السيد الرئيس محمد مرسي.. اليوم.. مصر على موعد مع التاريخ، بمرحلة جديدة يرسي فيها الشعب قراره بيده وباختياره.. وأنت على موعد مع القدر، جاء بك من بين جدران السجون المظلمة الضيقة، إلى ساحات القصور الفسيحة المبهرة.. لم تدبر ولم تخطط إلى هذه المكانة الرفيعة والمسئوليات الكبيرة.. اليوم تؤدي قسم الحفاظ على الوطن ورعاية مصالح الشعب.. لن يمسك لك الشعب ورقة وقلما ولن يخط على نتيجة الحائط مواقيت تنفيذ برنامج.. نحن ندرك تماما أن الآمال والطموحات في الدعاية الانتخابية شيء.. وأن الواقع قدرات وإمكانيات.. وأن الحديث في فراغ مباح.. والأفعال في موقع المسئولية حال آخر. ولأن التعهدات والأفعال عندما تكون رئيسا سابقا، ستكون في حساب التاريخ معك أو عليك. فإن البوح بالواقع الذي عايشته وتعرفه كمواطن مصري قبل أن تكون رئيسا يقتضي التسجيل لما هو عاجل ومهم من واجبات وأولويات وتخوفات. ..الواجبات أن توفر لقمة العيش لكل جائع وفقير.. أن تجد فرصة عمل لكل مواطن.. مسكناً لكل ساكني القبور من أناس على هامش الحياة.. علاجاً ودواء لكل مريض.. أماناً لكل المواطنين في كل ربوع مصر.. أن تيسر الحياة وتوفر الخدمات.. ان يجد كل تلميذ مقعدا في مدرسته.. أن تطور تعليما أعاد مصر إلى الوراء 60 عاما.. أن تواجه الفساد، أن يحصل كل مواطن على حقه وخدماته دون أن يكون صاحب سلطة أو جاه.. ودون محسوبيات أو رشوة.. كل هذه واجبات لاجدال فيها وحقوق بديهية لكل مواطن.. نتعجل تخفيف المعاناة عن كل أسرة بعد أن عانينا من سقوط قتلى في خناقات طوابير العيش والبوتاجاز، ومحطات البنزين.. نتعجل رقابة صارمة على الأسواق والأسعار المنفلتة والأغذية الفاسدة. ..الأولويات السيد الرئيس: إذا كانت احتياجات الناس واجبات عاجلة.. فإن الأولويات من القضايا التي تفرض نفسها على استقرار مصر وتطورها الديمقراطي لا تقل أهمية لرئيس قادم لكل المصريين ويحتاج إلى جهود الجميع. المصالحة الوطنية.. لاشك أن تجربة الانتخابات الواحدة تلو الأخرى والسجال الديمقراطي بين كل التيارات والقوى الوطنية.. أدى إلى حالة من الانقسام، لم تكن بين النخبة فقط، ولكن ظهرت ملامحها قاسية بين أفراد الشعب وطوائفه في الانتخابات الرئاسية وما أحوجنا إلى المصالحة الوطنية الشاملة.. لا نريد مؤتمرات كلامية وينفض الجميع.. ولكن مطلوب حوار جاد للوصول إلى توافق وطني بين النخبة بمختلف تياراتها واتجاهاتها، ولملمة شمل الشعب الذي انقسم إلى فريقين، هذا اخواني.. وذلك فلول وطني.. وعلى الإعلام والساسة دور كبير في بث روح التوحد والتعاون.. لا إقصاء لأحد.. ولا فضل لأحد.. ولا تخوين لأحد.. الجميع أبناء مصر وطنيون مخلصون.. نحتاج إلى بناء ثقة وتفاهم، وليس وصاية وتعاليا من طرف على آخر، حتى ممن وصلوا إلى مقاعد الحكم. الهوية المصرية.. أم القضايا المصرية والمصيرية لمستقبل البلد في الوقت الراهن.. هوية مصر وشخصيتها الوسطية المتسامحة، المنفتحة على العالم.. ذات المكانة الحضارية وصاحبة التاريخ.. هذه الهوية مهددة بالخطر اليوم لأول مرة منذ الفتح الإسلامي.. نحن معرضون لتراجع للأسوأ يهدد كيان المجتمع المصري، بكل عاداته وتقاليده وطوائفه وأعراقه ونسيجه من مسلمين وأقباط.. نتعرض لمسخ في الحريات الشخصية والإبداع في الفنون والآداب.. كنا نتعامل مع بعض مظاهر المغالاة في فرض البعض لآرائهم الدينية كنوع من التطرف أو إثبات الوجود القوي لهذه التيارات.. أو تنفيس بعد سنوات من كبت رأيهم أو الزج بهم في السجون. ولكن يبدو أن الأمر أصبح فرض عين.. كثيرون كانوا يتصورون حالة من الهدوء والتوافق مع المجتمع بعد انتخاب الرئيس. ولكن ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية يؤكد عكس هذا التصور الواهم.. وأن البعض يحاولون فرض آرائهم وفكرهم ومفاهيمهم على الجميع في الدين والثقافة والفنون والسياحة والاقتصاد والتعليم وحتى الملبس والمأكل.. لسنا بلداً منغلقا ولن نكون. وسوف نحافظ على هوية مصر وسماتها الشخصية. وحرية صحافتها وإعلامها وفنونها وآدابها.. لن نقبل بمن يفتش في عقول وقلوب الناس.. ولن نسكت على من يدس أنفه في حياة الآخرين ويمس حريتهم الشخصية، فهم ليسوا أوصياء على الناس.. ولا أحد من هؤلاء مبعوث إلهي جديد.. ولا صاحب الأمر والنهي ولا مفوض من سلطات القانون وأجهزته التشريعية والتنفيذية.. دعوات اليوم تحولت من أقوال وتهديد إلى أفعال وجرائم.. متطرفون بالشرقية يقتلون شابين موسيقيين لأنهما لم يستمعا إلى النصيحة ويكفا عن العمل في الفن.. آخرون يهدمون ضريحا داخل مسجد.. وتمثالا أثريا في ميدان عام لأنه حرام.. شاب يعتدي على فتاة على شاطئ البحر لم يعجبه ما تلبس.. فماذا سنفعل مع السائح؟! ومرة أخرى نقرأ عن مشروع مقدم من جماعة الاخوان حسبما نشر دون تكذيب بتكوين جماعة "الاستقامة" لملاحقة الناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. المجتمع مهدد بكوارث ولابد من وضع قضية هوية مصر وسمات شخصية شعبها وحرياته على قائمة أولويات الرئيس وأجهزته المعاونة.. وليس أيضا بمؤتمرات كلامية أو نصح وإرشاد، ولكن بوضع رؤية محددة تحسم مثل هذه القضايا الخلافية واتخاذ إجراءات ووضع تشريعات ملزمة، حتى لا يتصور هؤلاء ان اختيار رئيس من جماعة الاخوان يمثل مظلة حماية لهم. ميليشيات الأسلحة.. حالة الاضطراب الأمني والبلطجة التي نعيشها في عز الظهر.. لا تتوقف وحالات تهريب الأسلحة الثقيلة المتطورة إلى مصر.. مستمرة.. وآلاف القطع التي تم تهريبها أو سرقتها من أقسام الشرطة خلال الثورة أصبحت تتداول وتباع علنا.. الشعب في حالة ذعر.. ولابد من مواجهة حاسمة لهذه الظاهرة.. ولابد من مصارحة لموقف الدولة الرسمي بشأن ما يشاع ويتردد عن تكوين ميليشيات مسلحة.. لأعضاء من جماعة الاخوان.. ولعدد من الأقباط.. وأبناء البدو.. حفظ الأمن في مصر مسئولية الدولة فقط ممثلة في وزارة الداخلية، وإغماض العين عن انتشار الأسلحة وتكوين الميليشيات كارثة ونذير شؤم لحرب أهلية أو مواجهة سلطات الدولة عند حدوث أي اضطرابات لاقدر الله. ..التخوفات السيد الرئيس.. التخوفات كثيرة.. استمعت إليها خلال حوارات الصحافة والتليفزيون أثناء فترة الدعاية قبل الانتخابات.. واستمعت إليها من كل طوائف الشعب التي التقيت بها بعد فوزك بثقة الشعب.. والمصريون جميعهم اليوم في حاجة إلى أن يطمئنوا لتبديد التخوفات وهي بقايا من تراكم زمن.. وبعضها استجد علينا مع بداية تجربتنا الديمقراطية الوليدة وبعد اختياركم رئيسا مرشحا عن حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين. الإخوان والرئاسة.. لن يطالبك أحد بالتخلي عن الارتباط العاطفي بجماعة الاخوان أو الانفصال الفكري عن القناعة الايديولوجية لها.. ولكن نأمل ان تكون الجماعة عونا لك وليست عبئا عليك.. وما ظهر طوال الأيام الماضية من تصريحات وآراء لأعضاء الحزب والجماعة يقلقنا.. نتفهم ذلك مؤقتا بنشوة الانتصار.. ولكن استمرار الحال هكذا لأمور من صميم عمل مؤسسة الرئاسة يحتاج إلى وقفة حاسمة.. لا خلط بين ما يخص العمل السياسي للحزب أو نشاط الجماعة وبين عمل الرئيس ومؤسسة الرئاسة إلا لمن تستعين بهم بتوصيف وظيفي.. لا فرض لفكر على حرية الإعلام.. ولا فرض لرؤية أيديولوجية على الجهاز الإداري للدولة، كما يردد البعض "أخونة" الدولة. سيادة القانون.. التخوفات على سيادة القانون.. لا تقع في قائمة التخوفات فقط، ولكنها أهم الواجبات على الرئيس.. وأهم أولويات التنفيذ.. سيادة القانون.. قوام الدولة لشعب عاش طوال حياته في ظل قوانين مهدرة وعدالة معطلة.. عشنا أنظمة سياسية.. كان فيها القانون خادما لأصحاب السلطة والحظوة، وسيفا على رقاب الغلابة.. غابت سيادة القانون في ظل هذه الأنظمة الفاسدة.. ولا يصح أن تغيب اليوم بسبب صراعات تيارات سياسية.. سيادة الرئيس أكدت في أول خطاب لك بعد إعلان فوزك على قدسية القضاء واحترام أحكامه، فما الداعي لكل هذه الضجة والجدل الذي ساد الحياة السياسية وشغل الرأي العام فيما يخص أداء اليمين.. فالقانون ينص على أنه في غياب مجلس الشعب يقوم رئيس الجمهورية بأداء اليمين أمام المحكمة الدستورية.. وهو ما رأيت أنه الصواب الذي يجب الالتزام به لتكون القدوة في احترام سيادة القانون. سيادة الرئيس.. الواجبات ثقيلة.. والأولويات مهمة وملحة.. والتخوفات منطقية.. وهي تجسيد لآمال الشعب وطموحاته في تحقيق أهداف الثورة.. عيش.. حرية.. كرامة.. عدالة اجتماعية، وسيادة القانون. نقلا عن جريدة أخبار اليوم