عام 1905 حين بلغ "صادق بسيسة" التاسعة من عمره، لم يكن في وسع مخلوق من أهل البلد أن يتكهن بما يمكن أن يتسبب فيه ذلك الطفل الكفيف من المصائب إذا تُرِك بمفرده للحظات؛ فمنذ أن خرجت البلد عن بكرة أبيها مفزوعة، لتتبين أسباب صراخ نساء عائلة "الزَغَل" وولولتهن بقيادة "ستّوتة"، والجميع لا سيرة لهم سوى تفصيل وإعادة حكاية امتطاء الطفل الكفيف للبغلة، التي تدير مطحن أبيه، على حين غفلة من الجميع، في قيلولة أحد أيام الصيف، وكيف أنه أفلح في فك الأربطة التي تشد البغلة لذراع الطاحون، وكيف أن البغلة التي استشعرت الحرية، وقد أدركت بغريزتها انعدام خبرة من يمتطيها، أخذت تعدو وهي لا تلوي على شيء، مطيحة في طريقها ببعض أكياس الغلال، مما أيقظ أحد العمال، الذي هرع إلى منزل سيده متهماً نفسه بالجنون لهول ما رأى، ومتوقعاً خراباً محتوماً عقب حكايته الحادثة. وكيف أن رجال عائلة "الزَغَل" قد خرجوا بألبستهم الداخلية فقط وهم عراة الصدور، فيما خرجت النساء صارخات مكشوفات الرؤوس حافيات الأقدام، وقد أخذ الجميع في تتبع أثر عدْو البغلة، الذي قادهم نحو المزارع عبر المدقات الترابية. وكيف أن الموكب العجيب قد أخذ في التضخم، نتيجة الانضمام التدريجي للأفراد والجماعات، الذين راعهم غرابة المشهد وعويل النسوان، حتى انتهى بهم المطاف إلى ساقية "سيدي بسيسة"، ليُفجعوا بمشهد البغلة وهي تقف منفردة بجوار بئر الساقية، وكيف أن "ستّوتة"، وقد صدمتها الفاجعة، ارتمت على الأرض وهي تحثو التراب على رأسها وتلطم خديها بعنف، بينما اندفع الرجال نحو البئر وهم يتوقعون الأسوأ. إلا أن الحكايات اختلفت بشأن تفاصيل الخاتمة؛ فمِن قائل إن الرجال قد أخذوا في التكبير والتهليل، حين فاجأهم مشهد الطفل، وهو يجلس مختبئاً خلف بئر الساقية، ومتجهاً نحو ضريح "سيدي بسيسة" وكأنه يتأمله بعينيه الكفيفتين. ورواية أخرى تقول بأنهم، وقد اندفعوا نحو فوهة البئر، عثروا على الطفل محشوراً بين اشتباكات حبال الليف، وأخشاب الدعامات التي منعته من السقوط ببركة "سيدي بسيسة". إلى رواية ثالثة - تم اعتمادها فيما بعد، باعتبارها الرواية الرسمية للحادث - وهي الرواية التي تنص على أنهم، بعد أن أعياهم البحث في كل مكان، قد تناهى إلى أسماعهم صوت الطفل الصغير، وهو يضحك متحدثاً، وكأنه يخاطب شخصاً آخر، وأنهم بعد أن تتبعوا مصدر الصوت، عثروا على الطفل وقد استقر بداخل الضريح بجوار قبر "سيدي بسيسة"، وقد غطاه الحرير الأخضر، كعلامة أكيدة على إحدى أشهر الكرامات الساطعة، التي تحكي عن إنقاذ "سيدي بسيسة" لسَمِيِّه الصغير.