها ملاذا من عيون الأهل وظلت بها ليالِ تبكى . غياب الأحلام أثار جنونها فكانت تذهب إلى الفراش وهى فى حالة تحدى وعنف . وباتت تحطم فى نفسها . فترفض الكلام ، ترفض الطعام ، ترفض مغادرة الفراش حتى تحلم . ولكن لا فائدة لقد ذهبت الأحلام إلى غير رجعة فحزنت .. وذبلت . عاودت صديقتها الاتصال بها لتخبرها أن يوم زواجه قد تحدد بالفعل، وأنه دعاهن إليه ولكنها لن تذهب بالطبع . أغلقت السماعة وقد شحب لونها ، سقطت على الأرض فى حالة من الضعف والذهول، عاونتها أمها فى الوصول إلى السرير ، أطفأت لها النور، أغلقت عليها الباب وانصرفت كما طلبت منها . قامت فى حزن بوضع رأسها على الوسادة و أمسكت بأعمدة سريرها الخشبى، وفى حركة شبه سينمائية اعتادت رؤيتها فى الأفلام ، و لطالما تمنت أن تعيشها فى الواقع ، و بنظرة متحدية حزينة ، بدأت فى أجهاض الحلم .