في المجتمع المصري، كثيرًا ما تحيط زوجة الأب بجدل اجتماعي ممتد، بين من يراها «مصدر قسوة» على أبناء زوجها، ومن يعتبرها «أمًا ثانية» تعوض غياب الأم، إلا أن الأحداث الأخيرة وضعتنا أمام صورتين متناقضتين بحدة: الأولى في"نبروه بالدقهلية"، حيث وقفت زوجة أب مثالًا للرحمة والإنسانية، تحتضن أطفال زوجها وتربيهم كأبنائها، والثانية في "دلجا بالمنيا"، حيث واجه الرأي العام صدمة بعد اتهام «هاجر» بقتل ستة أطفال أبرياء وزوجها في جريمة وُصفت بأنها واحدة من أبشع جرائم العقد. صورتان متناقضتان: نجوى.. زوجة أب رحيمة في مأساة نبروه عندما تزوجت «نجوى» من عصام عبد الفتاح، كان يعلم أنها ستكون سندًا له في تربية أطفاله الثلاثة بعد وفاة أمهم الأولى بفيروس كورونا، وبالفعل تعاملت الزوجة الثانية مع الأطفال بحنان واضح، وأكدت أسرتها أنها كانت تحبهم كأبنائها، ترعاهم وتمنحهم عطف الأم الغائبة. لكن القدر كان يخبئ لها مأساة، فحين طلبت الطلاق من زوجها لسوء معاملته، تحولت إلى ضحية جريمة بشعة، إذ شرع زوجها في قتلها ومزق جسدها بأكثر من 10 طعنات وتركها بين الحياة والموت، كما قتل الزوج أبناءه الثلاثة الذين كانوا في كنفها، ورغم النهاية المأساوية، بقيت صورة «نجوى» في الأذهان كزوجة أب كسرت الصورة النمطية، وأثبتت أن «الأمومة ليست بالإنجاب وحده».
هاجر.. الوجه الآخر في دلجا على النقيض تمامًا، خرج اسم «هاجر» من قرية دلجا بمحافظة المنيا كعنوان للرعب، زوجة أب تجردت من إنسانيتها، واتُهمت بارتكاب جريمة مروعة تمثلت في "قتل ستة أطفال" ووالدهم، وكشفت تفاصيل القضية عن دوافع انتقامية وحقد دفين، حيث وُصفت الجريمة بأنها «مذبحة» تركت القرية كلها في صدمة، وأعادت للأذهان أسوأ السيناريوهات التي قد تثيرها فكرة زوجة الأب، وفي أولى جلسات محاكمتها حكمت عليها المحكمة بالإعدام. بين الرحمة والانتقام.. صورة مهزوزة قضيتا نبروه ودلجا وضعتا المجتمع أمام سؤال صعب: هل يمكن لزوجة الأب أن تكون أمًا حقيقية؟ ففي "نبروه"، أثبتت نجوى أن الأمر ممكن، وأن التربية بالحب قد تعوض غياب الأم. وفي "دلجا"، أظهرت هاجر كيف يمكن أن يتحول الدور نفسه إلى كابوس دموي يترك خلفه جرحًا لا يلتئم. هذا التناقض الحاد كشف هشاشة النظرة المجتمعية تجاه زوجة الأب، التي تظل عالقة بين قصص حنان وإنسانية من جهة، وحكايات مأساوية وجرائم صادمة من جهة أخرى. تحليل اجتماعي ونفسي خبراء علم الاجتماع يرون أن الفارق الجوهري بين الحالتين يعود إلى طبيعة العلاقة الأسرية: ففي حالة "نجوى" كان هناك وعي بالدور الإنساني والرسالة الأخلاقية لرعاية أطفال فقدوا أمهم، ما جعلها تكسب احترام المحيطين. أما في حالة "هاجر": فقد سيطرت مشاعر الغيرة والصراع النفسي والرغبة في الانتقام، فتحولت الأمومة البديلة إلى عنف مدمر. علماء النفس يؤكدون أن غياب الدعم الأسري والضغوط الاقتصادية والاجتماعية قد يدفع بعض زوجات الآباء إلى ممارسات قاسية، لكن تحويل القسوة إلى "جريمة قتل جماعية" كما في دلجا، يخرج عن حدود الأزمات العائلية إلى «انهيار إنساني كامل». بين الأسطورة والواقع وفي نهاية الحديث، زوجة الأب ليست دائمًا «قاسية» كما صورتها الحكايات الشعبية، وليست أيضًا ملاكًا كما يتمنى البعض، إنها إنسانة تعكس شخصيتها وتربيتها وظروفها، وبين نجوى التي قدمت صورة ناصعة عن الأمومة الثانية، وهاجر التي صدمت مصر بجريمتها، يبقى الدرس الأهم أن الرحمة أو القسوة قرار إنساني قبل أن يكون دورًا اجتماعيًا. "مذبحة نبروه" لم تكن مدينة نبروه بمحافظة الدقهلية على موعد مع فجر هادئ، بل استيقظت على مأساة إنسانية هزت وجدان المصريين جميعاً، أب قرر أن يضع حداً لحياة أسرته الصغيرة بطريقة وحشية، فخنق أبناءه الثلاثة وطعن زوجته حتى الموت، قبل أن يهرب ويلقي بنفسه أسفل عجلات القطار، جريمة بشعة تجاوزت حدود العقل والرحمة، وتركت المجتمع أمام صدمة مدوية لا تزال أصداؤها تتردد حتى اللحظة. النيابة العامة تكشف تفاصيل مقتل أب وأطفاله ال 6 في دلجا أعلنت النيابة العامة أنه إلحاقًا ببيانها السابق بشأن واقعة وفاة ستة أطفال ووالدهم بمركز ديرمواس بمحافظة المنيا، فقد استكملت النيابة العامة تحقيقاتها في الواقعة. وقد وردت تقارير مصلحة الطب الشرعي والمعامل الكيميائية مؤكدة أن سبب الوفاة هو تسمم المجني عليهم بمبيد حشري شديد السُميّة يُسمى "الكلوروفينابير"، والذي يؤدي إلى انهيار التنظيم الحراري للجسم وفشل الأجهزة الحيوية حتى توقفها عن العمل، وقد وُجدت آثاره بالعينات المأخوذة من جثامين المتوفين. وفي إطار حرص النيابة العامة على كشف ملابسات الواقعة، انتقل فريق منها يرافقه خبراء السموم بمصلحة الطب الشرعي لإجراء معاينة لمحل إقامة الأب وأطفاله بمنزل الزوجة الأولى، وكذا منزل الزوجة الثانية، حيث أسفرت المعاينة وفحص العينات المأخوذة من أواني تقديم الطعام وبقايا الخبز عن احتوائها على المبيد السام المشار إليه، كما تبين وجود آثاره بمعدات الطهي وإعداد الخبز في منزل الزوجة الثانية. وعلى أثر ذلك طلبت النيابة العامة تحريات الشرطة حول الواقعة، والتي أسفرت عن قيام زوجة الأب الثانية بارتكابها. هذا، وباستجواب المتهمة أقرت بأنها قامت بإعداد بعض أرغفة الخبز ووضعت بداخل بعضها كمية من المبيد الحشري، ثم أرسلتها إلى منزل الزوجة الأولى حيث كان يقيم الأب وأطفاله، فأصيبوا تباعًا بأعراض الإعياء حتى حدثت حالات الوفاة. وقد أنكرت قصدها قتلهم عمدًا، إلا أنها اعترفت بواقعة خلط المبيد بالخبز وإرساله كيدًا بالزوجة الأولى. وعليه، أمرت النيابة العامة بحبس المتهمة أربعة أيام احتياطيًا، وجارٍ استكمال التحقيقات.