إن احترام الأديان، وعادات وتقاليد الشعوب ، والحريات العامة التي لا يتأتى عنها أي ضرر أو أذى بأي شكل من الأشكال، هي من أهم الأمور التي تصبو اليها البشرية السوية جمعاء، لأن الإحترام المتبادل بين جميع الفئات هو أحد أهم العوامل التي تضمن التوافق وتوحيد المصلحة في سبيل رفعة وسمو أي أمة على وجه الأرض، وهو الضمان بأن تستغل ميزة الإختلافات بين أفرادها لتعمل بوتيرة واحده لوضع لمسات الجمال والروعة على الحياة، وتنوع الثقافات وإثراء الفكر والإبداع. لكن للأسف ، فإننا نجد بأن هناك انتقادات ملحوظة لجل مظاهر الحياة من بعض الفئات التي لا تريد أن تنهض بهذه الأمة عاليا "وأرجو الإنتباه إلى أنني لا أشير لفئة بعينها بل كل الفئات التي من شأنها خلق الفرقة بين أفراد أمتنا" ويتجلى ذلك بوضوح أكبر عندما يتعلق الأمر بمواضيع ذات صلة بالإسلام. فتبدأ الإنتقادات اللاذعة والجارحة ، وتنقلب الأمور رأسا على عقب في كل أمر صغيرا كان أم كبيرا. بينما تنجو امورا كثيرة من الإشارة إلى غرابتها، أوانتقادها بالرغم من غرابتها وبعدها عن المألوف والمنطق إذا تأتت من مصدر بعيد عن الإسلام. فمثلا من المفترض أن تشوب النظرة إلى رجال الدين كل احترام وتقدير، بغض النظر عن ديانتهم إن كانت الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو غيرها، كما أنه من الواجب احترام كل ما يتعلق بأمورهم المختلفة من طريقة ملابس أو طقوس مهما بدت بالغرابة والبعد عن المألوف لبعضنا، وأن يمارس الجميع دياناتهم بحرية دون تدخل لضمان احترام الحريات العامة. ولكن للأسف لا تؤخذ الأمور في هذه الناحية بميزان العدالة ، ففي حين ينادي الجميع بالحريات العامة ينقلب الحال رأسا على عقب عند دخولها تحت ظلال الحريات الاسلامية. فالنقاب مثلا يعتبره البعض رمزا للديانة الإسلامية، وتلتزم بعض المسلمات بهذا الزي، لكن للأسف لا تسلم هذه الفئة من النساء من أبشع الصفات المقذعة التي تطلق عليهن لإرتدائه، وأصبح إختياره لسبب من الأسباب لا يدخل ضمن الحريات العامة التي ينادي بها أصحاب الحضارات والرقي ، فيتفنن الكثير بإلقاء ألقاب شنيعة عليه كالكلمات التي بتنا نحفظها من كثرة تكرارها مثال خيمة أو كيس قمامة دون أدنى مراعاة لمشاعر الملتزمات به واللاتي قد يخفين تحته أسمى وأرقى مكارم الاخلاق. فحادثة سرقة حدثت تحت غطاء النقاب لا تعني شيئا أمام الملايين ممن يفضلون اختياره كملبس يضفي عليهم الشعور بالراحة والامتثال لتعاليم دينهم، وهذا لا يعني بالضرورة أني مع أو ضد النقاب، لأن ذلك برأيي يعتبر مسألة شخصية ليس لي أن أقحم اجتهادي بها طالما لا يتأتى منها أي ضرر أو أذى لأحد. ونلاحظ أنه في نفس الوقت الذي يطلق فيها صفات السخرية على النقاب، لا أحد يبدي أي إحتجاج أو إعتراض على الملابس الدينية الأخرى التي أكن لها كل إحترام. منها مثلا الملابس التقليدية لبعض جماعات اليهود المتدينين "مع إحترامي الشديد لحرصهم على إحترام شعائرهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم". فهذه الجماعات تلبس جاكيتات سوداء طويلة، حتى لو كانت درجة الحرارة مرتفعة ، وتلبس قبعات مميزة، وتحلق شعرها بينما تطلق" السالف " الذي يلوى بطريقة معينة، و تلبس نساءهم ملابس طويلة ويغطين رؤؤسهن بأغطية تشبه الحجاب الذي تلبسه المسلمات ، مع فارق ربطه من الخلف، وأطفالهن من البنات يلبسن تنانير طويلة وتحتها جرابات سوداء غليظه. ويقوم أفراد هذه الجماعات بالصلاة بطريقتهم المعهودة بهز رؤؤسهم للأمام والخلف باستمرار، بحيث يكون منظرهم غريبا عما هو مألوف للبعض "كل الإحترام لأديانهم وعاداتهم وتقاليدهم "ولكن ما أردت قوله هو انه لو كانت هذه الممارسات الدينية إسلامية لكان الحال غير الحال كما تعلمون. وكما يعلم الجميع فإن عادات وتقاليد الشعوب تتنوع وتختلف لدرجة الغرابة أحيانا والطرافة أحيانا أخرى. فمن العادات الغير مألوفة في مجتمعاتنا بعض ما تقوم به إحدى الطوائف اليهودية. بحيث يقوم الرجل بوضع ديك على رأسه ويقوم بتحريكه بحركة دورانية على رأسه ثلاث مرات وبعدها يصلي ويقوم بذبح الديك ، وبهذا يكون الديك قد أخذ ذنوب وخطايا هذا الرجل. وتفعل السيدات الأمر نفسه ولكن يستبدلن الديك بدجاجة. ومع كل الإحترام لعاداتهم ولكن ماذا لو كان الديك اسلاميا!!؟، أو كانت الدجاجة إسلامية!!؟ ، ستتحول الطرافة حينها الى سذاجة وتخلف بمسمى الإسلام ، وغيرها من المفردات اللاذعة. وماذا عن رياضة مصارعة الثيران، التي يذهب ضحيتها كثير من الثيران ومصارعيهم ، فلو كانت هذه اللعبة تحت شعار إسلامي، لما سلمت هذه المباريات من تسميات شنيعة، وما سلمت من المحطات الفضائية التي ستتسابق حينها لنقلها على الهواء مباشرة لعرضها على انها إرهاب إسلامي ، أولعرض ما تخلفه من دماء مراقة على ايدي المسلمين في سبيل رياضة ترفيه. وماذا أيضا عن التقليعات، والموضة الغريبة التي يتهافت عليها الشباب " مع احترامي أيضا لها، لأنها تدخل ضمن الحريات العامة" والتي قد نجدها غير مقبولة في مجتمعاتنا الشرقية إسلاميا أو مسيحيا ، مثل قصات الشعر ، التي بعضها يظهر الرأس وكأنه متوج بعرف ديك مع لمسات من ألوان فاقعة من الأحمر والأخضر والأصفر. كذلك الأقراط التي توضع على كل أجزاء الجسم والتي يوضع بعضها بجانب العين أو الحاجب أو أحيانا داخل الفم على اللسان "ولا أدري كيف يمكن التحدث أو الأكل في هذه الحالة". كذلك الوشم "التاتو" الذي يلجأ البعض إلى وضعه على جميع أجزاء الجسم بما فيها الوجه الذي تختفي معالمه تماما أحيانا. كل هذه التقليعات الغريبة تأخذ مسميات الموضه والموديل والتقدم والمدنية ، بينما لو كانت من ابتكار الجانب الإسلامي فإنها بالطبع ستأخذ منحا آخر تماما، فتصبح الموضه حينها تحت مسميات أخرى مثل "قصات وأقراط البدو وتاتو التخلف الإسلامي ... وهكذا". ومن بعض الأمور التي أود الإشارة إليها في هذا الموضوع، هي إحدى التجارب الجميلة التي أتاحت لي الفرصة بمشاهدتها في أمريكا، وهي بعض الجماعات المسيحية التي يطلق عليها "الآمش ". هذه الجماعات تسكن في بعض قرى ولايات امريكا، وهذه المجموعات لا تستخدم أي شيء مصنع حديثا، كالكهرباء، السيارات، التلفزيون، الغسالات، المصانع..إلخ. فهي تعيش حياة بدائية، تستخدم الخيول والعربات للتنقل، وتستخدم الأيدي للغسيل، وتقوم بنشرالملابس المبلله على أحبال الغسيل لتجفيفها كما في بلادنا، وهذه الطريقة في تجفيف الملابس غير مألوفة في المدن الأمريكية. وتعتمد معيشتهم على الحرف البسيطة كالزراعة، والصناعات اليدوية الخفيفة، ولهذا فإن منتجاتهم الحيوانية والزراعية تكون طبيعية وصحية لأنها لا تعتمد على الكيماويات والهرمونات المصنعة. وتنتشر الفنادق على أطراف قراهم، حيث أن نمط حياتهم وعاداتهم وقراهم تعتبر معلما جميلا ومميزا للزوار، فقراهم على مستوى عال من الجمال حيث الطبيعة الخلابة النقية الخالية من مخلفات الصناعات العصرية والمدنية الحديثة. ولا شك بأنها كانت تجربة جميلة بالتعرف على هذه الجماعات الرائعة ببساطتها وتماسكها، وتمسكها بعاداتها وتقاليدها بكل فخر واعتزاز دون لحاق باي زخرف وبهرجة ومظاهر حياة حديثة، ودون ذوبان ومحو لهويتها التي تفتخر بها. قد تكون طبيعة حياة هذه الجماعات قريبة من طبيعة حياة البدو في مجتمعاتنا بفارق اختلاف الطبيعة المناخيه، فقد اختار هؤلاء البدو تلك النوعية من الحياة البسيطة ووجدوا راحتهم بها. ولكن للأسف، ففي حين تعتبر جماعات الآمش جماعات مميزه وجماعات تحترم لتمسكها بعاداتها وتقاليدها " وهذا حقيقة هو نفس شعوري الشخصي نحو هذه الجماعات" تؤلف الكتب وتتفنن المقالات بقذع ووصف بدو مجتمعاتنا بأبشع الصفات وأسوأ العبارات دون مراعاة بأنهم فئة فاضلة من مجتمعاتنا وتاريخنا. ويتناسى هؤلاء المنتقدون أن اختيار نمط معين من الحياة يدخل ضمن الحرية العامة التي يتشدق بها أصحاب الحضارة والرقي. وأن نمط أي حياة "مهما غلبت عليها البساطة" لا يعيب أصحابها. فأن سعد هؤلاء البدو بسكن خيامهم ورضوا الجمال وسيلة تنقلاتهم فهنيئا لهم بحياتهم التي اختاروها، إن كانوا لا يضرون ولا يؤذون أحدا. مما لا شك فيه بأن كل هذه الحروب والإنتقادات والتهجمات القائمة على أتفه الأسباب والتي حصرتنا في مجالات ضيقه من التفكير والإبداع والتطور ما هي إلا مخططات مدروسة وضعت لنا من قبل جماعات تأبى أن ترى اللحمة والتآخي بين أفراد أمتنا بجميع أديانها ومذاهبها وطوائفها، لأنها تعلم علم اليقين بأن اتحاد هذه الأمة سيكون قوة لا يستهان بها لصد أعدائها المتربصين بها. وقد برعت هذه الجماعات في اختيار موضع الألم لضرب الأمة ببعضها، وهو ايجاد النعرات والتشاحن بين دياناتها المقدسة. إنه حقا، لمن المحزن والمؤلم جدا لنا جميعا أن تؤؤل الأحوال بهذه الأمة إلى هذا المنعطف، الذي لا يليق بأمة بنت صرح أوطانها بكفاح كل فرد من أفرادها، دون التفات إلى دين أو مذهب أو طائفة، ما دام الجهد يصب في نهر مصلحة واحدة، إنكم تعلمون أيها الأفاضل علم اليقين، بأن من أشعل فتيل هذه الخلافات هم فئة فضلت مصلحتها الخاصة على مصلحة الجميع وكان لها ما ارادت. نرجو من الله تعالى أن تحاسب كل نفس ذاتها بما قدمته من خير أو شر لهذه الامة، وأن يتحكم الضمير في قراراتنا لتعلو مصلحة امتنا على المصلحة الشخصية، كما نتمنى من الله تعالى ان ينعم على امتنا بروح الاحترام والمودة بين جميع أفرادها بجميع اديانها وطوائفها ومذاهبها. ودمتم بألف خير ومحبة وسلام بجميع اختلافاتكم.