(إنه شئ تأنف الوحوش نفسها من ارتكابه ، لقد أتَوْا بفتاة ، واغتصبوها أمام أهلها ، ثم بدأوا تعذيبها فقطعوا نهديها و ألقوا بها في النار ) أليست هذه الصهيونازية ! المشهد ليس مقتبسا من المعسكرات النازية ، إنما هو شهادة لأحد الصحافيين على جرائم عصابات الهاجاناة والأرغون وشتيرن الصهيونية في قرية دير ياسين الفلسطينية ، فمن لا يتذكر القرية ، عليه على الأقل أن يتذكر المذبحة ! ولكن هل كانت فعلا مذبحة ! لا لم تكن كذلك ، إنما هي إبادة عرقية في واقع الجريمة كما وصفها أبرز المؤرخين الجدد ، الكاتب اليهودي " إيلان بابّه " في كتابه " التطهير العرقي في فلسطين " الصادر عام 2006 . فأية أحابيل يمكن لها أن تنطلي على الحقيقة بعد هذا ؟! العدالة ...هي الحيلة الأخطر للقانون ، فقد اختلفت المفاهيم والمعايير ، حتى لتصبح الأفعى الأمازونية "الأناكوندا التي تضم الفريسة فتكسر عظامها وتعصرها وتفجر عروقها ، بريئة من الافتراس ما دام الضم ليس أداة قتل ، إنما تعبيرا عن البتاع ! " هذه عدالة غابٍ ولكنها عدالة " modern" ، فالعنف في الحب لا يعبر عن سلوك ميكانيكي عدواني ولا تصرف مأزوم ، عجبي ! ******************* الجرائمية لا تكمن في التطبيق وحده إنما في النية أولا ، ثم في تبعات الارتكاب ، فالمؤتمر الصهيوني الذي انعقد في بازل السويسرية عام 1897 وأوصى بوطن قومي لليهود في فلسطين ، سبق الهولوكست التي وقعت في إبريل عام 1933 أي قبل ستة وثلاين عاما من المحرقة ، وهو ما يدل على أن الجريمة مبيتة ، ولم تكن الهولوكست عاملا اضطهاديا أدى إلى الخلاص اليهودي ، مما يعني أن الصهيونية سبقت النازية ، وأن تيودور هرتزل وعصابات المهاجرين ومافيات الإبادة الصهيونية شكلوا النموذج الهتلري قبل هتلر ذاته ! وبهذا يكون المسمى الذي أطلقناه على مفهوم الاحتلال الاسرائيلي منطقيا : " الصهيونازية " حيث تسبق الصهيونية النازية بفارق المخطط والنيّة . لا بل إن الصهيونازية ، سبقت الهولوكست النازي ليس بهذا فقط، بل أيضا بالبدء الفعلي للتطبيق منذ تشكيل العصابات والمباشرة على تدريبها وعلى رأسها الأرغون منذ ما قبل 1931 . *********************** ولكن ماذا عن القتل الرحيم ؟ عليك أن تموت أولا لتعرف بالضبط ما هو عذاب البرزخ ؟ إنه الفلسفة المتبعة الآن في السجون الصهيونية في فلسطين ، فكيف ذاك ؟ أليست هي الإبادة العرقية ! وهي سياسة القتل الجماعي المنظمة التي يقوم بها كيان ما ضد جماعة قومية أو مجموعة أفراد ، صنفت كجريمة دولية في اتفاقية الأممالمتحدة عام 1948 ، وتم تفعيلها عام 1951 بمصادقة 133 دولة عليها . وتعتبر الجريمة جريمة تطهير إن كانت مرتكبة بهدف التدمير الجزئي أو الكلي المتعمد لجماعة معينة ، وضمن الشروط التالية : قتل أعضاء من الجماعة. إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء منها . إخضاعها، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا، فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال ، نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلي جماعة أخرى. حصيلة شهداء الحركة الأسيرة وصل إلى 207 حسب إحصائية نادي الأسير ، مع استشهاد الأسير ميسرة أبو حمدية ، ويتراوح القتل بين التصفية الجسدية كما حدث مع الشهيد عرفات جرادات أو بإطلاق الأعيرة النارية المباشرة ، أو غير المباشرة ، أو بالإهمال الطبي المتعمد وعدم توفير العلاج كما حدث مع الشهيد أبو دريع ، وأبو حمدية ومن يقف في طابور الموت في مسشفى سجن الرملة ، الآن . إن إلحاق الأذى الجسدي بالأسرى من خلال التعذيب ، وأساليب التحقيق القاسية والانتهاكية من شبح وتعرض للهواء البارد جدا في الشتاء والحارق في الصيف ، والقهر الذي يمارسه السجان من العزل الانفرادي والحرمان من الزيارة ، وتعريض الأسرى إلى الظروف المعيشية الصعبة من خلال الطعام المقزز الغير صحي ووضع الزنازين - التي كانت مستودعات ديناميت خلال الانتداب البريطاني – لا تراعي المعايير الدولية لمنظمة الصحة العالمية وهو ما تناولناه بالتفصيل في صفحة ملفات ومفكرة السجون . ثم ما كان يردنا من شهادات شفوية – لا أكثر - لأسرى يتحدثون عن حالات عقم مؤقت أو دائم ، وما يمكن لك أن تتخيله من عمليات إسقاط الأطفال الأسرى ، خاصة في مرحلة التفتيش العاري حيث يعلقونهم في الهواء ويبدأون بتفتيشهم عراة من أماكن حساسة تفتيشا شبقيا - بحضور مجموعة من المجندين والمجندات يسخرون ويهزأون ،وهم يصورونهم ويهددونهم بنشر الفيديوهات ، مما يُخضع بعضهم لهم بالتالي ينقلهم من جبهة إلى أخرى ، كل هذا وما خفي أعظم – كله يندرج ويستوفي كل شروط جريمة التطهير العرقي ، حسب اتفاقية الأممالمتحدة ، فأين المحامون أين الأطباء من هذا كله ؟ أين الشهادات الطبية والتشريح الطبي للشهداء والتقارير الطبية التي يمكن لها أن تشكل دليلا دامغا على الجريمة ؟ وأين القضايا التي يمكن للمحامين وهم شهود عيان – من رفعها إلى محاكم العدل الدولية ؟ رغم أن العدل ابن أناكوندا ! يعبر " إيلان بابّه " عن صدمته لما رآه من تعامل الاسرائيليين مع الأسرى في جبهة الجولان عام 1973 ، وقد كان ضابطا في المخابرات آنذاك ، فما بالكم لو رأى مدافن الأحياء في فلسطين ؟؟؟؟! ******************* نعرف أن ضرب الأسير هو تعبير مغرور عن الخوف كما قال الشهيد غسان كنفاني ، وهو ما يثبت أن السجان محصن تماما ضد الشعور بالأمان ، ولكن الخوف الذي يشكل بحد ذاته جريمة تفوق أداة التعبير عنه ، لأن الخوف الصادر من جبان أفظع من أي خوف آخر ! إياك أن تسأل عن الحقيقة إذن ، ببساطة الشجاعة هنا تصبح أهم حقيقة ، وأنت ترى صمود الشهداء حتى آخر رمق للعتمة في الزنزانة ، ولن نسأل عن السلام و شلته فماعادوا يعنوننا بشيء ، سوى الخيانة ، لأن الصامت عن الجريمة شريك فيها ، والحرب الحقيقية الآن بيننا وبين العدو وعصافيره في البلاط السياسي ، هي حرب السجون ، التي تنتهك فيها كل الشرائع والأعراف والقوانين الدولية على مرأى الصليب الأحمر وبدراية تامة من جميع المسؤولين في غزة ورام الله .. الحرب الآن إذن هي حرب السجون ، وهذه تختلف عن تلك التي ابتكرتها أنظمة ال "play station " ، وحرب المراهنات في حلبات مراكز إعادة التأهيل و الإصلاح الأمريكية ....حرب السجون هذه ، هي الوجه الآخر للقتل الرحيم ، القتل الذي لا يتم بالمدافع والدبابات والمجنزرات العسكرية ، بل بصهر الوعي ، وتدمير الأعصاب ، والحقن المسمومة ، والعلمليات الجراحية الغامضة التي تجري بلا بنج ، وووووووووكل ما نشرناه بالتفصيل في جميع صفحاتنا التي تضم شهادات أصحاب الوجع . فماذا تبقى ؟ أه ، نعم ، تبقى أن نوجه عتبا بسيطا فقط على فرانسيس فوكاياما ، لأنه خدعنا لما ظن أن نهاية كل حرب هي السلام ، نعتذر من السلام ، لقد ولد مشوها على طريقة الأطفال العراقيين الذين يولدون مشوهين أو مسرطنين بنسبة تزيد يوما بعد يوم عن 60% ، وهذه أيضا إبادة عرقية على المدى الطويل ، وتدمير للجنس البشري ولا من عدالة ؟ حتى الأناكوندا تكاد تتنازل تماما عن الافتراس بالضم كي لا تتشبه بالبتاع ! ****************** لن نسأل القتلة : كم عرفات ستقتلون ؟ إنما سنطالب بنبش القبور ! بتعرية المعسكرات النازية التي يرتكب فيها الاحتلال الاسرائيلي كل يوم هولوكستا أفظع من الذي تعرض إليه .. في حرب السجون هذه يجب أن نسقط كل حروبنا الحمقاء التي نخوضها ، من حرب العرب أيدول ، إلى حرب فصل البنات عن الأولاد في المدارس ، إلى حرب الرغيف بين الدحلنة والعبسنة ، والحمسنة ، ونعبر الطريق إلى جهنم ، إلى الزنازين كما أسماها الحر " رائد العيص " في أسرانا، لكي نستطيع إدراك حقيقة الجنة الموعودة ، قبل أن تصبح فلسطين في عداد المفقودين . لا نريد أن نكون شعبا من المسوخ والأراجوزات ، ولا نريد أن نتحول إلى سكان كهوف ، أو حملة خيام ، يالله ، كل ما نريده فقط هو أن نستطيع و في ظل كل انهياراتنا أن نسأل" إله النار" في شعلة هيراقليطس : يا رب الحرب : أليس لك رب ليحاربك ! وبعدها نريد أن نكيل الشتيمة للسلام .