قد استفزتني هذه القصة منذ وقت طويل, وتأرجحتْ على الوتر الإنساني عندي بشكل كاد أن يقطعه, لدرجة لا أبالغ معها أنني كثيرًا ما حاولت تجنبها لشدة ما تثيره داخلي من غضب وألم, حتى غلبتُ انفعالي بعد حين وتناولتها بالتحليل. أولا القصة: نفس ما أرادوا انصرف الجميع ولم يبق إلا هما وحدهما .. بكامل ملابسهما جلسا لتناول العشاء .. هو بنهم وسرعة ..هي ببطء وحياء .. كان ينظر إليها بين الحين والآخر نظرات تزيدها حياء وتزيده شراهة في التهام الطعام.. بحركة مباغتة أمسك بالدجاجة من فخذيها بكلتي يديه وجذبهما للخارج فانفصلا , وبدا في التهامها .. نظرت إليه مذعورة .. وضعت يدها على فيها .. وأسرعت إلى الحمام لتفرغ ما في جوفها .. عندما تأخرت أتاها صوته من الردهة ساخرا : ألن تأتي ؟ أم تمضين الليلة في الحمام .. لعلك لا تحتاجين طبيبا .. رددت بشرود : طبيب .. طبيب ( نظر الطبيب إلى أمها قائلا لقد تحسنت كثيرا . الحمد لله أن جعل الشفاء على يديك يا دكتور . لم أقل أنها شُفيت . فقط قلت أنها تحسنت وحاذري أن تعرضيها إلى أي أحزان أو صدمات . لا أحزان بعد اليوم ،لم يعد هناك إلا الأفراح . أية أفراح ؟ زفافها الذي تأجل من قبل بسبب ما حدث وكاد أن يلغى لولا أنه رجل بمعنى الكلمة. إياكِ أن تجازفي بهذا الآن . ليس الآن يا دكتور . بعد أسبوعين إن شاء الله . أسبوعان ؟! ليس قبل عام ، فهي غير متوازنة نفسيا، ولن يضمن لك أحد ردود أفعالها في مثل هذه المواقف . الزواج أفضل حل لها . خاصة أنها شُفيت . قلت لك من قبل أنها لم تٌشف بعد، وأنا أدرى بحالتها . وأنا أمها وأنا أدرى بمصلحتها . لقد حذرتك وأرضيت ضميري . ) وسط نحيبها ودموعها المنسابة سمعت صوته يتعجلها : ألم يحن الوقت بعد ؟ أم تريدين أن آتي أنا ؟ لا أرجوك لا تأتي ، إني آتية لرفع المائدة. وهل هذا وقته ؟ دعيها فيما بعد . أحب أن يكون بيتي نظيفا ومرتبا ، ومنذ الليلة الأولى . إذن أسرعي . بدأت برفع أطباقه ..لم تجد من دجاجته إلا أشلاء .. مادت بها الأرض .. كادت أن تسقط .. تمالكت نفسها وأسرعت بأطباقه إلى المطبخ .. عادت لرفع أطباقها .. في طبق الحساء كانت هناك ذبابة تقاوم الغرق .. ضاق صدرها وانساب رغما عنها على وجنتيها خيطان من الدموع .. أسرعت إلى المطبخ وهي تتأمل الذبابة الغارقة بأسى .. ( لم يقل لها يوما كلمة حب واحدة ، كان ينظر إليها نظرات ملؤها الاشتهاء .. كانت بالنسبة له شيئا جميلا لا روح له ولا عقل ولا منطق .. ضاعت فترة الخطوبة بينهما في شد وجذب على شيء واحد يريده منها .. وتأباه هي .. والشرع .. والتقاليد .. سألته ذات يوم ماذا أكون بالنسبة لك ؟ أجابها شيء شهي .. دجاجة مشوية .. سمكة مقلية .. عندما أخبرت أمها ضحكت قائلة : هكذا هم الرجال يا ابنتي . ) كانت دجاجتها ترقد في الطبق كما هي لم تمس .. حملتها وربتت عليها بحنان ..أتاها صوته هذه المرة مناديا نافد الصبر وهي ترفع الأدوات .. ارتبكت .. فاصطدمت يدها بسكين .. جحظت عيناها .. ارتدت للخلف .. وجلست .. ( وضعوها على رقبتها .. كانت حادة لامعة .. شل لسانها .. بعد جهد يسير اقتادوها ) وضع يديه على كتفيها .. هبت مفزوعة .. تعالت ضحكاته وهو يدفعها دفعا للحجرة .. بعد مقاومة يائسة منها دخلت .. ويدها خلف ظهرها . ( لم تعرف عددهم على وجه التحديد حينما تكالبوا عليها وكبلوها .. كان في نظراتهم بريق غريب مخيف .. انقسموا إلى فريقين .. واحد للنصف الأيمن والآخر للأيسر .. وجذبوا .. تأوهت وصرخت .. تبادلوا أماكنهم واحدا بعد الآخر .. تعالى صراخها وسط ضحكاتهم الماجنة .. تركوها ممزقة الثوب والنفس والجسد ) اقترب منها فارتدت للخلف .. ضحك وتقدم مرة أخرى وهو ينظر إليها .. نظرت في عينيه .. صرخت .. في عينيه نفس النظرة .. إنه يريد نفس ما أرادوا .. نفس ما أرادوا .. رجعت للخلف .. اصطدمت بالجدار .. جحظت عيناها وهي تصرخ : ابتعدوا عني . ماذا ؟ ابتعدوا ؟ إني زوجك . قلت ابتعدوا لن تفعلوها مرتين يا أوغاد . أوغاد ؟ تعالي يا مجنونة . هم باحتضانها عنوة .. دفعته بيسراها بينما ظهرت يمناها من وراء ظهرها ممسكة بسكين .. ألجمت المفاجأة لسانه لحظات ثم انفجر ضاحكا : لن تستطيعين إخافتي فالليلة ليلتي . أعطني السكين . هاجمها.. طعنته .. صرخ فضحكت .. رأت أحدهم يسقط .. طعنته مرة أخرى .. صرخ فضحكت وسقط آخر.. طعنته مرة ثالثة .. سقط ثالث .. استمرت في طعنه مرات ومرات .. حتى سقطوا جميعا وسط ضحكاتها المجنونة . حسام القاضي ثانيا القراءة: العمل كالدائرة له عدد لا محدود من النقاط التي يمكن أن يدخل منها الناقد إليه ليبحث عن نقطة التنوير فيه, وهنا كانت الاختلاجات النفسية لبطلة القص هي النقطة التي أصابتني بشرارة أدخلتني إلى قلب التنوير في العمل. "نفس ما أرادوا" العنوان جاء بأسلوب خبري لكنه مبهم استفز المتلقي وخلق عنده حالة تساؤلية, أخذت بتلابيبه إلى داخل العمل. أحيانًا تكون المباشرة قاتلة وأحيانًا تكون كوة النور التي تضيء للمتلقي كهف العمل فيبدأ بالنظر. توجت المباشرة مدخل العمل والفاتحة التمهيدية له فجملته, وجاءت التضادية في الصفات وردود الأفعال لكلٍ من بطلي القص.. موضحة أو بالأحرى فاضحة لعالمين داخليين وآخرين خارجيين لكلٍ منهما, لتتنازع العوالم الأربعة مع الحدود الزمنية الفائتة والحالية للقص. "انصرف الجميع ولم يبق إلا هما وحدهما.. بكامل ملابسهما جلسا لتناول العشاء .. هو بنهم وسرعة ..هي ببطء وحياء .. كان ينظر إليها بين الحين والآخر نظرات تزيدها حياء وتزيده شراهة في التهام الطعام .. بحركة مباغتة أمسك بالدجاجة من فخذيها بكلتي يديه وجذبهما للخارج فانفصلا , وبدا في التهامها .. نظرت إليه مذعورة .. وضعت يدها على فيها .. وأسرعت إلى الحمام لتفرغ ما في جوفها .." هنا المكان واحد والزمان واحد وهو الحاضر لكلٍ من بطلي القص. الفقرة تلقي بالضوء على عالم خارجي للزوج ممثلًا في الجانب الشره المنعكس من النظرات المعوجة والتهام الطعام بطريقة غير سوية, وأيضًا تنير شمعة في عالم داخلي مرتكز على شهوانية حيوانية انعكست على السرعة الزمنية التي تناول بها الزوج طعامه, وارتدت بأشعة قاتلة على عالم البطلة الداخلي عندما مزق فخذي الدجاجة بوحشية وبدأ في الالتهام. كان هذا الفعل الحيواني بمثابة الضربة التي كسرت قيد وحش حبيس داخل البطلة فبدأ أول تحرره لخارج البطلة والتي استجابت لذلك بالهروب والغثيان. كانت هذه اللقطة -التي أبدع فيها القاص حد منتهى الذكاء- بحيث لا أبالغ عندما أقول أنها كانت عقدة الحبك وفنيته الأساسية والصارخة على الإطلاق. اللقطة جاءت ثلاثية الأبعاد من الحرفنة؛ أول بعد يتمثل في أن مرأى دجاجة تمزق – بغض الطرفِ عن طريقة تمزيقها- قد لا يعكس رد فعل البطلة الملفت بنفسه ولا بعينه عند غيرها, مما يعطي للقارئ ملمحًا بأن هذا السلوك قد ألقى داخل عالم البطلة المظلم ما وتر سطح اللاشعور عندها بعنف. ثاني بعد يتمثل في طريقة الوصف لأسلوب القاص والتي وضعتنا أمام شاشة مرئية للمشهد. ثالث بعد وهو الأروع على الإطلاق وهو تحديد مكان التمزيق في الدجاجة والفصل باليد لفخذيها من ثم الالتهام, في إشارة رائعة... رائعة لمسقط جسدي يحدد مكان الاغتصاب الحقيقي لدى البطلة. "عندما تأخرت أتاها صوته من الردهة ساخرا : ألن تأتي ؟ أم تمضين الليلة في الحمام .. لعلك لا تحتاجين طبيبا .. رددت بشرود : طبيب .. طبيب ( نظر الطبيب إلى أمها قائلا لقد تحسنت كثيرا . الحمد لله أن جعل الشفاء على يديك يا دكتور . لم أقل أنها شُفيت . فقط قلت أنها تحسنت وحاذري أن تعرضيها إلى أحزان أو صدمات . لا أحزان بعد اليوم ،لم يعد هناك إلا الأفراح . أية أفراح ؟ زفافها الذي تأجل من قبل بسبب ما حدث وكاد أن يلغى لولا أنه رجل بمعنى الكلمة. إياكِ أن تجازفي بهذا الآن . ليس الآن يا دكتور . بعد أسبوعين إن شاء الله . أسبوعان ؟! ليس قبل عام ، فهي غير متوازنة نفسيا، ولن يضمن لك أحد ردود أفعالها في مثل هذه المواقف . الزواج أفضل حل لها . خاصة أنها شُفيت . قلت لك من قبل أنها لم تٌشف بعد، وأنا أدرى بحالتها . وأنا أمها وأنا أدرى بمصلحتها. لقد حذرتك وأرضيت ضميري .)" حصاة أخرى يلقيها الزوج بيدِ سخريته وبلادته في هذا اليوم الحساس للغاية والذي يستدعي من الزوج غاية الإكرام والعطف والحنو والاحتواء بالمرأة. هذه الحصاة أصابت بعنف حائط زمني قديم كان من الضعف- وهو ما نوه عنه طبيبها وحذر منه- بحيث بدأ في التشقق فورا مستدعيًا حوارات نفسية قديمة بين الأم والطبيب, وهذه الحوارات طالت وكان يمكن اختزالها بصورة أكبر , ومع ذلك فقلب الحبك لم يتأثر كثيرًا بتلك الإطالة! "وسط نحيبها ودموعها المنسابة سمعت صوته يتعجلها : ألم يحن الوقت بعد ؟ أم تريدين أن آتي أنا ؟ لا أرجوك لا تأتي ، إني آتية لرفع المائدة. وهل هذا وقته ؟ دعيها فيما بعد . أحب أن يكون بيتي نظيفا ومرتبا ، ومنذ الليلة الأولى . إذن أسرعي ." دائمًا وخلال الخيط الحبكي في هذا العمل المؤثرات الصوتية والسلوكية للبطل هي لسعة السوط التي تحرك مشاعر البطلة بين الماضي والحاضر وهي في ذات الحين الوهم الذي يُمنطق الحالة اللاشعورية لديها ويعيد تشكيلها بردود فعل شعورية انتكاسية عنيفة. فصوته المتعجل الفج المأهول بعدم الحنان و المنسكب في لهجة ساخرة هو ما غمس مشاعر البطلة في وحل الماضي وهو نفسه ما أعادها إلى حالة في الحاضر أشد وحلًا. "بدأت برفع أطباقه ..لم تجد من دجاجته إلا أشلاء .. مادت بها الأرض .. كادت أن تسقط .. تمالكت نفسها وأسرعت بأطباقه إلى المطبخ .. عادت لرفع أطباقها .. في طبق الحساء كانت هناك ذبابة تقاوم الغرق .. ضاق صدرها وانساب رغما عنها على وجنتيها خيطان من الدموع .. أسرعت إلى المطبخ وهي تتأمل الذبابة الغارقة بأسى .. " النقطة الحبكية الثانية البديعة والتي أفرزها الكاتب ببراعة ممثلًا إياها في بقايا الدجاجة التي أضاف إليها لفظية وصفية للبدن وهي " أشلاء" كدلالة ومغزى, ثم في الذبابة التي تقاوم الغرق. أما عن الأولى فهي توليفة دلالية وانعكاس عن حالة زمنية فائتة أُفرزت داخل الحالة اللاشعورية للبطلة وزجت بها في بعد زمني مسبق وحالة واقعية مأساوية تعرضت لها قبلًا. وأما عن الثانية فهي رؤية تأويلية وتخيلية لحالة زمنية مستقبلية ؛ استجلبها خيال حاضر البطلة المُستفز بقسوة من ماهية الزوج الحيوانية , ومعبرًا عن نهاية مستقبلية رسمها نفس الخيال لصاحبته نفسها في تكميلية لذاك التخيل. فما تبقى من أشلاء الدجاجة هو في الحقيقة إسقاط في خيالها لما تبقى من أشلاءها قديمًا, ومصير الذبابة الغارقة هو في ذات الحين ذات المصير القادم في تكملة لحال غرق البطلة الحتمي في لاوعيها. "(لم يقل لها يوما كلمة حب واحدة ، كان ينظر إليها نظرات ملؤها الاشتهاء .. كانت بالنسبة له شيئا جميلا لا روح له ولا عقل ولا منطق .. ضاعت فترة الخطوبة بينهما في شد وجذب على شيء واحد يريده منها .. وتأباه هي .. والشرع .. والتقاليد .. سألته ذات يوم ماذا أكون بالنسبة لك ؟ أجابها شيء شهي .. دجاجة مشوية .. سمكة مقلية .. عندما أخبرت أمها ضحكت قائلة : هكذا هم الرجال يا ابنتي) . " ما زال القاص يمارس لعبته المتقنة في الدوران في دائرة الزمن بين الماضي والحاضر, لا بقصد المباغتة ولكن بقصد التنوير, كي يلعب هذه المرة على الوتر التخيلي والتعاطفي للمتلقي. "كانت دجاجتها ترقد في الطبق كما هي لم تمس .. حملتها وربتت عليها بحنان .." في هذا السطر الحنون طرفٌ ثالث خفي غاب عن ذهن المتلقي في خوض إبحاره في بحر القص النفسي المتواتر فتناسى دجاجتها هي التي لم تمس.. وهنا إخراج آخر مبدع للقاص وهو يفرغ ما في نفسية البطلة في لحظة قصيرة خاطفة لكنها حبلى بالحنان لتلك الدجاجة وهي تربت عليها بحنو, وهو إسقاط آخر لخيال البطلة المجني عليه عن حالتها هي. هي في خيالها تربت على نفسها الجديدة المتولدة في حالة غير طبيعية من التناقضات المتولدة والمخزونة في اللاوعي عندها, فتعدها- بل تعد نفسها– بأنها الآن.. والآن فقط في مأمن. "أتاها صوته هذه المرة مناديا نافد الصبر وهي ترفع الأدوات .. ارتبكت .. فاصطدمت يدها بسكين .. جحظت عيناها .. ارتدت للخلف .. وجلست .. ( وضعوها على رقبتها .. كانت حادة لامعة .. شل لسانها .. بعد جهد يسير اقتادوها ) وضع يديه على كتفيها .. هبت مفزوعة .. تعالت ضحكاته وهو يدفعها دفعا للحجرة .. بعد مقاومة يائسة منها دخلت .. ويدها خلف ظهرها . ( لم تعرف عددهم على وجه التحديد حينما تكالبوا عليها وكبلوها .. كان في نظراتهم بريق غريب مخيف .. انقسموا إلى فريقين .. واحد للنصف الأيمن والآخر للأيسر .. وجذبوا .. تأوهت وصرخت .. تبادلوا أماكنهم واحدا بعد الآخر .. تعالى صراخها وسط ضحكاتهم الماجنة .. تركوها ممزقة ..... والنفس و.... ) اقترب منها فارتدت للخلف .. ضحك وتقدم مرة أخرى وهو ينظر إليها .. نظرت في عينيه .. صرخت .. في عينيه نفس النظرة .. إنه يريد نفس ما أرادوا .. نفس ما أرادوا .. رجعت للخلف .. اصطدمت بالجدار .. جحظت عيناها وهي تصرخ : ابتعدوا عني . ماذا ؟ ابتعدوا ؟ إني زوجك . قلت ابتعدوا لن تفعلوها مرتين يا أوغاد . أوغاد ؟ تعالي يا مجنونة . هم باحتضانها عنوة .. دفعته بيسراها بينما ظهرت يمناها من وراء ظهرها ممسكة بسكين ..ألجمت المفاجأة لسانه لحظات ثم انفجر ضاحكا : لن تستطيعين إخافتي فالليلة ليلتي . أعطني السكين . هاجمها.. طعنته .. صرخ فضحكت .. رأت أحدهم يسقط .. طعنته مرة أخرى .. صرخ فضحكت وسقط آخر.. طعنته مرة ثالثة .. سقط ثالث .. استمرت في طعنه مرات ومرات .. حتى سقطوا جميعا وسط ضحكاتها المجنونة ". مرة أخرى يأتي المؤثر الصوتي للزوج- وهو باعث الإفاقة-النفسي للبطلة ومؤرجحها على حبل عوالمها الزمنية الثلاثة ؛ الحاضر والماضي والمستقبل, ليخرجها من حالة مستقبلية ويقذف بها في حالة حاضر من ثم فورًا في حالة ماضي وفي سردية تامة لكنها وحشية الوقع لما أوضحت من وحشية سلوكية- تعجبتُ لها لما نوه عنه كلام الأم مع الطبيب عن معرفة الزوج بحالة الاغتصاب السابقة. إذن الكاتب يسير بنا عبر الزمن في حالة من الالتحام بين الماضي والحاضر انعكس في التشابهية والتماثلية السلوكية لكلٍ من حاملي خنجر الاغتصاب في الماضي – المغتصبون, وحامله في الحاضر – الزوج, فينفجر بذلكَ بركان ثورة كبتها في عنف مكتسحًا الماضي بالحاضر , فتختلط الرؤيا لدى البطلة تحت خضم هذا التواتر الرهيب فتقوم برد فعل طبيعي موازيًا وهو الدفاع عن نفسها ممن اغتصبوها في الماضي مسقطة دفاعها واقعيًا في شخص من يحاول اغتصابها في الحاضر- باسم الزواج- بطعناتٍ لها عدد ليس صدفة وإنما محسوب في عقلها بعدد مَن اغتصبوها, كل طعنة تمثل مغتصبًا, ولا تتوقف الطعنات إلا بانتهاء العدد. لا يمكن أن ندعي أن القاص باغتنا بالنهاية فقد كانت متوقعة في خضم معاناة البطلة ومنوه عنها من القاص في تعبيراته الوصفية السردية والخبرية والتي عرت في عنف ماهية وكينونة الحالات النفسية وتقاطعها مع الأبعاد الزمنية لدى البطلة, ووصفت في ذات الوقت وفي تقريرية مؤثرة وحشية شريعة الغاب التي اتخذها أشباه البشر في تعاملاتهم وسلوكياتهم مع تلك المرأة؛ سواءً في الماضي بمخالب ذئاب البشر, أو في الحاضر بمخالب بهائم البشر. في النهاية الكاتب يعبر عن حالة إنسانية بمكونات خارجية ظاهرية وداخلية خفية مستخدما براعة تنقلية عبر مستويات الزمن الثلاثة بالتقاطع مع محور هام من المكانية الواقعية ليدخلنا في دوامة دائرة قطرها ملمح ذاتي إنساني يبثه الكاتب في شكل نصح وتحذير, ونصف قطرها ملمح إنساني للحالة الرقيقة الهشة المتمثلة في المرأة والتي تعرضت للتهشيم الظالم, ليعطينا في النهاية مساحة للدائرة هي الإبداع, ومحيطًا لها هو غاية تعاطف المتلقي مع القضية. ..... أنا- مع غضبي الشديد- لا يمكنني بحال أن أسقط نفسي في بركة التعميم فأسقط تلك الحالة البهائمية على كل الرجال فمنهم الكثير ممن يحملون الرحمة والخوف من الله نبراسين في قلوبهم, لكنني أخص بالتحقير الشديد هؤلاء الذين باعوا إنسانيتهم لشيطان شهواتهم وأهواءهم, وأقول لهم اعلموا أن الله أعطاك ثقة وأمانة القوامة, أي الحماية والحراسة لهذا المخلوق الحساس, فلا تظن – يا من أنت منهم- أن القوامة أفضلية تميزك عنها فتشطط, لتضعها بيد شططكَ في درجة دنيا, لكن افهم – هداك الله- أن الكنز الثمين فقط هو من يُحرس ويُحمى. وفي السياق أسوق لكَ حديثين فقط من أحاديثٍ كثر عن معلم البشرية الأحمد صلوات ربي عليه وتسليماته : الأول عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤتى بالإناء فأشرب منه وأنا حائض ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في"1. الثاني: عن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل شيء ليس فيه ذكر الله فهو [لغو] وسهو ولعب إلا أربع [خصال]: ملاعبة الرجل امرأته وتأديب الرجل فرسه ومشيه بين الغرضين2 وتعليم الرجل السباحة"3. *الجامع الميسر لمؤلفات الشيخ محمد ناصر الدين الألباني 1 -أخرجه مسلم 1/168 – 169 وأحمد 6/62 وغيرهما. 2 -تثنية "غرض" وهو الهدف. 3 -أخرجه النسائي في عشرة النساء ق 74/2, الشكر لا يفيكَ حق لفت الأنظار إلى هذه القضية – أخي الأستاذ حسام القاضي- بهذا التعاطف الإنساني النبيل, والعذر أسوقه في أنني أحببت – لكن يقيدني انشغالي الشديد- لو أخرجت آلاف الصفحات في تحليلي لهذه الحالة الهشة هشاشية أوراق الخريف والرقيقة رقة النسيم,حسبها وحسبنا الله. وأعقب أخيرًا لكَ- يا من أنت على شطط- أو لغيرك, وأرضي ضميري, وأشهد الله أنني نصحتكَ يومًا: اعلم يرحمكَ الله- أنكَ على شفا حفرةٍ من النار, وإنه آتٍ يومٌ لا قبل لأحد بوصفه؛ يوم الفزع الأكبر الذي فيه يدعو حتى الرسل والأنبياء أنفسهم : يارب سلم.. سلم ..! فسَّلم بناتِ خلق الله... يُسلمكَ الله !!!