النساء تمرُّ النساءُ على القلب ِ كما يمرُّ السحابُ أو كما يمكثُ الضوء . كثيرات كثيرات كأنهن العصافير على عزلة ِ الغصن . و هذا الفؤاد يميل بهن ميل العذوق . هنا .. سأتذكر سرب نساء ٍ سربَ حمائم سرب أعراس ٍ وربما سرب عذابات ٍ شهية . سأتذكر... التي جلست تحت النخيل ِ تقضي حاجتها من الظلال والضوء. كاشفة ً عن بلور ٍ وعن أقمار أنوثة . حين بزغتُ كفطر ٍ نفرت بكسل ٍ كمهرة ٍ حرون واستدارت هادئة ً كعبّاد شمس ٍ ؛ كي تحمي حقلاً مكسوًّا بعشب ٍ ناعم ٍ كزغب ٍخفيف وإذا بي أبصر رابية ً من تفاح ٍ وقشدة ٍ وندى قليل . تلك رابيةٌ ناضجة ! قلتُ . وأنا بعدُ في البراءة الأولى . ... الآن أقول متحسرًّا : لعنة ُ الله ِ على البراءات ِ الأولى جميعًا . والتي أحصنتْ نصّها عن التأويل ِ ، وحقلها عن فضة الملامسة . والتي دعكت ياقوتتيها بالشموسِ البريئة ِ وسفرجلها بحنكة ِ المرايا . والتي اكتسى مثلثها بالضوء الوسيمِ وتحلّتْ دائرتُها بما ليس يُوصَف . والتي ازّينتْ لحفاة ِ الريح ِ وعابري السرير ِ ونابشي الأضرحة . والتي لم يكتف ِ صهيلُها بالجياد ِ اللاهثة على عجلٍ فتشبثتْ بزناة ٍ مفترضين وبقاطفي أثمار ٍ فجّة ٍ وتخلّتْ عن المساومة . والتي وقفتْ ببابِ النهرِ عارية ً فيما صكّتْ وجهها عن قمرٍ كان يتوضأ على مقربة ٍ واستدارتْ غاضبة ً ، تحت ذرائع صيانة العفة ِ ، وحراسة الفضيلة ، و السهرِ على ِ ما رتّبَ الأسياد ! والتي دخلت في المرايا ، عنوة ً ، حتى هرمتْ كجثة التاريخ أو كإجاصة ِ الفضيحة ، وراحت أنوثتها تتداعى كما يتداعى الجدار . والتي خرجت من قنينة الوقت ِ ، ظامئة ً ، فتدفق الماءُ من سرتها.. لتستحيل السرة أرضًا ، ومنفىً ، وخيمة ً وملاذًا للظامئين . والتي كلما لامستْ حجرًا استحال طيرًا بإذن أنوثتها . والتي إن ضحكتْ سالتْ الأشجارُ في الشوارع واستحالت النوافذ غيومًا والأبوابُ كواكبَ من زبيبٍ والشوارعُ أفراسًا والممراتُ قصائد . والتي اكتفتْ بأنوثتها وضنّتْ بها على معشر ِ العشاق وندماءِ المرفأ وسادةِ الندى وسدنةِ الخصوبة ِ وأثرياء ِ الرغيف ،ِ وصرخت في برية ٍ متقشفة ٍ : إنّ أنوثتي لي ، وأنا أجزى بها ! والتي إن بكت قليلا ، عميتْ لبكائها أعينُ الخليقة ِ ومسَّ الضرُّ أجنحة ً ، وذوى الوردُ والأوردة . والتي كلما همستْ ، اخضرت لهمسها آفاقٌ ورفرفت سماواتٌ وارتفعتْ راياتٌ وطارت حصونٌ وتفتّحتْ مغاليقُ ، واسترابتْ في اللغة ِ نورسة ُ البلاغة . والتي تخيلتها غزالة ً في مرايا الماء فخبأتها في غرفة القلب ، وأجلستها بين الأسرار ِ والأساور، والكنوز النفيسة . والتي إن مسّتْ أطرافُها الصحراء صارتْ بساتينَ نساء ٍ وفراديسَ أعنابٍ ومعراجَ أنوثة ٍ والتي إن وطئت الرملَ أضحى سجادة ً من قرنفل ٍ وظباء ٍ وفراشات ٍ وموائد مسرّة . والتي كلما تثاءبتْ ، اختصمَ عليها ديكان من فرط ِ فحولة ٍ أو شبق ٍ أو عبث ٍ أو غباء أو نزوة . والتي يغسل البحرُ ساقيها العاجيتين ،كل صباح وتجلس الشمسُ جارية ً قرب أهدابها تسرّحُ لها أسرابَ الأحلام ِ وتضفر لها خصلات الذهب . والتي تتهيأ لليلة ٍ من ليالي البنفسج . تاركة ً خصرها ناحلا ً وعناقيدها عامرة ً وهودجها يميل . والتي يداها في القيظ وشفتاها في الشغف . والتي تدق القلبَ بكعب حذائها ولا تكترث . والتي تختصر النساء َ في لثغة ٍ . والتي صدرها في معطف الريح ِ وشعرها في الفوضى . والتي كثيبها مكتنزٌ ومثمرٌ نخيلُها والتي تقيمُ في نسمة ٍ و تخبئ العاصفة . والتي تشبه سفينة نوح ٍ و تذخر الطوفان .