أعرض اليوم لوحة الأسرة انتاج عام 1960- الوان جواش 33 في 24 سم اللوحة تجريدية تكعيبية، علي غرار باقي اللوحات التي انجزتها في حقبة الستينيات، دار في الستينيات جدل ونقاش حول موضوع تكاثر السكان، وأهمية تنظيم الأسرة... كان المجتمع يعتقد أن حل مشكلة السكان في سبيلها لاخراج مصر من عثرتها الاقتصادية... ومن المضحكات المبكيات أننا ما زلنا حتي عام 2013 الحالي نعيد ونكرر الحديث حول نفس الموضوع. اعادة مشاهدة اللوحة المرفقة، جعلني اتسائل عن ظروف ظهور الاتجاه التكعيبي التجريدي في مصر...؟ وطبقا لقدر المعلومات التي توفرت لدي وتحليلي لها سأتشجع واعرض ما توصلت اليه..... فاتحا الباب لمن يكون لديه المزيد من المعلومات المؤيدة لما أذكر أوالتي تضيف شيئا، وكذلك لوجهات النظر التي قد تختلف عما أعرضه... في عامي 1951 و1952 وفد الي مصر الفنان الفرنسي أندريه لوت Andre Lhote (1885-1962) بدعوة من وزارة المعارف باقتراح من الفنان محمد ناجي. والفنان اندريه لوت هو من بين ابرز فناني الجيل الثاني للتكعيبيين في فرنسا، واشتهر بكونه معلما نابها للفن وناقدا فنيا متمكن، له تلاميذ عديدين في انحاء العالم ومن بين ابرزهم الفنانة الأمريكية البولندية الأصل تامارا ليمبيكا Tamara Lempicka(1898- 1980) وانصح بمشاهدة اعمالها علي النت، وايضا الفنان المصري صلاح يسري (1923-1984) والفنان العراقي اسماعيل الشيخلي (1924-2002). اجري اندريه لوت عدة لقاءات و محاضرات عامة بمصر عن الاتجاه التكعيبي وآرائه حول القطاع الذهبيي الذي كان من ابرز المروجين له، كما نظم لأعماله معرضان احدهما بالقاهرة والآخر بالاسكندرية. وفيما يلي بعضا من ملاحظاتي حول أثر زيارات لوت لمصر:- - كانت اللقاءات والمحاضرات باللغة الفرنسية، فلم تصل افكارها لغالبية الفنانين المصريين الذين لا يتحدثون الفرنسية، كما لم يكن في مقدور النقاد المصريين ترجمة آفكار ونظريات أندريه لوت الي العربية بدقة كافية. - لما كان الفنان محمد ناجي صاحب فكرة حضور لوت لمصر، فان معظم الفنانين الأكادميين في مصر لم يستقبلوا الزائر وافكاره بحماسة بسبب موقفهم من ناجي الذي كان متعاليا عليهم، ويرون أنه سلبهم حقوقا ومناصبا كانوا أجدر بها منه. - كان تأثير المدرستين الواقعية والانطباعية متجذرا داخل الحركة الفنية المصرية وقتها، وبالتالي ساد شعور بعدم الارتياح نحو الاتجاه التكعيبي، ولم يلتفت لأفكار لوت سوي قلة من شباب الفنانين. - نظر الي اعمال لوت علي انها مزحة أو تقليعة، ولم تنتبه الصحافة المصرية باللغة العربية بالقدر الكاف لما عرضه اندريه لوت، بعكس الصحف التي صدرت باللغة الفرنسية. - كان من المفترض أن تتكرر زياراته لمصر سنويا بعد أن أختير عضوا في لجنة التحكيم لمسابقة جائزة اسماعيل التي تعطي الحق لمن يفوز بها للسفر في بعثة للخارج، ولكن بعد ثورة 23يوليو 1952، الغيت الجائزة ولم يعد هناك جدوي من حضور اندريه لوت مرة أخري. رغم كل المعوقات سالفة الذكر، فقد احدثت زيارتي أندريه لوت لمصر حراكا، ما بين مؤيدين ورافضين، لكنها جذبت انتباه عدد قليل من الفنانين الشبان، ابرزهم الفنان صلاح يسري الذي انبهر بأعمال اندريه لوت فغادر مصر الي فرنسا في ركاب الفنان الفرنسي ليتتلمذ علي يديه هناك، وظل الفنان صلاح يسري مقيما بفرنسا بقية عمرة، يحضر الي مصر في زيارات خاطفة قليلة، لذلك فهو غير معروف علي نطاق واسع في مصر، كما لا توجد له لدينا سوي أعمال قليلة جدا، وطبقا لتقديري الشخصي أعتبر الفنان صلاح يسري من أوائل الفنانين التكعيبيين في مصر. أمتدت التأثيرات التكعيبية بشكل غير مباشرة الي شريحة قليلة من الفنانين المصريين المقيمين بمصر في ذلك الوقت، وتقديري الشخصي أن الفنان منير كنعان الي حد ما كان ابرزهم. تلك كانت جزئية من الظروف المحيطة بالحركة الفنية في مصر في الخمسينيات، وقد تنبه حسي تجاهها عندما كنت في العشرينيات من عمري عام 1960، ادركتها عن طريق قراءاتي المتنوعة وكذلك مشاهداتي لأعمال منير كنعان التي نحت أتجاها تجريديا تحليليا، خلبني ذلك الاتجاه، ودفعني للسير علي الدرب التكعيبي التجريدي. آسف فقد اطلت في حديثي ........لكن الافكار تواردت، وخطرت ببالي، عندما اخترت اللوحة المرفقة لأعرضها عليكم ....فأرجو المعذرة.