يؤمن المشاركون فى مؤتمر "ثقافة مصر فى المواجهة" أن هذا العنوان لا يتعلق بالمرحلة التى نعيشها فحسب ولكنه يحدد دور الثقافة المصرية منذ بدء نهضتنا الحديثة؛ حيث خاض المثقفون المصريون كل المعارك التى حررت مصر من عباءة العصور الوسطى المتخلفة إلى آفاق الحرية والحداثة، ومن هنا فإن هذا المؤتمر يأتى كامتداد طبيعى لجهود المثقفين ودفاعًا عن حرية المصريين فى صياغة مستقبلهم كما تجسد فى وقفتهم مع جموع الجماهير المواطنين خلال موجتى الثورة الشعبية العظيمة فى 2011، و2013، التى أعلنت تصميم المصريين على تحقيق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. ومثلما كانت هذه الثورة تعبيرًا تلقائيًا عن طموح الشعب المصرى فإن موقف المثقفين ودعوتهم إلى هذا المؤتمر جاءت تعبيرًا حرًا وتلقائيا عن إحساسهم بمسئوليتهم نحو شعبهم العظيم، فلم يخضع هذا الملتقى لأى نوع من أنواع الوصاية من أى جهة حكومية أو غير حكومية، وكان بذاته إعلانًا عن استقلال المثقف عن السلطة الحاكمة ليتوجه بولائه إلى المواطن صاحب السلطة الحقيقية والباقية. وعزز هذا التوجه أن المشاركين فى المؤتمر قد مثلوا كل الأجيال والتيارات الفكرية كما مثلوا كل أقاليم الوطن من الحضر والريف، بما فى ذلك من طال تجاهلهم، وأثرى ذلك التنوع قدرة المؤتمر على التعبير بصدق عن مشاكل الواقع وعن آمال المستقبل، وساعد على ذلك أن مناقشات قد جرت بحرية كاملة فلم يصادر أحد على رأى زميل آخر، وتم التعامل مع الاختلاف فى الآراء باعتباره مصدر غنى للحوار لا مجالاً للعراك والنزاع، إيمانًا بأن الجميع يسعون لتحقيق الهدف الأساسى للمؤتمر وهو أن تكون الثقافة سلاحًا فعالاً فى معركة النهوض التقدم. وإلى جانب المناقشات التى دارت فى الجلسات فقد قبل المؤتمر جميع الأوراق والأبحاث التى تم تقديمها إليه ونوقشت مناقشة مستفيضة جرى خلالها التعبير عن مختلف الآراء فى حرية كاملة. وسيتم الإعلان بالتفصيل عن المطالب التى انتهى إليها المشاركون فى المؤتمر، ولكن يجدر التنبيه الآن إلى القضايا الرئيسية التى ناقشها المؤتمر نظريًا وحسمها: 1- موضوع هوية مصر الثقافية.. واتفق المجتمعون على أن الهوية ليست قضية تخضع للجدل ولكنها تعبّر عن نفسها بشكل تلقائى من خلال المعايشة المجتمعية التى تعبر عن التنوع فى إطار وحدة طبيعية دون أن تصهر أو تذيب التنوع الخلاق لمكونات المجتمع بل تثرى بالتفاعل فيما بينها تلك الوحدة التى تشكل الهوية الموحدة للمجتمع. 2- الدولة المدنية الحديثة.. رأى المشاركون فى المؤتمر أن المعارك التى خاضها الشعب المصرى فى ثوراته المتعاقبة ونضاله السلمى على امتداد قرنين من الزمان كانت صراعاً حقيقيًا يحمى حقوق الأفراد وحرياتهم فى إطار دولة مدنية تتحقق فيها المساواة فى إطار المواطنة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية. 3- حرية الإبداع.. رأى المجتمعون أن حرية الإبداع تتحقق باستقلال المثقف عن سلطة الدولة واستقلال الثقافة عن كل أشكال الضغط السلطوى أو المجتمعى وأن تلك الحرية هى التى تضمن ازدهار الفكر وقدرته على إحداث تغيير إيجابى فى المجتمع بمقاومة عوامل الاستبداد والقهر واستئصالها من الدولة والمجتمع. ورأى المشاركون فى المؤتمر أن ثقافة المواجهة تعنى فى النهاية توفير حرية كاملة للمبدعين والمثقفين باعتبار تلك الحرية تمثل مسئولية يقع على عاتق المثقفين حمايتها وتوجهها لخدمة أسمى الأهداف الدائمة للثقافة، أى الحق والخير والجمال فى وطننا ليصبح منارة يشع نورها على وطننا العربى وعلى العالم بأسره. مطالب مؤتمر المثقفين يقرر المؤتمر الأول للمثقفين المصريين المنعقد بالمجلس الأعلى للثقافة فى الفترة من 1 إلى 3 أكتوبر 2013، النضال من أجل تنفيذ ما توصلوا إليه من مطالب عادية فى إطار جدول زمنى محدد، كما قرر المؤتمر تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ قراراته وعرضها على المثقفين فى مؤتمرهم الدورى الذى قرروا عقده فى القاهرة والمحافظات المختلفة واتخاذ ما يلزم فى حالة التقاعس عن تنفيذ هذه المطالب: 1- زيادة الميزانية المخصصة للنشاط الثقافى فى مصر وتوجيهها لدعم الأنشطة المستقلة والحرة عن طريق دعم الميزانية من قبل الدولة المصرية، وكذلك كافة مؤسسات الدعم غير الحكومية، واستقطاع إجبارى فى الوعاء الضريبى للقطاع الخاص لدعم الأنشطة الثقافية المتنوعة، وتحرير النشاط الثقافى فى كافة القوانين البيروقراطية مثل القانون (89) الخاص بشركات المقاولات والذي لا يصلح بالمؤسسات الثقافية. 2- دعم استقلال المجلس الأعلى للثقافة وفق تصور ديمقراطى، والعودة لدوره الأصيل فى رسم السياسات الثقافية للبلاد، والإشراف على متابعتها وتنفيذها، وأن تكون قراراته ملزمة لقطاعات الدولة المختلفة، وأن يكون اختيار الأمين العام بقرار من رئيس الوزراء بناءً على ترشيح أعضاء المجلس المنتخبين. وأن يكون للمجلس وضع مؤسسى يضمن استقلاله فى الدستور الجديد. 3- لا يمكن تصور بقاء الرقابة على الإبداع الفنى على حالها بعد ثورتين قام بهما الشعب المصرى العظيم، ويجب تحويلها إلى جهة منح تراخيص للمصنفات الفنية بناءً على تصنيف "عمرى" للمسموح لهم بالمشاهدة، وقصر المنع على إهانة الآخر وازدراء الأديان للفاشية بكل أنواعها. 4- إتاحة الحرية الكاملة للفعل الثقافى بفتح قصور الثقافة ومسارح الهيئة ودور العرض التابعة للوزارة أمام النشاط الحكومى والأهلى على السواء، ورفع جميع أنوع الوصاية الحكومية أو الأمنية، وإشراك الفنانين المستقلين فى إدارة هذه المسارح ودور العرض، ووضع سياساتها بدلاً من الإغلاق والإهمال معظم فترات العام (مثل مسرح الهناجر ومسرح الإبداع وباقى دور العرض التابعة للدولة). 5- تشكيل لجنة مستقلة ومحايدة متخصصة لإعداد تقرير فنى وإدارى منفصل عن الحالة الفنية والإدارية لكل مواقع الثقافة الجماهيرية لوضع سياسة لكيفية استعادة دورها فى أسرع وقت وبأفضل الطرق وفى المكان نفسه. 6- عودة الهيئة العامة لقصور الثقافة إلى اسمها الأصلى وهو "الثقافة الجماهيرية"، واعتبار عام 2014 عامًا للثقافة الجماهيرية يُستعاد فيه دورها الرائد وسط جماهير الشعب المحرومة من الثقافة والفنون، وتشكيل مجالس أمناء لإدارة هذه المواقع بشكل مستقل عن سيطرة الدولة من مثقفى الأقاليم المعنية المتطوعين والمنتخبين، وكذلك دعم ميزانية النشر داخل الهيئة لتشجيع المواهب المحلية دون الاصطدام بمركزية القرار بمنح الصلاحيات الكاملة لمراكز الأقاليم، وكذلك إعداد مراكز لإعداد الكوادر للعمل فى الهيئة. 7- ضرورة العمل الفورى على استرجاع كافة أصول السينما المصرية وخاصة بعد قرب تفكيك وزارة الإعلام وأن تعود دور العرض والمعامل والاستوديوهات والمعدات التابعة لهيئة الاستثمار وكافة الوزارات الأخرى على أن تدار هذه الأصول عن طريق شركة حديثة بالاكتتاب الحر بين السينمائيين المصريين دون احتكار وبشفافية كاملة. 8- تمثيل الثقافة المصرية المتنوعة داخل المجلس الأعلى للثقافة والإدارات المختلفة بحيث يتوفر تمثيل عادل للثقافة البدوية والنوبية والأمازيغية والبجاوية التى تمثل روافد للحضارة المصرية المتنوعة. 9- مساعدة الدولة للمثقفين والمستثمرين الراغبين فى استصدار تراخيص، والمساعدة على الإعفاء الضريبى لإقامة مشروعات ثقافية فى الأماكن المهملة مثل أسفل الكبارى والساحات وتحويلها إلى مواقع فاعلة بالتعاون مع الإدارات المحلية ووزارات السياحة والشباب والآثار. 10- ضرورة دعم الدولة للفرق الفنية المستقلة والمهرجانات المستقلة دون قيود أو تعسف وبشكل شفاف وأن تدرك الوزارة أن دورها الأساسى هو دعم النشاط الثقافى والفنى المستقل وليس إنتاجه بنفسها لمجرد أداء الواجب، كذلك دعم الدولة للأنشطة الثقافية ذات الحضور التاريخى والنجاح الملحوظ مثل مشروع "مسرح الجرن" للتنمية الثقافية. 11- يؤكد المؤتمر على دعمه الكامل لتوصيات المؤتمر القومى للمسرح ويكلف الأمين العام لهذا المؤتمر بإعداد الملف التنفيذى لهذه التوصيات لعرضها على السيد رئيس مجلس الوزراء وخاصة ضرورة الانتهاء على وجه السرعة من إعادة افتتاح المسرح القومى الذى طال إغلاقه دون مبرر مفهوم أو معقول. 12- لحين انتهاء إعداد سياسة كاملة لتطوير مناهج التعليم والتعليم العالى وبخاصة فيما يتعلق بالشأن الثقافى يلح المؤتمر على ضرورة تخصيص وقت معقول فى العملية التعليمية للنشاط الثقافى عن طريق تعيين محركين ثقافيين متخصصين من خلال إنشاء معهد تدريبى متخصص لتخريج المحرك الثقافى. 13- المساعدة فى إنشاء نظام الخيمة البدوية الثقافية فى المناطق المحرومة من الخدمة الثقافية مثل مطروح وسيناء والنوبة وحلايب وشلاتين، وأن تحتوى على مكتبة متنقلة وعروض فنية تشكيلية وموسيقى وأفلام بما يسد الفراغ الثقافى الحادث فى تلك المناطق، وكذلك إصدار سلسلة للشعر البدوى للحفاظ على هذا النوع الإبداعى من الاندثار وكذلك إنشاء موسوعة للمشغولات البدوية المتنوعة. 14- تشجيع القوافل الثقافية الشاملة وإمدادها بكامل وسائل التواصل الثقافى وتدريب كوادرها بحيث تصبح نشاطا دائما فى جميع محافظات مصر. إن هذه المطالب هى بداية طريق صعب نعلم أنه ليس معبّدًا أو سهلا، ونعاهد الجميع أننا سنسعى للنضال من أجل تحقيق هذه المطالب، كما ندعو الجميع للمشاركة فى انتزاع حقه فى الاستمتاع بالثقافة بشكل حر وكريم فى وطن ديمقراطى حقيقى.