ومرة أخرى أشارك حراس جيوس الخضراء وأسودها من متطوعي لجنة طوارئ بلدية جيوس ليلة من الليالي الباردة والمعتمة، حيث يعملون بصمت وبدون استعراض على مدار الأربعة وعشرون ساعة لحماية جيوس وخدمتها في ظل هذا البلاء والابتلاء والجائحة العالمية المسماة كورونا، متطوعين بلا مقابل ولا أجر وشعارهم الآية الكريمة: (إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد)، فخرجت في الليل مع صديقي أبو أسيد “سامح سمحة” في سيارته الخاصة، وهو نائب رئيس البلدية أيضا ومن العاملين باستمرار حتى الفجر كل ليلة لمتابعة أوضاع البلدة والشباب المتطوع وخدمة البلدة.من جيوس كنا نتجه عبر الطرق الزراعية باتجاه منطقة يوبك والتي تضم البئر الأساس في توفير المياه للبلدة وسقاية المنطقة المحيطة بالبئر من الأراضي الزراعية، وقد فوجئت أن البلدية عملت عبر الفترة الماضية على مشروع انارة الأراضي الزراعية، وهو لم يكن في شتاء العام الماضي، فعادة أحضر إلى جيوس كل عام منذ عدة سنوات من عمَّان لقضاء الشتاء وقسم من الربيع في أحضان جيوس بلدتي حيث الجمال والطبيعة والهواء النقي والهدوء، وهذه الأجواء هي التي أحتاجها ككاتب للتفرغ لانجاز كتبي، فسعدت بهذا الإنجاز الرائع، وسعدت بنصب جميل مضاء يحمل عمودا مضاء بألوان العلم الفلسطيني وخارطة حجرية لفلسطين تحمل عبارة محمود درويش: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة” وتاريخ تدشين النصب ومشروع كهرباء يوبك في 1/1/2020 في عهد رئيس البلدية الحالي ناظم سليم، على رأس تلة حيث الطريق الى خربة يوبك الأثرية والتي سعدت أني كنت اول من ينتبه ويكتشف ويوثق بها دير بيزنطي، حيث كانت كل المعلومات تشير أنها تعود للعهد المملوكي فقط وحملت اسم يوبك نسبة للأمير المملوكي عز الدين أيبك، وطريق آخر باتجاه بيارات وأراض زراعية.جلنا كل المنطقة وارتحنا قليلا في ساحة بئر يوبك وخلال ذلك مرت سيارة البلدية وبها رئيس البلدية يقوم بالتجوال في المنطقة أيضا، فقد سبق بليلة أن الاحتلال فتح بوابات العبور ليلا وأدخل العمال إلى الأرض ليعودوا لبيوتهم قبل أن يتم اجراء الفحوصات لهم والتأكد من سلامتهم من الوباء الذي ينتشر بين اليهود بقوة وخاصة المتدينين منهم والمستوطنات، ولذا لا يريدون أن ينفذوا ما تم الاتفاق عليه أن يخضع كل العمال للفحوصات وأن لا يعودوا بدون تنسيق مسبق كي يتم اجراء اللازم لهم، بهدف نشر الوباء في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م.إن وعي الشباب المتطوع وتفانيهم لعب دورا كبيرا حتى الآن في حماية البلدة، والبلدية بدورها قامت منذ البدايات بإغلاق كل الطرق الواصلة لجيوس بالصخور كي تحصر الدخول بالمدخل الرئيس للبلدة حيث وكني الصغير في البلدة، وبعد أن أنهينا الجولة اتجهنا لمنطقة طريق النبي الياس حيث اقام المتطوعون خيمة ليراقبوا هذا الطريق المهم والمنعزل، وقامت البلدية بإغلاق الشارع بالصخور لمنع اية محاولة للدخول بسيارة للمنطقة، والجدير بذكره ان الشباب المتطوع تمكنوا من القبض على 3 تجار للمخدرات وسلموهم للجهات المختصة في هذه المنطقة. أهالي البلدة من جانبهم يقومون بتوفير الطعام والحلويات للشباب تعبيرا عن تقدير جيوس وأهلها لدورهم، وحقيقة شعرت كم هم رائعون حيث لا يكفون عن حماية البلدة ليل ونهار رغم البرد القارص الذي كان يجتاح المنطقة، حتى أني رغم ارتدائي ملابس دافئة كنت أشعر بقسوة البرد فلجأت للجلوس بجانب الحطب المشتعل لأكسب بعض من الدفء وللتعرف إلى الشباب، وفي كل المناطق التي جلناها كانت عدستي ترافقني وتوثق الحدث والجمال، فوقفت قبل نهاية الجولة على التلة أنظر للطبيعة الخلابة رغم الليل وأهمس لجيوس: يا حورية الشمال وساحرتها.. كم أحبك إلى درجة العشق، وأتذكر ابيات من الشعر للشاعرة رفعة يونس ابنة سلواد الإباء تقول فيها في قصيدة جميلة تصف فيها الربيع في البداية ثم الوباء الكوروني ومن ثم الأمل بالفرج:(على مهل …يأتينا وجه الربيع ويسري كهفهفة الريح ينفي جائحة …قد حلت من دفتر الغيب ومن وجع الذكرى يأتينا يسرج مهر الحكايا في خلد الأحفاد).. فاهمس سلام يا جيوس عليك مع قرب آذان الفجر، سلام لسواعدك السمراء وحراس الليل كما أسود الغابات تحميها.”جيوس 13/4/2020″